على مسافة أقل من كيلومتر وسط مدينة الدار البيضاء .. 18 مقهى تحتل الفضاء الأخضر لشارع بسيدي مومن !

في الوقت الذي تعمل السلطات المحلية بعدة مقاطعات بالدار البيضاء وخارجها ، على محاربة احتلال الملك العام، وفي زمن تُفقد فيه المتنفسات الطبيعية بسبب المد الإسمنتي والاستغلال التجاري، لا تزال بعض مقاهي سيدي مومن تضع الإسفلت مكان التراب، وتزيح النبات والأشجار لتضع الكراسي والطاولات مستغلة غياب الصرامة من قبل الجهات المسؤولة .
18 مقهى تحتل متنفسات خضراء مستطيلة الشكل متوسط مساحة الواحدة منها 400 متر مربع، على طول جانبي شارع الأميرة للا سلمى الذي يمتد على مسافة أقل من كيلومتر بحي سيدي مومن العّاج بالسكان، اثنتان منهم (المقاهي) تقابلان مقر المقاطعة ، واثنتان قيد التشييد والتحديث. وما يثير الاستغراب، وفي مقابل هذا الاستغلال للملك العام، هو انعدام متنفس بالمنطقة، حيث أن أقرب الأماكن التي يمكن أن يجلس فيها الناس وسط غلاف أخضر تبعد عن الشارع المذكور بأكثر من كيلومترين (عين السبع، حي السدري).
وضعية تضطر النساء رفقة أبنائهن الصغار وكبار السن للجلوس على بعض العتبات وحواشي الممرات في المساء لعدم وجود مكان يستطيعون من خلاله أخذ قسط من الراحة ، مُعَرّضين لمخاطر شتى، منها تهور سائقي الدراجات النارية المخترقين للقانون – وما أكثرهم – تحرش المنحرفين، سوء وضعية القعود وتلوث المكان…
جغرافيا الشارع المذكور تشبه إلى حد بعيد منطقة الشمال بمرتفع ومنخفض، من الممكن استغلاله -والاستئناس – بتفرشة أرضية كتلك التي تؤثث عروس الشمال، مدينة طنجة، والحمامة البيضاء، مدينة تطوان، من فضاء أخضر وزليج الأرض الصلب، عوض الإسمنت “الزفت” الذي يغطي الممرات الصغرى ورصيف الشارع، مع العلم أن الشارع المذكور يتواجد بمحاذاته أكبر سوق بضائع متنوعة بالمنطقة، ما يعني أن المكان رحب للتجوال والتبضع خاصة في المساء. مما يتطلب كذلك مكانا للاستراحة .
مؤخرا، تم تشييد فضاء ترفيهي للأطفال، به قليل من الألعاب، وتحيط به كراس إسمنتية، غير أن الفضاء لم يفتح بعد، ولا تزال البوابة المخصصة لولوجه مغلقة في وجه الساكنة على الرغم من أن عملية الإصلاح والتحديث قد انتهت منذ أشهر.
وقالت مليكة المسكيني، ربة بيت في الخمسينات من عمرها، “إني أقصد المكان ثلاث إلى أربع مرات في الأسبوع لأخذ قسط من الراحة رفقة حفيدي أيمن (6 سنوات)، الذي يؤنسني، ويحتاج هو الآخر للراحة من الضغط المدرسي”، وتضيف “لكنني أصبحت أخاف من “الروينة» (الفوضى)»، مشيرة إلى أن سائقي السيارات يصعدون إلى ممر الراجلين، ناهيك عن الدراجات النارية التي يسوقها أصحابها وكأنهم في سباق دون أدنى احترام للمارة والقانون. وتشدد السيدة مليكة على أنها ترغب في مكان محترم تقعد فيه وهي مرتاحة خاصة بالنسبة لسلامة حفيدها، حيث أصبحت تضطر لعدم إخراجه معها خوفا عليه.
محمد صافي (12 سنة)، تلميذ بالمستوى الأول إعدادي، يسكن بجوار الشارع المذكور، صرّح بأنه يحتاج لفضاء ملائم للعب، ويكون في مأمن عن المنحرفين، ونظيفا. يقول هذا وهو يشير إلى الأزبال المرمية بالمكان. ويضيف بنبرة الخيبة “لم تعد أمي تتركني أخرج لألعب مع أصدقائي حتى خلال نهاية الأسبوع، رغم أنني أؤكد لها أني لن أتجاوز المساحة المقابلة للمنزل”.
ومن جهته، عبّر خالد جيرامي، طالب بشعبة القانون فرنسي، بكلية المحمدية، عن تحسره لأنه يجد عند خروجه من المنزل المخدرات بدل أن يجد الموسيقى. ويشدد على أنه يحتاج أن يسير مسافة طويلة تتطلب وسيلة تنقل، من أجل أن يستمتع رفقة أصدقائه بإبداعاتهم الموسيقية، خاصة آلة الغيتارة.
وقالت إلهام سليماني، تلميذة مقبلة على امتحان البكالوريا هذه السنة، متسائلة “لماذا لا يتم تنظيف المكان وترتيبه كما هو حاصل في العديد من الأحياء الأخرى؟»، وتوضح «لم يعد بإمكاننا نحن الفتيات الخروج للتنزه، أو حتى للتبضع خشية من المنحرفين، بل حتى أمهاتنا لا يسلمن من المضايقات والتحرشات، فالأمر يزداد سوءا يوما بعد يوم”. لم تكتف إلهام بوصف الواقع ورصد الحالات غير السوية التي تتعرض لها النساء في المنطقة، بل اقترحت حلولا كذلك وطرحت تساؤلا بتقاسيم وجه غاضب “لماذا لا يتم إصلاح المكان وتحديثه مع وضع كاميرات مراقبة مثبتة على الشارع المذكور لتتبع السلوكات المنحرفة وبهذا لن يتم إفساد المساحات الخضراء (بعد تحريرها وإصلاحها) وستتم كذلك حماية السكان».
ومن ناحية أخرى، تطوعت بعض المؤسسات الخاصة للاعتناء بالمستطيلات الخضراء التي تقابل مقراتها، مع الحرص على تسييجها لعدم إتلاف النباتات والأزهار والشجيرات، وكذلك فعلت أقلية «ميسورة» من الساكنة. فعلى الرغم من أن طموح الناس أكبر من ذلك، في أن يجدوا فضاء رحبا مرتبا يحتوي على كراس مريحة يمكن اللجوء إليها كلما ضاقت أنفسهم. إلا أنها تبقى خطوة محمودة ومحسوبة لهؤلاء، وأفضل من أن يتم الاستغلال الاقتصادي لهذه الفضاءات دون مراعاة الصالح العام، أو أن تبقى عرضة للتصحر والفراغ، بل واستغلالها لركن السيارات والشاحنات ! ومن المناظر – في المكان – التي تضر البصر والصحة والطبيعة كذلك، “كشك إيكولوجي” وضع بأحد هذه المستطيلات المتصحرة، تحت اسم “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتحيط به حاويات تفيد بأنها وُضعت لغرض فرز القمامة. من الشعارات المكتوبة عليه (كما يظهر في الصورة) “بحركة واحدة منك تساهم في حماية بيئتك”، لكن المفارقة أن الكشك أضحى مرتعا للنفايات من كل جوانبه، وعوض أن يحمي البيئة أصبح مكانا يجمع القذارة والأوساخ والحشرات دون أدنى حركة من طرف المسؤولين، وهو بالمناسبة على جانب الشارع المذكور وقبالة مدخل سوق البضائع بالمنطقة.
ومن المفارقات، أيضا، أنه توجد ، بمحاذاة الشارع المتحدث عنه، بناية كبيرة لمؤسسة “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” وهي المؤسسة الظاهر من اسمها – في أدنى تقدير- اهتمامها بالتنمية البشرية،» فكيف لرقي بشري وتنمية إنسانية أن يحدثا دون فضاء مريح يخول للمواطن راحة نفسية تنعكس على تفكيره السليم ؟ « يتساءل العديد من أبناء المنطقة.
(*)صحفي متدرب


الكاتب : عبد الله إراوي(*)

  

بتاريخ : 27/11/2017