عمال يخترق السيليكوز اجسادهم وأبناء يحفرون باطن الأرض من أجل قنطار من الفحم ب40 درهما

حين يخنق الفحم رئة الحياة  في جرادة

 

مايقع في جرادة اليوم ليس حدثا راهنيا أوكارثة بشرية طارئة ,أصبحت حديث المسؤولين والمنتخبين وكل من يركب على قضايا البؤساء وهمومهم.
ماوقع في جرادة بالأمس يقع كل يوم ، كل أسرة تتوجس مأتما لأب أو ابن ينزل تحت الارض يوميا ليجلب بقايا فحم يسد به رمق أسرة تعاني الجوع والفقر بعد أن أغلق المنجم أبوابه وطرد عماله ولم يفتح بدله أي مصدر آخر للعيش …لاشئء في جرادة ،لاشئ في تويسيت وسيدي عبد الكريم بعد أن نفد ما في باطن الارض،واستنفدت قوى الاباء المرضى بالسيليكوز ، لم يجد الابناء سبيلا للعيش وتوفير الاوكسجين للرئات الموبوءة غير الحفر في الصخر من جديد،و بصدور عارية، في باطن أرض عميق ،الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود.
جرادة تدفن يوميا أبناءها تحت أنقاض مناجم الفحم ,كما تدفنه يوميا ايضا مناجم تويسيت وسيدي عبد الكريم .. وهو أمر يعلمه الجميع منذ أن أغلقوا المناجم وتركوا الاسر للمجهول. ومايقع اليوم من مظاهرات في جرادة هو نفاد صبر من مآتم يومية لرجال وشبان يموتون مجانا تحت الارض.
سبق ونبهنا لهذه المآسي التي تقع في هذا الجزء المنسي من المغرب ،وأنجزنا تحقيقا في 2016عن معاناة عمال مناجم الفحم بعد إغلاق المنجم, ونقلنا من الساندريات واقع الذين ينزلون لجوف الارض طيلة اليوم من اجل 40 درهما في اليوم منذ سنوات.ولم يتحرك أي مسؤول ولا أي جهة .
واليوم نعيد نشر تحقيقنا ، لنقول لمن يتبجحون بالحديث عن كارثة جرادة, أن الواقع لم يكن بعيدا عنكم ,كان أمام أعينكم .

تتراص البيوت أنيقة في مدخل مدينة جرادة ,تخبرك علنا أن حياة دخيلة عن حياتنا المغربية كانت هنا ذات عهد.شوارع فسيحة ,أنيقة وساحات شاسعة وأشجار في كل مكان,تتخلى الصورة شيئا فشيئا عن بهائها وأنت تتوغل داخل المدينة ,بيوت نبتت من عبث دون أن تستفيد من ذاك الطابع الجميل الذي تركه «النصارى» ورحلوا,دور متناثرة عشوائيا بأزقة متربة تفتقر للبنية التحتية وحتى… الفوقية
هذا التناقض في المشهد الواحد للمدينة يحكي تاريخا طويلا من الحياة, أسسه ذات سنة أحد أكبر مناجم الفحم بالمغرب وأفريقيا.حين استطاع الجيولوجي الفرنسي لويس جونتيل سنة 1908 التوصل إلى اكتشاف العلامات الأولى لوجود الفحم الحجري بجرادة. وفي سنة 1927 اكتشف الجيولوجي البلجيكي اورغي حوض الفحم بهذه المدينة، و بدأ البلجيكيون في استغلاله بمجرد الانتهاء من حفر آبار الاستخراج في عام 1936 ,ثم تلاهم الفرنسيون,وهكذا أصبحت جرادة مركزا منجميا تحولت معه الحياة الرعوية للمنطقة وأهلها إلى مجتمع متحضر، وأسلوب حياة أخرى جديدة ، وبفضل الأهمية الاقتصادية التي أصبحت تشهدها, أضحت جرادة قبلة لهجرة القبائل الرعوية المجاورة التي استقرت بالمدينة وأمدتها باليد العاملة، كمااستقبلت عمالا قادمين من سوس تزنيت, تارودانت ,تازة ,الريف والأطلس المتوسط.
وبفضل الإنتاج المرتفع للفحم 350.000طن عام 1953,قامت شركة – مفاحم شمال أفريقيا – التي أشرفت على تسيير المنجم منذ 1947 بالرفع من عدد العمال ,حيث وصل عددهم إلى 6.000 عامل,5.300 مغربي و700 أوروبي.مما اعطى للمدينة طابع أكبر مدينة عمالية في المغرب,تحتوي على تجمع بشري ضخم.
ولتشجيع الوافدين على الاستقرار, أنشأت شركة المفاحم للعمال أحياء ودكاكين ومدارس ومستوصفات وأماكن للتسلية وأخرى للعبادة.وبجانب هذه الأحياء الشعبية التي كانت تعرف بأحياء المغاربة,أنشئت أحياء جديدة عصرية بهندستها وطرقها ومجالها الأخضر،عرفت بالأحياء الأوربية,هي التي ذكرتها سابقاوالتي مازالت تحتفظ ببعض العبق الاروبي ,نقل لها الفرنسيون طابع حياتهم,فكانت الكنيسة والمستشفى والمدرسة والملاعب والحانات والمقاهي وحتى المقتصديات وكل ما يجعل حياتهم رغيدة في أرض سخية بطونها.
عاش العمال في جرادة متجاورين مع الحضارة حتى على مستوى الحقوق ,فكانوا لايشكون الخصاص في العلاج او التعليم أو التعويضات أو غيرها من مطالب الحياة,منحت لهم المساكن مجانا ,والماء والكهرباء والدواء أيضا,حتى بعد أن أسترجع المغرب المنجم كانت الأمور بدأت تتراجع لكنها ما زالت تحتفظ بالحد الأدنى من شروط العيش الكريم.لم يكن أهل جرادة يعلمون أنهم عندما ستشح بطون أرضهم سينفض الكل من حولهم,وأنهم سيجوبون الشوارع الفارغة متكئين على جرح أطرافهم المبتورة ورئتهم المتكلسة بغبار الفحم .. يعاينون كل يوم معالم أكبر منجم تعشش فيه البوم ,ويتطلعون هناك في الجبل لابن أو أبناء قد يعودوا أو تعود أنباؤهم فقط.
تاريخ منجم ,تاريخ حياة

كانوا يحكون ببطولة عن أيام عملهم في المنجم بكل تعفف ,كيف كانوا ينزلون في أقفاص حديدية بواسطة المصعد الضخم الذي مازال يتوسط ساحة المنجم, يستخرجون 2400طن من الفحم الخام في 24ساعة,ينزلون إلى أنفاق بعمق 400متر عموديا ثم يقطعون مساحة 1500متر أفقيا ,كانوا يحفرون في مساحة 16 كلم مربع في أعماق الأرض, بطن الجبل كله أنفاق ,هناك نفق كبير من جرادة حتى حاسي بلال تم اغلاقه في 2011.
كان الفحم الخام بعد استخراجه يحمل في شرائط لوحدة الفرز بحاسي بلال ليفرز في المختبر الضخم الجاثم كالشبح, فارغا إلا من طيور الشؤم, يبكي عزلته خارج المدينة .
في ساحة المنجم , معدات قليلة جدا تؤرخ للعمل داخل الغار, وبنايات مقفلة كانت مراكز للتكوين والتدريب, في الجهة المقابلة معامل موصدة كانت للنجارة والحديد والخياطة والكهرباء ,وخلفها محطة ضخمة للكهرباء, يقابلها مخزن كبير جدا كان مليئا بمعدات جديدة وحديثة ,بعد إغلاق المنجم بيعت هذه المعدات الجديدة بثمن الخردة لأحد التجار اليهود,يقول شاهدو عيان .على يسار هذا المخزن الضخم ,مساحات شاسعة أصبح يستغلها أحد ما لجمع النفايات البلاستيكية ؟
جميع معدات هذا المنجم الضخم بيعت في الخردة , الآلاف من القضبان الحديدية التي كان يعتمد عليها كركائز للحماية من الانهيار في الانفاق لم يبق منها إلا بعض الوحدات وقاطرات «السكيب» التي كانت تحمل البشر والمعدات للنفق لم يتبق منها إلا اثنتان فقط في ساحة المعمل ,لم يتبق شئ من كل هذه الثروة الحديدية من آلات ومحركات وقاطرات وسكك , هل ساءلت البلاد مسؤوليها عن من استفاد من هذه الثروة التي تعد بالملايير,هل اكتفت لنفسها بحق معرفة الجواب, أم أن هناك من هم أقوى من أن يطرح عليهم السؤال. أما نحن فما زلنا ننتظر أن يعود ريع هذه المبيعات على جرادة وأهلها حتى جواب آخر..
مصادرمتطابقة كشفت عن وجود أياد خفية نهبت هذه الثروة من خلال البيع العلني والخفي لمنقولات الشركة ، والتي تتعدى قيمتها الملاييرمن السنتيمات. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن هذه الأيادي الخفية تقف وراءها شخصيات نافذة .
بعد اغلاق المنجم , وروايات إغلاقه كثيرة ,ليست موضوعنا الآن. انتدبت الشركة من يقوم بعملية التصفية,حيث أمضى المصفي أزيد من 17 شهرا يتابع عملية البيع, التي خلفت ردود فعل قوية لدى المجتمع المدني بجرادة من جمعيات حقوقية وهيئات سياسية ونقابية,خصوصا بعد الوقوف على أشكال النهب الذي مورس تحت إطار البيع وظهور مخطط محو ذاكرة المدينة المنجمية وطمس هويتها وتاريخها النضالي.
بعد 30 سنة من العمل في باطن الارض يتقاضون 960 درهما كمعاش

عندما توقف المنجم, وماتلاه من أحداث شد وجدب بين المصفي والعمال و مسيرة من النضالات والاعتقالات وبعد تدخل الدولة لمحاولة جبر الضرر والحد من التوتر , وجد 7000 عامل أنفسهم اليوم في وضعية جد متردية ,أعلى معاش للمحظوظين لايتعدى 1500 درهم ومن قضى 30 سنة من عمره في الغار يتقاضى اليوم 960 درهما في الشهر.
العديد من العمال يحصلون على معاشات ضعيفة جدا لأنهم لم يتوفروا على 3240يوما من العمل الذي حدده مصفي الشركة كأساس للتعويض,وكانت الشركة قبل اغلاقها قد وعدتهم أن تكمل لهم ماتبقى من النقط لبلوغ هذا العدد حتى تسوى وضعيتهم , أخلفت وعدها فبقوا عرضة للفقر المذقع.من بين العمال59 عاملا تعرضوا للطرد بسبب انتمائهم النقابي ,فحرموا من التعويض لسنوات طويلة ,بعد صمودهم ونضالات النقابات المحلية وجمعيات المجتمع المدني تمكنوا أخيرا من الاستفادة,لكن استثني منهم 36مطرودا ما زال ملفهم عالقا لم ير طريقه للحل بعد.
عمال المنجم اليوم يجرون مآسي كثيرة, عاجزين بسبب السيليكوز الذي ينخر جسمهم, أرهقتهم الحاجة لمواجهة تكاليف الحياة اليومية في مدينة لا منافذ أخرى فيها للرزق .مهددون اليوم في مساكنهم التي منحت لهم في عهد الفرنسيين ,حيث تم اخبارهم مؤخرا بدفع 20.000 درهم من أجل تحفيظ بيوتهم وإلا ستسحب منهم, هاجس آخر ينضاف لهواجس الحاجة والإملاق.
600 درهم للمصاب ب50في المئة من تغبر الرئة و60 درهما لآخرين

لا يكاد يخلو بيت من بيوت جرادة من عليل أو أكثر يعانون من صعوبة التنفس بسبب تغبر الرئة ,هي كل ما ورثوه من الفحم, في فصل البرد وحتى الحر يضيق بهم المستشفى الذي لايملك إلا أن يقدم هذه الجرعات من الحياة فقط ,في انتظار أن تفتح الوحدة الخاصة بالجهاز التنفسي أبوابها قبل أن يقضي المرضى حتفهم اختناقا.
فحسب الاتفاقية الاجتماعية لعمال المنجم,يتم منح تعويض للمستخدمين المصابين بعجز بدني مستديم مثبت, ويقدر هذا التعويض بأجرة 20 يوم عمل عن كل نقطة عجز بدني مثبت في تاريخ المغادرة.إلا أن العامل اليوم عوض أن يستفيد من التعويض يجد نفسه مضطرا لتعويض الصندوق من جيبه .والقصة لا يمكن استيعابهامن شدة غرابتها.
حيث يتقدم العمال بطلبات التعويض عن المرض للمحكمة حسب الفصل 10 من ظهير 6.2.63 الذي ينص على أنه إذا تفاقم العجز يجب الاستفادة من مؤخر الايراد,يقوم العامل بوضع الملف في المحكمة مع شهادة الخبرة الاولية التي تحدد مدى العجز, والمحكمة تحيل الملف على الخبرة الجماعية, مع تعيين محامي للعامل في اطار المساعدة القضائية,الذي يطالب بمؤخرات الايراد من تاريخ إنجاز الخبرة الاولية ,في حين أن صندوق الوطني للتقاعد والتأمين يحدد الانتفاع من تاريخ الخبرة الجماعية, وبعد مرور سنة أوأكثر تحكم المحكمة بالتعويض لصالح العامل, الذي يسلم له المحامي المبلغ بعد أن يقتطع منه أتعابه, لكن الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين,يستأنف الحكم لأنه مبني على الاستفادة من الخبرة الاولية وليس الجماعية كما هو متفق عليه, فتطالب من العامل تعويضها عن الفرق, ويكون المستفيد الاكبر من العملية هو المحامي الذي يأخذ أتعابه قبل حكم الاستئناف.والضائع الاكبر هو العامل البسيط الذي كان ينتظر حكم المحكمة بفارغ الصبر ليحل بعض مشاكله, فإذا به يستدين أو يبيع أغراضه لتغطية مصاريف الصندوق,لهذا يطالب العمال و بإلحاح بعدم مرافقة المحامي لهم في اطار المساعدة القضائية.
العديد من العمال يتقاضون في احسن الحالات 600 درهم كتعويض عن المرض في ثلاثة أشهر, وهناك من يتقاضى 60 درهما في ثلاثة أشهر بمعدل 20 درهما في الشهر ويجب أن يستخلصها من وجدة….
أكثر من 2000 شخص ينزلون الساندريات يوميا بعمق27مترا عموديا

أمام انغلاق أبواب العيش ,وبدافع الجوع والمرض, عاد أبناءعمال المناجم لحرفة آبائهم,لكن هذه المرة بصدور عارية ,لاوقاية ولا تأمين ولا علاج ولا أجر ولا أي شئء. . يستأجر أحدهم آلة حديدية تعمل ب» الباتري» ملفوف بها حبل سميك, يضعها بالقرب من فوهة البئر ينزل العمال بواسطة الحبل لقاع البئر مسلحين بآلة للحفر ومصباح فوق الرأس, 27مترا عموديا ثم ينبطحون على جنبهم بحثا عن الفحم مساحة قد تفوق 140 مترا,قد يعثروا على الفحم وقد لايجدوا شيئا, ليعاودوا البحث في مكان آخر,العديد منهم بدأوا الحفر فانفجر عليهم الماء , وآخرون فجرت مطارقهم رائحة الغاز , القريبون من الساندريا قد ينجون والآخرون يموتون اختناقا , في أحايين كثيرة يكون الحفر سببا في انهيار جبل من الغبار يقبرهم جميعا تحته, أما في أحسن حالاتهم فهم يعودوا بفحم من نوع»ب» البلوك ب40 درهما للقنطار,أما الفحم من نوع «أ» أو»ف» الغبرا ,يبعونه ب20 درهما للقنطار.يملأون الفحم في دلو بلاستيكي مربوط بنفس الخيط الرابط بين حياتهم وموتهم.يظلون اليوم كله تحت الأٍرض عسى أن يحصلوا على 100درهم في أحسن الأحوال ,حيث يعمد رب العمل على بيع الفحم للوبيات كبيرة تعيش على عرق العمال , تشتري منهم القنطار ب40 درهما. عمل اليوم كله يؤدي منه ثمن كراء الآلة وأجرتسعة عمال واثنان يساعداه في الخارج.
تستغل هذه اللوبيات هؤلاء العمال استغلالا بشعا,فقد تعرض عن شراء الفحم بعدما يستخرجونه بحجة عدم الجودة , وأمام ضيق الحال تشتريه منهم بأبخس الاثمان,وتمتنع عن العمل أيام الأعياد مما يزيد من معاناتهم .
«الساندريات» منتشرة في كل مكان في الجبل , أكثر من 2000رجل يعج بهم بطن الأٍرض يوميا بلا أدنى حماية – يقول الصحراوي ,أحد العمال السابقين متألما – كنا نعمل في المنجم بلباس خاص و الطبيب يتابع حالتنا الصحية ونأخذ الدواء بالمجان ومع ذلك كلنا مصابون بتغبر الرئة «السيليكوز» ,هؤلاء الشباب معرضون لغبرة الفحم مباشرة لايرون الطبيب وليس لهم تأمين عن المرض ,سيموتون اختناقا وهم في عز شبابهم».
اختلط لون المراحل هنا في جرادة , لم يبق للسن مايميزه أمام قلة ذات اليد , لون الفحم لف كل المراحل بالسواد ,حتى طعم الحياة أضحى في جرادة اليوم بلون الفحم.
نطق رجل من الجالسين حولي فجأة بصوت أٌقرب للاحتجاج الممزوج بالألم «لقد وعدونا في الاتقافية الاجتماعية أن تعطى الاسبقية لأبنائنا في الشغل في المحطة الحرارية,أبناؤنا مجازون عاطلون ويحملون دبلوماتلا يتم نشغيلهم و يقبلون على الوافدين من خارج المدينة , وعندما طالبوا بحقهم في الشغل اعتقلوا منهم 18 شابا.400 عامل يشتغلون في المحطة الحرارية بحاسي بلال 20 فقط من جرادة وهم مِؤقتون, عندما يضيق بهم العيش يرموا بشهاداتهم وينزلوا الساندريات.»
الاتفاقية الاجتماعية ترقد في رفوف المسؤولين

كان لزاما أن أقارن بين مايقوله العمال وما يعيشونه على أرض الواقع, وبين التزامات الدولة اتجاههم ووعود المسؤولين, حتى عثرت على نسخة من «الاتفاقية الاجتماعية حول مفاحم المغرب -أقليم جرادة ,الموقعة بتاريخ 17 فبراير 1998., لكني لم أعثر على الاتفاقية الاقتصادية التي تتضمن مشروعا متكاملا لنهضة تنموية بالمدينة , ذكر لي من حضروا هذه الاتفاقية أن المرحوم مزيان بلفقيه وضع خطة هائلة لتنمية المنطقة اقتصاديا,لكنها أقبرت. حين اطلاعي على الاتفاقية والمجهودات التي بذلت من أجل تسطيرها, ذهلت كيف وقف المسؤولون فقط ,بعد كل هذا الجهد,عند حد تسطير الأقوال ولم ينتقلوا لتطبيق الأفعال.لماذا كل هذه النوايا الحسنة لحماية العمال وأسرهم لم تترجم لأرض الواقع ,أو لم تكن النوايا فعلا حسنة لدرجة التطبيق؟ عقدت اللجنة المكلفة بهذه الاتفاقية والمتكونة من ممثلين عن وزارةالطاقة والمعادن,الداخلية والمالية وعمالة جرادة والمكتب الوطني للكهرباء وشركة مفاحم المغرب والنقابات الممثلة في لجنة النظام الاساسي لمستخدمي مفاحم المغرب ,سبعة اجتماعات تحت رئاسة ادريس بنهيمة وزير النقل والملاحة التجارية والسياحة والطاقة والمعادن آنذاك.وبحضور أمينة بنخضرا كاتبة الدولة ووزيرة الطاقة والمعادن المكلفة بتنمية القطاع المعدني آنذاك أيضا, من دجنبر1997ألى فبراير1998.
وبعد نقاشات طويلة توصل الطرفان لتسوية شاملة ومنسجمة, منها منح تعويض عن المغادرة قبل الاوان ,منح تعويض فحمي جزافي,منح تعويض خاص بالتقنيين الذين قضوا على الأقل 5سنوات ,تفويت السكن بأثمنة رمزية للمستخدمين الذين يستفيدون من السكن ومنح تعويض جزافي للمستخدمين غير المستفيدين من السكن أوالقاطنين في ظروف غير ملائمة.ويمكن أن يستفيدوا من دعم للحصول على ملكية سكن في اطار برامج السكن الاقنصادي.
في المجال الصحي, نصت الاتفاقية على أن تتكلف الوزارة المكلفة بالصحة العمومية بخصوص ضمان استمرارية ومجانية علاج الامراض المهنية وكذا فتح وحدة طبية متخصصة بجرادة .
كما نصت على اجراء اتصالات مع الوزارة المكلفة بالتشغيل لتخصيص حصة شباب مدينة جرادة حاملي الشهادات في اطار برنامج تكوين –ادماج حاملي الشهادات,مع ادماج 300 مستخدم من طرف المكتب الوطني للكهرباء مع التكفل بتكوينهم , على أساس أن يمنح المكتب فرصا لإنشاء مقاولات في مجال الكهربة القروية .
ومن أجل خلق أنشطة وإعادة التشغيل, نصت الاتفاقية,التي بين أيدينا,على خلق مقاولات صغيرة ومتوسطة لفصل بعض الأنشطة الملحقة مثل النقل,أوراش الميكانيك,أوراش الكهرباء,النجارة الخياطة,والهندسة المدنية,وتفوت الآليات والتجهيزات والمنشآت المتعلقة بهذه الانشطة للمستخدمين الراغبين في ذلك بأثمان امتيازية , على أن تدعم الدولة هذه المقاولات الخاصة بإمكانيات العمل مع المؤسسات المتواجدة بالمنطقة كمفاحم المغرب والمكتب الوطني للكهرباء حتى تتمكن من توسيع أنشطتها على الصعيد الجهوي والوطني.
احتساب التعويضات على أساس معدل الاجرة الخام لأحسن سنة منذ 1995, منح تعويض عن العجز لذوي عجز بدني مستديميقدر بأجرة 20 يوم عمل عن كل نقطة عجز مثبت في تاريخ المغادرة.ويستفيد التقنيون الذين عملوا أكثر من خمس سنوات بالقعر من تعويض مكمل يعادل انخفاض راتب الشيخوخة المؤدى من طرف الصندوق . كما يستفيد المستخدمون المحالون للعمل في المصالح والمؤسسات العمومية من تعويض يساوي 90 في المئة من مبلغ التعويضات المنصوص عليها عدا التعويض الفحمي الجزافي والتعويض الخاص (…..) على أن يجري العمل بمقتضيات هذه الاتفاقية ابتداء من تاريخ توقيعها , أي في سنة فبراير 1998, موقعة من طرف شركة مفاحم المغرب النقابات(الكنفدرالية الديمقراطية للشغل ,الاتحاد العام للشغالين, الاتحاد المغربي للشغل, وزارة النقل والملاحة والسياحة والطاقة والمعادن وقطاع الطاقة والمعادن.
اليوم نحن في سنة 2016, والحالة العامة لجرادة هي تماما كماعاينت وذكرت ,ولكم واسع التعليق ..
العمال المتضررون يطالبون بحماية ملفاتهم وتفعيل مطالبهم

يقف عمال جرادة يوميا امام مقر الشركة احتجاجا على المناورات التي تستهدف الزج بملفاتهم ومصالحم وذاكرتهم ,يقفون هم وعائلاتهم لمساندة المسؤولين عن ادارة المنجم الذين دخلوا في اعتصام مفتوح أكثر من شهرداخل الادارة, يفترشون الكارتون ويزهدون في متطلبات حياتهم دفاعا عن مصالح العمال الذين ارتبطوا بها منذ اغلاق المنجم.
يقول العيد يوجيل,المسؤول عن ملفات العمال ,أنه بناء على اتفاقية بتاريخ 28.05.2004 بين الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين وشركة مفاحم المغرب وشركة الهيدروكاربونات والمعادن, الذي يقضي بتكوين خلية من أجل تدبير شؤون ملفات الأمراض المهنية وحوادث الشغل, مسؤول عنها مصفي الشركة ,»فما يزيد عن 14 سنة ونحن نمارس هذه المهام ,يقول العيد ,بدون امتيازات الشغل إلا الراتب الشهري 1400درهم شهريا ,مع أربعة حراس وعاملة نظافة وموظفين مسؤولين عن الادارة ,مؤخرا نتفاجأ بالمصفي والمكتب الوطني للهيدروكاربونات قد عقدوا اتفاقية مع مقاول من أجل ترقيم هذه الملفات وإدخالها في الحاسوب وتدبيرها لمدة ثلاث سنوات بصفقة مالية تساوي600 مليون سنتيم ,على أن نشتغل معهم بعقدة ,لكننا رفضنا التخلي عن ملفات العمال».
بدأت مجموعة من المساومات والاغراءات المالية والتهديد مرة أخرى لإجبار العيد وزملائه على الإفراغ, بدت خيوط مؤامرة الإجهاز على هذه الملفات وتصفيتها كما تمت تصفية تركة المنجم. لكنهم ظلوا في اعتصام مفتوح بمقر الإدارة أكثر من الشهر من الآن حتى يعرف مصير هذه الملفات ومآل أصحابها. العمال وعائلاتهم اليوم جميعا خرجوا لمِؤازرتهم والدفاع عن ملفاتهم التي هي كل ماتبقى لهم.أيضا يطالبون بتحيين ملفهم المطلبي الذي يصم المسؤولون آذانهم عليه .
ماتقيسش ذاكرتي

من المطالب الأساسية لساكنة جرادة عدم المساس بكل ما يتعلق بذاكرة المدينة المنجمية,و الإبقاء على التجهيزات الكبرى للشركة، بما فيها وحدة تنقية الفحم ومرافقها لتبقى معلمة شاهدة على المنجم, والحفاظ على الطابع المنجمي لمدينة جرادة في أفق استغلاله في المجال السياحي،الانخراط الفعلي في عملية تأهيل مدينة جرادة والمساهمة بفعالية في إصلاح مجالها البيئي الذي تم إتلافه من طرف الشركة أثناء عملية الاستغلال مع إنجاز متحف منجمي بالمنطقة بجميع المقاييس والمواصفات، لتتحول المدينة التي حكم عليها بالموت بعد إغلاق المنجم الى منطقة سياحية، يحج إليها الزوار من داخل وخارج الوطن.يطالبون أيضا بتوفير شبكة التطهير السائل و تعبيد الطرقات بالأحياء العمالية و كذا الطرقات العامة التي كانت تستعملها الشركة أثناء الاستغلال. وحل مشكلة النفايات المتراكمة كالجبال حول المدينة واستغلال الأراضي التي تشغلها لصالح الساكنة.
وقفة لابد منها

أيها المسؤولون عن ملفات عمال المناجم الذين حفروا في الأرض كي يشمخ الوطن ,إن توهيمهم والتخلي عنهم في غياهب الفقر والمرض خيانة للوطن ,عمال من بيننا استباحوا صدورهم كي يخترقها غبار باطن الأرض ليزدهر البلد ,فيما استباح آخرون الثروة لأنفسهم وأفقروا أبناء هذا البلد.
أيها المناضلون في مجال حقوق الإنسان في بلدنا, صدور عارية شابة تنزل اليوم آبار وكهوف مناجم الفحم والرصاص التي تقف بلا سواري.. تحمل كفنها بين أيديها, يستعطفون باطن الأرض أن يجود بما يسدون به رمق من تركوهم فوق الأرض جياعا مرضى بعد أن تخلت عنهم البلاد ,آلاف تعج بهم بطون الأرض بلا تأمين ولا وقاية ولاعلاج ولا حتى معرفة هل سيعودون أم سيقبرون ؟.
ملفات إنسان بلا حقوق فوق طاولاتكم, يموتون يوميا بصمت,بحثا عن لقمة عيش بطعم الفحم والرصاص .


الكاتب : فاطمة الطويل

  

بتاريخ : 29/12/2017