انعقد، يوم السبت الماضي بالعاصمة الصينية بكين، اجتماع، على مستوى الخبراء، حول قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي (فوكاك).
وخصص هذا الاجتماع، الذي شارك فيه ممثلون عن منظمة الاتحاد الإفريقي وعن 52 دولة إفريقية من بينها المغرب، لتقييم حصيلة تنفيذ القرارات الصادرة في قمة المنتدى التي انعقدت في جوهانسبرغ والإعداد لاجتماع القمة المقبل الذي سينعقد خلال السنة المقبلة.
وضم الوفد المغربي المشارك في اجتماع الخبراء، كلا من عبد القادر الأنصاري، مستشار وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، ويوسف بوريطة، رئيس قسم المنظمات الأسيوية بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، وعثمان صمصم، مستشار الشؤون الخارجية، ومراد العياشي القائم بأعمال سفارة المملكة بالصين.
وأوضح عبد القادر الأنصاري أن المشاركين في الاجتماع أكدوا أنه تم إنجاز جزء كبير من المشاريع التي جرى الاتفاق عليها في جوهانسبرغ وأنه تم استثمار ثلثي الغلاف المالي الذي خصص للتعاون الصيني الإفريقي والذي حدد في 60 مليار دولار.
وأضاف الأنصاري أن اجتماع الخبراء أكد ضرورة توسيع التعاون الصيني الإفريقي ليشمل قطاعات التصنيع وتطوير البنية التحتية، مبرزا أن التعاون بين الطرفين يتم في إطار من الاحترام المتبادل والثقة وعلى أساس رابح – رابح.
وأشار إلى أن الجانب الصيني أشاد، خلال الاجتماع، بالمشاريع التي يتم إنجازها في المغرب في إطار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وخاصة مشروع المدينة الصناعية “طنجة تيك”، مبرزا أن المغرب، الذي يعد من بين أوائل الدول التي وقعت على الانضمام إلى المبادرة الصينية “الحزام والطريق”، يؤكد نفسه كأكبر شركاء الصين في إطار التعاون الصيني الإفريقي باعتبار قيمة المشاريع التي يقترحها وكيفية إنجاز المشاريع المتفق عليها.
وأكد اجتماع الخبراء أن القمة المقبلة لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي (فوكاك) ستنعقد بالصين على مستوى رؤساء الدول والحكومات، معربا عن ارتياحه للتطور الذي عرفه هذا التعاون على مستوى الغلاف المالي والمشاريع المنجزة.
يذكر أن منتدى التعاون الصيني الإفريقي، الذي انطلق في أكتوبر عام 2000، ويعقد دورته كل ثلاث سنوات بالتناوب بين الصين والدول الإفريقية، يهدف بالأساس إلى تطوير وتعميق العلاقات بين بكين والدول الإفريقية ووضع استراتيجية للتعاون في مجالات التنمية الشاملة (السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية) بين الجانبين .
تدفع التقلبات التي تعاني منها بعض الدول مثل بورما وزمبابوي بالعملاق الصيني إلى دور عالمي أكثر حضورا بعد فترة طويلة من العزوف عن سياسة التدخل في الملفات الدولية على الطريقة الأمريكية، بحسب عدد من المحللين.
تنامي نفوذ الصين
وانتهجت بكين سياسة خارجية قائمة على مبدأ “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى” الذي ظهر منذ العام 1954 عندما كانت دولة أضعف بكثير مما هي عليه الآن.
وفيما لا تزال ملتزمة بهذا المبدأ في خطابها العلني، إلا أن الصين باتت حاليا قوة مختلفة كثيرا عما مضى مع امتلاكها أكبر جيش في العالم وثاني أقوى اقتصاد.
وتزامن هذا التغير مع تحول في انخراطها دبلوماسيا حيث اتخذت بكين خطوة غير متوقعة عبر اقتراح استراتيجية لحل الأزمة الناجمة عن تدفق اللاجئين المسلمين عبر الحدود من بورما إلى بنغلادش.
وعززت كذلك دورها في الشرق الأوسط الذي تعتمد عليه نفطيا بعدما بقيت لفترة طويلة في المقعد الخلفي في ما يتعلق بالمنطقة التي تشكل قنبلة موقوتة، حيث عرضت استضافة المحادثات المرتبطة بالحرب السورية والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
ويتوقع كيري براون مدير معهد “لاو تشاينا” التابع لـ”كينغز كوليج” في لندن أن تتحمل الصين مسؤولية أكبر في ما يتعلق بالشؤون الدولية لأنها “لم تعد لاعبا ثانويا”.
وأضاف “لا يمكن أن يكون هناك فيل يتظاهر بأنه فأر”.
وتتنامى بصمة الصين في الخارج مع مشروعها للبنى التحتية المعروف باسم “حزام واحد طريق واحد” ويتضمن استثمارات بقيمة تريليون دولار في آسيا وأوروبا بهدف إعادة إحياء طرق التجارة القديمة عبر شبكة ضخمة من السكك الحديدية والنقل البحري.
ومع اتساع نطاق مصالح بكين في الخارج “تبرز بشكل طبيعي مسألة كيفية حماية هذه المصالح”، وفقا للمعلق السياسي الصيني شين دايوين.
واستعرض الرئيس الصيني شي جينبينغ هدفا طموحا يقضي بتحويل الصين إلى قوة دولية عظمى مع جيش بأعلى المستويات خلال مؤتمر الحزب الشيوعي الشهر الماضي والذي عزز قبضته على السلطة.
وأشار شين إلى أن الرئيس تعهد “الحفاظ على النظام الدولي” ملمحا بذلك إلى دور أكثر نشاطا يشابه بشكل متزايد دور الولايات المتحدة الذي لطالما اشتكت الصين من حدة تدخلها.
وفيما يستبعد أن تعلن الصين تخليها عن نهجها الرافض للتدخل، يرجح شين أن “تخففه تدريجيا ليتحول من عدم التدخل إلى الحياد وصولا إلى التدخل”.
وأوضح “عندما تتعرض مصالحها الوطنية للأذى في الخارج، فهناك إمكانية كبيرة بأن تستخدم الحاجة إلى حماية استثماراتها ومواطنيها المغتربين كذريعة لنشر قوات “.
وتستعرض بكين قوتها العسكرية دوليا منذ مدة حيث افتتحت أول قاعدة عسكرية لها في الخارج بجيبوتي في غشت فيما تبني جزرا عسكرية في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.
لكن حتى دون التدخل العسكري المباشر، وجدت نفسها منخرطة في السياسة خارجيا رغم رغبتها في البقاء كقوة سياسية لا تقيدها أي ضوابط أخلاقية.
وكان قائد جيش زيمبابوي الجنرال كونستانتين شيوينغا في زيارة رسمية إلى بكين قبل أيام من سيطرة قواته على البلاد، ما أثار تكهنات بشأن الدور الذي لعبته في هذا القرار.
وأقامت الصين علاقة طويلة الأمد مع روبرت موغابي ولديها استثمارات مهمة يتوجب عليها حمايتها في البلاد.
وبينما أبدى براون “شكوكه” حيال شائعات من هذا النوع فإنه اعتبر أنها تظهر مدى استحالة عدم اتخاذ قوة عظمى مواقف مع طرف أو آخر في الأزمات.
وقال “عندما يمنحك الناس السلطة يصبح لديك نفوذ” حيث “النأي بالنفس لن يكون دائما”.
وتعد الصين أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية المباشرة في كمبوديا، حيث ضخت ما مجموعه 11,2 مليار دولار بحلول أواخر العام 2016.
وقال برايان ايلر، مدير برنامج جنوب شرق آسيا في مركز “ستيمسون” للأبحاث الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقرا له، إن اعتماد الدولة الفقيرة على المال الصيني شجع رئيس وزرائها هون سين على “اتخاذ خطوات سياسية تضعف الديموقراطية”.
وأضاف “طالما استمرت الصين بالهيمنة اقتصاديا على كمبوديا، فستبقى الأخيرة دولة استبدادية دون حزب معارض”.
أما بورما، فقد واجهت غضبا دوليا على خلفية الحملة العسكرية ضد أقلية الروهينغا المسلمة في ولاية راخين في ما وصفته الأمم المتحدة بأنه “تطهير عرقي”.
لكن حكومتها تحظى بدعم مستمر من الصين التي استثمرت المليارات في الموانئ والغاز والنفط في ولاية راخين، بما في ذلك خط أنابيب افتتح في أبريل وبلغت كلفته 2,45 مليار دولار.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، أجبرت المعارضة الشديدة التي أبدتها الصين مجلس الأمن الدولي على التخلي عن خططه لتبني قرار يطالب بإنهاء العنف في بورما.
وبدلا من ذلك، قدمت بكين مقترحا خاصا لحل الأزمة يتضمن وقفا لإطلاق النار وإعادة اللاجئين وتخفيف الفقر.
وقال براون “كل شيء يبدو مرتبطا بالصين حاليا، سواء كان في زيمبابوي أو بورما أو سريلانكا أو حتى قضايا سياسية في نيوزيلندا، إنه تحول استثنائي”.
وأكد أن “فكرة عدم التدخل باتت نوعا ما مستحيلة. فحتى لو أرادت الصين فقط البقاء في عزلة كبيرة، فإن المشاكل ستأتي إليها”.
نمط جديد من الشراكة الآسيوية-الأوروبية
دعت الصين إلى بناء مشترك لنمط جديد من الشراكة بين آسيا وأوروبا ، خلال افتتاح الاجتماع الـ13 لوزراء خارجية آسيا-أوروبا أمس الاثنين بنايبيداو عاصمة ميانمار .
وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي وانغ، في كلمة بالمناسبة، إن بلاده ستواصل التعاون عن كثب مع كل الأطراف في آسيا وأوروبا، مؤكدا على ضرورة مضاعفة الجهود لدعم السلام والاستقرار في المنطقة من أجل تحقيق التنمية والازدهار.
ودعا الدبلوماسي الصيني أيضا الدول الآسيوية والأوروبية إلى تعزيز الجهود من أجل استكشاف محركات نمو جديدة، مشيرا إلى أن الاقتصادات الآسيوية، خاصة في الدول النامية، مفعمة بالحيوية وأصبحت المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي العالمي.
ويرى أن تعافي الاقتصاد العالمي يتطلب بذل جهود مشتركة من قبل الدول الآسيوية والأوروبية لاستكشاف نقاط نمو جديدة وفرص تعاون بين الجانبين من أجل خلق قوة دفع جديدة للتنمية.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف، حث وانغ الدول الآسيوية والأوروبية على ” الدعم الواضح لنظام التجارة متعددة الأطراف ومعارضة الحمائية بكافة أشكالها من أجل دعم تحرير وتسهيل التجارة والاستثمار”، واقترح أن تعمل دول آسيا وأوروبا سويا من أجل استكشاف أنماط حكامة مستدامة.