لم يكن عام 2017 الأفضل على الصعيد الرياضي، اذ طبعته سلسلة من الفضائح والمشاكل التي شملت منع الرياضيين الروس من المشاركة في أولمبياد 2018 الشتوي، وانطلاق المحاكمات في فضائح الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).
في اللعبة الأكثر شعبية عالميا التي تستعد لعرسها العالمي السنة المقبلة في روسيا، لا يزال وقع الفضائح المتواصلة منذ عام 2015 حاضرا بقوة. شهد العام الذي يستعد لإسدال الستار على آخر أيامه، إقرار الرئيس السابق لاتحاد غوام لكرة القدم ريتشارد لاي في أبريل الماضي، بتلقي رشى بنحو مليون دولار أميركي، وفرضت عقوبات بالايقاف مدى الحياة بحق كل من الكوستاريكي إدواردو لي، والغواتيمالي برايان خيمينر، والفنزويلي رافايل اسكيفل وخولو روخا من نيكاراغوا، واوقف النيجيري آموس أدامو لمدة عامين.
الأمين العام السابق لاتحاد غواتيمالا هكتور تروخيو كان الأول بين المتورطين في فضائح الفساد في الفيفا، الذي حوكم بالسجن لثمانية أشهر من قبل محكمة في مدينة نيويورك الأميركية في اكتوبر. الرئيس السابق للاتحاد البرازيلي جوزيه ماريا مارين، ونظيره البارغواياني السابق خوان انخل نابوت، دينا أيضا قبل نهاية العام بقبول رشى فاقت قيمتها 17 مليون دولار.
في ملفات أخرى من سلسلة الفضائح نفسها، رفضت محكمة التحكيم الرياضي الاستئناف الذي تقدم به الرئيس الموقوف للاتحاد الأوروبي الفرنسي ميشال بلاتيني، ومواطنه الأمين العام السابق للفيفا جيروم فالك، ضد العقوبات المفروضة عليهما.
وفتحت سويسرا تحقيقا بحق فالك والرئيس التنفيذي لمجموعة «بي ان» الاعلامية القطري ناصر الخليفي، على خلفية شبهات فساد في منح حقوق البث التلفزيوني لمباريات كأس العالم، وهي تهم نفاها الرجلان.
الفيفا أيضا قرر منع نائب رئيس الوزراء الروسي ووزير الرياضة السابق فيتالي موتكو من الترشح مجددا لعضوية مجلسه، على خلفية تورطه في فضائح المنشطات التي تهيمن على الرياضة الروسية، وتقرير المحقق الكندي ريتشارد ماكلارين الذي أظهر وجود تنشط ممنهج على مدى أعوام برعاية الدولة الروسية ومختلف أجهزتها.
موتكو الذي لا يزال عمليا مشرفا على قطاع الرياضة في بلاده، ويتبوأ مناصب رسمية، كان طوال العام تحت الأضواء. وخلال هذه السنة، أصدرت اللجنة الأولمبية الدولية قرارا بمنعه مدى الحياة، في خطوة تزامنت أيضا مع منع رياضيي موسكو من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2018 تحت علم بلادهم، والسماح فقط لمن يثبت منهم «نظافته» من المنشطات، بالمشاركة تحت راية محايدة.
موتكو نفسه قرر المواجهة: هذا الأسبوع، أعلن «تعليق» مهامه في رئاسة اتحاد كرة القدم تمهيدا لرفع قضيته الى محكمة التحكيم الرياضي، مؤكدا مواصلة مهامه كرئيس للجنة المحلية المنظمة لكأس العالم، طالما بقي متمتعا بـ «ثقة» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي خطوة أشبه بمحاسبة بمفعول رجعي، ارتفع الى 43 عدد الرياضيين الروس الذين تم إيقافهم على خلفية تنشط في أولمبياد سوتشي الشتوي في 2014، كما ان الروس جردوا حتى الآن من 13 ميدالية (من أصل 33) أحرزوها خلال الدورة التي استضافتها بلادهم.
ولم تسلم رياضة الدراجات الهوائية من فضائح المنشطات هذا العام. وبعد أعوام من الفضيحة المدوية للأميركي لانس أرمسترونغ، كان الموعد هذه السنة مع أحد أبرز الأسماء في هذه الرياضة البريطاني كريس فروم الذي سبق له التتويج في سباقات مهمة لاسيما طواف فرنسا الدولي وطواف «فويلتا» الاسباني.
وأظهرت فحوص فروم وجود معدلات مرتفعة من مادة سالبوتامول، الا ان الدراج لم يعاقب بالايقاف بعد، والأمر يرتبط بقدرته على إثبات براءته وانه تناول هذه المادة لأسباب مبررة.
وفي ظل تحقيق بريطاني أيضا بشأن الدراج برادلي ويغينز، بدت مصداقية فريق «سكاي» الذي يضم ويغينز وفروم، على المحك، علما بان الفريق دائما ما رفع شعار «صفر تسامح» مع المنشطات.
وفي جانب «ايجابي»، شهد العام عودة بطلة كرة المضرب الروسية السابقة ماريا شارابوفا الى الملاعب بعد إيقافها لنحو 15 شهرا على خلفية فحص منشطات أظهر وجود مادة ممنوعة قالت الروسية انها لم تكن على علم بإدراجها ضمن المحظورات.
الا ان هذه العودة التي توجت بلقب وحيد في دورة تيانجين الصينية، أثارت جدلا واسعا في أوساط المحترفين والمحترفات، لاسيما في ظل بطاقات الدعوة التي وجهت الى الروسية للمشاركة في الدورات، نظرا لأن تصنيفها المتراجع لم يكن يسمح لها بالمشاركة بها بشكل مباشر.
وفي ملف لم يتم سبر أغواره بشكل كامل بعد، استقال كارلوس نوزمان من رئاسة اللجنة الأولمبية البرازيلية، على خلفية تورطه في عملية شراء أصوات لضمان اختيار ريو مضيفة لأولمبياد 2016.
وفي التحقيق الذي شاركت فيه السلطات الفرنسية والبرازيلية، وجهت أصابع الاتهام الى الرئيس السابق للاتحاد الدولي لألعاب القوى لامين دياك ونجله بابا ماساتا دياك، على خلفية الضلوع في القضية نفسها.
ولم يسلم من هذه القضية العداء الناميبي السابق فرانكي فريديريكس الذي اضطر الى تقديم استقالته من اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لألعاب القوى، بعدما ثبت تلقيه مبلغ 300 ألف دولار من بابا ماساتا دياك، علما بان الأخير أوقف ووالده من قبل اتحاد ألعاب القوى في العام 2016 لمدى الحياة، على خلفية قضية أخرى هي قبول رشى للتستر على فضائح تنشط رياضيين روس في «أم الألعاب».
الأموال تغر ق الرياضة
انتقال لاعب كرة القدم البرازيلي نيمار مقابل 222 مليون يورو… لاعبو كرة سلة في الولايات المتحدة يتقاضون نحو 40 مليون دولار سنويا… في 2017، باتت المبالغ القياسية لغة مشتركة في الرياضة.
لم تغب الأموال يوما عن عالم الرياضة، أكان في كرة القدم أو السلة أو غيرها. الا ان العام المنصرم شهد طفرة في العقود والانتقالات فاقت كل التوقعات، ومهدت لنسق متصاعد يتوقع ان يستمر في السنوات المقبلة، على رغم الأوضاع الاقتصادية العالمية.
الصفقة الأكبر حصلت في غشت، مع اتمام انتقال نيمار من برشلونة الاسباني الى باريس سان جرمان الفرنسي، لقاء مبلغ أشبه بالخيال جعل منه أغلى لاعب في تاريخ كرة القدم، بقيمة مضاعفة تقريبا للمبلغ الذي أنفقه مانشستر يونايتد الانكليزي في صيف العام 2016، لضم الفرنسي بول بوغبا من يوفنتوس الايطالي.
لم يخف النادي الفرنسي المملوك من هيئة قطر للاستثمارات الرياضية، رغبته بضم المهاجم البرازيلي، واستعداده لدفع قيمة البند الجزائي في عقده مع برشلونة (222 مليون يورو). ولم يخف النادي أيضا سعادته بهذا الاستحواذ التاريخي، اذ اعتبر رئيسه القطري ناصر الخليفي ان ضم نيمار سيساعد «في تحقيق أكبر أحلامنا».
المفاجأة الوحيدة لم تكن فقط في استعداد النادي لدفع هذا المبلغ، بل أيضا «تكريم» نيمار براتب سنوي يقدر بنحو 30 مليون يورو.
لم يتوقف سان جرمان عند هذا الحد. بعد أسابيع فقط، ضم كيليان مبابي، النجم الصاعد لموناكو بطل موسم 2016-2017 في الدوري المحلي، في صفقة قدرت بنحو 180 مليون يورو.
في أقل من شهر، أبرم سان جرمان أكبر صفقتين في تاريخ كرة القدم، ما لقي انتقادات واسعة من الأندية المنافسة، وأثار حفيظة الاتحاد الأوروبي للعبة الذي فتح تحقيقا في شأن مخالفات محتملة للنادي الباريسي لقواعد اللعب المالي النظيف، الهادف أساسا للحد من شهية الأندية على الانفاق المفرط والتقليل قدر الامكان من خسائرها المالية.
وبحسب التقديرات الصحافية، على سان جرمان حاليا توفير إيرادات إضافية تبلغ 75 مليون يورو، أكان من بيع التذاكر أو حقوق النقل التلفزيوني أو التسويق، سعيا لتغطية العجز المالي المتوقع في ميزانيته وتفادي عقوبات أوروبية في الموسم المقبل، قد تصل الى حد منعه من المشاركة في البطولات القارية، ولاسيما منها دوري أبطال أوروبا التي يعد إحراز لقبها للمرة الأولى، أبرز أهداف النادي.
لم تقتصر الصفقات الكبيرة في 2017 على نيمار ومبابي، اذ تشير الأرقام الى انه ومن أصل أغلى عشر صفقات في تاريخ كرة القدم، أبرمت أربع صفقات خلال 2017.
ويعود السبب الرئيسي لهذه الطفرة المالية في كرة القدم الأوروبية، الى الزيادات الكبيرة في عائدات حقوق البث التلفزيوني بشكل خاص.
ولم تسلم كرة السلة الأميركية من هذه «الموجة» أيضا.
فعلى رغم ان رابطة دوري المحترفين تسعى الى وضع ضوابط لانفاق الأندية من خلال تحديد سقف للرواتب على سبيل المثال، الا ان العائدات التلفزيونية تفتح شهية الأندية (واللاعبين).
وبموجب اتفاق جديد دخل حيز التنفيذ الموسم الماضي، باتت شبكتا «تورنر» و»اي اس بي أن» تدفعان 2,6 ملياري دولار كل موسم لقاء بث المباريات، أي بزيادة 280 بالمئة عن الاتفاق السابق.
لم يكن ثمة مهرب من انعكاس هذا التزايد في العائدات على الرياضة. في الدوري الانكليزي الممتاز لكرة القدم، سجل الانفاق على التعاقدات خلال فترة الانتقالات الصيفية هذا العام رقما قياسيا يقدر بنحو 1,5 مليار يورو. في الولايات المتحدة، سيتقاضى ستيفن كوري 200 مليون دولار خلال خمسة أعوام مع غولدن ستايت ووريرز، وراسل وستبروك 205 ملايين للفترة نفسها مع أوكلاهوما سيتي ثاندر…
في تصريحات سابقة لوكالة فرانس برس، رأى الباحث في المركز الدولي للدراسات الرياضية لويك رافنيل ان «سوق (الانتقالات) لم تصبح مجنونة، لكنها واعدة بشكل كبير».
وأضاف «هذا قطاع يشهد نموا دائما، والمستثمرون يشعرون انهم قادرون على تحقيق الأرباح فيه»، متابعا «لا أرى ان ثمة أسباب قد تدفع الى توقف نموه. هذه رياضة (كرة القدم) في ختام مسار تعولمها الشامل، وتثير الاهتمام حاليا في آسيا وحتى في أميركا الشمالية».
وفي دليل على البحث المستمر عن إيرادات إضافية، قامت رابطة الدوري الاسباني لكرة القدم (ليغا) هذه السنة بخطوة غير مسبوقة، اذ أقيم «كلاسيكو» الدوري بين برشلونة وريال مدريد في وقت مبكر نسبيا (ظهرا بالتوقيت المحلي)، وذلك بهدف إتاحة الفرصة للعدد الأكبر من عشاق اللعبة في قارة آسيا بمتابعة المباراة مباشرة على الهواء، ما قد يؤدي لزيادة عدد المشجعين والعائدات الاعلانية.