في اللقاء التشاوري البرلماني الإفريقي حول « المناخ والتنمية المستدامة، من الاتفاقيات إلى العمل : رؤية البرلمانيين الأفارقة»..
قال رئيس مجلس النواب الحبيب المالكي إن البرلمان المغربي دعا إلى اللقاء التشاوري البرلماني الإفريقي حول : « المناخ والتنمية المستدامة، من الاتفاقيات إلى العمل : رؤية البرلمانيين الأفارقة» إدراكاً منه لحجم التحديات التي تواجهها قارتنا جراء الاختلالات المناخية، ووعيا بضرورة الترافع البرلماني من أجل مصالح شعوبنا، وإسهاما أيضا في الحركة العالمية العازمة على تفعيل استراتيجية تهدف إلى إنقاذ الإنسانية جمعاء.
ومعلوم أن هذا اللقاء يأتي عشية الدورة 23 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة – الإطار حول التغيرات المناخية (cop 23) التي ترأسها فيجي وتحتضنها بون بألمانيا.
وفي هذا الإطار ذكر المالكي أن تنظيم هذا اللقاء الذي ينبغي أن يُتَوَّجَ بوثيقة تعكس الموقف الإفريقي الـمُطالب بضرورة إقرار عدالة مناخية بالملموس، يؤكد التزام المغرب الثابت من أجل حقوق القارة وتقدمها، مذكرا بقمة العمل الإفريقية الأولى التي دعا إليها وترأسها جلالة الملك يوم 16 نونبر 2016 على هامش الدورة 22 لقمة المناخ في مراكش، والتي توجت ببيان ختامي هو بمثابة رؤية استراتيجية لما ينبغي القيام به لفائدة إفريقيا في مواجهة انعكاسات الاختلالات المناخية.
وأضاف أن هذه القمة كانت حلقة في سلسلة المبادرات المغربية الملموسة في القارة المجسدة في مشاريع الشراكة والتعاون المؤطرة بما يزيد عن 1500 اتفاقية وبروتوكول، أكثر من ألف منها وقعت منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش، كما تجسد هذه الترسانة من الاتفاقيات والتعاقدات الحرص المغربي الثابت على تفضيل التعاون جنوب-جنوب، و التعاون المنظم والمتفاوض بشأنه والإرادي مع إقران الكلام بالفعل.
واعتبر المالكي أن الهدف من اللقاء هو الترافع من أجل إفريقيا، من أجل مصالح الشعوب الإفريقية، ومن أجل مستقبل إفريقيا، مضيفا أنه بعد اتفاق باريس التاريخي الذي توج الدورة 21 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة -الإطار للتغيرات المناخية، وبعد اعتماد خطة العمل الدولية في الدورة 22 بمراكش، لا تزال بلدان قارتنا تتطلع إلى عدالة مناخية حقيقية وإلى الوفاء بالالتزامات المالية لفائدة إفريقيا حتى تتمكن من مواجهة الاختلالات المناخية. فالأمر يتعلق بحق أساسي دشن لجيل جديد من حقوق الإنسان والشعوب.
وقال بهذا الخصوص إنه إذا كانت قارتنا قد تمكنت من تحقيق التقدم في عدد من المجالات وتجاوز عدد من الصعوبات التي واجهتها خلال عقود من قبيل النزاعات الداخلية والعابرة للحدود في عدد من البلدان، فإن راهنها ومستقبلها لا يزالان مرهونين بثقل معضلات الحاضر.
فقارتنا الإفريقية التي لا تتجاوز مساهمتها في 4% من مجموع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ( 40 في المئة منها مصدرها دولة واحدة)، فهي الأكثر تضررا من هذه الاختلالات المناخية الذي تسبب فيها الآخرون الذين استفادوا من التصنيع وما ينجم عنه من تلويث وإضرار بالبيئة وإجهاد للتربة واستغلال مفرط للثروات البحرية.
أما مظاهر هذه الانعكاسات على إفريقيا، يضيف رئيس مجلس النواب، فإنها لا تحتاج إلى كبير عناء للإثبات : تراجع الغطاء الغابوي، وتوسع رقعة التصحر ونضوب عدد من منابع المياه من بحيرات وأنهار أو تقلص مخزوناتها وإجهاد التربة، وجفاف هيكلي، وأحيانا فيضانات مهولة.
وإلى جانب كون هذه الظواهر الطبيعية تدفع فئات واسعة من السكان إلى الفقر وتحرمها من مصادر الدخل، خصوصا في الوسط القروي، فإنها تتسبب في موجات نزوح جماعي وهجرة إلى المدن وأخرى عابرة للحدود وللقارات، مع تداعيات ذلك على التعمير وعلى الاستقرار الاجتماعي والأمن.
وتعتبر النساء والأطفال وسكان المجالات القروية، يوضح المالكي، الفئات الأكثر هشاشة وتعرضا للتداعيات السيئة للاختلالات المناخية، فيما يتعرض المزارعون لخسائر فادحة جراء ضياع المحاصيل ما يدفع عدداً كبيراً منهم إلى البطالة والهجرة و الفقر. و تهدد انعكاسات الاختلالات المناخية على الفلاحة، الأمن الغذائي في القارة، وهو الهش أصلا، كما أن من شأنها كبح الديناميات التي قد تشهدها قطاعات أخرى.
وأشار المالكي إلى أنه إذا كان التعويل على الفلاحة رهانا مركزيا في دفاعنا عن مصالح قارتنا، فإن مرد ذلك إلى الدور الحاسم والمركزي للقطاع في الأمن الغذائي والتشغيل و استقرار الساكنة، مضيفا أن هذا الرهان لا ينبغي أن ينسينا الدور الحاسم الذي يمكن أن يقوم به إنتاج الطاقة من المصادر النظيفة، الشمسية خاصة. وأمام العجز الكبير في تزويد الساكنة في عدد من بلدان القارة بهذه المادة الحيوية، ينبغي أن نربط هدف تعميمها بإنتاجها من مصادر متجددة.
وضمن ما تحتاجه إفريقيا من تجهيزات أساسية، تحتاج إلى بنيات تعبئة المياه والحفاظ عليها و تعميم الماء الشروب على السكان فيما تشكل المحيطات التي تحيط بالقارة مصدرا استراتيجيا للغذاء و للتشغيل و لضخ ديناميات جديدة في أنشطة خدماتية وتجارية.
وأكد رئيس مجلس النواب أنه إذا كان التمويل يبقى الحلقة المفقودة في مجموع الاستراتيجيات التي يمكن تنفيذها في هذه القطاعات، فإن ذلك رهين بتوفر الإرادة السياسية لدى القوى الكبرى والمانحين الدوليين الذين عليهم أن يدركوا أن الأمر يتعلق بالاستثمار في المستقبل المشترك وباقتصاد جديد يساعد على إنقاذ الإنسانية.
وأشار المالكي إلى أن المفاوضات بشأن التغيرات المناخية وخطط العمل بشأن الحد منها أسفرت عن تحديد عدد من آليات التمويل، أهمها « الصندوق الأخضر من أجل المناخ» الذي تم التعهد بضخ 100 مليار دولار فيه لتمويل الدول النامية ضحية الاختلالات المناخية.
ومع كامل الأسف، فإن تموين هذا الصندوق يبقى دون الطموحات، إن لم نقل لم ينطلق بعد. و مرة أخرى سيكون التضامن الدولي والالتزام وقيمة التعاقد السياسي والأخلاقي ممتحنا أمام معاناة ملايين الأفارقة، فيما يتكرر من جديد سؤال المسؤولية الأخلاقية إزاء مستقبل الأرض والحياة.
وأمام هذه النتائج، يقول المالكي، لا ينبغي التراجع، فما تحقق في باريس في 2015 ومراكش 2016 يفتح باب الأمل، ويحفزنا على المضي قدما، وعلى التصميم على العمل في الواجهة البرلمانية وفي المنظمات الدولية على جعل العدالة المناخية لإفريقيا، بكل ما تختزله من حمولة إنسانية، تتصدر الأجندة الدولية ليس فقط في ما يتعلق بالمناخ والبيئة ولكن في كل المفاوضات متعددة الأطراف ذات الصلة بالتنمية والتمويل والسكان والهجرة والنزوح وغيرها من المنتديات.
ومن باب تحصيل الحاصل، جدد المالكي التأكيد على تصميم المغرب الثابت والقوي على مواصلة إعمال التضامن الإفريقي الملموس ومواصلة بناء الشراكات المثمرة لكل الأطراف الإفريقية ووضع تجاربه وخبراته رهن إشارة الأشقاء الأفارقة. وكما أكد ذلك جلالة الملك محمد السادس في افتتاح قمة العمل الإفريقية المنعقدة على هامش مؤتمر مراكش للتغيرات المناخية فـ «إن منظورنا للتعاون جنوب-جنوب واضح وثابت : فبلدي يتقاسم ما لديه، دون مباهاة أو تفاخر».
ومن المشاريع التي تعتبر رائدة وتكتسي أبعادا اجتماعية وإنمائية استراتيجية، يضيف، مبادرة تكييف الفلاحة الإفريقية التي أطلقها المغرب عشية الدورة 22 لمؤتمر التغيرات المناخية بمراكش، والتي تتوخى الحفاظ على البيئة والتربة وتمويل المشاريع وتحسين المداخيل وزيادة المحاصيل وتطوير أساليب الإنتاج. وكما أكد ذلك جلالة الملك في خطابه أمام القمة الاتحاد الإفريقي المنعقدة في نهاية يناير 2017 بأديس ابابا «… لا الغاز ولا البترول بإمكانه تلبية الحاجيات الغذائية الأساسية. أليس الأمن الغذائي أكبر تحد تواجهه القارة الإفريقية ؟ وهذا هو جوهر المبادرة من أجل تكييف الفلاحة الإفريقية مع التغيرات المناخية، التي تعرف بمبادرة «Triple A»، التي أطلقناها بمناسبة قمة المناخ «كوب 22». إنها مبادرة تمثل جوابا جد ملموس وغير مسبوق، لمواجهة التحديات المشتركة المترتبة عن التغيرات المناخية. فمباشرة بعد إطلاقها، حظيت هذه المبادرة، بدعم قرابة ثلاثين بلدا».
وإلى هذه المبادرة تنضاف المشاريع المهيكلة التي تنجزها مؤسسات مغربية استراتيجية من أجل تطوير الفلاحة في عدد من البلدان الإفريقية ومنها مثلا مشروع بيوت المزارعين التي ستعمم على عشرة بلدان إفريقية في غضون 2020.
وستكون خبرات المغرب وتجاربه، يؤكد رئيس مجلس النواب، مفيدة للبلدان الإفريقية الشقيقة في مجال إنتاج الطاقة من مصادر متجددة وخاصة الطاقة الشمسية. ونفس الأمر بالنسبة لتعبئة الموارد المائية والاستغلال الأمثل والعقلاني للثروات البحرية التي لاشك أن لعدد من البلدان الشقيقة تجارب متقدمة فيها.
وخلص المالكي إلى أنه إذا كانت قارتنا قد حققت انتقالات في عدد من المجالات، فإن الاختلالات المناخية تعمق الهشاشة. وما من شك في أن قارتنا في حاجة إلى تمويلات استراتيجية لرفع التحديات الناجمة عن هذه الاختلالات. إنها واحدة من مهامنا التي ينبغي أن نترافع بشأنها ونوحد جهودنا من أجل مستقبل إفريقيا، إفريقيا الجديدة الناهضة، والتي هي في قلب منافسة دولية على مواردها وإمكانياتها وأسواقها وفرص الاستثمار فيها. وليس مطلب العدالة المناخية لإفريقيا، استجداء لمساعدات، بل هو مشروع شراكة من أجل المستقبل، وجبر ضرر جماعي عما تعرضت له القارة جراء تلويث الكوكب الأرضي، لا تتحمل فيه شعوب قارتنا المسؤولية ومع ذلك فإنها تؤدي ثمن سلوكات الآخرين، مؤكدا أن مسؤولياتنا كممثلين لشعوبنا، حاسمة في بلوغ أهداف قارتنا، التي هي أهداف عادلة ومشروعة.