يلاحظ القارئ المغربي والعربي للدراسات التي تتناول أعمال الكاتبة ليلى بوزيد أن الكثير منها انصرفت للاهتمام بأعمالها الروائية.وأمام ما يشكله هذا الاحتفاء من أهمية لدى البعض، فإن هذا الاختيار، قد يزيد من تغييب الفرص أمام القارئ للتعرف على التجربة القصصية التي تميز كتابة” أبوزيد” ،سيما وأن الكاتبة قد أصدرت المجاميع القصصية التالية: المدير وقصص أخرى من المغرب و الغريب.وللاقتراب من عوالم القصة لدى الكاتبة سنحاول من خلال هذه القراءة التوقف عند بعض ملامح هذه التجربة.ونشير إلى أننا سنركز على مجموعة” الغريب وقصص من المغرب”،وهو عنوان لمجموعة القصصية الصادرة عن المركز الثقافي العربي الدار البيضاء، الطبعة الثالثة، برسم سنة:2011. تقع المجموعة في158 صفحة من القطع المتوسط، وتتضمن إلى جانب المقدمة16 قصة قصيرة متفاوتة من حيث الطول والقصر.
وسنحاول في هذه الورقة المتواضعة الوقوف بالقراءة عند هذه التجربة كما بدت لنا،.وهكذا ستنطلق قراءتنا بدءا من الوقوف عند العنوان والمتن الحكائي وما يحفل به من قضايا تهم فضاء المرأة والطفولة والخوف، والنص والمجتمع ،ومرورا بسؤال التعالق النصي والاقتباس، ومسألة الاسترجاع والاستشراف، وانتهاء بالخاتمة.
في مسألة العنوان:
يلاحظ أن عنوان مجموعة ليلى أبوزيد جاء مختزلا في كلمة واحدة معرفة يحتمل أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف نقول مثلا:هذا الغريب.والغريب معجميا هو ما يخالف المألوف والمعروف.ويلاحظ أن المؤلفة قد اقتطفت هذا العنوان بالضبط من عنوان القصة الثامنة.وهكذا يمكن لمفهوم الغريب أن يتخذ من الناحية الدلالية أشكالا رمزية متعددة.وبهذا المعنى فالغريب يمكن أن يكون ذاتا أو عدوا أووهما من إنتاج الذات في سياق تفاعلاتها الاجتماعية والنفسية مع العالم.ومهما كان الأمر،فمن خلال قراءة العنوان وربطه بمتن القصة السالفة والمتن العام ككل،يتضح أن الغريب قوة خفية للهوية كما تقول”جوليا كريستيفا”.نقرأ:”فأدرك أنه رجل ارتد عن دينه وأن اسمه سيحور ليناسب النطق اللاتيني ويضاف إليه لقب”pre»وأنه عليه أن يستأنس بالشخص الجديد الذي أصبحه».ص:75.كما يراد به دلاليا-أي الغريب- قوة شريرة خفية،نقرأ» عمره خمس سنوات. أبوه يضرب أمه.وهو يبكي ويصيح ويكاد الفزع يقتله»ص:76. وبناء عليه فالغريب حالة مختلفة وغريبة لحالة طبيعية فقدت أناتها لترتمي في أحضان أناة أخرى أقل مل يمكن القول عنها أنها أناة غير طبيعية تحتاج إلى تناول سيكولوجي.
في التناول الحكائي:
من خلال قراءة مجموعة ليلى أبو زيد، يلاحظ القارئ احتفاء المجموعة بجملة من الموضوعات والقضايا. وهكذا يمكن الحديث عن: المرأة، الطفولة،
– فضاء المرأة:
في قصة”مسز أوغرايدي” تتناول الساردة قصة امرأة- من أب مغربي وأم فرنسية- تشتغل في مكتب السياحة المغربي في لندن.ويلاحظ القارئ أن الغريب في هذا المتن هو تنكر هذه الموظفة لأصولها المغربية،بحيث تجد نفسها تتظاهر في كثير من المواقف كما لو أنها فرنسية،مستغلة في ذلك ملامحها.نقرأ في النص”وكانت في حركاتها وقسماتها لمحات من المزاج الفرنسي”ص:31. وبغض النظر عن صورة هذه المرأة المفارقة للواقع التي تشيد مسافة بينها وبين واقعها الحقيقي، تظل “مسزأوغرايدي” هي فاطمة. وغني عن البيان أن حالة هذه” المسز” كثيرا ما نسمع عنها هنا وهناك وهو ما يدفعنا إلى إلى طرح التساؤل التالي:
هل ارتداء اسم آخر كاف لإسقاط الهوية عن البعض؟
وبالانتقال إلى القصة المعنونة ب”زوجة غيورة”، تتناول الساردة حكاية امرأة تغار على زوجها.ولا يخفى ما لهذا السلوك النفسي المضطرب من تأثيرات سلبية على العلاقات الاجتماعية،خاصة مع النساء.تقول الساردة في معرض تفسيرها لما يصدر عن هذه الزوجة من سلوكات غريبة”لم أشأ أن أترامى على التأويلات السهلة وأقول”الغيرة””.ص:123.وفي سياق آخر،تقول عنها”إنها لا تثق في بنت امرأة”ص: 123.ونقرأ أيضا”ولما عرفت سبب تضايق بهيجة أوقفت علاقتي بها وبزوجها”ص:124.وأمام النهاية غير الإنسانية التي انتهى إليها زوجها، والمرض الذي أصابه، إلى جانب هجرة الزوجة إلى لندن للاشتغال في صحيفة عربية، لابد أن نتساءل عن دواعي هذا التصرف الغريب الذي يصدر عن امرأة مثقفة تتظاهر- من خلال سلوكاتها- بالغيرة على زوجها. ومهما كان الأمر، فإن هذا السلوك- وكما تقول الساردة- يظل”غير مألوف في مجتمعنا”.أما في قصة عن”أي هيئة كان يتحدث؟تعرض لنا الساردة بعض القضايا التي تتعلق بالقيم والمبادئ ،لكن القيمة التي استأثرت بتلقينا تتمثل في الصورة الجزئية التي تعرضها القصة،والتي تهم حكاية امرأة مغربية تعيش في تكساس. وهي حسب النص تبدو في الظاهر متدينة من خلال ترددها على المسجد،لكنها في حقيقة الأمر مادية ودنيوية أكثر من اللازم.نقرأ”يجب أن تدفعي أجرة البيت وفواتير الماء والكهرباء لوحدك لأنني أوفر العفش”ص:95.ولما كانت المبادئ التي تنتصر لها هذه المرأة خالية من أي مضمون عملي تطبيقي أو بيداغوجي، فإنها تظل ترمز إلى المفارقة،خاصة بعد تراجعها المفاجئ عن إلحاحها وكيفية استئجارها لبيتها لفائدة الساردة.إن الساردة هنا لا تكتفي بعرض هذا الموقف الذي ينطوي على نزوع مادي فحسب،بل إلى جانب هذا،فهي تمرر في نفس القصة بشكل ضمني لموقفين آخرين متناقضين.
الأول: يتعلق ببواب العمارة محماد
الثاني: يهم البواب الجديد.
وهكذا،ففكرة وجود عمارة سكنية ببوابين مسألة تثير الدهشة لدى القارىء، وتولد لديه الضحك.إن المبدعة ليلى أبوزيد من خلال،وهو ما إلى التساؤل عما باتت تعيشه الإنسانية من مفارقات.وعلى العموم،فإن القيمة المفقودة دلاليا في هذه القصة هي القيم الإنسانية التي باتت مهددة بالانقراض.أما بخصوص قصة” عشاء غال”، فإن فصول هذه القصة تدور حول زائرة ثرية،فحدث أن وجهت دعوة إلى موظفة بغية معاينة شقة للكراء. وبعد وجبة العشاء وانصراف الحضور، اكتشف زوج الموظفة أنه وقع ضحية سرقة لنقوده من طرف المضيفة. والغريب أن هذا الزوج لم يكن الوحيد الذي تعرض لهذه العملية، بل حتى الضيف الثاني تعرض هو الآخر لنفس السرقة.إن هذا التمثيل السردي يعيد إلى الواجهة بعض الأسئلة السوسيونفسية التي تتعلق بأسباب ودوافع هذا المرض النفسي،خاصة لدى المرأة الثرية في الوقت الذي تعرف فيه هذه الأخيرة بأن ما تقوم به غير مشروع ويعاقب عليه القانون.
فضاء الطفولة:
إلى جانب فضاء المرأة، نلاحظ احتفاء مجموعة الغريب بالطفولة. وهكذا ففي القصة الأولى المعنونة ب”بيت في الغابة”تتناول الساردة قصة أخوات ينشغلن- ببراءة زائدة- بلعبهن الطفولي، وبعد جولة من اللعب سيجدن أنفسهن ينخرطن في لعبة بناء بيت في الطبيعة. وأمام التمادي الكبير وإفراط الأخوات في اللعب، فإن هذا البيت سيتعرض للتفكيك والانهيار بعد أن داسته الأقدام. نقرأ “وبقي البيت مفكك الأضلاع، زائغ الحصيات، ذابل الزهور، يلفه الحزن والوحدة”.ص:13.أما في قصة “الغريب” فترحل بنا القاصة ليلى أبو زيد إلى عوالم طفولة رجل عاد من فرنسا إلى بلدته فاس بعد غيبة طويلة.نقرأ أيضا”كان يقضم قطعة الحلوى البيضاء الصلبة التي يسيل لها اللعاب وهو يتفرج على الصناع والدكاكين من فوق طاقية الصبي وقد أطبق بيديه عليها وأحكم هذا الأخير قبضتيه على كوعيه ليمنعه من السقوط”.ص:77.إن توظيف الطفولة في القصتين معا والعمل على استرجاعها سياقيا عبر بعض التفاصيل مسألة ليست بالاعتباطية.وهي بهذا تعكس وعي الكاتبة بأهمية بناء فضاء النص، إلى جانب التنويع في الموضوعات.والحق فإن مجموعة الغريب في تناولاتها للطفولة إنما تؤكد على أهمية هذه المرحلة العمرية الهاربة والتي لا يمكننا أن نعيشها إلا إذا خلدناها بالتذكر أو الكتابة.
فضاء الخوف:
يلاحظ- من خلال قراءتنا- أن الخوف لا يحضر في كل نصوص متن الغريب لأسباب تقنية استدعتها طبيعة الموضوعات والعملية السردية. لكن وعلى الرغم من هذا الحضور النسبي،سنحاول هنا تقصي بعض مظاهره كما بدت لنا في القصتين المعنونتين ب”زوجة غيورة”و”قصتان”.وهكذا ففي القصة الأولى نقرأ”نفذ إلي خوف العجائز بالعدوى فحاولت أن سيطر عليه”.ص:121. أما في القصة الثانية فنقرأ “يساورني الخوف إذا فكرت في الرحيل، الخوف والغم.كأنني على وشك أن أهاجر أو أموت”.ص:103. وهكذا، وفي حال تأمل الخوف دلاليا في القصة الأولى فإنه خوف من المجهول، أما في الثانية فهو خوف من القادم.وخلاصة القول،فإن الخوف كما يطرح نفسه في القصتين المذكورتين معا هو من حيث التكوين جزء من الخوف الذي تشعر به المرأة في هذا العالم الذي لم يعد آمنا بسبب ما بات يصدر من لدن الإنسان من سلوكات غير منطقية،أو بسبب حالات نفسية تصيب المرأة جراء فقدانها للثقة قي الغير، ونشير هنا إلى قصة “قصتان “نموذج قصة” زوجة غيورة”.
النص في المجتمع:
يبدو من خلال قراءتنا للمجموعة، أن هذا المتن يستقي مادته تقريبا من رحم المجتمع المغربي. ويبدو ذلك بشكل واضح من خلال أسماء الشخصيات والفضاءات التي تدور فيها الأحداث.إلى جانب هذا فهي تغطي كرونولوجيا مرحلة السبعينيات( الفصل الأول) والتسعينيات( الفصل الثاني).وأعتقد أن هذا التقسيم كما تقترحه المجموعة من شأنه أن يقدم صورة واضحة عن المجتمع المغربي بشكل عام والمرأة بشكل خاص في المرحلتين المذكورتين.
وهكذا فالمجموعة من الناحية الدلالية تعري الواقع الذي تعيشه المرأة المغربية، من خلال ما تتعرض له من مواقف غريبة كما أسلفنا بعيدا كل البعد عن القيم.وهو ما يسمح معه بالحديث عن واقع اجتماعي استعاري تخييلي هش ومختل ومتناقض قائم على الفردانية والانتهازية والحيل.إن هذا الواقع لم يفرز- حسب المجموعة-سوى القوة والعنف بتجلياته المختلفة والخوف.وأعتقد أن هذه الوضعية -التي تحتاج إلى المزيد من التأمل – بقدر ما ساهمت المرأة في إنتاجها وتكريسها، فإنها كانت ضحيتها رمزيا.
في السمات:
* التعالق النصي:
من الظواهر الفنية التي تسترعي انتباه القارىء لمجموعة” الغريب”،توظيف الكاتبة في مجموعتها الحكاية الشعبية والدعاء والرسالة . فبخصوص الدعاء نقرأ “ربي هذه شقيقتي لا أحد لها سواي .اكتب لي أن أكفلها حتى تموت”.ص:47.فبخصوص الرسالة نقرأ”وفي نقس اليوم توصل الوزير فيه إلى بهذه البرقية”.ص:41. ومن المعلوم أن حضور هذه الأنواع في النص بالرغم من التفاوت الذي يميزه، بقدر ما يثير القارىء ويولد لديه العديد من الأسئلة النقدية على مستوى التوظيف والغايات والأبعاد الجمالية..،فإنه من جانب يكشف عن قدرة الكاتبة على الجمع بين أكثر من نوع من أنواع الكلام داخل النص الواحد من دون أن ينال ذلك فنيا من المتن العام.
* التوظيف:
لا يمكن الحديث من حيث البناء عن وصفة جاهزة ومثالية لبناء النص. وبناء عليه يلاحظ القارئ الاختلاف الملحوظ الذي يميز هذه السمة من عمل سردي إلى آخر. إن الأمر هنا لا يتعلق برؤية فنية تخص هذه الكاتبة فحسب،لكن إلى جانب هذا فهو يعكس التوجه الجمالي لدى الكاتب الذي يحول النص ويجعل منه جماع أنواع من الخطابات التي تتساند في ما بينها من حيث البناء.
* الغايات:
من بين الغايات التي يسعى إلى تحقيقها متن الغريب من خلال توظيف هذا التعالق يمكن الحديث عن المغايرة. ونقصد هنا بالمغايرة مسألة التميز عن باقي الأعمال السردية المجايلة.إلى جانب هذا يمكن الحديث عن تظافر هذه الأنواع ومساهمتها في بناء دلالة النص وجعله قويا وكثيفا من حيث التأويل. أما من حيث الجمال،فإن حضورهذه السمات في النص إلى جانب التقاعل الذي يميزها في سياق علاقاتها بباقي السمات الأخرى، فإنه- أي الحضور- قد حول النص السردي إلى فرصة جمالية.
الاقتباس:
من الملاحظات التي تسترعي انتباه قارىء مجموعة الغريب توظيف الاقتباس.نقرأ في قصة”مسز أوغرايدي” ثقلت موازين الأم”ص:33 ويلاحظ هنا أن الكاتبة قد اقتبست شيئا من القرآن الكريم،وبالضبط من سورة القارعة الذي يقول”فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية.”،وفي قصة”الشقيقتان”نقرأ”والله غفور رحيم”ص:49.وغني عن البيان أن القاصة اقتبست هنا شيئا من سورة البقرة”واستغفروا الله إن الله غفور رحيم”. وليس خاف أن اللجوء إلى الاقتباس بقدر ما يحيل على كل ما هو قرائي لدى الكاتبة، فإنه من جانب يحول النص إلى فضاء لاحتضان بعض أنواع القول التي تثير أسئلة مخصوصة لدى القارئ. وبعيدا عن الاقتباس نسجل اعتماد الكاتبة في بعض القصص الجمل الطويلة.
الجمل الطويلة:
يلاحظ أن بعض المبدعين من كتاب القصة والرواية وغير من الأنواع الأخرى يستخدمون الجمل الطويلة في نصوصهم. ونشير إلى أن”مارسيل بروست” في” البحث عن الزمن الضائع” قد وظف هذ السمة.وبالعودة إلى متن الغريب يسجل القارئ حضور هذه السمة خاصة في “قصة الشقيفتان”،ص:47/48،وقصة”عشاء غال” ص:67.نقرأ في قصة بطالة”مع ذلك لو سئلت عن نوع الأشجار في هذا الطريق ما عرفت إلا النخيل في الشارع الرئيس الذي يتفرع منه شارعنا والذي أستذل به للإرشاد إلى عنواني كلما اقتضى الأمر” ص:85.وهكذا، فإننا لن نجازف إن اعتبرنا أن ما يرسخ هذه الجمل هو التوالد السردي،وما يرافقه من أحداث ومواقف وشرح وأفكار تعكس الأفق الدلالي والرحب للنص، مثلما تعمل على تمكين القارئ من معلومات أكثر. “ومن الملاحظ أنه كلما طالت الجملة نزعت إلى التصوير”.إن هذا التوظيف الأسلوبي للجمل الطويلة هو نتاج العلاقة التقليدية القائمة بين السرد الشفاهي والمكتوب.ونستحضر لهذا الغرض الرائعة السردية”ألف ليلة وليلة”.
النص بين الاسترجاع والاستشراف:
بعكس الاسترجاع الذي يتم فيه الاعتماد على الماضي من خلال استحضار بعض الفضاءات والذكريات والحديث عنها،فإن ما يميز الاستشراف هو الارتباط بالمستقبل وتناول أحداث لم تقع بعد.وغني عن البيان لجوء بعض الكتاب إلى السمتين المذكورتين يختلف من تجربة إلى أخرى،ويتم سرديا حسب أهواء الشخوص والأحداث.في مجموعة”الغريب”نسجل الحضور الفعلي للسمتين بشكل واضح،خاصة في قصة “الغريب”.عن الاسترجاع نقرأ” في تلك السن دخل مدرسة الراهبات.كان الصبي الذي يقوم بأعمال السخرة في البيت يحمله على قفاه ذهابا وإيابا”.ص:77.أما بخصوص الاستشراف،نقرأ”سوف يتهاوى جسدها الممتلئ على الأرض ويسقط كالديك المذبوح. وسوف تنطق بكلام غامض كأن شخصا بداخلها يتكلم بلسانها”.ص:75.أما في قصة “عطلة”فنقرأ” اجمعي أشياءها ! سأرسل بها في السيارة العمومية التي تغادر عند الفجر».ص:27. إن الزمن كما لا يخفى من ركائز العملية السردية، لأنه لا سرد من دون زمن .إنه أشبه بالملح بالنسبة للطعام، ولذلك لا غرابة أن يأتي في السرد بأشكال مختلفة ومتنوعة. وأعتقد أن أن الاسترجاع الذي تركز حول الطفولة والاستشراف في نص «الغريب» يحضران من أجل الربط بين مرحلتين زمنيتين . وغني عن البيان أن لهذه التقنية الزمنية العديد من الوظائف، نذكر منها:
خلق فرص التشويق لدى القارئ
التنويع في الأحداث، السابقة واللاحقة و الماضية والمستقبلية
إبعاد الملل عن القارئ، ودفعه إلى الانخراط- على نحو متواصل- في قراءة المتن.
خلق جمالية في التوالي السردي.
إثارة وتوليد المزيد من الأسئلة لدى المتلقي بمختلف أنواعه.
وعلى الرغم من عدم الإفاضة في الوظائف المذكورة،فإنها قمينة للتأكيد على الدور المهم لتقنيتي الاسترجاع والاستشراف في بناء الزمن النصي للنص، وجعله ينفتح على المزيد من التوالي السردي والأفعال.
خلاصة:
إن قيمة مجموعة” الغريب وقصص من المغرب”وما تقترحه على المتلقي من قضايا ونماذج بشرية،إلى جانب الرؤيا التي يكتشفها المتلقي عبر قراءة هذا المتن،لا تشكل لوحدها قيمة فنية تميز النص القصصي فحسب، ولكن إلى جانب ذلك، ينبغي أن ينظر إلى هذه القيمة من حيث البعد الدلالي الذي يحفل به المتن العام ككل.
* ليلى أبو زيد، الغريب وقصص من المغرب ، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء، الطبعة الثالثة، السنة:2011