الكتابة عن المدن تقليد قديم عرفته الثقافة العربية التي أرخت للعواصم الكبرى، لكن الروائي المغربي شعيب حليفي يختار طريقة أخرى بين السرد الحكائي واليوميات ويكتب عن مدينة صغيرة اسمها سطات «في تأريخ مصير الأزل بالشاوية وما في الألواح الضائعة لممالك تامسنا»، معيداً تشكيل صورتها وبنائها تخييلياً انطلاقاً من تاريخ تامسنا والشاوية والتفاصيل الصغرى للحياة والناس والفلاحين.
واختار صاحب روايات «زمن الشاوية» و«رائحة الجنة» و «لا أحد يستطيع القفز فوق ظله» و «أسفار لا تخشى الخيال»، تقسيم كتابه الصادر حديثاً عن منشورات القلم المغربي في الدار البيضاء، إلى فصلين، كل فصل من سبعة نصوص. في الفصل الأول (سبع سنابل): مملكة تامزغا- من الثورة إلى الانتفاضة- قضاة سطات- أولياء وزوايا- ترابها وجدان وحكايات- جزيرة سطات المفقودة – يوم من أيام يبراير. فيما احتوى الفصل الثاني المعنون بسبع كلمات، على النصوص التالية: بو… آخر الفرسان- من أرشيفه في ضوء الزمن – فاطنة بنت الطاهر – صور من طفولة مشتركة- قلب الهدهد – أيها الرفاق متى تقوم الساعة؟ – الكتاب الكامل لصالح بن طريف.
ومما جاء في تقديمه لهذا الكتاب، يقول حليفي: «إني في كل ما كتبتُه وما سأكتبُه، خلال ما مضى مِن حياتي وما سيأتي، من حروف زُفّتْ إلى قلبي وروحي؛ لم يكن إلا تأريخاً شاهقاً لصورة سَطات التي اكتسبت اسمها من ستة عشر عالماً شهيداً، كما من نعت الزطاطة وهم يُؤَمِّنونَ العبور، سواء في رقعتها الجغرافية الصغيرة أو في صورتها التي تحملها مجازاً أسماء: الشاوية، تامسنا، تامزغا، الجنة، جهنم… الرقعة التي ستبقى حينما يفنى العالم، وعَبْرَها سيخلق الله، رب العالمين، عالماً جديداً يَعْبُر يومياً في أحلامنا فقط، ويتمنى فقط لو أن الله يُعيدهم إلى صورتهم الأولى.
لا توجد مدينة تشبه سَطَّات، في ترابها وشمسها وفجرها وغروبها وهمس أوليائها المتحقق في النفوس الواسعة. في التفاتاتِ أهلها وتنهيداتهم التي تُسمع على الدوام خريراً مرة وهديراً مرات: بل تتحول تلك التنهيدات الحارة إلى رياح ورعود تهز أرضاً لا شبيه لها على امتداد الأرض، ربما في عالم آخر… نعم ، لأنها اسْتِعَارَةٌ هاربة تُناظرُ هبوب تاريخ طويل من عشرات القرون، قبل أن يُعَفِّرَ البُورْغواطيُّون دماءهم الطاهرة بترابِها ويهبون أرواحهم بسخاء للحياة القادمة».
عن «الحياة»