يتعتبر المجازر أو كما هو متفق على تسميتها لدى عموم المواطنين « الكرنة»، فضاء مهما ينعكس تواجده بالمنطقة سلبا أو إيجابا على المواطنين نظرا لما يشكله بالنسبة لهم وكذا احتضانه لعمليات ذبح البهائم.
تعتبر المجازر أو كما هو متفق على تسميتها لدى عموم المواطنين «الكرنة» ، فضاء مهما ينعكس تواجده بالمنطقة سلبا أو إيجابا على المواطنين نظرا لما يشكله بالنسبة لهم وكذا احتضانه لعمليات ذبح البهائم .
فالايجابي منه هو ذاك الدخل المادي الذي يدره على المجلس البلدي يوميا وخاصة أيام السوق الأسبوعي حيث يكون الإقبال على مادة اللحم بشكل كبير، مما يؤدي إلى رفع عدد البهائم التي تعرض للذبح ذلك اليوم، مدا خيل مهمة تتوزع على العديد من المجالات، كالضريبة على الذبح ورسم المغسل وغيرهما من المداخيل ، هنا ينحصر الجانب الايجابي ، أما السلبي، فيتجلى في مدى نظافة هذا الفضاء والأوساخ والأزبال وبقايا البهائم ، ومدى كذلك سلامة الأدوات المستعملة في عمليتي الذبح والسلخ وغيرهما من العمليات التي تستوجب التعقيم والنظافة التامين وهذا بدوره يتوقف على مدى المراقبة البيطرية للبهائم والطبية للحوم قصد حماية المستهلك من الأمراض المعدية وانتقال العدوى.. فقليلا ما نسمع عن عملية إتلاف أو حجز لحوم فاسدة … في حين وقفنا على العديد من حالات «الغش» في الذبيحة ، كذبح الأبقار المسنة أو المريضة وحتى الميتة منها أصلا وقد تتبعت جريدة الاتحاد الاشتراكي حالات من هذا القبيل راجت ملفاتها أمام المحاكم بعدما تم ضبط المتهمين في حالة تلبس سواء من طرف شرطة سيدي بنور أو رجال الدرك الملكي، حالات اغتنى من ورائها بعض منعدمي الضمير رفقة أولئك الذين يساعدونهم ويسهلون لهم عملهم الإجرامي هذا، ليبقى الضحية الأول والأخير هو المواطن، ذاك المستهلك المسكين الذي تعم قلبه « النية ».
بناية الأوساخ
وأنت قاصد مجزرة سيدي بنور أو كما يحلو للبعض تسميتها « الكرنة : تشعر بنوع من الكآبة والاشمئزاز ، وتخنق أنفاسك روائح كريهة منبعثة من بقايا البهائم . على بعد أمتار قليلة منها شاهدت ومرافقي ما لا يمكن تقبله بالإطلاق ، حيث حامت بالمجزرة مياه راكدة تغير لونها ليصبح أخضر وكأنها مستنقعات لزراعة الأرز ، ريش الدجاج يملأ جانبه الشرقي والديدان « تنغل » وسطه كدليل على التعفن الذي لحقه ، عظام وقرون البهائم المذبوحة شكلت لوحة وحشية ، يخيل لك وكأن قطيعا من الجاموس قد تعرض لهجوم كاسح من طرف النسور … بالقرب من المجزرة هناك مائدات أو أشباه «طاولات» متروكة للكلاب والقطط تعمل فيها ما تشاء ؟ حالات تثير الغضب، وتقزز النفس وتدفع إلى الغثيان ، مع العلم أن مكان المجزرة متواجد بالسوق الأسبوعي ، هذا الأخير يجب أن ينظف مرتين في الأسبوع من طرف إحدى الشركات بموجب عقد توجد من بين بنوده في دفتر التحملات نظافة السوق الأسبوعي مرتين ، لكن وحسب الواقع الذي شاهدته وزميلي، فلاشيء يذكر.
اقتربنا من المجزرة فوجدنا بابها مغلقا وقد كتب على جانب من جدرانه « وقت دخول البهائم الخامسة صباحا وآخر أجل هو الثامنة صباحا، وقت خروج اللحم هو العاشرة صباحا « لم نجد هناك أي حارس أو شخص يرشدنا عما يوجد بداخلها ، لكنها تبدو بناية قديمة تآكلت بعض جوانبها وزليج سقفها منه الذي تلاشى ومنه ما تعرض للإتلاف، الشيء الذي جعل بعض الطيور تؤمه دون حاجز ، طيور اعتدنا على رؤيتها في المزابل بكثرة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هناك بقايا تجذبها إلى هذا المكان وعلى أنه محروم من العناية اللازمة أن تكون ، عناية من شأنها أن تحفظ الصحة العامة للمستهلك وأن المواطن يستحق تلك العناية من خلال تحسين خدمات هذا الفضاء من حيث التجهيزات والمرافق الضرورية والنظافة وأساليب الاشتغال به، عناية تطال كذلك محاربة الغش والضرب على أيادي كل من سولت لهم أنفسهم الإضرار بصحة المواطن …
للإطلاع أكثر على حالة هذا المرفق انتظرنا حلول يوم السوق الاسبوعي الذي يصادف يوم الثلاثاء ، قمنا بجولة حوله حيث يتواجد بالقرب منه مزبلة تبعد عنه ببعض الأمتار فقط ، تناسلت فيها العديد من الحشرات السامة والحيوانات الضارة على اختلاف أشكالها وفئاتها والحيوانات النافقة، وبمحاذاتها تخنق انفاسك حفرة مستطيلة الشكل يقدر طولها بحوالي ثلاثة أمتار وما يزيد وعرضها أزيد من مترين عمقها مليء بدماء الذبائح و بقايا البهائم و العظام ، أخبرني صديقي أن أحد الأشخاص كان ضحية لها بعدما سقط وسطها ولولا تدخل بعض الجزارين لفقد حياته هناك ، مجزرة لا تحمل من المواصفات لذلك سوى الاسم ، الاذرع الحديدية التي اعتمد عليها في بناء السقف صدئة لا وجود لأي مرفق صحي بداخلها ، حيث يلاحظ هناك مجرى يشبه الساقية عبره يتم التخلص من بقايا البهائم وصرف المياه العفنة ، لتظل «السقيطة» حين تعرضها للذبح وسط أكوام من هذه المياه وما ينتج عن عملية الذبح من دماء وغيرها… أحشاء البهائم توضع على الأرض مباشرة بالقرب من الرؤوس ولا يتم غسلها إلا في اللحظات الأخيرة حين يهم الجزارون بإخراجها من المجزرة لتعرض بعد ذلك للبيع، وأنت بداخلها تكاد أنفاسك تختنق من جراء الروائح الكريهة بسبب انعدام النظافة والمراقبة اللازمة حيث مازال الاعتماد على الوسائل القديمة والعادية في كل العمليات، وقد يصعب عليك التحرك داخلها نتيجة ما ذكر. فالأبقار تذبح وتسلخ أرضا وسط ازدحام كبير وعلى أرضية غير مهيأة لذلك ، أما الغنم والماعز فيعلق بواسطة أداة حديدية أنجزت لذلك بسبب خفة هذا النوع الذي تقدر أوزانه بالكيلوغرامات عوض الأبقار التي تقدر أوزانها بالأطنان، كما أن هذه المجزرة تعرف أحيانا ذبح الجمال كذلك.
ملايين وإهمال
خرجت ومرافقي تاركين المجزرة وقلوبنا كلها حسرة وأسف على الوضع الذي هي عليه، وقد توجهنا إلى مقر البلدية قصد استكمال المعلومات، هناك علمنا أنه تم يوم الخميس 14 شتنبر الجاري كراء مرافق السوق الأسبوعي بسومة كرائية تقدر بحوالي 19.988.400,00 درهم برسم سنة 2018, وهو مبلغ مهم حيث شكل و يشكل زيادة للسومة الكرائية السابقة بحوالي 1473840,00 درهم ورغم ذلك يظل السوق الأسبوعي، و ضمنه المجزرة، يعاني الاهمال واللامبالاة ، يترجم مداها تلك الأكوام من الازبال وبقايا البهائم المنتشرة بكل مكان فيه، اهمال يمس بالسلامة الصحية للمتسوقين و الباعة على حد سواء.
المجزرة أو «الكرنة» كما يحلو لعامة الناس تسميتها تم كراؤها لأحد الخواص بسومة تفوق 100000,00 درهم للشهر ، وهي عبارة عن فضاء شاسع بني على مساحة تقدر بحوالي 1500 متر مربع ، تعرضت لآخر إصلاح سنة 2015 في عهد المجلس السابق، إصلاحات شملت الحائط والزليج والربط بالوادي الحار و الصباغة ، تعرف المجزرة عملية ذبح البهائم على امتداد أيام الأسبوع تقريبا ما عدا يومي الاحد و يمثل عطلة الأسبوع ويوم الاربعاء المفروض على الجزارين من طرف ممثل السلامة الصحية غصبا و دون وجه حق ، و ترتفع الذبيحة يوم السوق الأسبوعي حيث يذبح ما يناهز 70 رأسا من البقر و40 رأسا من الغنم بينما نجد المعدل السنوي للذبيحة يرتفع ابتداء من شهر ماي إلى غاية شهر شتنبر ويعتبر شهر غشت هو الفترة التي تعرف فيها الذبيحة أوجها لتزامنها مع قيام الحفلات و العطلة الصيفية لتعرف انخفاضا خلال باقي شهور السنة ، عدد العاملين بالمجزرة الرسميين واحد لا يقوى على فعل أي شيء كما يسجل غياب الحارس الأمر الذي يجعلها موضع اقتحام من طرف البشر و الحيوانات ، بطانة البهائم تباع بالمجزرة لأحد الأشخاص بينما يتولى عملية الذبح أحد الجزارين الذي يطلق عليه اسم «امام» نظرا للثقة التي وضعت فيه من طرف زملائه، وتؤدى على الذبائح رسوم جبائية ، البقر 235,00 درهما للرأس الواحد والغنم 22,50 درهما للرأس، نفس السومة بالنسبة للماعز بينما الجمال 235,00 درهما للرأس. كما تؤدى رسوم النقل والمتمثلة في 40 سنتيما للكيلوغرام ، و بالمناسبة فإن الفضل يعود للمجلس السابق برئاسة عبد اللطيف بلبير في تحسين خدمات نقل اللحوم باقتناء شاحنة من النوع الرفيع ساهمت بشكل كبير في الحفاظ على جودة اللحوم، الأمر الذي لقي استحسانا من طرف الجزارين حينها ، و تتفاوت سومة الكيلوغرام من اللحم من جزار لآخر حيث تتراوح الأثمنة بين 60 و65 درهما للكيلوغرام الواحد بالنسبة للحم البقر وما بين 65 و 70 درهما لحم الغنم و ما بين 70 و75 درهما لحم الماعز و80 درهما بالنسبة للحم الجمل.
غضب الجزارين
أمين الجزارين ورئيس جمعية بائعي اللحوم بالتقسيط عبد الهادي شكير صرح للجريدة قائلا «المجزرة تدر مداخيل كبيرة على صندوق المجلس البلدي غير أنها لا تنعكس عليها من حيث النظافة والتنظيم و الصيانة والتقويم، فالمجزرة تفتقد للوادي الحار وهو ما يشكل عائقا كبيرا في التخلص من الدماء و النفايات و المياه المتسخة والعفنة، فمحيطها تعمه الأزبال من كل مكان مع انتشار الكلاب الضالة والحشرات الضارة و الروائح الكريهة التي لا تطاق، صبيب المياه جد ضعيف ولا يفي بالمطلوب، أماكن بيع اللحوم بالتقسيط متعفنة ولا تستجيب لشروط السلامة الصحية نظرا لوضعيتها الكارثية ، مكتب الطبيب البيطري يتحول بين الفينة و الأخرى إلى مكان للمعربدين والمتشردين وقطاع الطرق، نظرا لغياب الحراسة والمراقبة المستمرة لها … «ويضيف السيد عبد الهادي أنه تم عقد عدة لقاءات مع الرئيس الحالي للمجلس البلدي قصد النظر في وضعية المجزرة الكارثية بكل المقاييس لكن دون جدوى وكأن سلامة المواطنين في مالهم و صحتهم لا تعنيهم في شيء، لذلك فالجمعية بكل أعضائها قررت خوض مجموعة من الخطوات النضالية في المستقبل القريب اذا لم تستجب رئاسة المجلس لمطالبهم وأول هذه الخطوات الامتناع عن الذبح لمدة شهر … »
احتجاج الجزارين بمدينة سيدي بنور على الحالة الكارثية التي تعيشها المجزرة يظهر بالملموس التدبير العشوائي للأمن الغذائي بالإقليم، حيث كشف الاحتجاج عن خلل مزمن في تعاطي مسؤولي سيدي بنور مع موضوع ذي حساسية قصوى مرتبطة بالأمن الغذائي والسلامة الصحية للمواطنين، فبالمقارنة مع ما يتم استخلاصه من أداءات، فإن مداخيل المجزرة لوحدها تعد بالملايين خلال السنة الواحدة ، ملايين لا تعكس ما يجب أن يكون عليه وضع هذه المجزرة التي ستبقى تئن تحت وطأة الإهمال واللامبالاة في غياب تام لأي تفكير حقيقي في جعلها تؤدي المتوخى منها من خدمات لفائدة المستهلك الذي يظل كما سبق ذكره هو الضحية الأول والأخير .
فمتى تهتم الجهات المسؤولة بأوضاع المجزرة كما تهتم بما تدره عليها من ملايين الدراهم ؟