تسيير الشأن المحلي .. ومرجعية «الخروج المائل من الخيمة”
حميد بنواحمان
عقب نتائج الانتخابات الجماعية للرابع من شتنبر2015 ، والراسمة لخريطة الأغلبية المدبرة للشأن المحلي في هذه المدينة أو تلك البلدة – تعلق الأمر بالمجال الحضري أو القروي – والمعارضة المحدد دورها “الرقابي ” دستوريا ، وبعد أن وضعت “حرب ” التوافقات والكواليس” أوزارها ، سمعنا وقرأنا الكثير عن “متانة” التحالفات وقوة ” المواثيق” المبرمة من أجل” الصالح العام ” و”خدمة مصالح السكان ” و” وضع اليد في اليد لبلوغ النتائج التنموية المنشودة التي تقطع مع أسباب وعوامل العودة إلى الخلف : اقتصاديا و اجتماعيا …، بعيدا عن أية حسابات سياسوية ضيقة “.
كلام “غليظ ” اعتقد معه المتتبع لمسارات تسيير ” شؤون المواطنين” اليومية، أنه مقدمة لبداية عهد جديد يترجم ” الفلسفة” المنصوص على دعائمها في دستور الفاتح من يوليوز2011 ، لكن تعاقب الشهور أبى إلا أن يعيد عقارب التفاؤل إلى الوراء، مؤكدا أن حقيقة “الواقع التدبيري ” أكثر مرارة من أية ” اتفاقات ورقية ” ينمحي حبرها مع أول “امتحان” تقتضيه عقلنة الميزانية وتخليصها من تداعيات” التبذير” المؤدي إلى العجز والإفلاس .
اهتزاز تجسدت ملامحه في أخبار الاستقالات أو الإقالات داخل أكثر من مجلس، مؤشرة على سيادة وضع رمادي عنوانه ” الارتباك” الذي تتحكم فيه تقلبات رياح ميزان القوى؟
وضع اللاانسجام هذا، الذي يقود إلى الوقوع في دوامة “البلوكاج ” ومن ثم “إسقاط الميزانية” أثناء عمليات التصويت في ظل ” عدم اكتمال النصاب القانوني “، غالبا ما يحمل المنتخبون “الغاضبون” مسؤولية ” حدوثه ” إلى الرئيس الذي ” استفرد بتدبير شؤون الجماعة دون إشراك باقي مكونات المجلس، بمن فيهم نواب الرئيس ورؤساء وممثلو اللجان ، مما أدى إلى عرقلة مصالح السكان وحدوث اختلالات وتجاوزات في التسيير” كما تقول بعض الشكايات الموجهة للوزارة الوصية أو ممثليها الإقليميين .
وارتباطا بموضوع “الاختلالات ” التدبيرية ، تضمن تقرير لوزارة الداخلية ، أعلن عنه يوم الثلاثاء المنصرم ” 14 نونبر 2017 “، حصيلة “سوداء” وصلت حد طرق أبواب المحاكم ، حيث كشف أن “عدد المتابعات القضائية لأعضاء المجالس الجماعية خلال الـ 10 أشهر الأولى من العام الحالي، بلغت 102 حالة بسبب ارتكابهم أعمالا مخالفة للقانون، ويتعلق الأمر بـ 40 رئيس جماعة و28 نائب رئيس و34 عضوا”، مشيرا إلى أن “المجلس الأعلى للحسابات قرر المتابعة القضائية بحق 8 رؤساء جماعات في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بخصوص التجاوزات المرتكبة من طرفهم”، لافتا إلى أن “بعض أعضاء البلديات والمواطنين تقدموا بنحو 43 شكاية تتعلق ببعض التجاوزات المالية والإدارية المرتكبة من طرف بعض رؤساء البلديات خلال 10 أشهر الأولى من عام 2017”.
هذا وينبغي التشديد على أن “خاصية ” الاستفراد بالقرار وتغييب التشاور ، ليست وليدة اليوم، وإنما هي من “العيوب التدبيرية”، التي رافقت العديد من المجالس طيلة السنوات الماضية ، لدرجة جعلت الظروف المحيطة ب”الإشراف على شأن بعض الجماعات ” تبدو وكأن الأمر يتعلق ب”محمية خاصة” ، حيث لا صوت يعلو على صوت “الرئيس” ، فهو الآمر الناهي ، يقرر ما يشاء ويرفض ما يشاء، إيقاع الاجتماعات “الشكلية” ، بالطبع ، يضبط وفق مزاجه ، ومسايرة لبرنامج مصالحه المتعددة الأوجه وما تستوجبه من سفريات داخلية وخارجية ، والذي تبدو معه القوانين المسيجة ل ” مسؤولية تسيير الشأن المحلي” مجرد ” وثائق” للاستئناس ليس إلا !
نموذج للرئاسة طالما دقت “اجتهادات” بعض الأحزاب الحقيقية – لا الموسمية – ناقوس التنبيه بشأن خطورة عدم التعاطي مع استمراره بالصرامة القانونية اللازمة ، من خلال اقتراح إجراءات تستهدف تحصين العملية الانتخابية من بعض الشوائب التي غالبا ما تخرج قطارها عن سكته الصحيحة، هم الأمر تغيير نمط الاقتراع لفائدة “الرؤية الجماعية” القائمة على “صراع البرامج” بدل “تنافس الشكارة” ، أو التشديد على ضرورة توفر الراغب في اقتعاد كرسي “المسؤولية الجماعية الأولى ” ، على مستوى تعليمي مشرف يحول دون تكرار “مهازل” سالفة ترددت أصداؤها ” المؤسفة” داخل قاعات محاكم عدة على طول البلاد وعرضها . اقتراحات ، وغيرها ، تم إفراغها من قوتها ، بهذا الشكل أو ذاك ، عبر ” تدابير” فضفاضة أفلح المستفيدون من إبقاء الوضع على ما هو عليه من “عيوب”، في الالتفاف عليها للعودة من النوافذ بعد أن أغلقت في وجوههم الأبواب . وضعية تجسدت قتامتها في أكثر من مشهد ، برسم الاستحقاق الجماعي ل 4 شتنبر 2015 ، بعد أن عجزت قرارات العزل الصادرة عن الوزارة الوصية و الأحكام القضائية المُدينة ، عن إبعاد العديد من الأسماء ذات الملفات الثقيلة في ما يخص “الخروقات التدبيرية ” ، عن مجال الترشح، و بالتالي الوصول إلى “المقعد الرئاسي ” ؟
إن “الاهتزازات” ، المسجلة في صفوف أكثر من مجلس محلي، تعيد إلى الواجهة “الأجواء غير الصحية” التي عادة ما تواكب عمليات تشكيل المكاتب المسيرة في بعض المناطق ، والمتمثلة عناوينها الكبرى في استعمال كافة وسائل “الإغراء” والضغط، بما فيها “إخفاء ” مستشارين إلى أن تحين لحظة التصويت الحاسمة .
بالمجمل ، إن تمظهرات التنافر، في الرؤية والفعل ،التي طفت ، مؤخرا ، على “سطح” أكثر من مكتب مسير للشأن المحلي ، لا يمكن اعتبارها أمرا مفاجئا ، مادامت مؤشرات ” “الخروج المائل من الخيمة” كانت بادية للعيان منذ لحظة توزيع المهام “القسرية “، لا الطبيعية، في معظم الحالات ؟
الكاتب : حميد بنواحمان - بتاريخ : 21/11/2017