التسرب المدرسي معضلة تستعصي على الحل : كيف نُوقف النزيف؟ « 2/1

 

لا شك أن التطور المتسارع الذي تشهده مختلف الأنظمة التربوية في العالم -بما يستدعيه ذلك من مواكبة لجميع حقول المعرفة الإنسانية – قد فرض عليها تحديات جساما، على صعيد تجويد العرض التربوي وتحسين جاذبيته، وتمكين المتعلمين من مفاتيح العلم والمعرفة وتنمية قدراتهم الذاتية والمهارية، غير أن ذلك لن يتأتى إلا باعتماد سياسة تربوية واستشرافية، تواكب حجم الانتظارات والطموحات والتحديات، ونهج مقاربة شمولية، نسقية، قوامها الحكامة الجيدة، والتدبير بالنتائج وترسيخ ثقافة الإشراك، واستحضار الإكراهات والصعوبات، في أفق التقليص من حدة ظاهرة «التسرب المدرسي « باعتبارها ثقبا أسودا، ومعضلة تربوية واجتماعية ذات امتدادات خارجية، تخدش الصورة المثالية للمدرسة العمومية، وتحول دون انخراطها الإيجابي في مسار التنمية المجتمعية،.كما أنها تضع مبدأي تعميم التمدرس وإجبارية التعليم الأساس موضع تساؤل، فضلا عن مفهوم الجودة التربوية، وفاعلية مخرجات النظام التربوي، وحجم الإنفاق العمومي على قطاع التربية والتكوين، ومن ثم، نستنتج
أن التسرب المدرسي ظاهرة تربوية واجتماعية مثيرة للنقاش العلمي الرصين، الذي يتجاوز أسوار المدرسة، لينفتح على جميع مكونات المجتمع، بهدف تشخيص الأسباب واستشراف الحلول الممكنة.
ولعل تناول إشكالية من هذا الحجم، وبهذه الدرجة من التعقيد، يقتضي إعمال الفكر وتفعيل البحث التربوي التدخلي وامتلاك الأجوبة المقنعة عن الأسئلة الضاغطة التي تثيرها الظاهرة، نذكرمن بينها : لماذا يتسرب المتعلمون من المدرسة، ولماذا لا يقبلون عليها ؟ ماهي الأسباب المغذية لها والحلول الممكنة للتخفيف من حدتها ؟ إلى أي حد ساهمت التدابيرالمتخذة : مركزيا وجهويا ومحليا في تقليص الآثار السلبية للظاهرة ؟ تلكم بعض الأسئلة الملحة التي تقض مضجع الباحثين التربويين وغيرهم، مما يستدعي انخراط الجميع، ونهج حكامة جيدة، وتسريع وتيرة الإصلاح، واستغلال فرصة أجرأة التدابير ذات الأولوية.
نود في البداية، الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية، تتعلق بفوضى المفاهيم المستعملة في الخطاب التربوي وغيره من الخطابات، بما يسمها من تعدد واختلاف وتداخل وتقاطع وتناقض أحيانا، دون مراعاة ما يطرحه انتقال المفاهيم والنظريات من عوائق إبستمولوجية ومعرفية، قد تعيق الممارسة التربوية السليمة، إذ لا يكفي تغيير الخطاب الواصف، وإغراق مقدمات الكتب التربوية بهذا المفهوم أوذاك ، بل ينبغي العمل على توحيد دلالة المفاهيم التربوية، عبر إصدار معاجم تربوية تخصصية، مواكبة لكل المستجدات المعرفية (وإن توفر القليل منها) درءا لكل لبس أو تشويش أو سوء فهم، إضافة إلى تطوير آليات الاشتغال، وتغيير الممارسات والبنيات المستحكمة في المشهد التربوي، صونا لأصالة البحث التربوي التدخلي ونجاعته. ولعل مناسبة هذا القول، تجد مسوغها البيداغوجي والمنهجي في تعدد المفاهيم المحايثة لمفهوم التسرب المدرسي والمتقاطعة معه مثل الهدر والفشل والانقطاع والتأخر والتسرب…مما يشوش على عمليتي الفهم والتلقي،علما أن المفاهيم التربوية المتداولة باللغة الفرنسية دقيقة في هذا المجال
مفهوم التسرب المدرسي: يختلف مفهوم التسرب المدرسي من نظام تربوي إلى آخر، حسب طبيعة البلد وخصوصية السياسة التربوية التي ينهجها. ومن ثم، يعني التسرب في بعض الدول : «ترك المتعلم المدرسة قبل إنهاء الصف السادس، بينما يعني في دول أخرى : « كل متعلم ترك المدرسة قبل إكمال المرحلة المتوسطة» ، في حين، تشير بعض التعاريف إلى أن ا لتسرب ينطبق على « كل متعلم ترك المدرسة قبل إكمال المرحلة الثانوية « كما يعني : «هروب المتعلم أو تغيبه عن المدرسة دون عذر قانوني، ودون موافقة الوالدين، وذلك بشكل متكرر.» أما التعريف الذي أقرته منظمة اليونسكو، فيتمثل
في «انقطاع المتعلمين عن الدراسة في مرحلة دراسية معينة، قبل وصولهم لنهايتها.»، كما عرفته اليونسيف سنة 1992 : « بعدم التحاق الأطفال الذين هم بعمر التعليم بالمدرسة، أو تركها دون إكمال المرحلة التعليمية التي يدرسون بها بنجاح، سواء أكان ذلك برغبتهم أم نتيجة عوامل أخرى، وكذلك عدم المواظبة على الدوام لعام أو أكثر»، علماً أن هناك عددا من الدول، لم تحدد أنظمتها التربوية مفهوم التسرب المدرسي،ولم توثقه في أدبياتها التربوية
*مفتش التعليم الثانوي التأهييلي
المديرية الإقليمية بالناظور


الكاتب : ذ/ محمد بوصحابي

  

بتاريخ : 04/10/2017