أنت‮… ‬انثروبولوجيا نفسك،‮ ‬بقرب‭ ‬النبي‭ ‬‮……‬ كوة‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬الغيب‭ ‬هي‭ ‬الأبواب‮!‬

كان‭ ‬واضحا‭ ‬أننا‭ ‬سننتظر‭ ‬بعض‭ ‬الوفود‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬بعد،‭ ‬وكان‭ ‬للصدفة‭ ‬الماكرة‭ ‬دورها‮:‬‭ ‬علينا‭ ‬انتظار‭ ‬وصول‭ ‬الوفد‭ ‬من‭ ‬الأشقاء‭ ‬الجزائريين،‭ ‬مع‭ ‬مطلع‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‮.‬
فجرا،‭ ‬بدأت‭ ‬الرنة‭ ‬الجزائرية‭ ‬المألوفة‭ ‬في‭ ‬تداول‭ ‬الحديث‭ ‬تطرق‭ ‬أسماعنا،‭ ‬نحن‭ ‬الذين‭ ‬اعتدناها‮..‬‭ ‬آخرون‭ ‬بدأوا‭ ‬منذ‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬يخلطون‭ ‬بيننا‭ ‬وبينهم،‭ ‬وأحيانا‭ ‬يضاف‭ ‬إلينا‭ ‬التوانسة،‭ ‬أهلنا‭ ‬في‭ ‬تونس‮!‬
التأخر‭ ‬الطفيف،‭ ‬غيَّر‭ ‬قليلا‭ ‬من‭ ‬برنامج‭ ‬اليوم‭ ‬الموالي،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬ببرنامجنا‭ ‬كما‭ ‬تسلمناه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الوصول‮..‬
‭ ‬هكذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬اليوم،‭ ‬الخميس‭ ‬14‭ ‬دجنبر،‭ ‬ما‭ ‬يدعونا‭ ‬إلى‭ ‬التغيير‭ ‬الكلي‭ ‬لاسترخائنا،‭ ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬واضحا‭ ‬أن‭ ‬التغيير‭ ‬الأكبر‭ ‬هو‭ ‬أننا‭ ‬سنترك‭ ‬توقيت‭ ‬الصلوات‭ ‬يضبط‭ ‬إيقاعنا‭ ‬اليومي‮…‬
فجر‭ ‬
ظهر‭ ‬
عصر
مغرب
‭ ‬وعشاء‮…‬
الفندق‭ ‬على‭ ‬مقربة‭ ‬من‭ ‬المسجد‭ ‬النبوي‮:‬‭ ‬وهو‭ ‬تحفة‭ ‬معمارية،‭ ‬بمآذنه‭ ‬العشرة،‭ ‬ينشر‭ ‬الضوء‭ ‬نهارا‭ ‬على‭ ‬المحيط‭ ‬‮..‬‭ ‬ضوء‭ ‬يشعر‭ ‬المسلم،‭ ‬ومن‭ ‬تربى‭ ‬في‭ ‬حوض‭ ‬ديني،‭ ‬أنه‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬العمق‮..‬يشعر،‭ ‬الذي‭ ‬تربى‭ ‬مثلي‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬مسجد‭ ‬بسيط،‭ ‬وعلى‭ ‬صوت‭ ‬أجداد‭ ‬قيمين‭ ‬على‭ ‬مكان‭ ‬للعبادة،‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الضوء‭ ‬يخترق‭ ‬كل‭ ‬الطبقات‭ ‬التي‭ ‬تراكمت‭ ‬بفعل‭ ‬اركيولوجيا‭ ‬الزمن‭ ‬المعاصر‮.‬‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يضيء‭ ‬الأحشاء،‭ ‬ويضيء‭ ‬الروح‭ ‬السادرة‭ ‬في‭ ‬الاستفهام‮.‬
المشي‭ ‬بالأقدام‭ ‬الحافية،‭ ‬الأسيويات‭ ‬العجائز‭ ‬وهن‭ ‬يعبرن،‭ ‬المقوسات‭ ‬بفعل‭ ‬السن‭ ‬والاندونسيات،‭ ‬اللواتي‭ ‬لم‭ ‬يجدن‭ ‬مضاضة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬ماكياج‭ ‬خفيف‭ ‬بالحرم‭ ‬النبوي،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يُغرِّب الزائر‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬تطلعه‭ ‬إلى‭ ‬الزيارة‮.
.‬
‬أنت‮… ‬انثروبولوجيا نفسك‮!‬

‭ ‬عندما‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬المقدس،‭ ‬تصبح‭ ‬انثروبولوجي‭ ‬نفسك،‭ ‬هو‭ ‬ذا‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬الطقوس‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إليها‭ ‬بقناعة‭ ‬مع‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بعين‭ ‬خارجك‮…‬،‭ ‬عين‭ ‬تراقب،‭ ‬وقد‭ ‬اخترقت‭ ‬عوالم‭ ‬تركها‭ ‬في‭ ‬البصر‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قرأته‭ ‬وعشته‮:‬‭ ‬تمر‭ ‬بالشعراء‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬كما‭ ‬تمر‭ ‬بالباحثين،‭ ‬وأنت‭ ‬تحمل‭ ‬كتاب‭ ‬فيلسوف‭ ‬فرنسي‭ ‬إلى‭ ‬غرفتك‭ ‬لتقرأ‭ ‬صفحات‭ ‬عن‭ ‬جسد‭ ‬المسيح‮..‬
تكاد‭ ‬بلاد‭ ‬السعودية‭ ‬تذوب‭ ‬لتحل‭ ‬بلاد‭ ‬الحرمين،‭ ‬لا‭ ‬خارطة‭ ‬سياسية‭ ‬في‭ ‬الدماغ،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬الذي‭ ‬تمارسه‭ ‬عليك‭ ‬المحاضر‭ ‬اليومية‭ ‬للسياسة‮.‬‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬حرائق‭ ‬الراهن‭ ‬وقرارات‭ ‬العواصم‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭..‬‮…‬
اضمحلت‭ ‬الخارطة‭ ‬وارتسمت‭ ‬جغرافيا‭ ‬الله،‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يربطني‭ ‬بالراهن،‭ ‬مكانيا‭ ‬وزمانيا‮..‬
هناك‭ ‬حالة‭ ‬ذهنية‭ ‬تعوض‭ ‬الوجود‭ ‬المادي‭ ‬في‭ ‬العالم‮!‬
‭ ‬الأرض‭ ‬تقيم‭ ‬في‭ ‬الزمن،
ما‭ ‬بين‭ ‬فجر‭ ‬وعشاء
والزمان‭ ‬يقيم‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬
بين‭ ‬الروضة‭ ‬والمحراب،‭ ‬هنا‭ ‬تسير‭ ‬وأنت‭ ‬تودع‭ ‬المسجد،‭ ‬نحو‭ ‬توديع‭ ‬الرسول،‭ ‬وترسل‭ ‬إليه‭ ‬سلاما‭ ‬يخترقك،‭ ‬قادما‭ ‬من‭ ‬طفولتك‭ ‬ومن‭ ‬أعماقك
عبر‭ ‬كل‭ ‬العقود‭ ‬التي‭ ‬عشتها‮..‬
ههنا‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬شاعرية‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬بلاغة‭ ‬عن‭ ‬قوة‭ ‬الغيب‮..‬

‮****‬
الجو‭ ‬الدافئ،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬الحار‭ ‬حرارة‭ ‬طرية،‭ ‬يدفع‭ ‬إلى‭ ‬التجول‭ ‬بين‭ ‬جهات‭ ‬المسجد‭ ‬النبوي‮..‬‭ ‬
غافلنا‭ ‬سؤال‭ ‬صاعد‭ ‬من‭ ‬الترسبات‭ ‬المهنية‮:‬‭ ‬أين‭ ‬يا‭ ‬ترى‭ ‬وقعت‭ ‬حالة‭ ‬التفجير‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬السنة‭ ‬الماضية؟
ما‭ ‬زلت‭ ‬أذكر‭ ‬أنني‭ ‬وقتها‭ ‬كتبت‭ ‬‮:‬متى‭ ‬يفجرون‭ ‬المسجد‭ ‬النبوي؟
وحدث‭ ‬ذلك،‭ ‬وبدا‭ ‬لي‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬استرجاع‭ ‬هذا‭ ‬الحدث،‭ ‬فيه‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الامتحان‭ ‬الغيبي‭ ‬لمقال‭ ‬صحافي‮..!‬
أذكر‭ ‬أن‭ ‬السعودية‭ ‬شهدت‭ ‬عدة‭ ‬عمليات‭ ‬انتحارية‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬29‭ ‬رمضان،‭ ‬وبالضبط‭ ‬4‭ ‬يوليوز‭ ‬2016،‭ ‬أهمها‭ ‬عملية‭ ‬تفجير‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬وقت‭ ‬أذان‭ ‬صلاة‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬سيارات‭ ‬تابع‭ ‬لمركز‭ ‬قوات‭ ‬الطوارئ‭ ‬بجوار‭ ‬الحرم‭ ‬النبوي‭. ‬
قال‭ ‬شهود‭ ‬عيان‭ ‬إن‭ ‬شخصا‭ ‬دخل‭ ‬إلى‭ ‬الموقف‭ ‬التابع‭ ‬لقوات‭ ‬الطوارئ‭ ‬مجاور‭ ‬للحرم‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف‭ ‬وأظهر‭ ‬لهم‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬الإفطار‭ ‬معهم‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬قام‭ ‬بتفجير‭ ‬حزامه‭ ‬الناسف‮…‬‭.‬
‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬الاستدراج‭ ‬الإرهابي‭ ‬أية‭ ‬غرابة‮.‬‭ ‬فالسماط‭ ‬هنا‭ ‬يمد‭ ‬كل‭ ‬لحظة،‭ ‬وقد‭ ‬شهدنا‭ ‬ساعات‭ ‬المغرب،‭ ‬موائد‭ ‬طويلة‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬المسجد‭ ‬العامر‭ ‬منصوبة‭ ‬للسياح‭ ‬والمصلين‮..‬‭ ‬وخلف‭ ‬التفجير‭ ‬مقتل‭ ‬4‭ ‬من‭ ‬قوات‭ ‬الطوارئ‭ ‬منهم‭ ‬3‭ ‬قتلوا‭ ‬في‭ ‬الموقع‭ ‬نفسه،‭ ‬والحالة‭ ‬الرابعة‭ ‬توفيت‭ ‬بالمستشفى‮.‬‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الانتحاري‭ ‬وإصابة‭ ‬8‭ ‬آخرين‭ ‬بجروح‭ ‬مابين‭ ‬خطيرة‭ ‬وبسيطة‭ ‬ولم‭ ‬تحدث‭ ‬أي‭ ‬إصابات‭ ‬للمدنيين‭ ‬في‭ ‬حصيلة‭ ‬أولية‮.‬‭ ‬
حينها،‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬‮«‬منعت‭ ‬المصلين‭ ‬من‭ ‬مغادرة‭ ‬المسجد‭ ‬النبوي‭ ‬لفترة‭ ‬محدودة‭ ‬حتى‭ ‬تأكدت‭ ‬من‭ ‬خلو‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬المتفجرات‮..»..‬
‭ ‬أنظر‭ ‬مجددا‭ ‬إلى‭ ‬شساعة‭ ‬المكان،‭ ‬وأبواب‭ ‬المسجد‭ ‬المترعة‭ ‬بالتاريخ‭ ‬وبالناس،‭ ‬وكم‭ ‬لزم‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬ضبط‭ ‬النفس‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬المصلين‮…‬‭…‬
‭ ‬شعوب‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬فج‭ ‬عميق‭ ‬
في‭ ‬باحاته‭ ‬الصقيلة‮‬

بين‭ ‬الأخضر‭ ‬والذهبي،‭ ‬حفاة‭ ‬ومعتمرون،‭ ‬نساء‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬السحنات،‭ ‬أغلبها‭ ‬أسيوي‭ ‬‮…‬
سرعان‭ ‬ما‭ ‬تترك‭ ‬الذاكرة‭ ‬المهنية‭ ‬مكانها‭ ‬للدهشة‮:‬‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الرجل،‭ ‬أنا‭ ‬القادم‭ ‬بكل‭ ‬طبقات‭ ‬الانتروبولوجيا‭ ‬،‭ ‬وعهود،‭ ‬ينبثق‭ ‬طفل‭ ‬صغير‭ ‬من‭ ‬أعماقي‭ ‬ليجد‭ ‬نظرتي‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬مقدس‭ ‬عند‭ ‬ملايير‭ ‬المسلمين،‭ ‬منذ‭ ‬خرج‭ ‬نبي‭ ‬فقير‭ ‬من‭ ‬غار‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬بيداء‭ ‬الحجاز‭ ‬ليؤذن‭ ‬في‭ ‬الناس‭ ‬بالتوحيد‭.‬
أنا‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬مسجد‭ ‬بناه‭ ‬الرسول‭ ‬بالمدينة‭ ‬‮…‬من‭ ‬بين‭ ‬أبوابه‭ ‬ومداخله‭ ‬التي‭ ‬يقترب‭ ‬عددها‭ ‬100مدخل،‭ ‬هناك‭ ‬اهتمام‭ ‬بواحد‭ ‬منها،‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬مجيئنا‭ ‬من‭ ‬الفندق،‭ ‬وحوله‭ ‬تدافع‭ ‬خاص‮:‬‭ ‬باب‭ ‬السلام‮!‬‭ ‬وله‭ ‬الحظ‭ ‬الأوفر،‭ ‬لأنه‭ ‬أقصر‭ ‬الطرق‭ ‬إلى‭ ‬الروضة‭ ‬الشريفة‮!‬
إلى‭ ‬قبر‭ ‬الرسول‭ ‬،‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام،‭ ‬وطريق‭ ‬الناس‭ ‬كلهم‭ ‬إلى‭ ‬روضة‭ ‬من‭ ‬رياض‭ ‬الجنة‮..‬
هذا‭ ‬الاكتشاف‭ ‬يهز‭ ‬الزائر،‭ ‬وهو‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬زحام‭ ‬رفيع،‭ ‬يتجاوز‭ ‬المتصور‮..‬
أعراق‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جهات‭ ‬العالم،‭ ‬وبكل‭ ‬اللغات‭ ‬وبكل‭ ‬الألوان‭ ‬والملابس،‭ ‬بابل‭ ‬كبيرة‮ ‬لا‭ ‬تتكرر‭ ‬فوق‭ ‬الأرض‭ ‬حول‭ ‬مزار‭ ‬ديني،‭ ‬يقدسه‭ ‬أتباعه‮..‬
من‭ ‬هنا‭ ‬يمر‭ ‬الفقراء‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬البنجاب
والأمراء‭ ‬والملوك،‭ ‬
الكل حفاة‭ ‬عراة‮..‬
‭ ‬الأبواب،‭ ‬عيون‭ ‬المكان‭ ‬على‭ ‬أعماقنا،‭ ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬الأبواب‭ ‬الدينية،‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬شرفة‭ ‬الغيب‭ ‬على‭ ‬أرواح‭ ‬العصر‭ ‬الحائر‭ ‬وكوة‭ ‬الزائر‭ ‬على‭ ‬الغيب‮..‬
وهنا‭ ‬أيضا‭ ‬يلمس‭ ‬المقدس‭ ‬نفسه‭ ‬بالذهب،‭ ‬ويوشح‭ ‬روح‭ ‬الناظر‭ ‬بزخرف‭ ‬دنيوي،‭ ‬لكي‭ ‬يطبع‭ ‬يومه‮…‬،‭ ‬والأبواب‭ ‬أيضا‭ ‬تجربة‭ ‬اليدين‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬السماوي،‭ ‬على‭ ‬تجاويف‭ ‬الخشب‭ ‬والمرمر،‭ ‬واستنطاق‭ ‬الجبص،‭ ‬بأنامل‭ ‬تحترف‭ ‬التسبيح‭ ‬وخروج‭ ‬الدنيوي‭ ‬من‭ ‬المادة‭ ‬إلى‭ ‬هوة‭ ‬المغيب‭ ‬في‭ ‬اليومي‭ ‬الزاحف‮..‬

‮****‬
سنعلم‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وفودا‭ ‬كثيرة،‭ ‬من‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬تحديدا،‭ ‬تكتفي‭ ‬بتذكرة‭ ‬السفر‭ ‬ثم‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الحرم‭ ‬حيث‭ ‬تظل‭ ‬ترابض‭ ‬ليل‭ ‬نهار‭ ‬‮..‬بباحة‭ ‬المسجد‮.‬
ولفت‭ ‬الحضور‭ ‬الكثيف‭ ‬للناس،‭ ‬ليلة‭ ‬الخميس،‭ ‬كل‭ ‬أعضاء‭ ‬الوفد،‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يتبادلون‭ ‬الانطباع‭ ‬كلما‭ ‬التقوا‭ ‬بالفندق‭ ‬أوفي‭ ‬الحرم‮.‬
الجو‭ ‬منعش‭ ‬للغاية،‭ ‬والأغلبية‭ ‬اكتفت‭ ‬بالزي‭ ‬المغربي،‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬إشارة‭ ‬تلتقطها‭ ‬الأنفس،‭ ‬من‭ ‬بعيد‮.‬
من‭ ‬أحسن‭ ‬اللحظات،‭ ‬كان‭ ‬لقاء‭ ‬مع‭ ‬باحث‭ ‬سعودي‭ ‬شاب،‭ ‬حدثنا‭ ‬قرابة‭ ‬الساعة‭ ‬عن‭ ‬المسجد‭ ‬النبوي،‭ ‬وعن‭ ‬التوسعات‭ ‬التي‭ ‬طالته،‭ ‬كل‭ ‬توسعة‭ ‬كانت‭ ‬تهم‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬المسلمين،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الأسماء‭ ‬التي‭ ‬أطلقت‭ ‬على‭ ‬الأبواب‭ ‬التي‭ ‬تخلد‭ ‬أسماء‭ ‬رجال‭ ‬ونساء‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي‮..‬‭ ‬
محمد‭ ‬بخش،‭ ‬الباحث،‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬لو‭ ‬استسلم‭ ‬لكل‭ ‬التوقيت‭ ‬الذي‭ ‬يستوجبه‭ ‬المقام،‭ ‬لما‭ ‬كفته‭ ‬ست‭ ‬ساعات‭.‬
مرافقون‭ ‬قالوا،‭ ‬الساعات‭ ‬الست‭ ‬داخل‭ ‬القاعة‭ ‬أما‭ ‬خارجها‭ ‬سيتطلب‭ ‬العرض،‭ ‬ماديا‭ ‬ودراسيا،‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬لضرورة‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬عين‭ ‬المكان‭ ‬ومتابعته‭ ‬عينيا‮..‬
الباحث‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬محمد‭ ‬بخش‭ ‬يكشف‭ ‬لضيوف‭ ‬الملك‭ ‬سلمان‭ ‬مراحل‭ ‬تشييد‭ ‬وعمارة‭ ‬الحرم‭ ‬النبوي
كما‭ ‬تناول‭ ‬أبرز‭ ‬مراحل‭ ‬تشييد‭ ‬وعمارة‭ ‬وتوسعات‭ ‬الحرم‭ ‬النبوي‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم،‭ ‬حتى‭ ‬العهد‭ ‬السعودي‭ ‬الراهن‭.‬
كانت‭ ‬مصاحبة‭ ‬نفسيه‭ ‬أكثر‭ ‬منها‭ ‬عمرانية،‭ ‬حقا:كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬يطلع‭ ‬الفؤاد‭ ‬على‭ ‬أصابع‭ ‬الحاكم‭ ‬وهي‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬رقعة‭ ‬الحرم،‭ ‬ومواقع‭ ‬الغيب‭ ‬فيها‮!‬
‭ ‬عدد‭ ‬المحارب‭ ‬ومؤسس‭
‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منها‮..‬‭ ‬الأسطوانات‭ ‬والسيرة‭ ‬الهندسية‭ ‬لكل‭ ‬أسطوانة‭ ‬منها
بيوت‭ ‬نساء‭ ‬الرسول
ما‭ ‬بقي‭ ‬منها‭ ‬وما‭ ‬غادر‮..‬‭ ‬
محمد‭ ‬بخش‭ ‬أس هب،‭ ‬قدر‭ ‬الزمان،‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬التوسعات‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬المسجد‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف،‭ ‬وكيف‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬حافظت‭ ‬على‭ ‬المعالم‭ ‬الأثرية‭ ‬والتاريخية‭ ‬في‭ ‬المسجد‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف،‭ ‬والحُقب‭ ‬التي‭ ‬تعاقبت‭ ‬على‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي‭ ‬للحرم‮».‬
‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬أثارت‭ ‬الانتباه‭ ‬إليها‭ ‬ووجدت‭ ‬همهمات‭ ‬وسط‭ ‬الحضور‭ ‬إشارته‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬‮»‬الصور‭ ‬التي‭ ‬تنشر‭ ‬عن‭ ‬قبر‭ ‬النبي‭ ‬لا‭ ‬صحة‭ ‬لها‮«‬،‭ ‬وأنها‭ ‬مجرد‭ ‬توهيمات‭ ‬فوتوغرافية‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬رأى‭ ‬قبر‭ ‬النبي‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬منذ‭ ‬قرون‮!‬
‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أعبر‭ ‬عن‭ ‬رغبة‭ ‬دفينة‮: ‬ليتهم‭ ‬تركوا‭ ‬البيوت‭ ‬كما‭ ‬كانت‭..‬
‭ ‬وتركوا‭ ‬البنايات‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬أصلها،‭ ‬و وإن‭ ‬زادت‭ ‬التوسعة،‭ ‬لكي‭ ‬يرى‭ ‬العالم‭ ‬بساطة‭ ‬النبي‮ ‬وأصحابه‭ ‬الأولى‮…‬
وقربهم‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قربهم‭ ‬من‭ ‬العمران‭ ‬الباهر‮..‬
كذلك‭ ‬قال‭ ‬الباحث‭ ‬أيضا‮..‬
ابتسمت‮..‬
‭ ‬ومما‭ ‬رواه‭ ‬الباحث‭ ‬محمد‭ ‬بخش‭ ‬قصة‭ ‬محاولة‭ ‬سرقة‭ ‬جثمان‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‮..‬

‭ ‬مغاربة‭ ‬يحاولون‭ ‬سرقة‭ ‬
جثمان‭ ‬الرسول‭ ‬

‬قال الباحث‮ : ‬تعرّض‭ ‬قبر‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬إلى‭ ‬مُحاولات‭ ‬نبش،‭ ‬وأشهرها‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬نور‭ ‬الدين‭ ‬وصلاح‭ ‬الدين‭ ‬‮.‬
قال‭ ‬عبد‭ ‬الملك‭ ‬بن‭ ‬حسين‭ ‬الشافعي‭ ‬‮:‬
وفي‭ ‬سنة‭ ‬سبع‭ ‬وخمسين‭ ‬وخمسمائة‭ ‬جَرَت‭ ‬الكائنة‭ ‬الغريبة‭ ‬وهي‭ ‬ما‭ ‬ذكره‭ ‬العلامة‭ ‬السيد‭ ‬نور‭ ‬الدين‭ ‬على‭ ‬السمهودي‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮»‬‭ ‬خلاصة‭ ‬الوفا‭ ‬‮»‬‭ ‬وغيره،‭ ‬فقال‭ ‬‮:‬‭ ‬إن‭ ‬الملك‭ ‬العادل‭ ‬نور‭ ‬الدين‭ ‬رأى‭ ‬النبي‭ ‬في‭ ‬نومه‭ ‬ليلة‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭ ‬وهو‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬رجلين‭ ‬أشقرين‭ ‬يقول‮:‬‭ ‬أنجدني‭ ‬من‭ ‬هذين،‭ ‬فأرسل‭ ‬إلى‭ ‬وزيره‭ ‬وتجهّزا‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬ليلتهما‭ ‬على‭ ‬رواحل‭ ‬خفيفة‭ ‬في‭ ‬عشرين‭ ‬نفرًا،‭ ‬وصحب‭ ‬مَالاً‭ ‬كثيرا‭ ‬،‭ ‬فَقَدِم‭ ‬المدينة‭ ‬في‭ ‬ستة‭ ‬عشر‭ ‬يوما‭ ‬فَزَار،‭ ‬ثم‭ ‬أمر‭ ‬بإحضار‭ ‬أهل‭ ‬المدينة‭ ‬بعد‭ ‬كتابتهم،‭ ‬وصار‭ ‬يتأمل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬تلك‭ ‬الصفة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬انقضت‭ ‬الناس،‭ ‬فقال‭ ‬‮:‬‭ ‬هل‭ ‬بقي‭ ‬أحد‭ ‬؟‭ ‬قالوا‭ ‬‮:‬‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬سوى‭ ‬رجلين‭ ‬صالحين‭ ‬عفيفين‭ ‬مغربيين‭ ‬يُكْثِرَان‭ ‬الصدقة،‭ ‬فطلبهما،‭ ‬فرآهما‭ ‬الرجلين‭ ‬اللذين‭ ‬أشار‭ ‬إليهما‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام،‭ ‬فسأل‭ ‬عن‭ ‬مَنْزِلهما‭ ‬فأخبر‭ ‬أنهما‭ ‬في‭ ‬رباط‭ ‬بقرب‭ ‬الحجرة‭ ‬الشريفة،‭ ‬فأمسكهما‭ ‬ومضى‭ ‬إلى‭ ‬مَنْزِلهما‭ ‬فلم‭ ‬ير‭ ‬غير‭ ‬ختمتين‭ ‬وكُتبا‭ ‬في‭ ‬الرقائق‭ ‬ومالاً‭ ‬كثيرا،‭ ‬فأثنى‭ ‬عليهما‭ ‬أهل‭ ‬المدينة‭ ‬خيرا،‭ ‬فبقي‭ ‬مترددا‭ ‬متحيرا،‭ ‬فرفع‭ ‬حصيرا‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬فرأى‭ ‬سردابا‭ ‬محفورا‭ ‬ينتهي‭ ‬إلى‭ ‬صوب‭ ‬الحجرة،‭ ‬فارتاعت‭ ‬الناس‭ ‬لذلك،‭ ‬فقال‭ ‬لهما‭ ‬السلطان‭ ‬‮:‬‭ ‬أصدقاني،‭ ‬وضربهما‭ ‬ضربا‭ ‬شديدا،‭ ‬فاعترفا‭ ‬بأنهما‭ ‬نصرانيان‭ ‬بعثهما‭ ‬النصارى‭ ‬في‭ ‬زِيّ‭ ‬حجاج‭ ‬مغاربة،‭ ‬وأمالوهما‭ ‬بالمال‭ ‬العظيم‭ ‬ليتحيّلا‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الجناب‭ ‬الشريف‭ ‬ونقله‭ ‬وما‭ ‬يترتب‭ ‬عليه،‭ ‬فَنَزَلا‭ ‬قرب‭ ‬رباط‭ ‬وصارا‭ ‬يحفران‭ ‬ليلا،‭ ‬ولكل‭ ‬منهما‭ ‬محفظة‭ ‬جلد،‭ ‬والذي‭ ‬يجتمع‭ ‬من‭ ‬التراب‭ ‬يخرجانه‭ ‬في‭ ‬محفظتيهما‭ ‬إلى‭ ‬البقيع‭ ‬إذا‭ ‬خرجا‭ ‬بِعِلّة‭ ‬الزيارة،‭ ‬فلما‭ ‬قرب‭ ‬من‭ ‬الحجرة‭ ‬أرعدت‭ ‬السماء‭ ‬وأبرقت‭ ‬وحصل‭ ‬رجف‭ ‬عظيم،‭ ‬فقدم‭ ‬السلطان‭ ‬صبيحة‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬فلما‭ ‬ظهر‭ ‬حالهما‭ ‬بكى‭ ‬السلطان‭ ‬بكاء‭ ‬شديدا،‭ ‬وأمر‭ ‬بضرب‭ ‬رقابهما،‭ ‬فَقُتِلا‭ ‬تحت‭ ‬الشباك‭ ‬الذي‭ ‬يلي‭ ‬الحجرة‭ ‬الشريفة‭ ‬المسمى‭ ‬الآن‭ ‬شباك‭ ‬الجمال،‭ ‬ثم‭ ‬أمر‭ ‬بإحضار‭ ‬رصاص‭ ‬عظيم‭ ‬وحفر‭ ‬خندقا‭ ‬عظيما‭ ‬إلى‭ ‬الماء‭ ‬حول‭ ‬الحجرة‭ ‬الشريفة‭ ‬كلها‭ ‬وأذاب‭ ‬ذلك‭ ‬الرصاص‭ ‬وملأ‭ ‬الخندق،‭ ‬فصار‭ ‬حول‭ ‬الحجرة‭ ‬سور‭ ‬من‭ ‬رصاص‭ ‬إلى‭ ‬الماء‭ ‬‮.‬‭ ‬

‮*****‬
وقد‭ ‬سردها‭ ‬بعجالة،‭ ‬فسرناها‭ ‬أولا‭ ‬بكون‭ ‬الزمن‭ ‬يضيق،‭ ‬لكن‭ ‬عند‭ ‬الاطلاع‭ ‬عليها‭ ‬كليا‭ ‬وجدنا‭ ‬حرجا‭ ‬غير‭ ‬معلن،‭ ‬من‭ ‬كون‭ ‬أناس‭ ‬ينتسبون‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬حاولوا‭ ‬الفعل‭ ‬الشنيع،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬يحسن‭ ‬بالمضيف‭ ‬أن‭ ‬يذكر‭ ‬على‭ ‬مسامع‭ ‬أبناء‭ ‬المغرب‭ ‬حكاية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل‮…‬‭…‬
‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،‭ ‬16‭ ‬دجنبر،‭ ‬مساء‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬الكريمة،‭ ‬كان‭ ‬لنا‭ ‬موعد‭ ‬آخر،‭ ‬ومفاجأة‭ ‬سرت‭ ‬كل‭ ‬الوفود‮:‬‭ ‬زيارة‭ ‬منظمة‭ ‬إلى‭ ‬الروضة‭ ‬الشريفة‮..‬
قلنا:هذا‭ ‬درس‭ ‬نظري،‭ ‬ليت‭ ‬الزيارة‭ ‬تسعفنا‭ ‬في‭ ‬درس‭ ‬تطبيقي‭ ‬ونرى‭ ‬القبر‭ ‬والروضة‭ ‬الشريفة‭ ‬والمحيط‭ ‬الصحابي‭ ‬رأي‭ ‬العين‮..‬
وكذلك‭ ‬كان‮!‬


الكاتب : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 03/01/2018