يختلف زعيما الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، اللذان يقفان وجها لوجه فيما يخص أزمة الصواريخ في كثير من الأمور، إلا أن هناك العديد من أوجه الشبه بينهما بشكل يدعو للاستغراب.
وأشرف زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ-أون مؤخرا على تجربة بلاده الثانية لإطلاق صاروخ عابر للقارات قادر على بلوغ معظم الأراضي الأميركية وهو ما شكل أزمة جديدة على الرئيس الأميركي دونالد ترامب التعامل معها.
وفيما لوحت بيونغ يانغ منذ مدة طويلة بشن حرب نووية، جاء دور الرئيس الاميركي هذه المرة ليعلن ان اسلحته “جاهزة” للاستخدام ومتوعدا بـ”بنار وغضب لم يشهد العالم لهما مثيلا”.
ويقول الاستاذ المساعد في جامعة يونسي في سيول جون ديلوري “قد يكون دونالد ترامب أكثر رئيس أميركي لم يكن يتوقع وصوله الى السلطة في الولايات المتحدة في حين أن كيم جونغ-أون كان الوريث الم ختار”.
وكان كل من والد كيم وسلفه كيم جونغ-إيل أعد ابنه ليخلفه على رأس الهرم السياسي في بيونغ يانغ قبل سنوات من وفاته عام 2011.
من جهته، وصل ترامب إلى البيت الأبيض عبر مسيرة مهنية في مجال تطوير العقارات وتلفزيون الواقع، متبوعة بحملة انتخابات شعبوية غير مسبوقة قلبت المؤسسة السياسية التقليدية في واشنطن رأسا على عقب.
وبينما كان كيم شابا عديم الخبرة لدى تسلمه السلطة — لا يزال بين أصغر زعماء العالم سنا — إلا أنه أمضى سنوات الآن في منصبه، في حين أن ترامب — الجد في السبعينات من عمره — يتولى أول منصب سياسي له.
وأشار ديلوري إلى أن “الوضع غريب اذ أنه أكثر خبرة بكثير من دونالد ترامب، الذي يبلغ ضعف عمره”.
ويوضح أن كيم “يعتقد على الأرجح بأنه سيكون لا يزال موجودا بعد رحيل ترامب (…) كونه وريث ما يبدو أنها دولة عائلية مستقرة وهو ما يعني أن لديه فسحة من الوقت أكثر من العديدين غيره”.
وفي ظل وسائل إعلام موالية له بشكل شامل في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، وهو الاسم الرسمي لكوريا الشمالية وفي غياب وسائل التواصل الاجتماعي، لا يحتاج كيم إلى إقلاق نفسه بعناوين صحف اليوم التالي أو الرد عليها عبر موقع “تويتر”.
يرى ديلوري أن الرجلين “يوليان اهمية كبرى للولاء” لهما وهما على استعداد لتوظيف “عدد كبير من الاشخاص للتأكد من أن اولئك المقربين منهما فحسب من يديرون المنظمومة. هذا أمر مشترك بين كيم وترامب”.
ويعتمدان كذلك على أقاربهما في الحكومة. ويشكل تحدر كيم من عائلة مؤسس كوريا الشمالية كيم ايل-سونغ أساس شرعيته شخصيا. وحتى عندما تروج له، تشير بيونغ يانغ إلى أوجه الشبه بين الجد والحفيد في الشكل والتصرفات وحتى في خط اليد. ويتولى عدد من أفراد عائلة كيم مناصب نافذة في الدولة.
في واشنطن، تعمل ابنة ترامب ايفانكا مساعدة للرئيس، وزوجها جاريد كوشنر مستشارا مقربا منه. أما ابنه دونالد جونيور، فقد ورد اسمه في التحقيق المتعلق بالتدخل الروسي في انتخابات العام الماضي.
ويوضح ديلوري أنه فيما باتت السياسة العائلية “رسمية في منظومة كوريا الشمالية، قدمتها عائلة ترامب بطريقة تغضب بعض الأميركيين” وهو ما يشكل برأيه “تشابها آخر” بينهما.
وينخرط الطرفان حاليا في دوامة من التهديدات والتهديدات المضادة، اذ كشفت بيونغ يانغ عن خطة لإطلاق وابل من الصواريخ نحو جزيرة غوام الأميركية في المحيط الهادئ.
وتطلق بيونغ يانغ منذ عقود سيلا من التهديدات حيث سبق وهددت بتحويل سيول إلى “بحر من النار”.
وترى بيونغ يانغ نفسها تتحدى المخاطر التي تواجهها بها واشنطن وكل ما ينسجم مع هذه الرواية يعزز تأكيدات نظامها بامتلاك الشرعية.
ويقول ديلوري “هذا الجزء يشكل عرض المصارعة بالنسبة إلى ترامب، تلفزيون الواقع حيث يعد كل يوم استعراضا مصغر. إنك بحاجة إلى إحباط (عملية ما) وتحتاج إلى عدو ونوع من الدراما إضافة إلى شخص جيد وآخر سيء. كل هذه تشكل عناصر كلاسيكية للترفيه الرائج”.
وأضاف “بينما تشكل كوريا الشمالية خيارا غبيا للغاية كمكان لخوض حرب حقيقية، إلا أنها مكان رائع لخوض حرب زائفة. إنهما قادران على الاستمرار بما يقومان فيه حاليا لأربع سنوات وبكل سعادة، عبر ابقاء خطاباتهما في حالة استعداد دفاعي من المستوى العاشر”.
وأضاف “يبدو بالنسبة لي أن كلاهما يرغبان بذلك حقا (…) أعتقد أنهما يستمدان قوتهما من خلال هذا الأمر”.
صواريخ من العصر السوفياتي
أفادت دراسة نشرها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الاثنين ان التقدم السريع الذي أحرزته كوريا الشمالية في تطوير صواريخ بعيدة المدى مؤخرا عائد إلى محركات صواريخ حصلت عليها من مصنع في الاتحاد السوفياتي سابقا.
وأكد مايكل ايلمان من المعهد ان الصواريخ المستخدمة في تجارب كورية شمالية اخيرة اعتمدت على محرك آر دي-250 الذي كان ينتج في مصنع في مدينة دنيبرو، في ما أصبح اوكرانيا المستقلة بعد انهيار الكتلة السوفياتية.
وتمكنت بيونغ يانغ في عامين من تطوير نوع جديد من الصواريخ المتوسطة المدى هو طراز هواسونغ-12 إضافة إلى الصاروخ هواسونغ-14، وهو صاروخ بالستي عابر للقارات تمت تجربته بنجاح مرتين في الاسابيع الاخيرة.
أضاف التقرير ان هذه المحركات ربما تم شراؤها من عمال فاسدين في مخازن ذخائر في مناطق أصبحت اليوم دولتي روسيا واوكرانيا الخصمتين، قبل ان تهربها شبكات إجرام الى كوريا الشمالية، في فترة ما، بين انهيار الاتحاد السوفياتي واندلاع الازمة الاوكرانية الراهنة.
وتقوم كوريا الشمالية منذ تزودها بصاروخ سكاد السوفياتي الصنع في السبعينات بتجارب لتكنولوجيا الصواريخ. لكنها قبل الفترة الأخيرة واجهت صعوبات في بناء صاروخ عابر للقارات قادر على حمل رأس نووي الى أهداف في الولايات المتحدة.
وأشارت آخر تقارير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية وغيره الى تخلي نظام كيم جونغ اون عن محاولات تعديل محرك او كا بي-456 الروسي الصنع وانتقاله الى محرك آر دي-250، ما ادى الى نتائج مذهلة وتنذر بالكارثة في آن.
أنتجت هذه المحركات اثناء الحقبة السوفياتية في مصنع يوجماش التابع لمكتب يوجنويي للتصميم في دنيبرو، المدينة الواقعة حاليا في وسط أوكرانيا على بعد 150 كلم تقريبا من منطقة الحدود الروسية المضطربة التي يسيطر عليها انفصاليون أوكرانيون موالون لموسكو.
وردت أوكرانيا بغضب على تقرير صحيفة نيويورك تايمز الاميركية حول الدراسة والذي سلط الضوء على المصدر الأوكراني للتكنولوجيا، مشددة على أن مصنع يوجماش لم ينتج صواريخ عسكرية منذ استقلال اوكرانيا وان لا علاقة له إطلاقا ببرنامج بيونغ يانغ الصاروخي النووي.
لكن دراسة المعهد لا تناقض هذه التصريحات، بل تشير الى احتمال بقاء محركات الصواريخ في الحفظ اثر انهيار الاتحاد السوفياتي، سواء في مناطق تقع ضمن ما أصبح اليوم روسيا الاتحادية أو أوكرانيا المستقلة.
وقالت الدراسة “كان متاحا لأي طرف بين الكثيرين من تجار الأسلحة او شبكات الجريمة او المهربين الدوليين الناشطين في الاتحاد السوفياتي … استدراج مجموعة صغيرة من العمال المستاءين او الحراس الذين يتقاضون رواتب ضئيلة في أي من مواقع التخزين … لسرقة بضع عشرات من المحركات”.
اضافت ان “هذه المحركات (بارتفاع أقل من مترين وعرض أقل من متر) يمكن نقلها جوا او، على الارجح، بالقطار عبر روسيا الى كوريا الشمالية”.
كما شمل التقرير صورا نشرها نظام كيم جونغ اون تظهر نقاط تشابه بين الصواريخ التي تمت تجربتها مؤخرا وتصميم آر دي-250 لصاروخ بالوقود السائل.
اضاف ايلمان في التقرير ان “هذا لا يعني ان الحكومة الاوكرانية كانت بالضرورة متورطة، او حتى إداريي يوجنويي”.
وتابع ان “العمال في منشآت يوجنويي في دنيبر وبتروفسك وبافلوغراد كانوا على الارجح أول ضحايا التدهور الاقتصادي، ما جعلهم عرضة لاستغلال قادة فاسدين وتجار أسلحة ومجرمين دوليين ناشطين في روسيا واوكرانيا وغيرهما”.
كذلك أكد قسم التسويق في مصنع يوجماش ان الشركة “لم تكن لها في اي وقت، وليست لها حاليا، اي علاقة ببرامج كوريا الشمالية الصاروخية فضائية كانت أو دفاعية”.
من جهة أخرى استغل امين عام مجلس الامن الوطني والدفاع الاوكراني اولكساندر تورشينوف التقرير لمهاجمة موسكو مؤكدا “نرى ان هذه الحملة ضد اوكرانيا اطلقتها المخابرات الروسية للتغطية على مساهمتها في برنامجي كوريا الشمالية النووي والصاروخي”.
مع اشتعال الجدل لجأ ايلمان إلى تويتر لتوضيح خلاصاته.
وكتب “اريد التوضيح بشأن مصدر محرك الصاروخ البالستي العابر للقارات العائد لكوريا الشمالية. قد يكون يوجنويي أحد المصادر المحتملة، بين مصادر أخرى في روسيا”، مضيفا أنه لا يعتقد ان حكومة كييف الحالية تغاضت عن العملية او حتى علمت بها.
ولفت على ما فعل التقرير الى ان اوكرانيا اوقفت في الواقع شخصين في تموز/يوليو 2012 اشتبهت في انهما عميلان كوريان شماليان حاولا سرقة أسرار من مكتب يوجنوي للتصميم في دنيبرو.
كما شاطر خبراء اخرون خلاصة مفادها ان جولة التجارب الصاروخية الاخيرة التي اجرتها بيونغ يانغ وضاعفت من حدة التوتر بين الدولة الشيوعية المعزولة والولايات المتحدة، شملت صواريخ استندت الى محرك آر دي-250.
وفي الاسبوع الاخير أصدرت “نشرة علماء الذرة” تقريرا أعرب عن مخاوف حيال انتقال كوريا الشمالية الى محرك يوجنويي، بعد استخدامها طرازا سابقا سوفياتي التصميم أيضا فشل في عدد من التجارب.
اضاف معدو التقرير ان هذا “يثير تساؤلات جديدة قد تنذر بالشؤم حول تنوع وكمية محركات الصواريخ السوفياتية التي ربما حصلت عليها كوريا الشمالية اثناء انهيار الاتحاد السوفياتي”.
استراتيجية الردع النووي وليدة
الحرب الباردة
ولدت عقيدة الردع النووي التي تختبر اليوم في شد الحبال القائم بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، خلال الحرب الباردة عندما كان كل من القوتين الكبريين يسعى إلى أن يثبت للآخر أن أي هجوم لن يمر من دون رد انتقامي تداعياته كارثية.
وكانت موسكو وواشنطن المنجرفتان في السباق إلى التسلح تزيدان من عدد الرؤوس الحربية وقوتها، فضلا عن عدد مركبات النقل، للصواريخ والطائرات والغواصات، بهدف بلوغ ما وصفه الخبراء بـ “التدمير المتبادل المضمون”.
وبحسب نشرة العلماء الذريين (باس)، كانت الولايات المتحدة تمتلك في التسعينات حوالى 22 ألف رأس حربي (في مقابل 4480 اليوم) وروسيا حوالى 30 ألفا (في مقابل 7 آلاف اليوم، بما في ذلك الرؤوس المرتقب تفكيكها). والمخزون كاف ليدمر كل بلد الآخر مرات عدة.
ويقول برونو تيرتريس من مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية (اف آر اس) إن “السلاح النووي الذي تم اختراعه قبل حوالى 70 عاما أثبت فعاليته كأداة لتجنب الحرب، إذ لم تندلع أي حرب بين القوى الكبرى منذ ذلك الحين ولم ينشب أي نزاع مفتوح بين الدول النووية ولم يتعرض أي بلد يمتلك السلاح النووي للاجتياح”.
وأكد الباحث في تقرير أن “ما من بلد يحظى بحماية مظلة نووية تعرض لهجوم عسكري ضخم”.
غير أن معارضي عقيدة الردع النووي يدحضون هذه الحجج، باعتبار أنه يتعذر إثبات هذه النظرية وأن الفضل في ضمان السلام بين القوى الكبرى لمدة 70 عاما تقريبا يعود بالأحرى إلى ازدهار المبادلات العالمية وتأثير المؤسسات الدولية وترابط الاقتصادات.
خلال هذه الفترة، وضعت هذه العقيدة على المحك مرتين بالفعل، مرة أولى خلال “أزمة الصواريخ الكوبية” عام 1962 ومرة ثانية بعد 40 عاما خلال المواجهة بين الهند وباكستان عام 2002.
وقرر الرئيس جون كينيدي فرض حصار بحري على الجزيرة. وباتت القوات الأميركية متاهبة ورفع مستوى الإنذار إلى أقصى حدوده، أي ذاك الذي يسبق اندلاع حرب نووية. وراحت المقاتلات الحربية تحلق في الأجواء وزودت الصواريخ العابرة للحدود برؤوس حربية.
وعادت سفن سوفياتية تنقل صواريخ نووية روسية معد ة للمنصات المنصوبة في كوبا أدراجها وأ برم اتفاق في الكواليس بين القوتين، فسحبت الصواريخ السوفياتية في مقابل إزالة صواريخ أميركية نشرت في تركيا سرا. وتعهدت الولايات المتحدة عدم اجتياح كوبا.
وطرح الرئيس الباكستاني انذاك برويز مشرف “احتمال اللجوء إلى السلاح النووي” في حال تعرضت “باكستان لخطر الاندثار من الخارطة”، فرد عليه وزير الدفاع الهندي جورج فرنانديس قائلا ان “الهند، خلافا لباكستان، قد تصمد” في حال وقوع هجوم نووي.
وكثف البلدان التجارب الصاروخية، لكن التوتر انخفض اثر ضغوط أميركية أفضت إلى هدنة في تشرين الثاني/نوفمبر 2003 ثم إلى حوار في يناير 2004.
بالنسبة إلى دانييل فيرني الخبير في العلاقات الدولية ورئيس التحرير السابق لصحيفة “لو موند”، يكمن الخطر، كما يتجلى مع الأزمة الكورية الشمالية راهنا، في انتشار السلاح النووي وازدياد اللاعبين في الميدان النووي على الساحة الدولية.
أمن اليابان في ظل التوترات
جدد الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، تأكيده، اليوم الجمعة بطوكيو، التزام واشنطن القوي بأمن اليابان في ظل التوترات بشأن كوريا الشمالية.
وقال دانفورد، خلال اجتماع مع رئيس أركان قوات الدفاع الذاتي اليابانية الأدميرال كاتسوتوشي كاوانو، ” إن أي هجوم على اليابان يمثل هجوما على الولايات المتحدة”، مضيفا أن “أهم شيء تمخض عنه (اجتماع الوزراء) كان التأكيد على أولوية علاقاتنا الثنائية في منطقة آسيا و المحيط الهادي”.
وتابع قائلا “هذا وقت مهم جدا للأمن في المنطقة وبالطبع نركز أكثر على التهديد القادم من كوريا الشمالية.. أعتقد أننا أوضحنا لكوريا الشمالية و للجميع أيضا في المنطقة أن أي هجوم على أحدنا هو هجوم على كلينا”.
وتزايد التوتر والمخاوف خلال الأسابيع الأخيرة بشأن برامج كوريا الشمالية الصاروخية والنووية.
وقالت بيونغ يانغ إنها تخطط لإطلاق صواريخ فوق اليابان صوب جزيرة غوام الأمريكية بالمحيط الهادي رغم أن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أرجأ هذاالقرار فيما يبدو.
واجتمع وزيرا الدفاع والخارجية الأمريكيين، جيم ماتيس وريكس تيلرسون، مع نظيريهما اليابانيين بواشنطن، أمس الخميس، للتنسيق عن كثب بشأن كوريا الشمالية.
وقال تيلرسون في واشنطن “إن الولايات المتحدة تريد حوارا مع بيونغ يانغ لكن فقط إذا كان له مغزى”.
وأضاف “ينصب جهدنا على دفعهم للسعي لخوض محادثات لكن خوض محادثات مع فهم أنها ستؤدي إلى نتيجة مختلفة عن السابقة”.
وتصاعدت التوترات بعد أن أجرت كوريا الشمالية تجربتين صاروخيتين في يوليوز الماضي، كما أجرت خمس تجارب نووية في السابق، في تحد للضغوط الدولية وقرارات الأمم المتحدة.
وتعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدم السماح لكوريا الشمالية بتطوير صواريخ نووية يمكنها أن تصل إلى اليابسة الرئيسية للولايات المتحدة، لكن بيونغ يانغ ترى أن ترسانتها النووية تمثل حماية لها من واشنطن وشركائها في آسيا.
سيول، 18-8-2017 (أ ف ب) – بعد التهديدات المتبادلة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة بتصعيد نووي، يتركز الاهتمام الاسبوع المقبل على تدريبات سنوية مشتركة في كوريا الجنوبية يمكن ان تؤجج التوتر مرة اخرى في شبه الجزيرة الكورية، بحسب محللين.
واجرت بيونغ يانغ الشهر الماضي تجربتين لصاروخين بالستيين عابرين للقارات، توعد بعدهما الرئيس الاميركي دونالد ترامب كوريا الشمالية ب”النار والغضب”.
وهددت بيونغ يانغ بعد ذلك باطلاق صواريخ باتجاه جزيرة غوام الارض الاميركية في غرب المحيط الهادئ، وهي خطة يبدو ان الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ-اون أرجأها هذا الاسبوع لكنه حذر من أنها قد تمضي قدما بانتظار الخطوة التالية لواشنطن.
وسيكون رد فعل كوريا الشمالية على مناورات “اولتشي-حارس الحرية” (اولتشي فريدوم غارديان-يو اف جي) التي تنطلق الاثنين حاسما في معرفة ما سيحصل لاحقا.
ويشارك في المناورات السنوية التي اطلق عليها اسم جنرال دافع عن مملكة كورية قديمة من الغزاة الصينيين، خمسون الف عسكري كوري جنوبي و25 ألف عسكري اميركي يجرون تدريبات على حماية كوريا الجنوبية من هجوم كوري شمالي.
غير ان بيونغ يانغ تعتبر تلك المناورات تدريبا استفزازيا لغزو محتمل لاراضيها وتهدد كل سنة برد عسكري قوي.
وقالت كوريا الشمالية ان الضربة الصاروخية لغوام يمكن تفعيلها في حال قيام واشنطن “بخطوات متهورة”. ويقول المحللون ان التدريبات يمكن ان تصبح الشرارة التي تحدث الانفجار.
وقال جيمس اكتون المدير المشارك في برنامج “السياسة النووية” في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي “أخشى ان تؤدي الى تفعيل هذه الخطة عندما تبدأ التدريبات المشتركة”.
تدعو كوريا الشمالية باستمرار الى وقف التدريبات العسكرية المشتركة الكبيرة بين الحليفين مقابل تجميدها للبرنامجين النووي والصاروخي.
في مطلع تسعينات القرن الماضي وافقت سيول وواشنطن على الغاء تمارين كان يطلق عليها “تيم سبيريت” مقابل أن يسمح الشمال بتفتيش منشآته النووية السرية. لكن بيونغ يانغ تراجعت عن الاتفاق واستأنفت برنامجها لتطوير الاسلحة.
وحذر فيبين نارنغ البروفسور المساعد في جامعة معهد ماساشوستس للتكنولوجيا (ام آي تي) المختص في الاستراتيجية النووية من الغاء آخر لتلك التدريبات.
وقال نارنغ لوكالة فرانس برس “سيكون الغاؤها بمثابة الاذعان للهدف الكوري الشمالي بفصل الحليفين ودق اسفين بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة”.
من ناحيته قال تشوي كانغ من معهد اسان للدراسات السياسية ان المضي قدما بتلك التدريبات ضروري لوعد الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي-ان “منع الحرب بأي ثمن”.واضاف “ستقول سيول ان التوترات الحالية تستدعي تحالفا اكبر وتعاونا عسكريا اوثق”.
وقالت وزارة الخارجية الاميركية هذا الاسبوع ان التدريبات “يو اف جي” وجزء كبير منها محاكاة على الكمبيوتر، والتي تعود الى عام 1976، ستجرى حسب الخطة.
غير ان الوزارة لم تعلق على احتمال تقليص تلك التدريبات في مسعى لتهدئة التوتر.
ويمكن للحليفين ان ينظرا في بادرة مصالحة تجاه بيونغ يانغ بعدم استخدام اسلحة اميركية استراتيجية مثل قاذفات القنابل الشبح أو حاملات الطائرات، بحسب ما قال كو كاب-البروفسور في جامعة الدراسات الكورية الشمالية ومقرها سيول.
في التدريبات المشتركة غالبا ما تشارك قاذفات القنابل “بي-1بي” الاسرع من الصوت والمتمركزة في مركز القيادة الاميركية لمنطقة الهادئ في قاعدة اندرسن الجوية، بطلعات فوق شبه الجزيرة الكورية لاظهار “القدرات العسكرية الكاملة” لواشنطن، وهو ما يثير غضب بيونغ يانغ دائما.
وعندما ارجأ الرئيس الكوري الشمالي خطة ضرب غوام بالصواريخ، دعا الولايات المتحدة الى أن توقف “استفزازاتها المتغطرسة”، مشيرا الى ما وصفه “معدات نووية استراتيجية ضخمة” يتم جلبها الى المنطقة.
وفي أفضل السيناريوهات حسب اكتون، يتفق الطرفان على انه لا يمكن لكوريا الشمالية القيام بتجارب اطلاق صواريخ قادرة على التحليق فوق كوريا الجنوبية او اليابان — ما يجعل وصولها قرب غوام مستحيلا — مقابل وقف الولايات المتحدة التدريبات الجوية لقاذفات القنابل الاستراتيجية ضمن مسافة يتم الاتفاق عليها بعيدا عن الشمال.
ويبدو ان كوريا الشمالية فتحت نافذة للمقايضة، بحسب نارنغ.
وقال ان اي حوار لاتفاقية هادئة لخفض وتيرة ومدى طلعات قاذفات القنابل “بي-1بي” “من غير الضروري ان تكون علنية جدا ويمكن ان تتم بعيدا عن الاضواء”. وأضاف “من المنطقي التفكير ان ذلك يمكن ان يؤدي الى نتيجة”.