جودة العمل والعدالة الاقتصادية والاجتماعية لمواجهة التخلف

مصطفى المتوكل الساحلي

بعد متابعة المغاربة بالوطن والعالم لمقابلات الفريق الوطني المغربي الذي تأهل لمونديال روسيا 2018، مع ما واكب ذلك من استعداد والتفاف ودعم وخوف وترقب ويقظة وعمل وتضحيات ..ثم حماس منقطع النظير، لونه وطعمه وذوقه ونبضه مرجعه حب الوطن ..لا نرى مانعا في أن نحلم بشكل واقعي تكون فيه أحلامنا قابلة للتطبيق بأن ننظم و نخوض بطولات وطنية يتجند فيها الجميع من أجل الانتصار والتأهل في مجالات اجتماعية واقتصادية ومعرفية..الخ ،  لنكون ضمن الدول القائدة والرائدة عالميا على كل المستويات ..  فكأس العالم في كرة القدم، منذ كان، لا تتأهل له كل الدول المتقدمة فقط ..كما لا تقصى منه كل الدول الفقيرة أو المتخلفة أو السائرة في طريق النمو، كما تشارك في إقصائياته دول لها باع كبير في الديموقراطية ..وأخرى خبيرة في الديكتاتورية ..
«فلنتدرب» بجد لنكون مهيئين، نفسيا وبدنيا ومعرفيا، ممتلكين لتجارب وخبرات تؤدي للانتصارات من أجل هزم الفقر والتسول والبطالة والأمية والحقرة .. ولا يقبل منا أن نجعل عملنا ملهيا محبطا مضيعا للمال والجهد والوقت حتى لا نحصد لا الهزائم والانكسارات،  ويصعب علينا التوقف إلا ونحن في ذيل كل ترتيب ، أو في مرتبة غريبة كالمجتهد من الكسلاء الذي هو أولهم، وإن كان محظوظا فسيكون آخر النجباء ..فلنهزم في نفوسنا وعقولنا وفي الواقع مشاكلنا ومعضلاتنا وعقدنا، بعلم وليس بجهل وتهور وتأويلات موغلة في التبرير وإلقاء اللوم على الآخر  ..
ذلك أننا نرى البعض أصبح متخصصا في فتح كل المجالات « للعب مبتذل «   بالدين والإحسان والمال  في توظيف استغلالي بشع لهموم الشعب والفقراء والأيتام والعاطلين.. وتحويل مصالح الشعب ومتمنياته وطموحاته المشروعة إلى ورقة معتمدة في المنافسة « السياسوية «بين بعض «الساسة « وخاصة منهم المتسللون لكل ما له علاقة بالشأن العام ، بالسعي للتجييش لمصلحة منظمات وهيئات بالداخل، وأحيانا التخندق وراء من يسعون من خارج الوطن لتكون لهم جيوب بها أتباع يناصرونهم، سواء كانوا في الشرق أو في شمال ذلك الشرق…فتتقمص من أجل ذلك  دور الحمل والذئب، كما «تلعب» دور التقي الورع المحسن والذي له حاجة في نفس الوقت .. ليكون الضحية أولا وأخيرا الوطن، بالإساءة إلى المواطن والمواطنة الذين تضرروا، إما من سياسات أو ظروف مختلفة، بإرادتهم أو تتجاوز طاقاتهم .. فاستأنسوا بأنواع «الصدقات «التي لا تحد من الفقر والهوان .. بل تكرس البؤس والإساءات المعنوية والأخلاقية والإنسانية .. حتى تعود وتطبع وابتلي البعض من الناس بظاهرة التسول واقتناص كل فرص توزيع «الدعم» قل أو كثر ..وأصبحوا مدمنين يحتاج المجتمع معهم إلى علاج قوي للحد  من  إدمان السعاية من جهة ..  وإدمان التخفي وراء مبادرات تنسب « للخير» حقا أو تعسفا، والتي  هي من أكبر درجات الاختلال والظلم الذي يصورنا أمام كل الضمائر الحية بأننا نعشق الدونية والاحتقار  ونستأنس بهما ..
إننا بالبعض وهم ينظرون باسم الدين «للفقر» وكأنهم يرون العمل من أجل المحافظة على استمراره واتساع رقعته من أوجب الواجبات لتبقى الجنة مشرعة أمام « المحسنين» الذين يظن البعض منهم أن ضمانة دخولهم الجنة هي توزيعهم لدريهمات وكيلوغرامات من المواد الغذائية محسوبة على أصابع اليدين ..باعتقادهم أن أيديهم هي العليا وهي أفضل من السفلى ..ولا حول ولا قوة إلا بالله .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يفتحُ عبدٌ بابَ مسألة إلا فتَح اللهُ عليه بابَ فقرٍ))
وقال: ((لو يعلَمون ما في المسألة ما مشى أحدٌ إلى أحدٍ يسأله شيئًا)).
إن المجتمع موزع في  مساكن  من الهواء الطلق إلى «النوالة» والخيمة،  إلى «البراكة» و السكن الاجتماعي ..الخ  لا تستقيم أمورهم ومصالحهم وحاجاتهم الضرورية إذا لم يكن بها – أي بالمساكن –  معيل ولا مسير .. وتتحول إلى خرابة ساكنوها فقراء يتأرجحون بين التشرد والضياع ،  وعلمتنا التجارب أن المساكن الخربة التي بها من يرعاها ويهتم لأمرها وأمر من فيها تتحول إلى بيت حصين و فضاء رحب يستجيب لانتظارات ساكنته والأهل والجيران …
إن الانتصار على مشاكل وإكراهات الواقع الملموس لا تكون بالتعبير والوصف الجميل ..وتصريف الوعود والأحلام وترتيب الفرضيات .. إن الدعوة والاستجابة لمطلب أو الكف عن الضرب باليمنى لا يعنى السماح بالضرب باليسرى أو بهما معا ..كما أن المطالبة بالكف عن إساءات معينة يعاني منها أشخاص أو فئات أو طبقات أو مناطق، لا يعني القبول بتغيير يضع بدائل قد تصبح إساءات على المدى القريب أو المتوسط …
إنه كما تكون غاياتنا تكون طريقنا ..فإن كانت غاياتنا غير منضبطة ولا محددة وغير واقعية وصعبة التحقق .. تكون طرقنا حبلى بالمشاكل والأزمات والإخفاقات …
فلكي نربح رهان الديموقراطية و العدالة الاقتصادية والاجتماعية يجب القطع مع اعتماد و تعميم وانتشار الفوضى والتلاعب ب «الإحسان» ..والحسم مع تخفي البعض ممن يستغلون الفقراء في الدنيا باسم الدين للسياسة بإيهامهم أنهم مع السماء وليفوزوا هم بدرجات عليا بالجنة   ..
إن المفترض فينا هو امتلاك إرادة قوية وعمل رصين نحقق بهما تطوير حقول المعارف والعلوم  وجعلها مجسدة في سلوكنا ومواقفنا وثقافتنا العامة ..وليكن الإحسان بالإحسان بجعل طبقات  المجتمع متماسكة بروح المواطنة والتضامن والتآزر المؤسساتي بالحد من الفوارق الطبقية وأسبابها ..
إن نسبة هامة من الفقراء هم من ذوي الأجور الهزيلة في قطاعات مختلفة أصبحت أحوالهم تشبه ما كان يعرف بالسخرة أو العمل مقابل الأكل القليل وستر العورة وإلزامية اعتماد الزهد والتقشف للضرورة  ..كما أن أغلب مستويات معاشات التقاعد في عدة قطاعات هي كإكراميات البخلاء..وتطرح أكثر من علامة استفهام على وجودها في هذا القرن ..
فلنعمل بجد لنهزم التخلف والتحجر والظلامية ..فمن يريد العمل السياسي النبيل ومن يسعى لدخول الجنة عليه أن يبتعد عن الممنوعات في لعبة كرة القدم ،على الأقل، من التجاء إلى  التسلل واحتكار الكرة وخرق قواعد اللعب الجماعي وتهميش بعض  اللاعبين الأكفاء والابتعاد عن كل أنواع الغش بتصنع ضربات الجزاء ..الخ  ..فمن غشنا في كل أمر فليس منا ..ومن ينافق في الدين فأمره وأمر الناس إلى الله لكل منهم مستقره.. وإن بقي فقر  بعد كل الجهود المبذولة والسياسات المرسومة فلنعلم أن هناك اختلالات وأخطاء في سياساتنا ..ومعيقات لم نستطع التغلب عليها ،  لكن المؤكد هو أنه بتخطيطنا المحكم وعملنا الصادق وجديتنا سيتحقق المراد وسنتأهل حتما لنكون من ضمن الدول الرائدة عالميا. ..

الكاتب : مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 24/11/2017