يخضع المنتوج السينمائي، كبقية المنتوجات الفنية وغير الفنية الأخرى، لجملة من التدابير الإدارية التي تجعله مرتبطا بقطاعات ومجالات أخرى تُكَمِّلُه أو تؤثر فيه سلبا أو إيجابا، فمن المعروف أن السينما قطاع فني وثقافي واقتصادي يجمع بين الفرجة والتسلية والتثقيف، إلاّ أنه لا يخلو من حمولات أيديولوجية ومعرفية، وهو يهدف إلى الربح كأي منتوج صناعي آخر.
عادة ما يقع لبس بين حرية الاستثمار والإبداع في القطاع السينمائي، إذ يمكن لكل صاحب مال أن ينخرط في إنتاج فيلم إن راعى الشروط القانونية لتأسيس الشركة التي يمكنها أن تقوم بذلك في ظل احترام المساطر والقوانين الجاري بها العمل في بلد الإنتاج.
ويتبع قطاع السينما بالمغرب وزارة الاتصال، فبعد أن أحدثت السلطات الاستعمارية المركز السينمائي المغربي في الثامن من يناير 1944 أردفته بخلق مصلحة السينما في الثالث من فبراير من نفس السنة، وقد ظل الاشتغال قائما بهذه الطريقة إلى حدود نوفمبر 1958 إلى أن قررت أول حكومة مغربية لما بعد الاستقلال دمجهما في مؤسسة المركز السينمائي المغربي الذي قدمت الهيئات المهنية، مؤخرا، اقتراحات بشأن النظر في قوانينه التنظيمية التي كانت توضح بأنه مؤسسة عمومية، متمتعة بالشخصية المعنوية والاستقلالية المالية، وخاضع لسلطة الوزارة المكلفة بالإعلام، كما يُناطُ تسييره بمجلس إداري ومدير عام يتم تعيينه بظهير ملكي.
ويخضع المركز لنفس المراقبة المالية التي تشمل المكاتب الوطنية والمؤسسات العمومية والشركات المتعاقدة والشركات المستفيدة من المساهمة المالية للدولة أو الجماعات المحلية.
يتكون المجلس الإداري للمركز السينمائي المغربي من عدة أطراف تبيّن بجلاء رهانات الدولة على قطاع السينما، إذ تترأس المجلس وزارة الإعلام، ويتشكل بقية الأعضاء من ممثلي عدة وزارات تختلف حسب التسميات، وهي وزارة الثقافة والداخلية والمالية والاقتصاد والصناعة، ثم ممثلي جلّ القطاعات المهنية وخاصة الإنتاج والتوزيع والاستغلال، فضلا عن مدير المركز ومراقبه المالي كعضوين مستشارين لا يحق لهما التصويت. ويجتمع المجلس مرتين في السنة، ويمكن أن يتجاوز ذلك العدد لو دعت الضرورة لذلك، ويحدد الأعضاء خلال اجتماعاتهم المعالم العامة لسياسة المركز، كما تتم المصادقة على ميزانيته العامة بالتصويت.
ويسهر المدير على تطبيق سياسة المركز التي اقتصرت طيلة تاريخه على مراقبة وتنظيم القطاع، فضلا عن ضمان إنتاج وتوزيع واستغلال الأفلام وفقا للقوانين الجاري بها العمل في المغرب، وهو يسهم أو يسهر على إدارة تنظيم المهرجان الوطني للفيلم وبعض التظاهرات السينمائية داخل وخارج البلاد، والتي تهدف إلى التعريف بالسينما المغربية أو ضمن الشراكات التي يدخل فيها مع مؤسسات دولية أخرى كتنظيم أسابيع للسينما المغربية بالخارج أو السينما الدولية بالداخل.
ويجمع المركز ضمن اختصاصاته بعض المهام الثقافية والتشريعية والاقتصادية الرامية إلى تطوير سياسة عمومية تضمن النهوض بالسينما. ويحدد ظهير 1977 مختلف المجالات التي يمكن للمركز السينمائي أن يتدخل فيها كإنتاج الأفلام واستيرادها أو تصديرها، ثم توزيعها وتنظيم استغلالها داخل القاعات السينمائية، كما يمكنه التدخل في تنظيم العروض السينمائية وتحديد ثمن التذاكر وتوزيع العائدات المادية بين مختلف الفاعلين في الميدان.
المركز السينمائي المغربي يجمع ضمن اختصاصاته بعض المهام الثقافية والتشريعية والاقتصادية الرامية إلى تطوير القطاع
ويساهم المركز السينمائي المغربي في التعريف بالمنتوج السينمائي الوطني عبر تنظيم التظاهرات والمهرجانات والإدلاء برأيه في الأفلام المقترحة لتمثيل المغرب في المنتديات الدولية، كما يعمل على نشر الثقافة السينمائية من خلال الخزانة السينمائية الوطنية وعرض الأفلام ذات الملمح الفني التجريبي التي يصعب توزيعها تجاريا.
ويشرف المركز بشكل مباشر على التدبير الإداري للشأن السينمائي بالمغرب بالنظر إلى صلاحياته الممتدة عموديا وأفقيا في المجال، وهو حلقة مركزية ضمن آليات الدولة لمراقبة السينما وتطويرها، لذلك يضم مجلسه الإداري وزارات مختلفة كالداخلية.
ويلعب مدير المركز دورا أساسيا في إشعاعه، إذ يمكنه أن يتجاوز الطبيعة الإدارية لمنصبه فيتحول إلى فاعل في الفضاء العمومي، وهو ما لا يمكن أن يتأتى لشخص ضعيف المرجعيات الثقافية والفكرية، فالحنكة السياسية والخبرات المهنية مفيدة لأنها تجعل المدير قادرا على إعطاء المركز هوية خاصة تنعكس على كافة مجالات الإبداع السينمائي برمته، وترسم له إستراتيجية تتجاوز محيطه الضيق، فيتحقق له الإشعاع عن طريق الانخراط في الشراكات التي تثَمّن الثقافة الوطنية، وتضعها في المحك مع الآخر مما يضمن لها الاغتناء والتثاقف، وبهذا يكون المدير سفيرا ثقافيا يحقق الأهداف الكبرى للدبلوماسية الثقافية.
لم نستطع إلى حد الآن، ومنذ تاريخ تعيين صارم الفاسي الفهري المدير الحالي للمركز السينمائي المغربي يوم 2 أكتوبر من سنة 2014، أن نتبيّن الملامح العامة لما ينوي القيام به وهو يدير هذه المؤسسة، لا سيما وأنه دشن مهامه بسلسلة من الاجتماعات مع المهنيين لم تثمر الشيء الكثير، بل لم يعمل بأهمها كما هو الحال في الدورة الأخيرة من المهرجان الوطني للفيلم. ولم يستطع أيضا إدارة ملف فيلم “الزين اللي فيك” للمخرج نبيل عيوش، بنوع من الرزانة التي تحفظ للمركز استقلاليته، وتجنب المغرب التبعات التي تسبب فيها ذلك المنع من حيث الإضرار بصورته في مجال الحريات واتباع المساطر القانونية، وهو الأمر الذي ضاعف من الاستغلال السلبي لهذا الملف الفني العادي، وأتاح المزايدة على المكتسبات المهنية.
غالبا ما تتوفر مثل هذه المؤسسات على سياسة تهدف إلى صيانة الذاكرة البصرية وحفظها من التلاشي والضياع، وهي المهمة التي تقوم بها الخزانة السينمائية التي لم يستطع أي مدير من مدراء المركز تفعيلها بشكل جيد، رغم توفرها على مقر محترم وتجهيزات مهمة، لكنها لا تتوفر على أرشيف كامل للأفلام المغربية والوثائق الملحقة بها، مع العلم أن كل المؤسسات المماثلة لها سياسة واضحة في هذا الباب، بل تضاهي المتاحف المرموقة من حيث محتوياتها ذات القيمة البالغة. وبالتالي، فالبلد الذي لا يتوفر على سياسة واضحة للحفاظ على الذاكرة البصرية لا يمكن أن يحقق صناعة سينمائية وطنية مندمجة ومتفاعلة مع بقية المكونات الثقافية الأخرى، وأن تضمن للأجيال المتعاقبة إمكانية مقارنة التطورات التي عرفها البلد ثقافيا وحضاريا.
الخزانة السينمائية ليست مجرد أرشيف لما تيسر من الأفلام، بل هي مؤسسة حية، منفتحة على محيطها، وضامنة لربط ماضي السينما بحاضره ومستقبله، ولا يمكن أن تظل جامدة، خاصة وأن إدارة المؤسسات الفنية والثقافية ليست كبقية الإدارات الأخرى التي تتأسس على التدبير الروتيني للملفات، إنها تتطلب امتلاك رؤية استشرافية تساير طموحات المبدعين والمهنيين على حد سواء.