يعرض قريبا في القاعات السينمائية .. فيلم «ما تفاهمناش» لأيوب العياسي رهان المزاوجة بين تجريب أسلوب سينمائي مغاير وكسب الجمهور

بلغة سينمائية تجرب أسلوبا متفردا في الإخراج، يوقع المخرج السينمائي أيوب العياسي باكورة أعماله السينمائية الطويلة تحت عنوان « ما تفاهمناش». و الفيلم الذي من المنتظر عرضه في القاعات السينمائية الوطنية و في العديد من المهرجانات الوطنية و الدولية مقتبس عن مسرحية « سوء تفاهم» للفيلسوف و الكاتب الفرنسي ألبير كامو. و يشخص أدواره كل من الممثلة المغربية المقيمة في فرنسا سارة التقية و الفنانة جميلة شارق التي نشاهدها في أحد أهم أدوارها السينمائية، بعدما ألفناها كوجه تلفزيوني و مسرحي، إلى جانب الفنانين عبد الرزاق الزيتوني و الصديق مكوار و الممثلة الواعدة نسرين بومهدي التي سبق أن جسدت أول أدوارها في السينما في الفيلم القصير « مقامرة « لأيوب العياسي و ستمثل اكتشاف السنة الحالية من خلال فيلم « ماتفاهمناش» لنفس المخرج. ناهيك عن الفنان المصطفى الخليلي الذي يخرجه أيوب العياسي من الأدوار التي تنهل من التراث المغربي و فن الملحون الذي يعتبر الخليلي من أهم حفاظه، إلى دور مركب يحمل نفسا عبثيا.
يحكي فيلم «ماتفاهمناش» عن قصة ابن مهاجر إلى أمريكا يعود إلى قريته حيث تربى « لا لا تاكركوست» بنواحي مراكش، حيث تتولى أمه و أخته تسيير مأوى للسياح تركه والده المتوفي. يقرر الابن عدم الكشف عن هويته، حيث تعامله الأم و الأخت، اللتان لم تتعرفا عليه لطول غيابه، بنفس طريقة معاملتهما للسياح الناذرين الذين صاروا ينزلون بفندقهم، في هذه القرية حيث يتوالى اكتشاف الجثث التي يلفظها السد. و هنا يوفق أيوب العياسي في كتابته لسيناريو فيلمه و إخراجه بين حكاية قصة بتوابل الإثارة المتعلقة بالكشف عن جريمة غريبة الأطوار، تتكرر بنفس الشكل و تتعدد ضحاياها، و بين تجريب بناء عوالم فيلم تجريبي يندرج ضمن خانة سينما المؤلف. حيث لا ينساق المخرج وراء رغباته التجريبية غافلا حق المتفرج في متابعة حكاية فيلمية واضحة المعالم.و إنما يراهن على المزاوجة بين تحقيق المقروئية للجمهور و بناء عوالم فنية و فلسفية تخاطب الإنسان و عبث العلاقات الإنسانية من جهة و تخاطب السينما كوسيلة للتعبير و الإبداع في زمن اختلف فيه تداول الصورة التي أصبحت أكثر حضورا و صار بإمكان الكل أن يكون مخرجا لقصصه الصغيرة من خلال صور و سيلفيات على مواقع التواصل الإجتماعي. ربما هذا ما يجعل المخرج / السيناريست ينتقل بين الفصول الأساسية لبنائه الدرامي من خلال مشاهد يتوجه فيها كل واحد من الشخصيات الأساسية للفيلم مباشرة إلى الكاميرا ليعطي تعليقا على أطوار الحكاية كأنه في اتصال مباشر مع الجمهور في القاعة. هو تكسير للجدار تقوم به شخصيات عبثية في فيلم سينمائي و هي تسائل بذلك أسلوب المونولوج المسرحي.
ولقد تمكنت الممثلة سارة التقية في أن تجسد ببراعة شخصية الأخت « الباتول « التي لم تعد تعرف معنى للحب بعدما استأنست بالجريمة في هذا الفضاء المعزول الذي يجمعها بأمها و خادمهم العجوز. و رغم كون حوارات الفيلم كتبت بدارجة زجلية تتوخى إيصال المضامين الفلسفية للنص الأصلي لكامو، فإن سارة التقية التي تجسد منذ أربع سنوات دورا كوميديا في إحدى أنجح مسرحيات الفودفيل بفرنسا، استطاعت أن تجسد دور الأخت المبعثرة الكيان بين حلم المغادرة من القرية نحو مكان أرحب قريب من البحر و بين هذا الانعزال عن العالم و الانغلاق الذي يجعلها تلامس الجنون. و إلى جانبها تظهر الفنانة جميلة شارق في دور عميق لأم تتمزق بين سيطرة ابنتها التي تقودها نحو تدبير الجريمة و بين حدسها لكون السائح الجديد، الذي في سن ابنها الغائب منذ عشرين سنة، ليس مجرد زائر عادي.
و لعل إدارة الممثلين المتقنة التي وقع عليها أيوب العياسي مكنته إلى جانب التقطيع و تشكيل الإطارات بشكل يتأرجح بين كاميرا متوترة، كأنها عين شاهدة على توتر العلاقات بين الشخصيات في لغة تنهل من جنس الوثائقي أو الصور التي تلتقطها الأجهزة الذكية في زمن الأنترنيت، و بين إطارات ثابتة تنقل تحرك الشخصيات في الفضاء و تشكل كتل و عوالم داخل هذا الفضاء. و لا يجب أن يفوتنا القول بأن التصوير نقل بروعة جمالية منطقة «لا لا تاكركوست»، بعيدا عن «الكارت بوستال» ولكن في خدمة القصة التي تجعل من القرية بكاملها و العالم حولها فضاء مغلقا على الشخصيات التي تلتقي أساسا داخل المأوى التي تديره الأم و ابنتها الباتول.
الفيلم الطويل الأول لأيوب العياسي « ما تفاهمناش» يقدم نمودجا جديدا في السينما المغربية، يأتي بأسلوب سينمائي مجدد و مغاير و بحس جمالي و فلسفي عميق، دون التعقيد على المشاهد و الإختفاء وراء لغة متعالية. و لكن مع الحرص على وجود بناء درامي محكم يعطي للجمهور مقومات متابعة حكاية تشده إلى النهاية.


الكاتب : مراسلة خاصة

  

بتاريخ : 07/02/2018