ولد مانويل فازكيز مونطالبان بمدينة برشلونة الاسبانية عام
1939 وتوفي في 2003 أديب متعدد المواهب كاتب مقالات وشاعر وروائي عرف السجن في فترة حكم الديكتاتور فرانكو، كتب أولى مغامرات “بيبي كار لفالهو”، شخصيته البوليسية، في 1972 تحت عنوان” قتلت كينيدي”. حاصل على عدة جوائز إسبانية جائزة بلانيتا وفرنسية الجائزة الكبرى للادب البوليسي وترجمت أعماله الى أربع وعشرين لغة أجنبية
من أعماله”الوشم” 1974″جريمة في اللجنة المركزية” 1981، “رجل حياتي” 2004
– هل تعرف أن لاسمك أكثر من مائتي مدخل في شبكة الويب ؟
– لا أعرف من العدد الذي ذكرت سوى صفحتين الاولى أنجزها إيطاليون والثانية هي من وضع شخص أمريكي شمالي ذي أصول غاليسية يدعى كوتيرو أعرف بوجود ما تتحدث عنه، لكنني لم أتعمق كثيرا في البحث لقد تم تجهيز حاسوبي حديثا بالأنترنيت، كما أنني لست بالمتبحر الخبير.
– لماذا شخص مثلك له اهتمامات متنوعة كتابة الشعر والدراسات التحليلية ومقالات الرأي تحول الى كتابة الرواية البوليسية؟
– كل الادب الروائي، دون استثناء، ينقسم إلى روايات عاطفية وروايات بوليسية. اذكر لي أي عنوان وسيتضح لك أن الأمر يتعلق إما بتحقيق عن خرق محرم طابو، أو بجريرة بجريمة، وإما بحكاية عاطفية. الرواية البوليسية التقليدية، بمتخيلها الثابت، تنتمي الى روايات النوع والسلسلة، نتيجة جانبها متوقع وروتيني جدا، لكن بولار الثلاثينات أو الأربعينات من القرن الماضي لا ينبغي أن يسمى بوليسيا، إنه رواية كغيره من الروايات، التي يحقق فيها عن دلالة جريمة اجتماعية وتبقى اقتضاءاته على الصعيد الادبي هي أيضا جد طموحة كمثيلاتها في الأعمال التخييلية الأخرى بالنسبة لي جون لوكاري أو غراهام كرين هما في نفس المستوى الادبي لفرجينيا وولف مثلا، سيقولون إن في الامر بدعة، لكنني مقتنع بعمق ما أقوله ما يهمني، هو أنه انطلاقا من نفس الشخصية، يمكن أن تتحول الرواية تقريبا الى ساغة (saga) لتطور المجتمع.
– إلى ما ترجع نجاح «كارلفالهو» المتحري الخاص لرواياتك؟
– أسند نجاحه الدولي إلى سبب واضح جديا فهو لم يعكس فقط تحول إسبانيا، إنما تحولا أكثر
إجمالية، كارلفالهو يرمز الى مناخ الستينيات، الى تلك الفترة التي شهدت الآمال الايكولوجية الكبرى والهيبيين وحبوب منع الحمل والحرية في مختلف أشكالها وقيام ثروات بيضاء، ثورات غنائية وأيضا الى خيبة أمل نهاية القرن العشرين حيث الكل يخاف من فقدان عمله والإصابة بالسيدا(الإيدز). هذا الخوف من الحرية الذي استطاع تثبيته في الذهن بنجاح كل الذين يلجأون إلى الآليات ذات الطبيعة القمعية، ابتداء بالبابا.
– لماذا يشغل المطبخ دورا جد مهم في كتبك؟ إلى حد اعتباره تقريبا شخصية قائمة الذات؟
– أولا، لأنه باستثناء ممارسة الكتابة، فالطبخ هو الشيء الوحيد الذي أتقنه من بعد، لاسيما في سلسلة «كارلفالهو» – بعكس كتبي الروائية الأخرى – لأنني كنت في حاجة إلى هذا النابض الروائي. كل شخصية متواترة هي في حاجة إلى عادتين
– ماذا عن العادة الأخرى لشخصيتك الروائية، أقصد عادتها المستهجنة حرق الكتب؟
– قال “كارلفالهو” مرة، وتكرارا إنه يحرق الكتب لأن الأدب لم يسفعه كثيرا في تدبير حياته. إن الأمر لا يعدو كونه مبالغة، لكنه شعائري محتوم من لدن الشخصية.
– أدبيا، ألن يموت «كارلفالهو»؟
– بخصوص هذه المسألة، فأنا أصطدم بمشكل حقيقي، مشكل المصداقية. لقد وضعت نفسي في الشرك، حينما وضعت سنا محددا لـ”كارلفالهو”، ولو أنني غضضت النظر عن ذلك في ما بعد. لكن المسار النفسي للشخصية يوافق تطورها البيولوجي، وهنا تكمن صعوبة تركها باستمرار في دور المحقق الخاص الذي يتطلب شعائريا بأسره (من الحركات والإعدادات والقوة الجسدية، إلخ)، لا تستطيع بصراحة السماح لنفسها به. والحالة هذه إما أحيله على التقاعد بعد طوافه حول العالم برفقة «بيسكوتور»
لقد أطلقت مزحة دفعني قبولها إلى التفكير في أنها ربما جديرة بالتّأمل، يتعلق الأمر بأن أجعل منه جاسوسا من نمط الجواسيس الذين يمكن أن ننعتهم بالما بعد حداثيين، في خدمة سلطات جديدة، التي لم تكن تتوفر على أمثالهم إلى ذلك الحين كحكومة مستقلة، أو أجعل منه جاسوسا بلديا
– كيف تبدع كتبك؟
– من خلال سيرورة تكويم جد كلاسيكية، سبق للشاعر «توماس إليوت» (Thomas Eliot) أن وصفها بشكل دقيق: يتم البدء بتخزين المواد بطريقة واعية أو لاواعية أحيانا، يتم التجميع دون أن نقول في الحال إن المخرج سيكون كتابا أو رواية أو عملا شعريا، لكن يخلق احتياطي مخزن إذا شئنا القول. عندما تبلغ المواد حجما كافيا، فإنها تبحث عن مخرج. إن الأمر يشبه جرافة جليد تكوم الأنقاض: يأتي وقت تبحث فيه عن الاضمحلال، وعندئذ ينبجس مجرى ماء. أعتقد بأن الإبداع ينبثق على هذا النحو.
– كيف تفسر قدرة التكيفية التي تسمح لك بالكتابة عن «الأرجنتين» أو عن “بانكون”، كما لو أنك عشت هناك؟
– أولا، من خلال نسق التوثيق الذي ذكرته قبل قليل، ثم من خلال واقعة كون طرق التفكير والعواطف يتزايد تشابهها أكثر. فنحن نقتات بنفس الطريقة، نفس المنتوجات الثقافية والوسائطية. أساليب حياتنا تتقارب أكثر فأكثر، علاقاتنا الانتاجية هي جد متجاورة، الشيء الذي يسمح لنا بفهم أحسن لسلوكنا وأيضا لسلوك الآخرين.
كان على «أرسطو» ARISTOTE) أن يقول «الانسان هو ما يأكل» والحال أننا، بصدد الثقافة نأكل/ نستهلك كلنا تقريبا نفس الشيء. لا تختلف مشاهدة التلفزة في حي هامشي لمدينة برشلونة عن مثيلتها في ضاحية «بانكوك». بالإضافة إلى ذلك، نحن نشاهد نفس البرامج المنتجة على نمط واحد في الولايات المتحدة الأمريكية.
– على هذا النحو تشكل «برشلونة» تقريبا شخصية إضافية في الكثير من رواياتك؟
– بالضبط برشلونة هي مدينة مرفئية، مدينة عبور. كما أنها في نفس الوقت مثال لتواجد العديد من الذاكرات في نفس المكان. كل هذه العناصر تجعل منها مدينة متعددة، على أكثر من وجه. مثل هذا النمط من الأفضية، يمنح عادة الكاتب إمكانات كبرى، توجد الكثير من المدن الأدبية بخلاف مدن أخرى. برشلونة كانت موضوع العديد من الكتب كـ «بوينوس أيريس» والكثير من المدن في الولايات المتحدة. خلق الادب والسينما متخيلا بارزا حول مدينة «سان فرانسيسكو» و»نيويورك» بعكس مدينة «واشنطن».
– بالنسبة لك، ماذا تمثل برشلونة؟
– إنها وطني بالمعنى الحقيقي للكلمة : المكان الذي ولدت فيه حيث تشكلت الارتكاسات، حيث اكتشفت وجود الآخرين، حيث ناس تحبك وناس تضمر لك الشر، حيث اكتسبت جملة من قواعد السلوك، اللسانية وغيرها لقراءة أنساق العلامات التي تمنحك الشعور بالانتماء إلى هذا الاقليم / المكان. كلما علقنا كل هذه المعطيات وعملنا على استحضار قولة «سان ايكزبيري: أنا أنتمي إلى بلد طفولتي، تصبح الطفولة أرضا/ مكانا طبيعيا وانفعاليا وبرشلونة تمثل كل ذلك بالنسبة لي، حتى إنه يمكنني القول إن انتمائي هو لحي بعينه من المدينة، لمكان يَسمُني منذ البداية ولو عملت بقوة من بعد للتجرد منه، أو أضفت إليه عناصر ثقافية جديدة. هذا ما تمثله بالنسبة لي أساسا برشلونة. يضاف إلى ذلك تاريخها وطبوغرافيتها، فهذه المدينة الكلاسيكية هي ليست نتاج أركيولوجيا وحيدة، بل مجموع أركيوجيات تذكارية. هناك المدينة الرومانية والمدينة القوطية والمدينة النيوكلاسيكية والآثار الحداثية وكودي والانسانية أيضا. إنها المدينة التي اجتذبت تدفقات ترحلية متعددة جاذبة تمثل عناصر جديدة ونوعا من التهجين بعد الصدمة مع الثقافة السابقة. بالإضافة إلى ذلك فـ برشلونة مدينة تكونت في نهاية القرن التاسع عشر من طرف جزء كبير من طبقة الفلاحين التي تحولت إلى الوضع البروليتاري عند انضمامها إلى الثورة الصناعية. فهي تمثل انطلاقا من هذا الحدث، نقطة التقاء الطبقات الشعبية من مختلف جهات إسبانيا.
– كنت دائما جد ملتزم على الصعيد السياسي. هل تعتقد أن عمل الكاتب يجب أن يكون بالضرورة إلزاميا عملا مناضلا؟
– أبدا، الكتابة فعل حر الاختيار. بعض الكتاب يحسون بالحاجة والارادة للتدخل على الصعيد الاجتماعي والسياسي وآخرون لا. ما يمكن أن نطلبه من الكاتب هو الكتابة الجيدة. بالنسبة لي كآخرين أؤكد أن هناك دائما إيديولوجيا في ما يقترحه الكاتب، حتى عند الكاتب الذي يبدو جد غريب عن مثل هذه الانشغالات. توجد دائما قراءة ايديولوجية، تموقف من العالم ومن الواقع ومن أنفسنا. لكن يجب احترام الاختيار الحر للكاتب في زعمه الاحساس بالتشارك أو التعاطف في قضايا ملموسة أو مشاركة مع الذات.
– ما رأيك في ازدهار الوسائط الالكترونية الجديدة؟ هل ستحل الثقافة السمعية البصرية محل الثقافة المكتوبة؟
– يثير باستمرار ظهور وسائل تعبير جديدة مسألة موت الكتاب والحال أنه يحيا دائما. سينتهي بكل واحد إلى تحديد منطقته ووظيفته الاولى. هذه الثقافة الجديدة هي سهلة الإدماج جدا. بالنسبة للأجيال التي سبق لها أن تمرنت على الحاسوب كأداة، لكن في رأيي لن نقرأ أبدا نصا أدبيا على الشاشة. يمكن للمعلوميات أن تولد أشكالا جديدة من التعبير الادبي لكن لن تكون لها لا كثافة ولا طول ولا استمرارية الرواية. ربما سنرى ظهور أنواع مستحدثة مرتبطة بالحاسوب، لكنني أعتقد أن الانواع التقليدية تبقى جد مرتبطة بالشكل الملموس للكتاب من حيث القدرة على إعادة القراءة والعودة إلى نقطة محددة إلى الامام أو إلى الوراء وتماس جسدي بناقل الادب vecteur) الذي هو الكاتب.
(نص الحوار المترجم مأخوذ من موقع الكاتب الاسباني الراحل م.ف. مونطالبان الذي يحمل اسمه).