دور النيابة العامة في حماية العقار 3-1

الشرقي حراث

في ظل المناخ الذي فرضته العولمة، أصبحت النيابة العامة بالمغرب أكثر انفتاحا ومواكبة للتحولات والتطورات التي يشهدها المحيط الدولي، فهي بالإضافة إلى هدفها الأسمى الذي يتجلى في تمثيل المجتمع، وحمايته،وتحريك الدعوى العمومية، وتمثيل الحق العام ، والتدخل كلما تم اعتداء على حق من الحقوق الشخصية،أو العينية، فقد أوكل إليها المشرع إجراءات جديدة كحماية الحيازة ووضع حد للنزاع، والتعرض لفائدة الغير، وتسخير القوة العمومية لمؤازرة المهندس الطبوغرافي ومأمور إجراءات التنفيذ، والكشف عن التركات الشاغرة بسبب الفقد أو الغياب، والتوقيع على مرجوعة التبليغ باعتبارها محلا للمخابرة، واستعمال طرق الطعن، والسهر على تتبع قضايا الاستيلاء على عقارات الغير.
وغاية المشرع هي تقوية دور النيابة العامة ،والمساهمة في إحقاق عدالة سريعة وفعالة وناجعة تستجيب لما يصبو إليه أفراد المجتمع من بناء وتأثيث لواقع يسوده العدل والإنصاف، ويستتب فيه الأمن و الطمأنينة، وحماية حقوق الأطراف من الضياع ،وخاصة الأشخاص المشار إليهم أعلاه لتواجدهم في وضعية لا يستطيعون من خلالها القيام بواجباتهم وحمايتها بأنفسهم.
كما أصبح التشريع الجنائي الدولي الحديث يولي اهتماما كبيرا لضحايا الجرائم الذين تم تجاهلهم وإقصاؤهم في وقت تنامى فيه الاهتمام بالجناة ،حيث تمكن الضحايا من الوصول إلى حقوقهم عبر تسوية حبية ،دون اللجوء إلى حكم قضائي ،علما أن من أسباب استقرار الأمن واستتباب الطمأنينة بالمجتمع تحقيق تصالح بين طرفي الخصومة المباشرين،وهو ما يؤدي إلى رأب الصدع وجبر الضرر والقضاء على الفتن والاضطرابات، والحد من النزاعات الانتقامية لدى الضحايا، وهذا التدبير أحدث حلا وسطا بين قراري الحفظ والمتابعة اللذين تملكهما النيابة العامة إذ سيمكن من تجنب متابعة المتهم وفي نفس الوقت يقدم حلا للضحية بالحفاظ على حقوقه ويصون حقوق المجتمع .
ويهم هذا التدبير جنحا محددة على سبيل الحصر تتسم بكونها لا تعتبر خطيرة على النظام العام ويقتصر ضررها على أطرافها الذين يعتبر رضاهم ضروريا لتحقيق المصالحة. وقد قيد هذا التدبير بمراقبة القضاء الذي له أن يتأكد من وقوعه بحضور الأطراف ودفاعهم قبل إقراره بأمر قضائي يصدره رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه.
من هنا نتساءل عن مدى نجاعة مؤسسة النيابة العامة في حماية العقار؟.
وإلى أي حد وفقت النيابة العامة في حماية العقار حماية فعالة وناجعة؟.
للإجابة على هذا الإشكال سنحاول معالجة هذا الموضوع من خلال الاقتصار على أهم أدوار النيابة العامة في حماية العقار إلى خمس فقرات كالتالي:
الفقرة الأولى: حماية الحيازة وتضمين الصلح
الفقرة الثانية: تسخير القوة العمومية
الفقرة الثالثة : التعرض باسم المحجورين والغائبين والمفقودين والغير حاضرين
الفقرة الرابعة: اعتبارها محلا للمخابرة
الفقرة الخامسة : استعمال طرق الطعن
الفقرة الأولى: حماية الحيازة
سنتحدث في هذه الفقرة عن دور النيابة العامة في حماية الحيازة ( أولا) ثم سنتحدث عن دورها في مسطرة الصلح ( ثانيا).
أولا – حماية الحيازة
إن مؤسسة النيابة العامة ليست دائما تقوم بالردع وتحريك الدعوى العمومية طبقا للمادتين 03و36 من ق م ج. بل إنها تقوم أيضا بتسوية الأوضاع القائمة و اتخاذ أي إجراء تحفظي تراه ملائما لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه إلى الأشخاص الذين كانت لديهم بمقتضى حكم قضائي حائز لقوة الأمر المقضي به، تم انتزعت منهم بفعل اعتداء جرمي يتم بعد تنفيذ الحكم طبقا لمقتضيات المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية بالنسبة لوكيل الملك، والمادة 49 من نفس القانون بالنسبة للوكيل العام الملك .
وحماية الحيازة هو إجراء احترازي مؤقت تتخذه النيابة العامة من أجل رد الأوضاع إلى نصابها بصفة إستعجالية ، ونظرا لطول إجراءات التقاضي فقد فتح المشرع الباب للمتضرر الذي تم الاعتداء على حيازته ، اللجوء إلى النيابة العامة من أجل اتخاذ أمر بحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه .
وهو إجراء سيكون من شأنه تلافي استمرار أثر الجريمة قائما في انتظار صدور حكم قد تطول إجراءاته لمدة طويلة من شأنها المس والإضرار بحقوق المشتكي .
مع الإشارة إلى أنه لا يمكن أن نتحدث عن حماية الحيازة إلا بعد أن تنتزع بعد تنفيذ الحكم القاضي بالتمكين وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه سواء كان هذا الحكم مدنيا أو جنحيا في إطار الدعوى المدنية التابعة.
لكن ما يلاحظ أن مقتضيات الفصلين 40 و49 من ق م ج بخصوص إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه ،ودور النيابة العامة فيها تبقى محدودة وغير فعالة.
فبالإضافة إلى عدم سلوك هذه المسطرة من طرف أصحاب الحقوق ودفاعهم. فإن هناك إكراهات أخرى عملية تحول دون حماية العقار جنائيا، ودون تفعيل مقتضيات الفصول أعلاه من قبيل أن:
منطوقات الأحكام تقضي بإرجاع الحالة إلى ما كان عليه وتسكت،دون الإشارة في وقائع الحكم إلى حدود العقار بكيفية مضبوطة والى اسم البقعة بكيفية صحيحة،فبعض منطوق الأحكام يبقى منطوق معيب، والقاضي الجنحي يتحمل مسؤوليته في هذا الباب،على اعتبار أن الإجراءات السابقة للحكم كالرجوع إلى محضر الضابطة القضائية الذي قد يبدو خاليا من التصميم أو (الكروكي) أو من محضر معاينة الأرض، وفرز الحدود بكيفية مضبوطة.
كما أن النيابة العامة هي الأخرى تتحمل مسؤوليتها فيما يخص مراقبة محاضر الضابطة القضائية من الناحية الشكلية .والسؤال هل الضابطة القضائية ملزمة بوضع تصميم للأرض موضوع النزاع؟.أم أن على القاضي أن يقوم بإجراء من إجراءات التحقيق كإجراء بحث أو إجراء تحقيق؟.
فالقاضي لا يمكن له أن يحكم بالإدانة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه إلا إذا تأكد من الحدود بواسطة جميع وسائل الإثبات ومن أهمها الشهود؟ وإلا كيف يمكن أن نتحدث عن تجويد العمل القضائي؟.
لكن الإشكال هو أن مأمور إجراءات التنفيذ يتعذر عليه تنفيذ الحكم القاضي بإرجاع الحالة إلى ماكانت عليه لعدم وضوح حدود الأرض بكيفية مضبوطة،الأمر الذي ينتج عنه رفع صعوبات في التنفيذ ،وتقديم طلبات تفسير منطوق الأحكام ،وبالتالي تعطيل إرجاع الحقوق إلى أصحابها وحماية العقار من الناحية الجنائية.
أما محكمة النقض فقد حسمت الجدل الذي كان قائما حول الدعوى المدنية التابعة، حيث قضت بأن: (الحكم بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في الشق المتعلق بالدعوى المدنية التابعة، يعتبر تعويضا مدنيا عينيا حكم به لفائدة المتضرر من جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير وتبعا لذلك فإنه يخضع للفقرة الأخيرة من الفصل 532 من ق م م التي نصت على أنه( لا يوقف الطعن بالنقض أمام محكمة النقض أو أجله،تنفيذ التعويضات المدنية التي يحكم بها على المحكوم عليه) .قرار عدد600-8 صادر بتاريخ 20/12/2016 في الملف رقم 4888-1-8-2016.)
مع الإشارة إلى أنه لم يتم تسجيل أي حالة تتعلق بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه بالمحكمة الابتدائية بسطات خلال سنة 2016و إلى حدود مايو 2017 ، ونظرا لأن المشرع المغربي لم يحدد بشكل واضح طبيعة أمر النيابة العامة باتخاذ إجراء تحفظي بحماية الحيازة فقد نتج عن ذلك تعدد الآراء الفقهية حول طبيعة هذا الأمر.
هل هو قرار إداري يخضع لرقابة القضاء الإداري؟ .أم هو قرار قضائي؟.
وحتى لا ندخل في تعدد الآراء الفقهية حول هذا الموضوع ،نشير إلى أن النيابة العامة إذا كانت تقوم بالعديد من الإجراءات الإدارية المحضة ، فإنها في المقابل تقوم بأعمال قضائية ومن ضمنها حماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه.
إضافة إلى دور النيابة العامة في قانون مراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء ، حيث نجد المادة 66 من القانون رقم 66/ 12 تنص على أنه: “يقوم المراقب الذي عاين مخالفة من المخالفات المشار إليها في المادة 64 من القانون أعلاه بتحرير محضر بذلك طبقا لأحكام المادة 24 من ق م ج ،يوجه أصله إلى وكيل الملك في أجل أقصاه ثلاثة أيام من تاريخ معاينة المخالفة مرفقا بنسختين منه، مشهود بمطابقتهما للأصل وكذا بجميع الوثائق والمستندات المتعلق بالمخالفة “. مما يعني أن هذه الأخيرة ستعتمد مباشرة على هذا المحضر لتحريك المتابعة ودون الحاجة إلى إيداع شكاية من رئيس مجلس الجماعة حيث يصبح في هذه الحالة محضر المعاينة هو الوثيقة الأساسية المعتمدة لتحريك الدعوى العمومية . فالإدعاء أصبح حقا مخولا للنيابة العامة دون غيرها على غرار باقي الجرائم التي لا يشترط فيها المشرع الشكاية لتحريك المتابعة ،وبذلك أصبح رئيس المجلس الجماعي يتوصل بمحضر المعاينة على سبيل الإخبار فقط شأنه في ذلك شأن السلطة و الوكالة الحضرية والمخالف .
ثانيا: دور النيابة العامة في مسطرة الصلح
إن من أسباب الاطمئنان إلى العدالة الجنائية تمكن الضحايا من الوصول إلى حقوقهم عبر تسوية حبية دون اللجوء إلى حكم قضائي،علما أن من أسباب استقرار الأمن واستتباب الطمأنينة بالمجتمع تحقيق تواصل بين طرفي الخصومة المباشرين ،وهو ما يؤدي إلى رأب الصدع ،وجبر الضرر، والقضاء على الفتن والاضطرابات ،والحد من النزاعات الانتقامية لدى الضحايا. وهذا التدبير أحدث حلا وسطا بين قراري الحفظ والمتابعة الذين تملكهما النيابة العامة إذ سيمكن من تجنب متابعة المتهم وفي نفس الوقت يقدم حلا للضحية بالحفاظ على حقوقه ويصون حقوق المجتمع. ويهم هذا التدبير جنحا محددة على سبيل الحصر تتسم بكونها لا تعتبر خطيرة على النظام العام ويقتصر ضررها الظاهر على أطرافها الذين يعتبر رضاهم ضروريا لتحقيق المصالحة .
و لهذا فقد أضاف المشرع المغربي لمؤسسة النيابة العامة إلى جانب دورها التقليدي إقامة صلح بين المشتكي والمشتكي به قبل إقامة وتحريك الدعوى العمومية ، وكلما تعلق الأمر بجنحة يعاقب عليها القانون الجنائي بسنتين حبسا أو أقل أو بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم طبقا للفصل 41 من ق.م.ج .
حيث يسهر وكيل الملك على عملية الصلح بينهما مع تضمينه في محضر رسمي في حالة الاتفاق عليه بالتراضي بين الطرفين، ثم يحيله إلى رئيس المحكمة الابتدائية ليصادق عليه بحضور ممثل النيابة العامة والطرفين ودفاعهما بغرفة المشورة بمقتضى أمر قضائي لا يقبل أي طعن.
ومن هنا يتضح أن المشرع أعطى للنيابة العامة دورا هاما في مسطرة اقتراح الصلح لرأب الصدع الاجتماعي، ووضع حد للنزاعات التي تكون قد نشبت بين طرفي الخصومة ،وتخفيف عبء كثرة القضايا على المحاكم، وتفعيل العدالة التصالحية ،وجعل المتهم يتفادى أثار الإدانة،وإتاحة فرصة للمضرور لحصوله على تعويض يوازي درجة الضرر. وإعادة الألفة والمحبة لأفراد المجتمع وتحقيق نوع من التصالح والتكافل الاجتماعي .
لكن هل يمكن القول بأن الصلح الذي يقوم به وكيل الملك يدخل ضمن أعمال الوساطة ،أو التحكيم ؟، أو هو مستقل بذاته؟. هل يعتبر وكيل الملك محكم بين الطرفين ؟ بمعنى هل يمكن القول بأن النيابة هي وسيط لفض النزاعات بين الأطرف .
نقول بأن وكيل الملك لا يمارس أعمال الوساطة أو التحكيم بقدر ما يعمل على تضمين الصلح في محضر قانوني .ويرفعه إلى الجهة المختصة.
ويترتب عن مسطرة الصلح توقف إقامة الدعوى العمومية غير أنه يمكن لهذه الأخيرة أن يتم تحريكها في حالات ثلاث:
حالة عدم المصادقة على محضر الصلح من طرف رئيس المحكمة: وهنا يؤخذ على المشرع المغربي الذي جعل أمر رئيس المحكمة نهائيا وغير قابل للطعن سواء بطرق الطعن العادية أو غير العادية . وهذا فيه إجحاف ومساس للحماية المخولة للأطراف، الأمر يستدعي ويستوجب معه فتح الباب للطعن إذا ظهرت ظروف من شأنها عدم التوصل إلى اتفاق نهائي بين الأطراف، أو إذا ظهرت وقائع جديدة بين الفترة الممتدة من تاريخ إحالة الملف على رئيس المحكمة وتاريخ البت في الطلب الرامي إلى الصلح.
حالة عدم تنفيذ الالتزامات داخل الأجل المحدد، كما إذا تراجع المشتكي عن التنازلات التي قدمها والتي كانت سببا في إبرام محضر الصلح، أو إذا تراجع المشتكي به عن الشروط التي تم الاتفاق عليها والتي اعتبرها غير منصفة في حقه مثلا.
حالة ما إذا ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية، كما إذا ظهر فعل إجرامي جديد في حق المشتكي نتج عنه ضرر.
وفي الوقت الذي تتوحد فيه التوجهات السياسة الجنائية والمدنية في البحث عن الوسائل البديلة للمنازعات ومنها الصلح المنصوص عليه قانونا ،فإنه من الناحية العملية نجد أغلب المحاكم الابتدائية بمجموع التراب المغربي،لا تلجأ إلى تفعيل مقتضيات الفصول 40-41 و49 من ق م ج حيث لا نجد سوى ملفات على رؤوس الأصابع معروضة على المحاكم المغربية .وهو أمر استفز بعض الفقه وتعددت أرائهم بهذا الشأن منهم من انتقد هذه الفصول، ومنهم من أيدها.
فالاتجاه الذي ينتقد مقتضيات الفصول أعلاه ودور النيابة العامة بخصوصها يرى أن المواد 40-41-49 من ق م ج تتطلب كثرة الإجراءات المستحدثة،وتعدد الجهات المتدخلة، وتعدد وجهات النظر حول كثير من المسائل التي لم تتناولها سوى بطريقة شمولية دون تفصيل في كيفية إجرائها ومباشرتها الأمر الذي يخلص معه القول بأنه لو لم يكن على المشرع المغربي أن يلزم النيابة العامة بهذه الإجراءات لما لذلك من أعباء إضافية وإرهاق الجسم القضائي بالمزيد من الإجراءات التي هو في غنى عنها.
كما يرى أن هذه المادة41 جاءت على مستوى صياغتها فضفاضة مليئة بالحشو والإطناب،مما جعل الجانب الشكلي منها يستغرق الموضوع،ولعل تعقيد هذه المسطرة كان سببا مباشرا في قلة إعمالها من طرف النيابات العامة .
كما لوحظ على هذه المادة أنه لم يتم ذكر كاتب الضبط عند مصادقة رئيس المحكمة على محضر الصلح،إضافة إلى أن المشرع لم يحدد الكيفية التي يمكن أن يقدم بها الأطراف طلب الصلح ،مما فتح المجال للنيابة العامة لقبوله سواء كان كتابيا أم شفويا.إضافة إلى سكوت المشرع المغربي عن حالة تعدد الجناة مرتكبي الفعل الجرمي الواحد ،خاصة عند إبرام الصلح مع أحد الجناة .فهل سيستفيد منه باقي شركاؤه؟إضافة إلى عدم وجود جزاءات مادية أو زجرية للحد من التسويف والمماطلة تقرر ضد الأشخاص متى استوجب القانون حضورهم شخصيا .
في حين يرى البعض الأخر أن النيابة العامة لا تصالح وإنما توافق أو لا توافق على طلب المتضرر أو المشتكى به تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر قانوني، فهو إشهاد على الصلح ليس إلا، فالنيابة العامة لا تصالح بين الأطراف وإنما تعمل وبطلب من الطرفين أو أحدهما على تضمين الصلح الذي يكون قد تم بينهما قبل ذلك.
ولا يعتبر عرض هذا الصلح على المتهم تحريكا للدعوى الجنائية قبله.كما لا يكون مبلغ الصلح عقوبة ينفذها المحكوم عليه ،فالصلح ليس إلا تنظيما إجرائيا القصد منه الحد من إطالة الإجراءات، وبالتالي فإن النيابة العامة لا توقع عقابا على المتهم بمقتضى هذا الصلح الذي ليس عقوبة ينفذها المحكوم عليه، وإنما هو مجرد وسيلة خاصة لإنهاء بعض الجرائم،وأن النيابة العامة في ذلك لا تشارك القضاء مهامه مادام أنها لا تصدر حكما جزائيا ينفذ على المحكوم عليه يشار إليه في سجله العدلي .
وعموما فإنه ما دام أن الفصل 41 هو نص قانوني غير ملزم للنيابة العامة من أجل تضمين الصلح الواقع بين الأطراف المتنازعة، فإن الأمر يبقى على حاله بعلة انعدام ظروف العمل وقلة الموارد البشرية. وكثرة المساطر بالمحاكم الابتدائية ،وكثرة الإجراءات المتعلقة بالجلسات والشكايات والمراسلات الإدارية ، وعدم رغبة الأطراف أنفسهم ،وعدم اقتناعهم بجدواها ،وعدم ترسيخ ثقافة الحلول البديلة والتسويات الودية ،وانعدام المهارات الكافية لتدبير النزاعات الأسرية والتواصل وحسن الاستماع، وغلبة النظرة الضيقة والمصالح الخاصة لمساعدي العدالة تجعلهم يذكون نار النزاع وكثرة الشكايات الكيدية . وبالتالي فان النائب يقوم بمجموعة من الأعمال في نفس الوقت ،في حين أن الصلح يتطلب مزيدا من الوقت لكي يتم تقريب وجهات النظر، لذلك فإن عدم وجود فضاءات خاصة بالمحاكم لعقد جلسات الصلح بين الأطراف،وعدم تكليف قضاة (نواب) للقيام بدور المصالح ،مع تهيئ ظروف العمل ،تبقى معه مسطرة الصلح غير مفعلة. مع الإشارة أنه من أسباب عدم تفعيل مسطرة الصلح أيضا أنه حتى وإن قام وكيل الملك بتضمين محضر الصلح وإحالته على رئيس المحكمة فان الأطراف المتنازعة غالبا ما يتغيبون في الجلسة المحددة من قبل رئيس المحكمة لتأكيد هذا الصلح ،وقد يحدث نزاع في الفترة المتراوحة بين إحالة الملف من طرف النيابة العامة وعقد الجلسة من طرف رئيس المحكمة وبالتالي فان تلك المدة القصيرة كافية للتراجع عما اتفق عليه الأطراف ، وفي هذه الحالة يقوم رئيس المحكمة بإرجاع الملف إلى النيابة العامة لفشل مسطرة الصلح حيت تشرع النيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية في حق المشتكى به طبقا للقانون . لهذا ينبغي على وكيل الملك أن يحيل محضر الصلح مباشرة إلى رئيس المحكمة ،وعلى هذا الأخير أن يقوم بعقد الجلسة حالما يتوصل بالملف حيت الأطراف ما زالوا يتواجدون بالمحكمة قصد تأكيد الصلح، وما اتفق عليه الأطراف بهدف إنجاح عملية الصلح.هذا من جهة ،ومن جهة أخرى ينبغي على وكيل الملك أن يستعين بمساعد اجتماعي آو مساعدة اجتماعية أثناء عملية الصلح قصد تقديم الدعم النفسي للأطراف المتنازعة وخاصة المشتكي.
باحث في سلك الدكتوراه

الكاتب : الشرقي حراث - بتاريخ : 26/09/2017