شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي

وطنيته و نضاله السياسي والعالم المجدد للنهج السلفي الصحيح
لقد أشرت في الحلقات التي كنت أنشرها في جريدة الاتحاد الاشتراكي وبعضها في موقعي الالكتروني الخاص، إلى الإصلاح السياسي وعلاقته بالإصلاح الديني، و المجدد للنهج السلفي الصحيح الذي يتزعمه العالم المفكر و المصلح المناضل المرحوم محمد بن العربي العلوي و آثاره العلمية و مشاركته في الجهاد المسلح ضد الاستعمار.
و في هذه الحلقة أود الإشارة إلى وطنيته التي يعتبر أبا لها في عهد الحماية والاستقلال، كان المرحوم يقول إن الإسلام ليس دين التجميد و الرجعية بل هو دين التقدم و التطور و التحرير والكفاح المستميت ضد جميع الأشكال البالية للحياة الجارية، يصلح لكل زمان و مكان، و أغلب رجالات الحركة الوطنية الذين كافحوا من أجل الاستقلال من تلامذته، خاصة أولئك الذين وقعوا على وثيقة المطالبة بالاستقلال . كانت علاقاته وطيدة بالثوار أمثال محمد عبد الكريم الخطابي و حمو الزياني و غيرهما، كما انخرط بمواقفه و مبادئه في مشروع حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الاتحاد الاشتراكي حاليا، و قد ترأس مؤتمره الأول 1962 و أطر التجمعات الجماهيرية التي ينظمها الاتحاد لمقاطعة أول دستور للمملكة سنة 1962 معتبرا إياه دستورا ممنوحا و مخالفا للشرع، و ما أحوج المغاربة إلى نماذج من طينة محمد بن العربي العلوي وعبد الرحيم بوعبيد وبن بركة و غيرهم رحمهم الله، و ذلك في الوقت الراهن، حيث يحتاج الحقلان السياسي و الديني إلى التأهيل و التخليق و التجديد والتطور لبناء دولة الحق و القانون و مجتمع حداثي بالفعل، و ليس بالنصوص و الخطابات التي لا تسمن و لا تغني من جوع، و ما زادت القائمين عليها إلا خبالا و ضلالا، وأفقدتهم الثقة و المصداقية من طرف المغاربة .
أما بالنسبة لوطنية بلعربي العلوي فيرجع إليه الفضل في إذكاء الفكر الوطني المغربي، و يتجلى ذلك في التمهيد الفكري والنفسي للحركة الوطنية التي قادها تلامذته من ذوي الثقافتين العربية الإسلامية و الفرنسية العصرية، كما يتمثل أيضا في إيجاد المناخ الديني المناسب الذي ساعد على ارتباط العمل الوطني السياسي بالعقيدة الإسلامية ارتباطا لا يزال قائما إلى عصرنا الحاضر.
أما الآن فقد أسندت الأمور إلى غير أهلها في مختلف القطاعات، وسعى هؤلاء في الأرض فسادا، وأغلبهم من سلالة عملاء الاستعمار، لا ينفذ الإيمان والحس الوطني إلى قلوب أغلبهم، و باتوا يستمتعون بخلاقهم كما استمتع الذين من قبلهم و خاضوا كما خاض سلفهم، و من تم نشأ الاختلاس و الفساد بجميع تمظهراته وأشكاله .
هذا فإن مساهمته الفعالة في هذا الإطار تدفعنا إلى أن نعترف بتأثيره في نجاح الحركة الوطنية الأولى التي انتهت باستقلال المغرب، و هوالذي فتح مجال الكفاح الوطني أمام الشباب الذين عرفوا بعد ذلك بالنضال الوطني من أمثال علال الفاسي و المهدي بن بركة و عبد الرحيم بوعبيد و أبو بكر القادري وغيرهم رحمهم الله، و نرجو الله ألا يهلك قوم هذا البلد الأمين بذنوب الظالمين و المنافقين والفاسدين كما أهلك قوم عاد و ثمود و أهل مدين و أصحاب الرس و المؤتفكات و قوم تبع لما عصوا أنبياءهم و رسلهم، لكن لحسن حظ المغاربة أنه لا تزال طائفة من المؤمنين و الغرباء ظاهرين على الحق لا يضرهم من خدعهم أو خانهم إلى أن يأتي الله بأمره، و هكذا يرى الشيخ أن الوطنية في المغرب لا يمكن تصورها و فهم تطورها إلا في إطار الإسلام، إذ أن المؤمن الذي تضبط الشريعة سلوكه الشخصي و حياة المجتمع الذي يحتضنه يرى سيطرة الاستعمار عليه و على وطنه عدوانا و اعتداء دائمين على حضارته المتصلة بدينه، و هكذا تبلورت فكرة الحركة الوطنية على أرض الواقع في الفترة ما بين الحربين العالميتين، حيث أخذت شكلها التنظيمي و العملي الذي مكنها في ما بعد من خوض معركة النضال من أجل استقلال المغرب، و قد قاد المعركة طلاب متشبعون بالفكر الوطني مع زمرة من التجار و الحرفيين و هم الذين خاضوا النضال وصاروا ينادون بإدخال إصلاحات و اتخاذ الترتيبات الكفيلة بتحسين أوضاع المغاربة المعيشية و السياسية وفتح المجال أمام الكفاءات لتتحمل المسؤولية في مختلف دواليب الدولة ووضع حد لسياسة الإقصاء و التهميش المتبعة حتى الآن من قبل سلطات الحماية و الاستقلال .
هذا و لم ينحصر دور الشيخ في نشأته السياسية والعلمية بل امتد إلى المغرب العربي، و قد سجل التاريخ مواقفه في المغربي العربي الكبير بأن ما بناه الاستعمار الفرنسي من قلاع في بلدان المغرب العربي كانت لهدم الإسلام وتمزيق الشعب المسلم العربي في مئة عام، ذلك أن جماعة المسلمين الذين أنتجتهم المدرسة السلفية الجديدة بزعامة شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي في أقل من عقدين من الزمن بسبب نشاطه العلمي و السياسي، وهي الحركة التي أسسها المرحوم، لاقت مقاومة شديدة من رجالات الاستعمار و عملائه وذلك بشتى الوسائل حيث كانوا يتلقون المساعدات و الاتاوات من المستعمرين، إلا أن المقاومين اتخذوا موقفا لمحاربة الفرنسيين و مناهضة عمل المتفاوضين المغاربة، وكان هؤلاء العملاء لا يترددون في استعمال الدين و الشعوذة لدى الجماهير لإقناعها بأن « الاحتلال منزل و قدر من الله» لأنهم كانوا يتوصلون بالهدايا و الأموال و يستفيدون من امتيازات، منها المناصب و الثروة بالإضافة إلى مناصب القياد في كل منطقة، و كان لهم نفوذ في مختلف المناطق ويتوفرون على الثروات المالية و الأراضي. و مما لا شك فيه أن هذا الوضع استمر بعد الاستقلال لأن الذين كانوا بالأمس عملاء هم الذين شكلوا قوة ثالثة في مغرب الاستقلال، و هي القوة التي تقف أمام كل تقدم للبلاد، و كل حكومة تحاول المس بمصالحها إلا و يتم إجهاضها فورا، الأمر الذي جعل المغرب يتخلف عن عدة مواعيد مع التاريخ، و من المؤكد أن المشكل الذي تعانيه البلاد مند الاستقلال إلى اليوم هو الانطلاق الخاطئ الذي كان منذ بداية الاستقلال، فالمغرب هو البلد الوحيد الذي لم تتول فيه الحركة التحررية الوطنية الحكم بعد الاستقلال، كما أن بعض أراضيه ما زالت محتلة شمالا وجنوبا، وأقول بصراحة ووضوح، أن الاستعمار عندما رحل ترك أذنابه في البلاد، ومصالحهم التي يتوفرون عليها لا تستطيع أية حكومة المساس بها، ومما يدل على ذلك تلك الضجة التي أثارها مختلسو المال العام بالمليارات لكن سراحهم أطلق و أفلتوا من العقاب، و في هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن الأموال العامة المختلسة لم يسبق استرجاعها منذ سنوات، و هو ما يشجع على اختلاس المال العام دون حسيب أو رقيب .
و من المواقف الجريئة التي سجلت بمداد من الفخر لشيخ الإسلام و لم يسبق لأي زعيم من المغاربة أن اتخذها، استقالته السريعة من منصبه كوزير للتاج، وقام بها الشيخ عندما لاحظ طوال السنوات التي قضاها بمجلس التاج أن وجوده في هذا المجلس لا منفعة فيه لأن الحكم أخذ ،حسب رأيه، اتجاها خاطئا فاستقال منه، و قد حدثت استقالته المفاجئة في الوقت الذي تأسست فيه كتلة سياسية يطلق عليها جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية» FDIK « وكانت تتكون من حزب الاستقلال و الحركة الشعبية و جماعة الأحرار المستقلين والحزب الديمقراطي ضد الحكومة التي يتزعمها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في شخص المرحوم عبد الله إبراهيم، و من أسباب الاستقالة أيضا اتهام الحكم و اعتقاله لبعض المقاومين في المنظمة السرية التي يتزعمها المرحوم الفقيه البصري ضد الاستعمار و الذي يجب على المغاربة أن يعرفوه.
أما ما لم يعرفه أغلب الساسة و الشعب المغربي هو أن حكومة الاتحاد الوطني لو لم يقع إجهاضها لكانت ضمت موريتانيا إلى المغرب كجزء من أراضيه من جهة، ثم إن قضية الصحراء المغربية المتنازع عليها ما كان ليقع افتعالها إطلاقا لو لم يقع حل جيش التحرير و المقاومة و إدماجهما في الجيش الرسمي، بل أكثر من ذلك، لكان المغرب بلدا صناعيا حيث إن حكومة عبد الله إبراهيم أعدت مشروع الصلب و الحديد بالناظور ناهيك عن ترسانة القوانين و الحقوق التي أقرتها هذه الحكومة . كما استمر شيخ الإسلام أيضا في انتقاد أولئك الذين يبحثون عن الغنى و الثراء على حساب الشعب، وأولئك هم الذين يزورون إرادة الشعب، فهم المستغلون و الاحتكاريون و الميكيافليون الذين دبروا المؤامرات و المحاكمات ضد المجاهدين الذين حملوا السلاح و ضحوا بأرواحهم ضد المحتل الفرنسي « هؤلاء هم الأزمة و هم قوى الجمود و هم أيضا عناصر الإفساد «، و هؤلاء هم الذين حكموا البلاد بالهاجس الأمني، وشنوا حملات همجية ضد الاتحاد طيلة أربعين سنة للقضاء عليه و أوصلوا البلاد إلى الحالة التي توجد عليها، و هو ما فطن إليه المرحوم الحسن الثاني الذي كان ملك البلاد طيلة تلك الفترة بعدما كادت البلاد أن تصاب بسكتة قلبية كما سماها.
و مما تجدر الإشارة إليه أنه بعد انشقاق الاتحاد الوطني عن حزب الاستقلال بتاريخ 29/1/1954 بزعامة المهدي بن بركة المختطف سنة 1965 تموقع الاتحاد في المعارضة منذ 1960، و دعا إلى إطار إسلامي و في حضارة عربية إلى نظام دستوري ينبني على الإرادة الشعبية. و كان التعبير الجماعي للحزب و مبادؤه هي التي جرت شيخ الإسلام ليصطف في صفوف الاتحاد. وقد قال عنه المرحوم عبد الرحيم بوعبيد « إن أستاذنا سي مولاي العربي العلوي هو رجل الأمانة و الثقة يشهد بها أصدقاؤه في المغرب العربي، وخصومه بأنفسهم يشهدون بدوره العظيم في تطوير الوطنية المغربية و في كفاحه ضد الاحتلال و الإقطاعية. وهناك أناس ليس لهم ماض أو انتهازيون يحاولون توسيخ اسم معنى الوطنية و الإسلام، و كان شيخ الإسلام يواجههم بقوله إن هؤلاء ليس لهم ضمير و لا روح. إن حضوره معنا سيكون سندا لتحمل المسؤولية التي كلفنا بها الشعب المغربي « .


الكاتب : علي المرابط الورزازي

  

بتاريخ : 29/09/2017