يتخذ المكان في المجموعة القصصية «شجرة القهر» للروائي والقاص المغربي محمد كروم بعدا رمزيا يطفح بكل معاني الفقر والبؤس، يقول السارد: «فهو وحده في هذه النقطة المنسية… جلس كما لا يجلس عادة على صخرة مستطيلة، يجلس عليها معلم القرية». فالقاص يجعل من نسخ الواقع المتقلب، والمكان المتغير، جسرا لكشف خيبة الإنسان. غير أن النسخ هنا يقوم على بلاغية إبداعية، ولهذا «يبدو النسخ عملية تبعث على الارتياح، بل له مصدر للذة».
العالم متعدد الأماكن، غير أن تعدده خادع، ماكر، ظاهره غير باطنه. إن المكان في حاجة لمن ينقله، يعبر عنه، يكسر وحدته. وهذا ما فعله القاص محمد كروم، فالبادية، القرية، الحقول، المدينة، كلها أمكنة تتوزع داخل هذه المجوعة القصصية. فإذا كانت القرية / البادية تتسم في بعدها الرمزي بالقهر، فالمدينة أيضا باعتبارها وجها للحضارة، فإنها لا تخلو من زيف وانكسار، «وأخيرا غادر مدينة البيضاء مخلفا وراءه شلوا من سنوات المذلة والانكسار».
وتتناغم شخصيات «شجرة القهر» مع المكان، الذي يضفي عليها المسخ، قال السارد « ومضت الأيام وبوعزة كالنملة يقضي سحابة يومه في ترميم بقايا البيت المتهالك». غير أن المتتبع لأحداث المجموعة يرى أن الشخصيات الحيوانية أصابها أيضا المسخ والتشوه، إنه تشوه يلف الزمان المكان، والإنسان والحيوان، «حمار هزيل غائر العينين يلوك بعصبية بردعته، بغل أعرج يحاول جاهدا أن يفك قيده ليشارك الحمار وليمته».
البادية مكان تجتمع فيه كل صنوف القهر والمعاناة، البادية مقبرة الأحياء، «جيف أغنام الماعز مترامية في الحفر. هياكل عظمية متناثرة في كل الجهات». إن البادية «شكلت إمكانية البحث في تصور العالم الممكن». أي أن هذا الكائن (الحزن، البؤس، القهر…)، قد يتحول إلى عالم ممكن، عالم يسود فيه الأمل، الحب، الحياة. إنه باختصار شديد عالم اللاقهر.
يبدو أن المكان (البادية، القرية، المدينة…)، واقع يعيشه السارد، يعيش تفاصيله، ويكتوي بناره. إنه اللامعنى أو القبح، إنه «القول الذي يرى أن القبح يولد الجمال». جمال يولد من جحيم المعاناة، جحيم لم يمنع شخصيات المجموعة القصصية من الضحك، «ضحك الاثنان كما لم يضحكا منذ زمن بعيد». غير أن الضحك لم يستمر، فالمكان ثقيل، والجرح أعمق، «لكنهما تذكرا معا فاتورة الكهرباء فانطفأت الأسلاك، واختفت الرغبة».
إن شعرية المكان في «شجرة القهر»، تجعل القارئ يدخل في تفاعل مع النص، تجعله يتخيل عوالم المكان «بشكل يولد لديه المتعة، «ولهذا غالبا ما يكون لدينا انطباع ونحن نقرأ، بأننا نعيش حياة أخرى».
هكذا يشعرنا المكان بغرابته وفداحته. المكان متاهة عنيدة، وشيء مغري، يخدعك ظاهره ويصفعك باطنه. شعرية المكان في «شجرة القهر» للروائي والقاص المغربي محمد كروم، لعمري هي المركب، وتأويله مجاذيف، والقارئ قائده.