في الجلسة الشهرية لرئيس الحكومة بمجلس المستشارين

عبد الحميد فاتحي: الأزمة التي تتخبط فيها أنظمة التقاعد ناتجة عن تجميد الأجور والإحالة المبكرة على التقاعد
العثماني : الحل يكمن في الإصلاح الشامل للنظام الأساسي للوظيفة العمومية الذي يتم الإعداد له حاليا من قبل الوزارة الوصية

في تدخله باسم الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين في الجلسة الشهرية لرئيس الحكومة حول السياسة الأجرية في المغرب أول أمس الثلاثاء ، قال عبد الحميد فاتحي إن الأزمة التي تتخبط فيها أنظمة التقاعد والتي سعت الحكومة إلى معالجتها عبر المزيد من إثقال كاهل الموظفين باقتطاعات إضافية أو التمديد من عمر الحياة الإدارية للموظف ، هي من نتائج عواقب تجميد التشغيل والأجور والإحالة المبكرة على التقاعد.
وأضاف فاتحي باسم الفريق الاشتراكي أن اقتطاعات الموظفين لم تعد كافية لتغطية مرتبات المتقاعدين، الذين تزايدت أعدادهم، في غياب أي تصور في المغرب لسياسة أجرية تقوم على قواعد ومعايير علمية محايدة.. وأنه على الرغم من الأهمية التي تحتلها منظومة الأجور في إطار الوظيفة العمومية، فإن النظام الأساسي العام لم يخصص لموضوع الأجور سوى فصل فريد، اقتصر فيه على تحديد مكونات الأجرة، في غياب تام لمقتضيات قانونية، تحدد قواعد الإنصاف والعدالة الأجرية.
وذكر فاتحي أن المبادرات التي ترمي إلى إصلاح نظام الأجور تنوعت من أجل تخليصه من الاختلالات التي لازمته و التي أدت إلى خلل وظيفي في علاقته مع محيطه ، بالرغم من حضوره في الفكر و الممارسة الإصلاحيين للدولة ، و أن إصلاح الأجور، مازال يعرف معيقات تحد من قدرته على إحداث التغييرات، الكفيلة بخلق تحولات عميقة داخل النظام الاجتماعي للموظفين وعلى القيم و السلوكات التي تتحكم في مظاهره .
وتابع عضو الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين، أن التجربة المغربية بخصوص سياسة الأجور تتميز منذ السبعينيات بالعديد من الصعوبات و الإكراهات، التي اندرجت بين ما هو اقتصادي وما هو اجتماعي .
فبخصوص العامل الاقتصادي، فقد مر المغرب بظروف اقتصادية و مالية صعبة وما نتج عنها من تدخل للمؤسسات المالية الدولية وفرض سياسة التقويم الهيكلي، التي استهدفت تقليص كتلة الأجور، بإعتبارها بندا رئيسيا في الإنفاق العمومي. و أما العامل الاجتماعي،فقد قام المغرب آنذاك بحملات لتوظيف خريجي الجامعات و المعاهد كمحاولة في إطار الخدمة المدنية،التي كان معمولا بها لامتصاص البطالة .
وأكد فاتحي أن هذه العوامل أدت إلى مجموعة من الممارسات، التي تبنتها الدولة للتحكم في الكلفة المالية للأجور، من قبيل وقف التوظيف و تجميد الأجور و العلاوات و إلغاء المناصب المالية ، مما أسس لمنظومة تشوبها مجموعة من الاختلالات. وأردف فاتحي مخاطبا رئيس الحكومة إن وضع أي سياسة مرتبطة بالأجور، يجب أن تكون مستمدة من الواقع ، و ذلك بعد إجراء دراسات عميقة حول كافة شرائح الموظفين و كوادرهم و ووظائفهم المختلفة ، و كذا قيمة الكلفة المعيشية للمواطن، بحيث يستطيع تحقيق العيش الكريم، فيحافظ من خلاله على نفسه و أفراد أسرته و حياتهم المعيشية و الصحية و التعليمية و غيرها . وهذه كلها عوامل تساعد و تساهم في أداء فعال للموظف داخل الإدارة . و عليه، فإن لسياسة الأجور تداعيات على أداء الموظف. فكلما كانت هناك سياسة ترتكز على مبادئ التحفيز، كانت هناك مردودية و أداء أفضل.
وقال فاتحي إنه كثر الحديث عن أن الكتلة الأجرية جد مرتفعة في المغرب مقارنة بالناتج الداخلي الخام.
وهنا، وجب الانتباه أيضا إلى أن الناتج الداخلي الخام هو متدني جدا. لكن هذه المقولة التي يرددها الساسة كتعبير عن مصالح الرأسمال العالمي، تخضع أيضا لمنطق البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. فهاتان المؤسستان تعملان منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي على تكييف اقتصاديات بلدان العالم، لكي تسهل بسط سيطرتها على هذه البلدان. ومن أهم عناصر التكييف والتقويم الهيكلي، تطرح قضية تقليص حجم الإدارة العمومية، وبالتالي تقليص الكتلة الأجرية وعادة ما يتم البحث عن «شيطنة» حجم الكتلة الأجرية للدفع نحو تقليص عدد الموظفين والانتقال بالتالي من مفهوم الإدارة المتدخلة التي تحقق التوازن الاقتصادي والاجتماعي إلى مفهوم الادارة الحارسة . لكن هذه العملية تحدث اضطرابا حقيقيا في وظائف المرفق العمومي وكذا في أنظمة التقاعد.
وختم فاتحي مداخلته باسم الفريق الاشتراكي بأن تحقيق العدالة الاجتماعية مرتبط أساسا بتحسين ظروف العمل وضبط وتقنين العمل اليومي والأسبوعي وتوفير أجر يكفل ظروف ومعيشة مناسبة .
وفي جوابه، قال رئيس الحكومة سعد الدين العثماني إن الحكومة تعتزم إعادة النظر في منظومة الأجور الحالية، موضحا في معرض رده على سؤال محوري بمجلس المستشارين، في إطار الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة، حول “السياسة الأجرية في المغرب”، إن إعادة النظر ستتم في إطار إصلاح شمولي لمنظومة الوظيفة العمومية، بهدف إقرار منظومة أجرية حديثة محفزة ومنصفة وشفافة.
ويقوم هذا التصور على إصلاح جوهري لنظام الأجور، لا يرتكز فقط على الدرجة أو السلم، ولكن على أساس مفهوم الوظيف، والذي سيتم إدراجه في إطار الإصلاح الشامل للنظام الأساسي للوظيفة العمومية، الذي يتم الإعداد له حاليا من قبل الوزارة الوصية والذي يهم مختلف الجوانب التي تعني وضعية الموظف العمومي، لاسيما التوظيف، والمسار المهني والحركية وتقييم أداء الموظفين وأسس تحديد الأجر.
وأشار العثماني إلى أن السياسة الأجرية في القطاع الخاص ترتكز على مقاربة تشاركية، حيث تم تحقيق جملة من المكاسب في هذا الإطار لفائدة الطبقة الشغيلة، مشددا على أن الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص بالمغرب منسجم مع معايير العمل الدولية. ويتم العمل تبعا لذلك على توحيد نظام الحد الأدنى القانوني للأجور المطبق على جميع القطاعات الاقتصادية بطريقة تدريجية.
وأضاف أن الحكومة تعمل باستمرار على تطوير ومراجعة الحد الأدنى للأجر، بهدف المحافظة على القدرة الشرائية للعمال وتحسين ظروفهم المعيشية، وذلك في إطار تطبيق التزامات الحكومة بمقتضى الحوار الاجتماعي وربط الأسعار بالأجور وبالدخل.


الكاتب : ب.ر

  

بتاريخ : 28/12/2017