هو مخرج وكاتب مسرحي، ممثل وزجال، أستاذ في المهنة والهواية والحياة، وتلميذ دائم في التعلم والتواضع والأوتوقراطية أيضا، لكنه أبدا إنسان طاعن في إنسانيته، طالع في المحبة والنخوة والرفعة والشهامة.
هو أشهر من نار على عَلَمِ بويبلان وتوبقال، حتى قاسيون وجبل الشيخ، والجبل الأخضر، مفرد بصيغة الجمع، ومتعدد بصيغة المفرد، ابن تازة البار ومُوقظها إن استكانت للهامشية المفروضة عليها، وانغمست في همها الشقي والشرقي، وكلها في الشرق همُّ. فهو عَلَمٌ من جبالها الشوامخ، وصوتُها الطلْقُ في مسارح الأرض، مشارقها ومغاربها، أبدًا مَبتَهِجٌ ومُبهِجُها وإن ضاقتْ مَضَايقُها.
إنه محمد بلهيسي الفنان قبل الإنسان، أو الإنسان قبل الفنان، أو هما معا سيَّان، مثل واحد.. لكن مختلطان!
خلوقٌ، خدوم، كريم حليم، سعيد مُسعد، أنيق نبيل، نظيف ظريف، نَقِيٌّ، صَفِيٌّ ومن صفوة الأصفياء، ثابت على إنسانيته لا يبدل تبديلا، ويبذل الغالي والنفيس لجعل هذا العالم أفضل. إنه كريم، وابن الأكرمين، لذلك، حسنًا فعل أصدقاؤه ومحبوه، وزملاؤه في الهم المسرحي، من مخرجين وكتاب ونقاد وباحثين وصحفيين، حين عمدوا إلى تكريمه، أولا، بمقاربة تجربة فنان مشهود له بالكفاءة والحرفية والمهارة والإتقان، رغم تعدد مواهبه، ومحاولة تسليط الضوء على عطاءاته الكبيرة في خدمة الفن المسرحي كتابة وتمثيلا وإخراجا. وثانيا بجمع هذه الدراسات والأبحاث والشهادات في كتاب، يكون مؤنسا للقراء ومرجعا للباحثين المهتمين بالمجال المسرحي، للتعرف على تجربة هذا المبدع وأعماله المسرحية، وإغنائها بالبحث والتدقيق والتمحيص، فجاءت هذه الأضمومةناضحة بالغنى، وناطقة بتعدد جوانب التجربة، وتعدد مواهب صاحبها، مدثرة بعنوان جميل، ويعلي من شأن الجماليات: «الجماليات المسرحية في تجربة المخرج المسرحي محمد بلهيسي – دراسات وشهادات».
طيب، لنفتح الكتاب، ولنحاول تصفحا سريعا أن نقبض على بعض ملامح هذا الفنان الأصيل. كما رسمتها أقلام المشاركين فيه من الكتاب. ولنبدأ بجمال بوطيب:
«عرفت محمد بلهيسي عن قرب فاعلا ثقافيا في مدينة تازة ومنظما محنكا لمهرجانات الوطن، ومخرجا عربيا يحسب له ألف حساب في مهرجانات المسرح العربي، ورصيده البيبليوغرافي من مشاركات وجوائز يشهد له بذلك، ويغني عن السرد».
الدكتور سعيد كريمي يرى أن بلهيسي «قد برهن في مناسبات عديدة عن قدرات خارقة في مجال الاخراج المسرحي، عبر اختيارات جمالية تقوم على الاندهاش والفانتازيا المسربلة بتنويعات سينوغرافية، تبدأ بالديكورات الفخمة المرتبطة اساسا بالمعمار المغربي والعربي الأصيل، والألبسة التقليدية التي تعد سفيرا للزمان والمكان، وعنوانا للفرد من حيث انتماؤه الاجتماعي والثقافي، واختياراته الجمالية، دون إغفال الاغاني والمرددات المستوحاة من أزجاله أو من القطع الغنائية التراثية المعروفة».
وينتبه الدكتور بوجمعة العوني الى أن المحتفى به محمد بلهيسي ”«ربما يكون من المخرجين المسرحيين المغاربة القلائل الذين مازالوا يراهنون على الزخم أو القيمة الجمالية المكثفة للعرض المسرحي في ترسيخ الفرجة الفنية، وتأصيلها في المشاهدة الراهنة بالمفهوم والشكل اللذين كانا لها في بداياتها الإغريقية الأولى، بكل الأبعاد الطقسية والإنشادية وملحمية اللغة والفعل الإنسانيين (…) لقد ظلت تجربة هذا المخرج بعيدة عن كل أشكال التقشف في الرؤية الإخراجية وعناصر تأثيث الخشبة وتنماز باسرافها الجمالي».
أما شيخ نقاد المسرح الدكتور عبد الرحمن بن زيدان فيرى أن «محمد بلهيسي يبقى القابض على جمر ومتعة اللحظات الجميلة في التعامل مع الزمن المسرحي بعد أن يكون قد تصرف بحكمة في إعادة كتابة النص المسرحي، اعتمادا على تقنية التقطيع النصي والتفكيك وإعادة البناء، وهي الاشتغالات التي كانت تساعده على إخراج الفرح من الفرح ليتجلى فرحا، ويخرج المأساة من المأساة حتى تظهر مأساة، ويبني السخرية بالسخرية لتكون متوازنة ومناسبة لموضوع الفرجة، ويخرج الطقس الشعبي من شعبيته ليودع في سحر الطقس المسرحي».
ويعود الدكتور رشيد بناني الى سبعينيات القرن الماضي، حيث عرف المسرحي والزجال الأستاذ محمد بلهيسي الذي «”كان وقتها صوتا ثقافيا شابا ووجها فنيا صاعدا في مدينة تازة وفي المغرب عامة، تستقطبه هوايتان اثنتان تتكاملان في تكوين شخصيته العمومية المحببة، هما التمثيل والإخراج المسرحي من جهة، ثم النظم الزجلي وغناء المجموعات الشبابية من جهة أخرى».
الدكتور عبد الواحد بويرية يقبض على جانب آخر من المحتفى به، ويتعلق الأمر بجانب إدارة التداريب الوطنية للمسرح وما حققه من نجاحات باعتباره «”عنصرا فاعلا في المسرح العربي والمغربي، ليس فقط إبداعا وإخراجا وتمثيلا، ولكن كفاعل حقيقي في بناء الهياكل التنظيمية والإدارية للمسرح إقليميا ووطنيا ومحليا، ويعتبر من مؤسسي الفرق المسرحية الأولى بتازة.
ومن جهته يرى الدكتور مصطفى رمضاني أن محمد بلهيسي هو ”«مبدع ساهم بشكل كبير في تطوير الحركة المسرحية المغربية والعربية، وقد تنوعت هذه المساهمة بين التأليف والإخراج والتشخيص، كما تنوعت هذه المجالات نفسها.
بين أصناف عدة، تراوحت بين مسرح الهواة والمسرح الاحترافي ومسرح الأطفال والملاحم، هذا علاوة على أنه زجال يكتب قصائد الملحون وفنان تشكيلي غالبا ما يؤثت فضاء عروضه المسرحية بكتاباته السينوغرافية ذات الأبعاد الكرنفالية، وهو بذلك يعد فنانا شاملا كأنه يترجم بحق مقولة كون المسرح أب الفنون«.
ومن أجل استكمال صورة هذا الفنان كما يرسمها الكتاب، إليكم باختصار هذه الشذرات:
« لقد خبر بهيسي دروب التمثيل، ومقامات الغناء والإنشاد الجماعي، وتلون عن جدارة في صنوف الإخراج وحيله ومؤثثاته، هواية واحترافا. عاشق للمسرح ومعشوق له، يصنعان في كل مرة دهشة اللحظة الفرجوية« « الدكتور ابراهيم عمري.
« الفنان الموهوب الدرامي محمد البلهسي من المسرحيين المغاربة المرتبطين بمدينتهم فنيا وانتماء وحبا، حيث تشكل تازة بالنسبة إليه مرجعا إلهاميا وركحا جماليا وكنزا معرفيا وحافزا وجوديا لتكون المدينة حاضرة في تشكيل تجربته وفي الرفع من قيمته الفنية«. الدكتور يحيى عمارة.
« فعلى مستوى التأليف الدرامي، كتب محمد بلهيسي مجموعة من الأعمال منها: مقام النور، والمنسي، وباب الدنيا، وسوق المزاد وجزيرة الأحلام، ومجانين البلاد، وليلى والراوي والذئب وشياطين الحكاية وغيرها. وهو في كتابته النصية والركحية يكتب بروح الشاعر المبحر في اللغة، بحثا عن جواهر الكلم« « محمد السغريشني.
«إن ما يرهن قيمة محمد بلهيسي أنه حتى وإن كان من بين أوائل الفنانين الذين وقعوا البيان الأول لجماعة المسرح الاحتفالي في مارس 1979 بمراكش، إلا أن انخراطه في هذا التيار كان سابقا لزمن التنظير بسنوات« «د. أمل بنويس.
« محمد بهليسي عاشق للحرف والركح برؤيته الاحتفالية المنفتحة على بيانات أخرى في النصوص التراثية كما في الفكر الحداثي الانساني وفي جماليات الكون بتأصيل يتنافى مع مفهوم التكريس« « بديعة الراضي.
« كلما التقيت محمد بلهيسي يسألك عن الحال والمآل، ويبادر إلى دعوتك، أريحي وكريم ويحب أصدقاءه وهو رجل فوق هذا وذاك فاعل ثقافي، حيث نظم كثيرا من الملتقيات والندوات والأيام الدراسية والجوائز على رأس وزارة الثقافة بتازة، تازة التي تعرف به ويعرف بها في الأوساط الثقافية، تازة العامرة بالبهي بلهيسي»« د. أحمد شراك.
إنها مقتطفات وشذرات مجتزأة كما اتفق ومقتطعة خارج السياق وبتسرع، قد يكون فيها بعض التجني على ما يزخر به الكتاب من معطيات ودراسات وشهادات، لكن ما يشفع لي لدى الأساتذة والباحثين هو المعني بهذا الكتاب الذي حاولت أن أرسم له بورتريها من خلالكم، محبة له ولتازة الشامخة وهي مقتطفات بمثابة دعوة لقراءة كتاب «»الجماليات المسرحية في تجربة المخرج المسرحي محمد بلهيسي« «، ومصاحبة هذا الفنان المبدع والأصيل ولو عبر ورق المطالعة.
قراءة في كتاب”الجماليات المسرحية في تجربة المخرج المسرحي محمد بلهيسي” .. جوانب من عطاءات فنان متعدد المواهب
الكاتب : عبد الحميد بن داوود
بتاريخ : 13/10/2017