توصف النساء المغربيات محترفات العمل الزراعي بـ”المناضلات المجهولات”، ويشتهرن بكسب قوتهن بعرق جبينهن، ويعرف عنهن تحمل عناء مصاريف بيوتهن، فضلاً عن دفع تكاليف تربية وتدريس أبنائهن، هذا علاوة على الخدمات الجليلة التي يقدمنها للمجتمع من خلال مساهمتهن في الإنتاج الغذائي.
نساء وفتيات من «المغرب العميق»، مهضومات الحقوق، يقصدن المناطق الفِلاحية المشهورة بتوفرها على ضيعات فلاحية. ومن ضواحي المدن السياحية، وفقراء هوامش المدن الصناعية والإدارية، بغرض العمل كعاملات زراعيات. يستأجرن بيوتاً للسكن في الضواحي الواقعة على مقربة من الضيعات الفلاحية، بما بين 200 و 300 درهم.وإن حالفهن الحظ، يوفر لهن أرباب العمل سكناً داخل الضيعات الفلاحية، فيصادف بعضهن سكناً مبنياً بالطين والقش ومغطى بسقف من خرق بلاستيكية، وتنعدم به شبكة الصرف الصحي. لذا فغالبيتهن يفضلن السكن في أحزمة الفقر التي تحيط بالمعامل والضيعات، بالمدن والبوادي.
في جو عالي الرطوبة، تعملن في ظروف شاقة وصعبة، دون توفر أبسط وسائل الحماية من الأسمدة والمبيدات المستعملة في محاربة الطفيليات الزراعية، بينما يزرعن البذور ويقتلعن الحشائش.
تحرمن من الانخراط في صناديق الحماية الاجتماعية، وبالتالي يتم إقصاؤهن من التغطية الصحية والتعويضات العائلية والتأمين الصحي عن حوادث الشغل، ولا يمنحهن مشغلوهن أي وثيقة تثبت صلتهن بأصحاب الضيعات الفلاحية.
يتوجهن إلى «الموقف» ، وهو مكان تجتمع فيه النساء والرجال على حد سواء، يتوافدون عليه منذ الساعات الأولى من صبيحة كل يوم، في انتظار وسيلة نقل تحملهم إلى الحقول والضيعات، من النساء من يدركن قبل خروجهن من منزلهن الوجهة التي سيعملون فيها ذلك اليوم، وأغلبهن يقصدن الموقف لانتظار صاحب ضيعة في حاجة لأيدي عاملة، وقد يعدن بخفي حنين، خصوصا إذا كان الجو ممطرا، العاملات تعودن أن يحملن معهن قوت يومهن، وأدوات عملهن، كل واحدة حسب مجال العمل.
مشهد يومي للكادحات المكافحات ب «أولاد تايمة» ، كما في بودربالة وسيدي سليمان وبركان وغيرها من المدن الفلاحية و التي تشتهر بالزراعة، خاصة الحمضيات والخضروات والفواكه، وبمحطات التوضيب.
ففي الخامسة صباحاً، ترى وسط الشارع الرئيسي والأزقة المحاذية له، مجموعة من النساء على شكل مجموعات، وجوههن محجبة بمناديل وينتعلن أحذية مصنوعة من البلاستيك، في انتظار سيارات وشاحنات لنقلهن إلى الضيعات الفلاحية، للعمل منذ ساعات الصباح الأولى وحتى العصر.
وسائل نقل العاملات الزراعيات ليست آمنة وغير نظيفة، لأنها مخصصة في الأصل لنقل الأبقار والعجول وغيرها من المواشي، وقد تكون عبارة عن عربة جرار ، حيث شروط السلامة الطرقية منعدمة.
يحبذن أن يعين لهن رب العمل القيام بعمل محدد، كجني عدد من صناديق الفاصوليا أو مساحة معينة من فاكهة الطماطم، وتعرف العملية لدى العاملات الزراعيات بالعمل بـ”العطش” .وتكره العاملات الزراعيات قطف الطماطم نظراً لصعوبتها وبسبب ما تسببه لهن الأوحال من أوساخ، ويفضلن جني الفاصوليا
صاحبة “الموقف” تكون في الغالب عاملة زارعية سابقة، لها معرفة بجميع أرباب الضيعات الفلاحية ووحدات التغليف، وبارعة في اختيار العاملات الزراعيات من خلال تفحص هيئتهن، تتجسدّ مهمة صاحبة “الموقف” في إدارة وتنظيم السير العادي له، باعتباره مرفقاً تقصده الباحثات عن شغل يومي.
و ينص العرف المتداول بـ « الموقف «، أنه يحق لكل عاملة زراعية أن تتفاوض مع رب العمل أو سائقه بـ « الموقف « حول شروط وظروف العمل: هل هو جني الفلفل و”اللوبيا” أم قطف فاكهة الطماطم؟ ثم تحدّدن ثمن كل صندوق، مثال: 20 درهما عن كل صندوق مملوء عن آخره بالفواكه أو الخضر.
يفرض بعض أرباب العمل على العاملات الزراعيات بالقطعة (العطش) ملء عشرين صندوقاً في اليوم. وأما العاملات ب « اليوم « فأجرهن يقدر بـ 70 درهماً. ترتفع أجرة يوم العمل في حالة ندرة العاملات الزراعيات بـ « الموقف « أثناء العطل والأعياد الدينية والمناسبات.
تركز العاملات الزراعيات على تحديد زمن العودة إلى البيت، بينما تتجاهله العاملات المشتغلات على ملء الصناديق بالخضر والفواكه، لأن أجرهن مرتبط بعدد الصناديق. تعرف العاملات الزراعيات معظم أرباب الضيعات وظروف الاشتغال لديهم. لذا تقترحن عليهم تقديم وجبة الغداء خلال ساعة الاستراحة الواحدة، وفي حالة قدم رب العمل وجبة الغداء للعاملات، فإنه يخصم من أجر كل واحدة منهن مبلغ عشرة دراهم، وتقدم جل الضيعات وجبة الغداء للعاملات الزراعيات. يفرض الرجال الذين تعيلهم العاملات الزراعيات عليهن التوجه إلى الضيعات للعمل على الرغم من مرضهن وعجزهن، ويطلبون من الكادحات أن يعطوهم ما جنوه من مال، ومع ذلك يتعرّضن للعنف.
و يفرض بعض أرباب العمل على العاملات العمل أيام العطل والمناسبات ويتم حرمانهن من العطل الأسبوعية، حيث يصادف يوم العطلة يوم السوق الأسبوعي.
وهناك عاملات كادحات يرفضن الحصول على يوم عطلة أو راحة، ويفضلن العمل بدل الراحة، وفي حالة فرض عليهن رب العمل التوقف عن العمل للراحة، فإنهن يولين وجوههن صوب ضيعة أخرى للعمل بها والحصول على أجرة يوم عمل.
تخضع العاملات لسلطة “الكابران” أو “الكابرانة” التي يعتمد عليها أرباب الضيعات لضمان حسن عمل العاملات الزراعيات. تتجسد مهمتها في مراقبة العاملات وتسجيل غياب الرسميات منهن، وتوقيت حضورهن وتدوين ملاحظات على أدائهن وتوقيت خروجهن. يكون أجر شخصية “الكابران” مرتفعاً بعدة دراهم عن العاملات الزراعيات.
يتحملن عناء مصاريف أسرهن : مشهد يومي للكادحات المكافحات محترفات العمل الزراعي في الضيعات الفلاحية
الكاتب : إعداد : محمد المنتصر
بتاريخ : 04/01/2018