رهانات المدرسة المغربية الحديثة: التدريس بالكفايات و تحقيق الجودة نموذجا

إن أهم المستجدات التي عرفتها المنظومة التعليمية المغربية، تكمن في تطبيق مقاربة التدريس بالكفايات، وهي استعداد عام يتمظهر في شكل خاصية شخصية يتميز بها الفرد، و على أثرها يصبح هذا الفرد قادرا على إدماج مجموعة من المعارف و المعلومات و التقنيات و المهارات، ثم الربط بينها في ممارسة و انجاز مهام محددة وفق شروط إتقان مضبوطة بإحكام كبير. إن هذا التحديد الفلسفي ذي الطابع العام يحيلنا على تلك الاستعدادات الفطرية التي يمتلكها الفرد سواء تعلق الأمر باستعدادات ذهنية- فكرية- أو فزيولوجية- حس حركية- أو سيكولوجية – وجدانية – تمكنه من تفعيل المعارف و التقنيات و المهارات المكتسبة ليصبح قادرا على انجاز مهام محددة وفق شروط محددة.
و من جهة أخرى نجد التحديد التربوي الآتي للكافية إذ تعرف باعتبارها: “ كنسق من المعارف المفاهيمية و المهارية (العملية) و التي تنتظم على شكل خطاطات إجرائية تمكن داخل فئة من الوضعيات و الموافق – من التعرف على مهمة – مشكلة و حلها بانجاز أداء”
سأبدأ من حيث انتهى تعريف محمد الدريج، انجاز أداء سواء تعلق الأمر بانجاز ذهني أو حسحركي لحل وضعية مشكلة تربوية انطلاقا من توظيف جملة من المهارات و المعارف لاكتساب قدرة لتطوير المعرفة و انجاز الأداء العلمي وفق شروط مضبوطة و محددة .
و تعرف الكفاية حسب تعريف اللغة التربوية لقولكيي: “ أنها هي القدرة المكتسبة لانجاز بعض المهام و الوظائف و القيام ببعض الأعمال. و في قاموس التربية الذي أشرف على انجازه سنة 1979 “كاستون بيلاري” فان كلمة compétence مشتقة من اللاتينية و التي تعني العلاقة الصحيحة، إن الكفاية هي حصيلة الإمكانية أو الاستعداد الفطري الذي يمتلكه الفرد.
و هنا نسجل الاختلاف الاصطلاحي التربوي بين مفهوم: الإمكانية و القدرة. « فالإمكانية هي العلاقة على كل ماهو فردي و ذي طابع سيكولوجي» في حين أن القدرة أو المهارة تحيل على تأثير الوسط بصفة عامة و خاصة التأثيرات المدرسية من خلال انجازات الفرد» كما يعرف القاموس الموسوعي للتربية و التكوين « الكفاية بأنها الخاصية الايجابية للفرد و التي تشهد بقدرته على انجاز بعض المهام.
لقد سلك «تشومسكي» توجها جديدا في تحليله للكفايات: إذ تطرق بالدراسة و التحليل لنوع من الكفايات تسمى الكفايات النصية: و هي قدرة الفرد على فهم الأقوال و إنتاجها في مواقف تواصلية. إنها إذن قدرة لغوية تترجم معرفة الفرد بقواعد استعمال اللغة في سياق اجتماعي، و هي كذلك فهم و إنتاج اللغة في وضعيات تواصلية و من أجل تحقيق تواصل لغوي و هي تقوم على ثلاثة مكونات أساسية هي :
1- مكون لساني: يتجلى في اكتساب المتعلم للنماذج الصوتية و المعجمية و التركيبية و النصية الخاصة بنظام اللغة.
2- مكون مقالي: يتجلى في اكتساب المتعلم للقدرة على توظيف مستويات مختلفة من الخطاب وفق وضعيات التواصل .
3- مكون مرجعي: يكمن في إدراك المتعلم الضوابط و المعايير التي تحكم التفاعل الاجتماعي بين الأفراد حسب ثقافتهم. و بالتالي فان الكفاية اللغوية التي يتحدث عنها «تشومسكي» ليست سلوكا. إنها مجموعة من القواعد التي توجه السلوكات اللغوية و بذلك فان «تشومسكي» يعطي بعدا تربويا جديدا للكفاية إذ يعتبرها ملكة الانسجام و التلاؤم و الاندماج أنها تسمح بان تصير الكلمات منسجمة و متلائمة حسب كل وضعية إنها – الكفاية- الاستعداد لحسن الدراية و المعرفة. فما هو التحليل التربوي الذي قدمه المحلل الفرنسي «فيليب بيرنو» لمفهوم الكفاية؟
يعتبر كتاب «بناء الكفايات انطلاقا من المدرسة» لكاتبه فيليب بيرنو أحد ابرز و أهم الوثائق العلمية التي وضعت مفهوم الكفاية تحث عدسات المجهر التربوي، بغية تشريح عناصره التربوية حيث يعرف بيرنو الكفاية بقوله: « هي قدرة على التصرف بفعالية في نمط معين من الوضعيات، فهي قدرة تستند إلى المعارف لكنها لا تختزل فيها، بل المعارف هي جزء من الكفاية»، من خلال التعريف السابق يتضح و بجلاء عدم اقتصار المقاربة بالكفايات على الجانب المعرفي المحض الذي يتمثل في شحن ذهن المتعلم بالمعارف بطريقة تجزيئية تنبني في الأساس على الجانب السلوكي الإجرائي، الذغمائي المرتبط بنظريات «بافلوف» و «بيهافر»، بل ان الكفايات ترتكز على دمج مختلف التصورات و الاعتماد بالأساس على البيداغوجيا الفارقية و الطرق الفعالة المدرجة في البيداغوجيا النشطة التي تجعل هذا المتعلم قطب الرحى، و العمود الفقري للعميلة التعليمية، و تجنبه صفة السلبية باعتباره:» صفحة بيضاء» حسب جاك لاكان. و
هو رأي فندته هذه المقاربة (الكفايات)، إذ تؤكد في جوهرها على امتلاك المتعلم لقدرات و استعدادات ذهنية، و فيزيولوجية حس حركية تؤهله لأن يكون فاعلا أساسيا في العملية التعليمية حيث يؤكد فيليب بيرنو، ذلك يقوله: «الكفاية هي تعلم مالا نعرف عن طريق فعله»، ، عن طريق وضع المتعلم أمام مشكلات و وضعيات يستوجب حلها انجاز أداء قابل للقياس و الملاحظة باعتماد مهاراته و قدراته و إشراكها و إدماجها و استنفار مختلف الطاقات المخزنة لحل المشاكل لأن الأساس ليس هو الحل بل كيفية و طريقة الوصول للحل. و لقد أتبث العمل بالمشكلات نجاعته التربوية مع كل من «طارديف» و «أرساك» و «جرمان» بالإضافة إلى التأكيد على أهمية العمل بالوضعية المشكلة هذه المقاربة التي تبناها فيليب ميرو (1989) فما هي الوضعية المشكلة؟ «هي وضعية ديداكتيكية غير عادية لأنها تجبر التلميذ على اتخاذ مجموعة من القرارات لتحقيق هدف». و تستند الوضعية المشكلة على ثلاث مكونات أساسية:
الدعامات: و هي العناصر المادية التي يتم تقديمها للمتعلم أي المحتوى المعرفي الذي تنطلق منه الوضعية المشكلة.
المرتقبات: و هي النتائج المرجو تحقيقها بعد الانجاز.
الإرشادات: و تتمثل في مختلف الشروحات و التوضيحات المقدمة للمتعلم و بيان شروط العمل و يرتبط مفهوم الوضعية. المشكلة في المقاربة بالكفاية بمفهوم أساس و مهم و هو العائق: «هو اعتقاد خاطئ هو بمثابة حقيقة في ذلك ذهن التلميذ تعيق تعلمه» لذلك فمن المحتمل وقوع التلميذ في الخطأ، لذلك ركزت الكفايات على تقنين منهجية التعامل مع الخطأ و تجاوز النظرة الكلاسيكية السلوكية التي تقابل الخطأ و تجاوز بالعنف أو التحقير دون معالجته و هذا التحديد يحيلنا إلى بيداغوجيا الخطأ باعتبارها خطاب رئيس في مقاربة التدريس بالكفايات حيث التعامل مع الخطأ كمصدر أساسي للضبط و التقدم و التعلم شريطة أن يحلل و يفهم و ذلك بتطبيق الخطوات التالية:
افتراض الخطأ – ب- مواجهة الخطأ –ج- تحليل الخطأ –د- معالجة الخطأ.
و لعل أبرز الخصائص المميزة للكفايات هي اعتمادها على العمل الجماعي (دينامية المجموعات) و المجموعة يحكمها عاملان، أساسيان لإنجاحها و هما: ضرورة وجود اندماج و تألف وجداني بين أعضائها و الآخر وظيفي يتجلى في تحديد المهام و الأدوار.
و قد تطرق لمفهوم دينامية الجماعة مجموعة من المهتمين التربويين على رأسهم «كورت لوين (1890/1947) الذي نشر مقاله الأول حول دينامية الجماعة سنة 1944 و موكليلي و بالس و كلهم أجمعوا على أهمية الجماعة من خلال تحقيق المقاربة الدينامية و التفاعلية و المقاربة التحليل – نفسية.
أنواع الكفايات: الكفاية هي مجموع قدرات و أنشطة و مهارات مركبة تتعلق بالتلقي و الإنتاج. و من مزايا الكفايات و القدرات أنها قابلة للتحول من محتوى إلى آخر، كما أنها تتطابق مع بنية الشخصية الإنسانية التي هي شخصية مركبة و معقدة.
و تنقسم الكفايات إلى نوعين أساسيين هما:
1- كفايات خاصة / نوعية: و هي الكفايات المرتبطة بمجال معرفي أو مهاري أو وجداني محدد، و هي خاصة لأنها ترتبط بنوع محدد من المهام التي تندرج في إطار مواد دراسية أو ضمن مجالات تربوية متعددة.
و فيما يلي جرد لبعض الأمثلة عن تعلم اللغة(القدرة على قراءة رسالة،القدرة على استخدام القاموس،الميل التلقائي نحو المطالعة ،فهم الكلمات في سياقها اللغوي، الإلمام بمبادئ الخط).
2- كفايات ممتدة / مستعرضة: هي التي يمتد مجال تطبيقها و توظيفها داخل سياقات جديدة، إذ كلما كانت المجالات و السياقات و الوضعيات التي توظف و تطبق فيها نفس الكفاية واسعة و مختلفة عن المجال و الوضعية الأصلية، كلما كانت درجة امتداد هذه الكفاية كبيرة و الكفايات الممتدة أو المستعرضة، تمثل أيضا خطوات عقلية و منهجية إجرائية مشتركة بين مختلف المواد الدراسية.
– كفاية تواصلية: القدرة على إقامة حوار يناسب وضعية تواصلية.
– كفاية منهجية: القدرة على اقتراح خطة ممنهجة لمعالجة موضوع ذو طابع علمي بالإضافة إلى القدرة على فحص صحة الفرضيات فحصا تجريبيا.
– كفاية استراتيجية: القدرة على توظيف الحجج و الدلائل اللازمة لدعم رأي معين و إقناع الطرف الآخر.
إن تطبيق مقاربة التدريس بالكفايات في الحقل التعليمي المغربي لمن شأنه أن يمهد الطريق لإرساء اللبنات الأساسية لجودة التعليم كرهان أساسي لمدرسة النجاح المغربية لكون مقاربة

الكفايات تفتح أفق و إمكانيات لإبراز القدرات و المهارات الخاصة لكل من المتعلم و الأستاذ و تفادي الطرق التقليدية، التلقينية، السلوكية الإجرائية و تعويضها بمنهجية تؤمن بقدرات التلميذ و تثق في مؤهلاته باعتباره رجل المستقبل.

نيابــة اليوسفية


الكاتب : ذ/ المهدي الملوك

  

بتاريخ : 07/02/2018