المضمر والصريح في خطاب العرش حول حراك الريف

*الحسن زلفون

مما لا شك فيه أنه منذ سنة 2011 لميلاد احتجاجات الربيع العربي، تبين عمق تعمق الأنظمة السياسة الشمولية، إذ لم تنجح الثورات العربية في تحقيق غاية التغيير لتثبيت دولة المؤسسات والعدل والحرية والمساواة والكرامة (…)، بقدر ما عمل على ميلاد خريف عربي أحبط عزيمة التغيير لدى العديد من القوى الحية العربية، ولعل أبرز نموذج ارتسم مع الانقلاب العسكري المصري، على الرئيس المنتخب محمد مرسي.
غير أن النموذج المغربي في هذا المسار منذ مظاهرات حركة 20 فبراير، كان فيه التعاطي الشعبي للإحتجاجات بالتزام شعار السلمية واستنكار الشغب والعنف السياسي، وهو ما رفعه منذ البداية نشطاء الحراك بالحسيمة بشهادات محسوبة على ممثلي الدولة المغربية منذ حدث «الحكرة» لسماك الحسيمة مع المرحوم «محسن فكري».
تأجج الحراك الريفي وتطور، بتراكم الاعتقالات لأبرز نشطائه، وبتعنيف المتظاهرين في كثير من المرات، وانغلق الأفق في العديد من محاولات تهدئته، لتشرأب الأعناق لعاهل البلاد بالتدخل، وكان خطاب العرش السابق لموعده يوم السبت 29 يوليوز 2017، في هذه الظرفية منتظرا لتناول احتجاجات الحسيمة والمظاهرات الداعمة لها بمختلف ربوع المملكة، حيث تم استحضار الحسيمة وحراكها بين ثناياه، حضورا صريحا، وآخرا مطويا بين أسطر الخطاب، تناولا يعالج القضية ويعطي مقاربة القصر للحراك، بداية من سرد المحيط العام لولادته، قبل ضمه الصريح بالنص وآفاق معالجته.
الحسيمة والاستحضار المضمر بخطاب العرش:

الخطاب الملكي لعيد العرش كالعادة مناسبة سنوية لتجديد روابط البيعة المتبادلة التي تجمع عاهل البلاد بالمغاربة، والوقوف على أحوال الأمة، وباستحضار هذا الحال مع الحراك الريفي في الخطاب الملكي، يثار سؤال: ما مدى حضور القضية بالخطاب؟.
فأكيد أن الحسيمة ومطالب نشطائها ما كانت لتطفو لولا القصور الذي اعترى تدبير برامج التنمية البشرية والترابية، «التي لها تأثير مباشر على تحسين ظروف عيش المواطنين، لا تشرفنا، وتبقى دون طموحنا» بتعبير محمد السادس، رغم النجاح الملحوظ في بعض المخططات القطاعية. كما ربط ذلك أساسا في «ضعف العمل المشترك، وغياب البعد الوطني والإستراتيجي، والتنافر بدل التناسق والالتقائية، والتبخيس والتماطل، بدل المبادرة والعمل الملموس»، وهي كلها عوال جعلت من الإدارة العمومية ضعيفة مقارنة بنظيرتها في القطاع الخاص في الجودة والكفاءة في الأداء كما بينه الخطاب.
غير أن هذا الطرح الملكي في رصد مسببات الهشاشة الإجتماعية وطنيا، هي محركة الحراك الحسيمي بلا جدل، انساق لمعالجتها نص الخطاب بالإشارة القوية بعدم وجود الخصوصية والاستثناء والتميز في التعاطي معها، «فالمشاريع التنموية والإصلاحات… لها هدف واحد، هو خدمة المواطن… لا فرق بين الشمال والجنوب، ولا بين الشرق والغرب…»، غير أن «المناطق التي تفتقر لمعظم المرافق والخدمات الصحية والتعليمية والثقافية، ولفرص الشغل، تطرح صعوبات أكبر، وتحتاج إلى المزيد من تضافر الجهود، لتدارك التأخير والخصاص، لإلحاقها بركب التنمية». بل أكثر من ذلك قوة بالتلميح، كان من خلال الإشارة بالحظوة الجهوية التي تنتمي إليها الحسيمة، على اعتبار الحسيمة من المكون الثلاثي لجهة طنجة تطوان الحسيمة، «… فإن الجهات التي تعرف نشاطا مكثفا للقطاع الخاص، كالدار البيضاء والرباط ومراكش وطنجة، تعيش على وقع حركية اقتصادية قوية، توفر الثروة وفرص الشغل»،

الصريح من الخطاب الملكي حول حراك حراك الريف:

سلاسة وانسيابية نص الخطاب من بدايته إلى غاية منعرج الحسيمة، لا يمكن فصل كلماته عن مجريات ما يقع في هذه المدينة، وهو ما سبق بيانه، فقد تعمد جلالته التوطئة والتمهيد للموضوع بشكل يبعد أي استثاء مجالي في العزم الملكي على استمرارية إنزال البرامج التنموية المسطرة لمعالجة قضايا التهميش والإقصاء الإجتماعي، الذي يعانيه المواطن المغربي بشكل عام، ومنه الحسيمي المحتج، فالملك اعتبر صراحة أن الساسة والمسؤولين وطنيا ومحليا عاجزين أمام الإلحاح الشعبي في مطالبتهم بحل مشاكلهم، نظرا لطغيان الصراع الحزبي والسياسي، وفي غياب تام لروح المسؤولية والشرف والصدق… «عن قصد وسبق إصرار أحيانا، وبسبب انعدام المصداقية والغيرة الوطنية أحيانا أخرى، قد زاد من تأزيم الأوضاع».
«وأمام هذا الفراغ المؤسف والخطير، وجدت القوات العمومية نفسها وجها لوجه مع الساكنة ، فتحملت مسؤوليتها بكل شجاعة وصبر، وضبط للنفس، والتزام بالقانون في الحفاظ على الأمن والاستقرار. وهنا أقصد الحسيمة، رغم أن ما وقع يمكن أن ينطبق على أي منطقة أخرى»، فكما هو جلي من الفقرة الوحيدة التي أشارت لأحداث الحسيمة، لا يمكن فصلها عما سلف من نص الخطاب، ورغم تأكيد جلالته في نهايتها « أن ما وقع يمكن أن ينطبق على أي منطقة أخرى»، ويمكننا التأكيد على ذلك من خلال بقية الخطاب في طرحه لآليات حل اشكالية الحسيمة وأشباهها.

المقاربة الملكية في علاج القضية:

بعد الخوض في حيثيات اندلاع أزمة الحسيمة في سياقها العام، جاء الخطاب مقرا أن المقاربة الأمنية ليست معالجة للأزمة، بقدر ما أنها التزام ثابت في «تطبيق القانون، واحترام المؤسسات، وضمان أمن المواطنين وصيانة ممتلكاتهم»، ومنوها في ذات الصدد بمجهوداتهم. غير أن هذا لا يعني تجاهل عاهل البلاد لمطالب المحتجين، ويمكن استقراء ذلك من قوله: «وأعاهدك الله، على مواصلة العمل الصادق، وعلى التجاوب مع مطالبك، ولتحقيق تطلعاتك».
من البديهي أن حل اشكالية حراك الريف لا يمكن تحقيقها إلا بتجاوز التعاطي الأمني إلى ما هو موضوعي يعالجها من العمق، وإذا تأملنا كلمات الخطاب الملكي وخاصة في جزئه الأخير، نجده يقدم مقاربة أخلاقية أكثر منها إجرائية، على اعتبار أن الفساد الأخلاقي سيفرغ أي برامج تنموية من محتواها، إذ قال: «إننا نستطيع أن نضع أنجع نموذج تنموي، وأحسن المخططات والاستراتيجيات. إلا أنه بدون تغيير العقليات، وبدون توفر الإدارة على أفضل الأطر، وبدون اختيار الأحزاب السياسية لأحسن النخب المؤهلة لتدبير الشان العام، وفي غياب روح المسؤولية ، والالتزام الوطني، فإننا لن نحقق ما ننشده لجميع المغاربة، من عيش حر كريم»…
ختم إلقاء نص الخطاب صلة بموضوعنا، كان قائما على استمرارية الأمل والعزم بعيدا عن أي تشاؤم رغم الإكراهات التي صارح الملك بها شعبه، «ولكننا، والحمد لله، نتوفر على إرادة قوية وصادقة، وعلى رؤية واضحة وبعيدة المدى. إننا نعرف من نحن، وإلى أين نسير»، والحسيمة بأحداثها لا تخرج عن هذا الإطار، بل هي من صلب تعهدات الملك بخطابه لهذا العام بمناسبة عيد العرش، والموجهة لسياق بنائه.

*باحث في القانون العام
حاصل على الماستر في القانون الإداري
وتدبير التنمية.

الكاتب : *الحسن زلفون - بتاريخ : 09/08/2017