إلى الشاعر علال الحجام
بِمَهَارَةِ الصَّيّادينَ
تَلْتَفُّ الزُّقَاقَاتُ حَوْلَ أَكْوَاخِنَا
شَرَكًا يَنْصُبُهُ الفَقْرُ
يَغْرِزُ حِبَالَهُ فِي طَرَاوَةِ جُلُودِنَا
..وَ يَنْهَشُ أَفْرَاحَنَا العَجْفَاءَ بِخُطّافِهِ الطَّويلِ
.. كُنَّا صِغَارًا نَنْمُو بِأُعْجُوبَةِ الإِصْرَارِ
عُيُونُنَا يَمْلَأُهَا الشّغَبُ
.. وَ الصّحْوُ المُكَابِرُ
نَعْدُو كَالنَّبْضِ فِي الشَّرَايِينِ
نُطَاوِلُ بِأَعْنَاقِنَا أَسْوَارَالجِيرَانِ
وَ نَسْتَرِقُ النَّظَرَ
إِلَى شَجَرَاتِ العِنَبِ وَ التِّينِ
مَتَى تَهَدَّلَتْ مَفَاتِنُهَا بَيْنَ العَرَائِشِ
فِي الصَّباحَاتِ نَقْذِفُ بِالحِجَارَةِ
زُجَاجَ السَّمَاءِ
وَ عِنْدَ الأَصَائِلِ نَرْتَقِبُ الشمسَ
حتَّى إِذَا مَا لَوَّحَتْ بِعُرْفِهَا الأَحْمَرِ
أَلْقَيْنَا إِلَى اللَّيْلِ بِقَمْحِ الأَسْرَارِ
وَتَحَسَّسْنَا آلاَمَنَا التَّائِهَةَ
كُنّا صِغَارًا
نَمْشِي عَلَى هَدْيِ القَصْدِيرِ
وَ تَعَالِيمِ الطّينِ المُقَدَّسِ
نَهْمِسُ في آذَانِ القَصَبِ
نُآخِي لُعَبًا هَشَّمَهَا الصَّدَأُ
..نُسَمِّيهَا بِأَجْمَلِ الأَسْمَاءْ
بَيْنَ أَصَابِعِنَا يَتَفَجَّرُ الضَّوْءُ
نُبَاهِي بِأَعْوَادِ الثِّقَابِ نُجُومًا فِي الأَعَالِي
أَبَدًا لَمْ نُبَالِ ..وَ لَمْ أَكُنْ لِأُبَاليَ
لَوْلاَ أنَّ عَاصِفَةً دَاهَمَتْ بَيْتَنَا ذَاتَ مَساءْ
فَاخْتَلَجَ الضَّوْءُ وَانْشَقَّّ الطِّينُ عَلى الجُدْرَانِ
كَانَ قلْبُ أخِي صَغِيرًا بِمَا يَكْفِي لِكَيْ يَنْفَطِرَ
وَ يَنْطِقَ الحَرْفَ الأَوَّلَ لِلْيُتْمِ
بَكَى مِثْلَمَا بَكَيْنَا
عِنْدَمَا خَطَفَ العَنْكَبُوتُ لُعْبَتَهُ الَوَحِيدةِ
كَانَتْ غَزَالاً نُحَاسِيًّا بِبَرِيقٍ عُذْرِيٍّ
و بَهْجَةٍ مُحَجَّلَةٍ
تَوَهَّجَ مُذْ ذَاكَ فِي بَيْتِنَا قِنْدِيلُ الغَسَقِ
يَا لَلْهَوْلِ ! كُنَّا نُحَدِّقُ لاَ نَرَى غَيْرَ أمْسِنَا
تُبَعْثِرُهُ الحَسَرَاتُ ..
كُنَّا نُحَدِّقُ قَلِيلا أَكْثَرَ
يَشْعَثُّ فِي رُؤُوسِنَا الخَوْفُ
حِينَمَا نَرَى دَرّاجَةَ أَبِي البَاليَه
تِلْكَ الَّتِي أَسْنَدَهَا عَلَى الجِدَارِ ذَاتَ فَجْرٍ بَعِيدٍ
وَبَاغَتَهُ الغِيَابُ
نَافِرَةَ المَكَابِحِ تُشِيرُ إلَينَا بِالبَنَانِ
حَتَّّى صَفَائِحُ القَصْدِيرِ
صَرَخَتْ لَيْلَتَهَا فَوْقَ السَّطْحِ
وَ طَارَ اَلدُّورِيُّ الوَحِيدُ ..
هِيَ نَفْسُهَا الصَّفَائِحُ الَّتِي تَتَحَوَّلُ كُلَّ صَيْفٍ
إِلَى مِقْلاةٍ لأَحْلامِنَا
لِحُسْنِ الحَظِّ
أنَّ يَدَيْ جَدَّتِي كََانَتَا مِرْوَحَةً
وَ تِينَةُ كُوخِنَا ظَلَّتْ جَنّةَ الخُلْدِ
لَكِنَّهُ « البُرْجُ» (*)السُّفْلِيُّ لا يَهْدَأُ أَبَدًا
تَنْغَلُ دِيدَانُهُ فِي المَجَارِي وَ الجَمَاجِمِ
.. فِي عَيْنِ النَّهَارِ وَ أَظَافِرِ اللَّيْلِ
كُلّ يَوْمٍ حِكَايَة
تُوَقِّعُ أطْوَارَهَا سَقَّايَةُ «الحَمِيدِيِّينَ»(*)
بِخَرِيرِهَا الأَزَلِيِّ
مَرّةً تُرَاِودُ مَجْذُوبَ الحَيّ ِسَرْدِينَةٌ عَنْ جُوعِهِ
حَتَّى يَمُورُ فِي عُرُوقِهِ البَحْرُ
فَيُرْدِيِهَا عِنْدَ نَوْبَةَ الجُنُونِ
وَمَرَّةً «كَرَّاطُ»(*) يَكْرَعُ مِنْ دِنَانِ الخَيْبَاتِ نَبِيذَهُ
بَيْنَ الجَنَائِنِ يُجَالِدُ الأشبَاحَ
وَ يُعْلِنُ عَلَى الذُّبَابِ حَظْرَ التِّجْوَالِ
وَمَرَّاتٍ .. تُلَعْلِعُ الإشَاعَةُ
أنَّ دُرُوبَنَا تَحْضُنْهَا فُوْهَةُ بُرْكَانٍ
وَ أَنَّ الرَّمَادَ طَهَارَةُ الحَدَثِ
لَكِنَّ عَمِّي عُمَرَ البَقَّالَ هُنَاكَ مَا زَالَ
يَتَرَبَّعُ عَلَى مِصْطَبَةَ الْجَلِيدِ
يَحْرُسُ دُكَّانَهُ المَرْصُودَ
وَ يَطْوِي مَخْرُوطَاتِ البُنِّ وَ الشَّايِ
مِنْ صَفَحَاتِ الإِلْيَاذَةِ
.. وَ أَوْرَاقِ اللَّيَالِي
تَحْتَ طُرْبُوشِهِ تَنْدَسُّ الأَسْرَارْ
هُوَ « البُرْجُ» السُّفْلِيُّ لا يَسْتَقِرُّ عَلَى حَالٍ
تَارَةً يَشِعُّ فِي سَرَادِيبِ الذِّكْرَى مَنَارَةً
وَ أُخْرَى قَلْعَةً للْعَجَائِبِ يَنْتَصِبُ
.. حَدَّ الانْهِيَارْ
ـ إِضَاءةٌ :
(*) «البُرْج» أو برج مولاي عمر هو أحد الأحياء الهامشية بمدينة مكناس ،و الذي كان مصنّفًا ضمن مدن الصفيح إلى حدود التسعينيات .
(*) «الحَمِيدِيّينَ» من حواري حي البرج
(*)«كرَّاط» فُتُوّةٌ كان معروفا بشراسته خلال الستينيات و السبعينيات بحي برج مولاي عمر