خطاب المسؤولية ..في مستوى الانتظارات
وضع جلالة الملك الاصبع على جروح عديدة، تعيق التنمية، وتحرم المواطن من الخدمات الاجتماعية، وتقف في وجه إنجاز المشاريع … فبكل صراحة وانتقاد، أبرز جلالته في خطاب الذكرى الثامنة عشرة للعرش، مكامن الخلل، التي تجعل مغربا ينشد التقدم، يعاني من أعطاب ضحيتها الأولى هذا المواطن، محور كل تنمية وصميم كل مبادرة.
كان خطابا قويا في مستوى انتظارات المرحلة، تحدث فيه جلالة الملك عن الراهن والمستقبل بتشخيص واقعي وجريء . وأبرز جلالته أن هناك مستوييْن رئيسييْن هما الادارة والمسؤولون إداريين كانوا أم سياسيين .
فالإدارة، تعاني من عطب الحكامة، وضعف الأداء، بل بطريقة اشتغالها، تعرقل الاستثمار، وتقف حجرا عثرة في وجه المستثمرين . والموظفون العموميون، لا يتوفر العديد منهم على ما يكفي من الكفاءة، ولا على الطموح اللازم ، ولا تحركهم دائما روح المسؤولية، بل لا يهم الكثيرين منهم سوى أجرهم الشهري وامتيازاتهم ودون ذلك، يزجون به في الإهمال واللامبالاة .
والعديد من السياسيين، كانوا نخب أحزاب أو منتخبين، تخلوا عن مهامهم التي هي مبرر وجود هيئاتهم الحزبية، أو التي ينص عليها الدستور …»إن بعض الأحزاب تعتقد أن عملها يقتصر فقط على عقد مؤتمراتها، واجتماع مكاتبها السياسية، ولجانها التنفيذية، أو خلال الحملات الانتخابية،أما عندما يتعلق الأمر بالتواصل مع المواطنين، وحل مشاكلهم، فلا دور ولا وجود لها. وهذا شيء غير مقبول، من هيئات مهمتها تمثيل وتأطير المواطنين، وخدمة مصالحهم».
لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. هكذا شدد جلالة الملك في خطابه الذي ألقاه من القصر الملكي بتطوان . حان الوقت للتطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة. حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدأ، «فكما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب أن يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة(…)إننا في مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسؤول والمواطن في حقوق وواجبات المواطنة، ولا مجال فيها للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب». «وما معنى المسؤولية إذا غاب عن صاحبها أبسط شروطها، وهو الإنصات إلى انشغالات المواطنين ؟» .
إن غياب المحاسبة له تداعيات عدة، أبرزها استشراء الفساد، وضعف الشعور بالمواطنة، وعزوف الشباب عن الانتخابات . إن الافلات من العقاب الذي يتيحه غياب المحاسبة، يشجع على التمادي في استغلال النفوذ، وتبذير زمن التنمية، والوقوف في وجه المشاريع التي تستهدف المواطن والمناطق للرفع من الخدمات والبنيات …إن «هذه التصرفات والاختلالات، هي التي تزكي الفكرة السائدة لدى عموم المغاربة، بأن التسابق على المناصب، هو بغرض الاستفادة من الريع، واستغلال السلطة والنفوذ».
ودون شك، فإن تفعيل هذا المبدأ، سيدشن لمرحلة جديدة، تجعل المسؤول أي مسؤول، حريصا على أداء مهامه، بكل مواظبة ومواطنة، حتى لا تستمر تلك المفارقة الصارخة التي أشار إليها جلالة الملك، والتي يصب فهمها أو القبول بها .»فبقدر ما يحظى به المغرب من مصداقية، قاريا ودوليا، ومن تقدير شركائنا ، وثقة كبار المستثمرين ، بقدر ما تصدمنا الحصيلة والواقع، بتواضع الإنجازات في بعض المجالات الاجتماعية، حتى أصبح من المخجل أن يقال إنها تقع في مغرب اليوم».
إنه خطاب تاريخي إذن، يدشن لمرحلة جديدة ، تشكل المحاسبة فيها حجر الزاوية . وإصلاح أعطاب الإدارة وعنصرها البشري، مدخلها الرئيسي . وقيام الأحزاب السياسية بمهامها، بكل مسؤولية،ودونما حسابات ضيقة أو تقديم خدمات تحت الطلب، شرطٌ من شروط دعم هذه المرحلة.