الفريق الاشتراكي يسائل الحكومة
عن فاجعة اقليم الصويرة
الاتحاد الاشتراكي سبق وأن نبه منسق السلطات إلى تفشي الظاهرة في الأسواق الأسبوعية دون تجاوب
في تفاعل مع فاجعة السوق الأسبوعي بسيدي بوعلام بإقليم الصويرة، وجه الفريق الاشتراكي بمجلس النواب سؤالا آنيا لرئيس الحكومة من أجل فتح تحقيق في النازلة وتحديد المسؤوليات المباشرة وغير المباشرة التي أدت إلى وفاة خمس عشرة امرأة وسط التدافع على مساعدات تقدمها جمعيات إحسانية يجهل مصدر تمويلها.
وفي هذا الصدد أكد عضو الفريق الاشتراكي عن إقليم الصويرة البرلماني محمد ملال أن السلطات المحلية تتحمل مسؤولية في ذلك، مؤكدا أن تنبيها صدر عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية موجها لمنسق السلطات في موضوع توزيع المعونات التي تستهدف قاعدة عريضة من نساء المنطقة مما يطرح أمامنا غموضا كبيرا حول الأهداف المتوخاة من ذلك في فعل يحدث أمام أعين المسؤولين.
وقالت مصادرنا إن المقرئ والخطيب عبد الكبير الحديدي، رئيس الجمعية التي أعلنت عن تقديم المساعدات بالسوق المذكور، يشرف شخصيا على عملية التوزيع مع توثيقها بالفيديو، ويشترط على الجمعية بأن تقتصر المساعدات على النساء وحدهن دون الرجال.
وتعد الجماعة الترابية بسبت سيدي بولعلام بقيادة مرامر بإقليم الصويرة القريبة من الجماعة الترابية تفتاشت بحوالي 15 كلم، من بين الجماعات الفقيرة التي يسيرها حزب العدالة والتنمية، حيث تضم حوالي 9000 نسمة موزعة على مجموعة من الدواوير، يعيش أهلها على غلة الأركان وتربية بعض رؤوس الأغنام، والقليل من الزراعات الأخرى.
تمويل هذه العملية، وعن السبب في اختيار النساء فقط دون الرجال في عملية توزيع المساعدات الغذائية من طرف الجمعية المعنية بتنسيق مع المقرئ عبد الكبير الحديدي، يدفع إلى طرح أسئلة من قبيل : ما هي الأسباب التي حالت دون إيصال ذات المساعدات إلى الأسر المعوزة بالدواوير التابعة للجماعة تفاديا للاكتظاظ والتدافع، وهل تم التنسيق مع السلطات المحلية في العملية خصوصا أنها توزع منذ سنتين أوثلاث ؟
15 قتيلة و6 جرحى، كانت هي الثمن الذي دفعته ساكنة جماعة سيدي بولعلام والمناطق المحيطة التابعة لإقليم الصويرة، لكي تتمكن من لفت الانتباه إلى هشاشة شروط الحياة وضخامة الخصاص الذي تعانيه..
الجرح كان بطعم الفاجعة والألم كان بمذاق الفقد القاسي، والذهول من هول ما وقع أدخل المنطقة في لحظة انكسار..
الحلم كان في حجم البساطة، وكان شعاره “ من أجل الخبز وحده” لكن الظفر بكيس من القمح، أتلف الحلم وحوله إلى كابوس، نشر الموت وأوقف الحياة في مشهد مأساوي خطير..
سيدي بولعلام جماعة يغطيها البؤس، وتبدو فيها الحياة صعبة، وشروط التنمية فيها جد متدنية، هنا الملامح الأولى التي تبدي بها نفسها لأي زائر، الشارع الوحيد عبارة عن طريق بها بعض “الزفت” مع وقف التنفيذ، لم نلحظ أية إشارة تحمل اسم هده الجماعة وكأن مسؤوليها أرادوها أن تبقى مجهولة، ولجنا السوق الأسبوعي لهذه الجماعة، فوجدنا حواجز وعناصر من القوات المساعدة وسيارة للدرك وبعض النساء متجمعات تحت سور السوق، غير مكترثات بما حصل قبل ذلك بيوم، الأهم لديهن أن يتسلمن مساعدات، قالت إحداهن إننا نعين بها أنفسنا ولو أنها لا تكفي لأكثر من أسبوع”.
سألنا إحداهن عما جرى، فتهربت كالعديد من مثيلاتها ممن تحفظن على الإدلاء بأي تصريح، ومع ذلك بعضهن تجرأن على كشف بعض خفايا هذه الفاجعة..
ما شهدناه كان تلخيصا لهول الفاجعة: حواجز مغطاة ببلاستيك أسود يؤدي من السوق إلى بيت الحديدي.. وجوه شاحبة يملؤها الحزن و مرارة الخيبة و قساوة تعم التراب الذي يكسو المكان.
حاولنا اللقاء بالحاج الحديدي، فاعتذر بدعوى أن هناك العديد من المكالمات الهاتفية من جهات مسؤولة..
حين اقتربنا من النساء الجالسات القرفصاء تحت جدار سور السوق تدخل رجال القوات المساعدة وطردوهن بدعوى أنه لم يعد هناك مجال لتوزيع المساعدات..
ومع ذلك فقد أفلتت إحداهن لتحكي الذي حصل:
“ بمجرد ما اقترب موعد توزيع المساعدات الغذائية حتى تدفقت حشود كبيرة من النساء على المكان المحدد لذلك، منهن من قدمن من مناطق بعيدة عن جماعة سيدي بولعلام، كشيشاوة، والصويرة، وسيدي المختار، والجماعات المتواجدة بالشياظمة وركراكة، وزاد من تعقيد الموقف الفوضى التي يعرفها السوق الأسبوعي، إلى حدود الساعة العاشرة والنصف، كانت الأمور هادئة، وما أن شُرِع في توزيع المساعدات حتى بدأ التدافع بين الحواجز المؤدية إلى دار الحاج الحديدي رئيس جمعية (أغيي لحفظ القرآن الكريم والأعمال الاجتماعية) من طرف أمواج بشرية لنساء في تسابق للظفر بنصيبهن “.
سيدة أخرى تقول:” كنت في المواقع الخلفية أنتظر دوري، لكن عددا كبيرا من النساء بدأن يفقدن صبرهن بسبب الازدحام الشديد الذي تسبب في تسرب اليأس إلى نفوسهن من إمكانية حصولهن على المساعدة المطلوبة، فقام بعضهن، خاصة القويات البنية، بإسقاط الحاجز الحديدي فوق أجساد من كن يجلسن أرضا والزحف فوق رؤوسهن في تدافع مجنون غير آبهات لصراخ من يرزحن تحت أقدامهن”.
وقالت أخرى:” لقد فاق عدد الحاضرات أكثر من ألفي امرأة، وحين وقع التدافع كان المشهد مرعبا ومخيفا وكأنه نهر بشري هائج اختلطت فيه كل الأشياء وبدأت النساء يتساقطن أمام اندفاع قوي لبعضهن ممن جاءتهم حالة التسابق قصد الظفر بحصتهن من المساعدات”.
السي محمد البالغ من العمر 15 سنة فقد جدته في حادث التزاحم، وهو من دوار قنديل البعيد بكيلومترين من مركز سيدي بوعلام، قال إن جدته ماتت في الحين بعدما داستها أقدام المندفعات، حدث ذلك في منتصف نهار يوم الأحد 19 نونبر 2017.
قال إن العدد كان كبيرا، ولم يكن هناك تنظيم، بحيث تم وضع حواجز ضيقت المسلك، بالإضافة إلى أنهم تركوا النساء منذ ليلة يوم السبت ينتظرن وقت توزيع المساعدات…”.
سيدة أخرى حضرت الفاجعة قالت: “قضينا ليلة السبت وصباح يوم الأحد في ظل شروط مزرية، بالليل قاسينا البرد القارس وفي الصباح كانت الشمس الحارقة، والغبار الناتج عن الازدحام الذي يعرفه السوق، مضاف إليه جموع النساء اللائي جئن من أجل هذه المساعدة”، وأضافت: “هذه هي السنة الثالثة التي يوزع فيها الحاج مساعداته الغذائية، حيث ذاعت شهرتها بالمنطقة وتضاعف عدد الطالبين لها سنة بعد أخرى، إلى أن أصبح المعوزون يأتون حتى من مناطق جد بعيدة”.
حميد، الذي التقيناه قرب مكان الحادث رفقة بعض معارفه، ألقى باللوم على تفاقم التهميش، الذي طال هذه المنطقة وساكنتها، حيث أفاد أن: “الدخل جد ضعيف، وأغلب الأسر تعيش من أنشطة عائدات جد زهيدة، لا توفر لها فرصة العيش بالحد الأدنى، الذي يتطلبه مستوى المعيشة في اليوم، العطالة المرتفعة وموارد الماء شبه منعدمة، والخدمات مفقودة، ولا أثر بالمنطقة لأية تنمية بشرية”. لم يكن حديث هذا الشاب سرا، لأن المنطقة تفضح هذا الوضع المزري الذي زاده الجفاف تفاقما.
كان الوصف الذي قدمه أحد شباب المنطقة مرعبا، حيث قال “ عندما شرع في إجلاء الجرحى، بدا هول الكارثة التي وقعت مفزعا، كانت الجثث تنتشر فوق بعضها، ضلوع مكسورة، ورقاب مطوية، وعيون جاحظة خطفها الموت، وأطراف معطوبة لجريحات يقاومن من أجل الحياة”.
أحد التجار الذي كان قريبا من موقع الحادث قال:
“إن ما عمق المأساة هو الطوق الذي كان يضربه الباعة داخل السوق الأسبوعي، والذين لم يمتثلوا بسرعة لإخلائه لغاية تقديم العون للجرحى، وهو الأمر الذي أربك عملية الإنقاذ.. “، وأضاف:” المشكل في منشئه يعود إلى خلل تنظيمي، إذ لا يعقل أن يتزاحم أزيد من ألفي امرأة دون أن تكون هناك حماية أمنية كافية، حيث لم يتواجد في عين المكان سوى عدد قليل من أفراد القوة العمومية ممن يصعب عليهم تنظيم هذه الجموع الغفيرة من النساء..”
عندما ودعنا جماعة سيدي بولعلام كانت سيارات نقل الموتى توزع جثث الضحايا على أهاليهم لتوديعهم وإلقاء آخر نظرة عليهم.. كانت مواكب الموت ترسم ذكرى مؤلمة طُبعت على جبهة هذه المنطقة، لكن لا عزاء لكل هذا الفقد الجارح سوى أن يُكفل لسكانها حقهم الكامل في التنمية المنصفة المحققة لمعاني الحياة الكريمة.