أكد الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب في واغادوغو، على أهمية احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية في التنمية والاستقرار في إفريقيا، معتبرا أن قوة الدولة الوطنية في القارة هي الكفيلة بدرء عدد من المخاطر التي تهددها.
وقال المالكي في كلمة أمام المشاركين في الدورة 40 لمؤتمر الاتحاد البرلماني الإفريقي في العاصمة البوركينابية «إن الوحدة الترابية والسيادة الوطنية للدول الإفريقية هي حجر الزاوية والركيزة التي يبنى عليها السلم والاستقرار والأمن، وهي شروط لا محيدَ عنها لتحقيق التنمية والديمقراطية» .
وأضاف أن « ما من حضارة قامت، وما من تقدمٍ تحقق، وما من رخاء تمتعت به الشعوب، عندما تكون السيادة الوطنية منتهكة أو مخترقة أو يهددها الانفصال والنزعات العرقية والطائفية، أو عندما تندلع النزاعات وتعم الفوضى أو عندما تسود نزعات الهيمنة لدى بعض القوى ».
وأعطى الحبيب المالكي المثال بأوربا التي أدركت بعد الحرب العالمية الثانية أن لا خيار أمامها سوى بناء السلم والوحدة على أساس احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها وسلامة ترابها الوطني، وحولت أدوات الحرب إلى أدوات لبناء الحضارة، وحل الحوار المتمدن والمتحضر محل المدافع والبنادق ، وتم توجيه جهود التسلح الزائد والإنفاق الحربي إلى الإنفاق على البناء والتطوير والتنمية من أجل تحقيق الرخاء والسعادة ، مشيرا إلى أن هذه الفلسفة السياسية لاتزال هي السائدة، في اللحظات التاريخية الفارقة في القارة.
وأردف أن إفريقيا، عَانَت عناءً تاريخيا مزمنا من نزعات الانفصال والنزاعات الداخلية والحروب العابرة للحدود، وهو ما كانت تغذيه التدخلات الأجنبية والأحلاف الدولية وأن تثبيت سيادة الدول ووحدتها الترابية، ينبغي أن يشكل اليوم « قاعدة وأساس إفريقيا الجديدة، القارة الصاعدة القوية بدولها القوية ».
وحذر رئيس مجلس النواب من نماذج الدول الفاشلة وقال « يثبت السياق الإقليمي الراهن، كم تكَـلِّفُ الدول الفاشلة الشعوب وما هي كلفة هذا الفشل، بالنسبة للسلم والاستقرار وتداعياته الإقليمية والقارية: أو لَيْسَ العنف العابر للحدود والإرهاب والنزوح الجماعي والتهجير، في جزء منه، نتيجة انهيار الدولة في بعض بلدان الجوار ونتيجة إضعاف الدول ».
وفضلا عن كلفة تعطيل الإنتاج والخدمات الاجتماعية، وفضلا عن الإنفاق الحربي والمآسي الإنسانية لهذا الانهيار، – يضيف الحبيب المالكي – ستواجه الدول ضحية النزاعات أو المتنازعة الكلفة الاجتماعية التي تؤديها الأجيال الناشئة على شكل سوء تغذية أو مجاعة، أو انعدام الخدمات الطبية، وانتشار الأمية في عالم سريع التطور، وإلى ذلك ينضاف غياب التعاون الإقليمي وإغلاق الحدود. وقال مخاطبا المؤتمرين: إنكم تدركون مثلا كم يكلفنا في شمال إفريقيا مأزق البناء المغاربي وإغلاق الحدود بيننا؟ (أكثر من 2% من الناتج الداخلي الخام).
الأمن والاستقرار شرطان للنهوض الاقتصادي
وقال « إن إفريقيا تقع اليوم في قلب تنافس دولي قوي، حافزه إمكانيات بلدانها وثرواتها الطبيعية ومواردها البشرية الهائلة وأسواقها الواعدة وآفاق النمو التي تفتحها اقتصاداتها الصاعدة »، مؤكدا «الاستثمارات الوطنية والأجنبية والمبادلات والازدهار والإنتاج وإطلاق ديناميات جديدة مجددة في الاقتصادات الإفريقية لن يحصل دون أمن واستقرار، وهو ما لا تضمنه سوى دول قوية ذات سيادة وطنية، السيادة الوطنية التي تكون عنوان اقتدار ودافعا إلى التعاون لا إلى التنافر، وهو ما لن تكفله أيضا سوى دول يحذوها السلم لا نزعات الهيمنة».
وتحدث رئيس مجلس النواب عن مخاطر التحديات الناجمة عن الاختلالات المناخية من جفاف ومجاعة ونقص في الغذاء ونزوح جماعي وتصحر، وذكر بأهمية « إعلان الرباط «، الذي يتضمن رؤية البرلمانيين الأفارقة للعدالة المناخية من أجل إفريقيا والذي صدر يوم 27 أكتوبر 2017، عن المشاركين في اللقاء البرلماني الإفريقي التشاوري الذي احتضنته الرباط وشاركت فيه المنظمات البرلمانية الإفريقية المتعددة الأطراف، القارية والجهوية، وعدد من البرلمانات الوطنية.
مبادرة تكييف الفلاحة الافريقية: مشروع تضامني رائد
وبعد أن ذكر بالأهمية الاستراتيجية للفلاحة في إفريقيا من حيث التشغيل والأمن الغذائي والتخفيف من آثار الاختلالات المناخية (بفضل التشجير، والحفاظ على التربة ومكافحة زحف التصحر وتعبئة الموارد المائية)، قال إن المغرب أدرك حجم هذه الرهانات، مستفيدا من تقاليد عريقة في الزراعة ومن سياسة زراعية رائدة مكنت من إحداث تحول نوعي في القطاع. وأكد أن المغرب، انطلاقا من مسؤولياته الإنسانية والقارية، أطلق عشية الدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة- الإطار (cop22) المنعقد بمراكش،مبادرة تكييف الفلاحة الإفريقية. Initiative de l’Adaptation de l’Agriculture Africaine.
وبفضل أهدافها النبيلة المتمثلة أساسا في تنفيذ مشاريع ملموسة في مجال تحسين تدبير التربة وترشيد استعمال الماء والتعاطي اليقظ مع المخاطر المناخية، وبفضل الحلول التمويلية المبتكرة التي تقترحها، تحظى المبادرة اليوم- يقول رئيس مجلس النواب – بدعم أكثر من نصف الدول الإفريقية ووكالات الأمم المتحدة المختصة، وعدد من المنظمات العاملة في مجال التنمية والدعم التقني بعد أن كانت في صلب مناقشات الدورة 22 لمؤتمر المناخ بمراكش.
المغرب لن يبخل بخبراته الفلاحية من أجل القطاع بإفريقيا
وتابع إن المغرب، الرائد العالمي في مجال الفوسفاط، والذي ينجز مشاريع شراكة نموذجية استراتيجية في هذا المجال مع عدد من البلدان الإفريقية الشقيقة، لن يبخل بتجاربه وخبراته ومهاراته في مجال حيوي بالنسبة لقاراتنا التي تتوفر على الإمكانيات الطبيعية والثروات البشرية لتصعد كقوة زراعية عالمية. فإفريقيا مرشحة وبإمكانها أن تكون خزانا استراتيجيا للغذاء.
وأكد رئيس مجلس النواب أن النخب الافريقية اليوم أمام أسئلة فارقة عما الذي تريده للقارة : دول هشة قابلة للتقزيم والتقسيم وبالتالي تكون لقمة سائغة وهدفا للأطماع؟ أم دول قوية ذات سيادة بمؤسسات قوية ومتعاونة ومتفاعلة مع محيطها؟ وما الذي سنورثه للأجيال القادمة من بيئة عيش ومحيط طبيعي، مشددا على أن الأمر يتعلق «بسؤال الاستدامة الذي ينبغي أن يظل يستفزنا جميعا ».