رسالة مفتوحة إلى السيد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي
محمد الدرويش
المنظومة وأشكال التأمين
التزمنا بمناسبة الدخول الاجتماعي والسياسي 2017- 2018 بإثارة وتشريح مجموعة من الملفات التي تؤرق الرأي العام عموما واسرة التربية والتكوين خصوصا والاسر المغربية على وجه اخص وقد بدأنا بقضية « الماستر» ببعض مؤسسات التعليم العالي وما يشوبها من خروقات ادارية وبيداغوجية واخلاقية في بعض المؤسسات المعلومة والقليلة العدد لكن وقع الفعل يفضي الى التعميم واتهام الجميع .
واليوم نطرح ملف التامين المدرسي والعالي .
توطئة
يخضع التامين في المغرب لظهائر وقوانين ومراسيم واتفاقيات ومذكرات ودوريات بدءا من سنة 1942 ومرورا ب 1947 و1952 و1963 و2002 و2007 و2014 وغيرها وهو قطاع من القطاعات الخدماتية يهدف إلى حماية المواطنين وتعويضهم عن كل الأخطار التي قد يتعرضون لها بسبب الحوادث بحسب مقتضيات ما يتم التعاقد بشأنه بين المؤمن والمؤمن له أو المكتتب اما الدولة باعتبارها مشغلة ومؤمنة واما الشركات الخاصة باعتبارها كذلك .
أما بخصوص قضية تامين ثلاثي المنظومة التلميذ / الطالب والأستاذ والإداري / المستخدم فنقول إن الآمر يعني ما يفوق 8 ملايين شخص هاته السنة موزعين على ما يقارب 14000 مؤسسة من اسلاك التربية والتكوين .
التامين والتربية الوطنية
كل بداية سنة دراسية يطلب من آباء وأولياء التلاميذ تسجيل أو إعادة تسجيل أبنائهم فيتم أداء عن كل تلميذ على الأقل 85.00 درهما وتصل في بعض المؤسسات الى 180.00 درهما توزع غالبا كما يلي :
رسوم التسجيل.
الاشتراك وضمان الخزانة.
التامين المدرسي والرياضي.
الجمعية الرياضية المدرسية.
واجب اقتناء الوثائق المدرسية.
الأنشطة الثقافية والرياضية والترفيهية.
واجب جمعية الآباء.
كما ان هناك تنظيمات موازية تم انشاؤها بمبادرات فردية وجماعية يعهد لها بمهام دورية او دائمة وجب التدقيق في مسارها ومهامها وحساباتها وانتظامية ودورية التام اجهزتها ونذكر على سبيل المثال الجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية والتي تم تاسيسها سنة 1996 بموجب ظهير الحريات العامة والتي يراسها السيد الوزير نفسه . والجمعية المغربية لدعم التمدرس وجمعيات مدرسة النجاح .
لن نخوض الآن في تفاصيل وواقع ما يجري في مجموعة من الرسومات التي ذكرنا فسنعود إليها في مناسبة أخرى إذ هناك مجموعة من المؤسسات تتوصل بهاته الواجبات المالية ولا توفر الخدمات المقابلة لها مما يجعل عدة مديريات وأكاديميات ومؤسسات والوزارة حتى توفر ارصدة مالية بل وقد تكون تصرفها بدون وجه حق و من ثم للمواطن / المتتبع / المسؤول الحق في المعلومة .
أما بخصوص التامين فان مجموع موارده المالية السنوية تقدر ب 70 مليون درهما بمعدل 10.00 لكل تلميذ تم التعاقد بشأنه مع شركة وطنية خاصة للتامين بموجبه يفترض تامين كل التلاميذ حسب لوائح اسمية تقدم للمؤمن بداية كل سنة والذي يسلم للمكتتب شواهد التامين في صوروثائق تدل على وجوده وتبين الشروط العامة والخاصة بين الطرفين تنفيذا لمقتضيات عقود التامين وهو الاتفاق المبرم بين الطرفين بهدف التامين على الحوادث والأخطار.
ومن المفروض أن التامين المدرسي يهم كل تلميذ – سلم اسمه الى المؤمن – قلب المدرسة وبمحيطها وأثناء الرحلات والخرجات والتظاهرات الثقافية والرياضية والترفيهية وغيرها. اي انه يهم كل ما يقع للتلاميذ بل انه يهم كل الأفعال التي يتسبب فيها التلاميذ أنفسهم مؤدية إلى أضرار لدى الاغيار من أساتذة وإداريين ومفتشين ومستخدمين وكل زوار المؤسسة كما انه يهم الأضرار التي قد تصيب الأماكن والمنقولات من سيارات وغيرها بسبب أفعال التلاميذ بل انه يهم كل ما يمكن ان يسبب أضرارا للتلاميذ أنفسهم بسبب التسممات الغذائية .
النقل المدرسي والتأمين
من المفارقات التي تعيشها منظومتنا التربوية ان التعليم العمومي يؤمن على تلاميذه بما يقدر ب 12.00 درهما وهو المبلغ الذي يسلمه الأب / الولي للإدارة التربوية سنويا ( هذا هو المعدل إذ هناك من يؤدي 8.00 و14.00 درهما ) في حين انه يتم أداء بين 500.00 درهما و3000.00 درهما في التعليم الخصوصي واجبات التامين والأمر يعني ما يقارب 800000 تلميذ من رياض الأطفال إلى الثانوي التاهيلي دون أن تظهر – دائما – قيمة هاته المبالغ حين يتعرض بعض التلاميذ إلى احداث مدرسية أو حوادث السير عبر النقل المدرسي الخصوصي أو حين وقوع أضرار للاغيار.
وهنا لا بد من التوضيح أن ثمة مغامرة ومخاطر يتعرض لها التلاميذ أربع مرات في اليوم وهم يركبون وسائل النقل المدرسية للتعليم الخصوصي والتعليم العمومي في بعض الأقاليم إذ غالبا لا يتم احترام مقتضيات التامين على سيارات وحافلات النقل والتي من بينها ان التامين يكون على عدد الركاب الخاص بوسيلة النقل والمبين غالبا في بطاقتها الرمادية وكذا وقت التصنيع وعليه فان نقل أي شخص زيادة يؤدي إلى إسقاط التامين على كل المخالفات أو الحوادث التي تقع علما أن المسؤولية المدنية تقع على السائق ورئيس المؤسسة .
طلبة التعليم العالي
ما يثير الانتباه بخصوص تامين طلاب مؤسسات التعليم العالي ما يلي
التعليم العالي بعد 60 سنة من التأسيس يبلغ هاته السنة او السنة المقبلة على اقصى تقدير المليون طالبا واكثر والعدد الحالي موزع كما يلي
1/ التعليم الجامعي ذو الاستقطاب المفتوح ما يقارب 810000
2/ التعليم الجامعي ذو الاستقطاب المحدود ما يقارب 120000
3/ المؤسسات غير التابعة للجامعات ما يقارب 30000 طالبا .
4/ التعليم العالي الخاص وشبه الخاص 40000 طالبا .
يستفيد منهم من الخدمات الاجتماعية بين العام والخاص وشبه الخاص اقل من 100000 طالبا إيواء وإطعاما .
الأطر التربوية والإدارية والتأمين
يخضع الموظف والمستخدم بالمؤسسات التربوية سواء في التعليم العمومي او الخصوصي لمقتضيات ظهير1927 و1943 و1947 و1958 و 1967. وكلها ظهائر تبعها إصدار قوانين و مراسيم ومذكرات ودوريات داخلية تؤطر عمليات حماية الموظف والمستخدم من المخاطر والاحداث التي قد يتعرض لها اثناء قيامه بعمله . هذا وتعد قطاعات التشغيل والوظيفة العمومية والبيئة والصحة القطاعات الأكثر تدخلا في قضايا الصحة والحماية في الشغل ويعد الموظفون والقطاعات المشغلة والنقابات من خلال اللجان الثنائية الشركاء الأساس في تدبير ملفات الموظفين والمستخدمين.
وبما ان الدولة تعتبر مؤمنا على كل الموظفين وتلزم كل المؤسسات المشغلة التامين إجباريا على كل المشتغلين لديها . وهو ما يترجمه مرسوم 1963 المتعلق بحوادث الشغل الذي يؤكد على الزامية التامين ويبين الحالات التي يجب فيها التعويض وهي الوفاة والعاهة المستديمة والجروح وكذا التعويض عن العمل مدة الانقطاع وهو تامين إجباري وليس اختياريا ويطبق حين حصول أي حادث إما قلب المؤسسة او حين يكون المعني في مهمة أو في الطريق المؤدي من سكناه إلى مقر عمله ذهابا وإيابا .
أما بعد إن واقع الحال يصدح بوقائع مؤلمة تسيء لمغرب القرن الواحد والعشرين وتناقض وتعاكس ما يريده جلالة الملك محمد السادس لأفراد آسرة التربية والتكوين والذي أشار إليه في كل خطبه السامية منذ 1999 إلى اليوم .
فتامين التلاميذ غالبا ما يكون مصير المصاب منهم الإهمال والتسويف والمماطلة والمراوغة في تطبيق مقتضيات العقد المبرم إن اطلع عليه الأب / الولي . ومؤسساتنا المدرسية والجامعية لا تتوفر على مقومات الإسعاف الأولي ولا على اتفاقات مع مؤسسات الخدمات الصحية ولا وسائل نقل وإسعاف لمواجهة ما يصيب التلاميذ والطلاب من تسممات غذائية تحصل هنا وهناك .
وطلابنا وتلاميذتنا في الأقسام التحضيرية والمؤسسات الجامعية يعانون في صمت في الداخليات والأحياء الجامعية والمطاعم و النقل المدرسي والجامعي والحياة الثقافية والرياضية والترفيهية وفي المقابل نطالبهم بالتحصيل والجودة والبحث العلمي .
والأخطر من ذلك أن أكثر من نصف طلاب التعليم العالي غير مؤمنين أصلا كما هو الحال بالنسبة ل 90 في المائة من طلبة التعليم الجامعي ذات الاستقطاب المفتوح ولا يتوفرون على تامين خاص بهم رغم ما قد يصيبهم جراء اشتغالهم في المختبرات والرحلات الميدانية وكذا الاصطدامات التي قد تقع هنا وهناك من مثل ما وقع بمراكش وفاس والقنيطرة ووجدة.
يجب ان نستحضر كذلك ان طلاب وتلاميذ واساتذة ومخبريين وتقنيين في تخصصات العلوم والتكنولوجيا بكليات العلوم والمدارس العليا والاقسام التحضيرية والثانويات التاهيلية يتعرضون يوميا لأخطار المختبرات ذات المواد الكيميائية والفزيائية والبيولوجية بما تحتوي عليه من مواد خطيرة من مثل الاحماض والمواد السامة والحارقة والمشعة والمسببة للسرطان ناهيك عما يمكن ان يقع في بعض المختبرات من مخاطر الزجاج والميكانيكا والكهرباء والغازات المضغوطة …ونسجل هنا ان مجموعة من مختبراتنا لا تتوفر على قواعد الامن والسلامة ولا على اجهزة الوقاية والحماية ولا على حقائب الاسعافات الاولية …
لقد عاشت مجموعة من مؤسساتنا التربوية عدة ماسي انتهت بإصابات بعض الطلاب والتلاميذ والاساتذة والاداريين بجروح وحروق وعاهات مستديمة بلغت في حالات قليلة الى الموت .
فان كانت بعض المؤسسات بدأت تشترط على طلاب الماستر والدكتوراة اداء واجبات التامين بصفة فردية فإننا نسجل بألم واسف عدم توفر الاستاذ والموظف والمستخدم على تامين عن حوادث الشغل .
بعد كل هذا نوجه الى الحكومة الرسائل التالية على شكل أسئلة واقتراحات متضمنة لمطالب استعجاليه حتى لا تقع كارثة ونتجنب نتائج المخاطر والحوادث
1/ فتح ورش التامين في القطاعين العام والخاص مع مراجعة الترسانة القانونية المنظمة له لتجاوز الثغرات المسجلة في الوضعيات الحالية وبما يلائم العصر مع تبسيط المساطر والإجراءات المصاحبة لعمليات التامين وحماية المؤمنين .
2/ تعميم التامين على حوادث الشغل واجباريته على كل مكونات ثلاثي المنظومة التلاميذ والطلاب / والاساتذة والمتعاقدون / والاداريون والمستخدمون مع ضرورة ضمان التعويض عن الاخطار ( prime de risque ).
3/ تسليم كل مؤمن / الأب أو الولي/ او الطالب او الاستاذ او الاداري نسخة من وصل التامين وعقده.
4/ توفير متطلبات الإسعافات الأولية في كل المؤسسات من أدوية واطر طبية مع ضرورة توفر كل جامعة على ممرض قار وطبيب زائر أسبوعيا .
5/ تامين المؤسسات التربوية والإدارية في المناطق الجبلية والوعرة ضد البرد والعواصف والأخطار المرتبطة بالمناطق الموجودة بها .
6/ اشتراط المكتتب على المؤمن تخصيص نسب مائوية سنويا لدعم الحياة المدرسية والجامعية واصلاح مؤسسات بعض المناطق تحتسب بالنظر إلى عدد الحوادث المدرسية والجامعية .
7/ الإسراع بتطبيق مقتضيات الجهوية واللامركزية وتمركز في موضوع تدبير عمليات التامين وذلك بتكليف كل أكاديمية وجامعة بالموضوع .
8/ فتح تحقيق دقيق في كل عمليات استخلاص رسوم التسجيل والتي تقدر ب (150.00 مضروبة في 8.000.000 تلميذ وطالب بمبلغ ( 1.200.000000 ) بمختلف أنواعها في المؤسسات المدرسية والجامعية وتعميق البحث في المبالغ المالية المستوفاة وطرق صرفها وتدبير مدخراتها …
9/ البحث المعمق في مصير مشروع التغطية الصحية ل 250000 طالبا الذي طبلت له كثيرا الحكومة السابقة ولم تتمكن خلال 3 سنوات من تجاوز 22000 طالبا؟.
10/ فتح ملفات التنظيمات الموازية تدبيرا وتسييرا ومالية وانتظامية .
ونحن نثير هاته الملفات المؤرقة فإننا لا نتهم احدا ولكننا نعلن عبر ذلك انخراطنا اللامشروط في محاربة الفساد والمفسدين والذين تسللوا الى جسم اسرة التربية والتكوين وتبذير الامكانات والطاقات . اذ لا يمكن ان يتقدم مجتمعنا ويتطور ويبلغ مصاف الدول المتقدمة الا بالاهتمام والعناية بأسرة ثلاثي المنظومة . ومن ثم وجب ايقاف كل هدر للطاقات والموارد المادية والمالية اذ ليس لنا عجز في مالية التربية والتكوين بل العجز كل العجز في حكامة وشفافية تدبيرها. ولنا امثلة كثيرة على ذلك . اننا بدعوتنا هاته نريد ان يقع التمييز والفصل بين من يخدم وطنه ومن يخدم نفسه ويخذل وطنه. وهم قلة عددا لكن افاعيلهم تسيء لنا جميعا .
ولنا عودة لقضايا المنظومة في ملفات اخرى.
* الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي قبلا
رئيس جمعية الخدمات الاجتماعية للتعليم العالي . مختص في قضايا التربية والتكوين.
الكاتب : محمد الدرويش - بتاريخ : 09/10/2017