فيلم «الجار» للمخرج الأمريكي أرون هيرفي: تبرير الخيانات

 

يمتد فيلم ” الجار” (105دقيقة / يناير2018/ إنتاج أمريكي/ النوع دراما ) للمخرج الأمريكي الشاب أرون هيرفي ( مواليد 28 أكتوبر 1980 بكاليفورنيا) بحصيلة ثلاث أفلام منذ2007 على مساحات الحب غير المعلن وعلى النظرات المتبادلة و التوجس وعلى المعاناة النفسية في سرد قصة حب واشتياق من طرف مايكل (ويليام فتشنر) الذي يتجاوز عتبة الستين وزوجة شابة ( جيسكا ماك نامي) في منتصف الثلاثينات تؤدي دور الجارة.
عموما يصنف الفيلم في خانة الأفلام ذات الأمكنة الضيقة وذات السرد البطيء تجعل المتلقي يتلهف لما يقع داخل السرد الفيلمي. داخل هذا الفيلم هناك مونوطونية وانتظارات وتساؤلات …هل تتحقق رغبة بطل الفيلم في مساعدة الشابة على تجاوز حالات العنف التي تتلقاها بشكل يومي من طرف زوجها الشاب؟
لعبة الإنصات والترقب
تحاط قصة فيلم « الجار» بلعبة الإنصات التي يتقنها مايكل من خلال تتبع حالات الزوجين الشابين الذي لا يفرق بين منزليهما سوى سور صغير. يكاد ينصب الشغل الشاغل لمايكل في تتبع أخبار الشابة ومراقبتها بنوع من التوجس والترقب والحذر. الحذر من أن تجده زوجته وهو يراقبها وينصت لما يقع في البيت المجاور أو الترقب في ماذا ستصل إليه حالات التشنج بين الزوج والزوجة وفي عدم قدرته على الإفصاح عما يخالجه من أحاسيس متدفقة نحو الشابة الفاتنة والجذابة التي أضحى يفكر فيها ليل نهار.
يصور المخرج حالات مايكل النفسية وهو يراقب الشابة في ألبستها القصيرة وفي تبادل القبل مع زوجها وفي سماع خصاماتها مع زوجها وفي تصالحهما بعد الخصام. ما الذي يبحث عنه مايكل صراحة؟
حقيقة تسبقه نظراته العميقة والشاعرية نحوها وحركاته المحفوفة بالخوف وتتبعه لجسدها ولحركاتها دون أن يتقدم خطوة نحوها في انتظار إشارات صريحة منها. تبادل الحديث معها والابتسامات وملامسة الشابة لكتفه… وهي إشارات بليغة التقطها مايكل ليتقدم خطوة أخرى نحو توطيد صداقته بها.
الاستجابة للإشارات
تبدو الإشارات التي قدمتها الشابة بشكل عفوي إلى مايكل كافية ليتقدم خطوة أخرى نحوها…الخروج معها إلى التسوق تم إلى شراء نباتات ومزوعات لغرسها في حديقتيهما وبعد ذلك تناول مشروبات معها داخل البيت وتبادل الحديث وإفصاحها عما تعانيه مع زوجها و استسلامها وانغماسها في القبلات الحارة مع الجار العاشق. هذه الاستجابة ستسمح بتحول في مجرى الحكاية الفيلمية حيث يصبح أكثر غيرة على الجارة وبداية افتضاح أمره من طرف زوجته ومن طرف زوج الشابة.
من التوجس إلى الفضح
يهجر مايكل زوجته بعدما تتوطد علاقته بالشابة الجميلة وتظهر العديد من مشاهد الفيلم عدم الطبخ لزوجته كما كان في السابق تم عدم الاهتمام بها والنوم بالقرب منها كجثة هامدة تم بعد الدخول عنوة إلى منزل الجارة بعد سماع ضوضاء دون استئذان ليكتشف بخطئه الفادح أن مزهرية فقط سقطت من يد الجارة ولم يكن خصاما بينها وبين زوجها. لتنعكس هذه الواقعة على علاقته بزوجته وخصامه معها في حالة طأطأة للرأس. يصور المخرج..شخصية مايكل.. خجولا متوجسا قليل الكلام يرقب ويترقب وينتظر إشارات الجارة ويعاني في صمت المربين. يهجره النوم ويكابد في صمت في مكتبه وأمام حاسوبه ومن نافذته حركات الجارة في خروجها وفي سباحتها وفي التقاط أنفاسها وخصاماتها المستمرة مع زوجها وتعرضها للعنف.
افتضاح أمره يقوده به إلى الاتجاه نحو الاقامة في أحد الفنادق ولكن شغفه بها يدفع به للعودة مجددا نحو المنزل.
رمزية السور بين الجارين:
بعد عودة مايكل إلى منزله محملا بالورود البيضاء وإعداده للطبخ لزوجته..تتفاجئ الزوجة من هذه العودة المبكرة وفي ساحة الحديقة وفي حديث قصير مع الشابة يتلقى صدمة غير متوقعة ومفاجأة كبيرة أنها حامل وهي تتحدث من وراء السور القصير الذي يفصل بينهما ولم يعد باستطاعته تجاوزه كمؤشر على نهاية هذه العلاقة الملتبسة التي يغالبها الشوق من جانب واحد. يشعر مايكل بالمرارة وأن ما يمني به النفس لم يعد سوى أضغاث أحلام وبفشل خطته السرية التي قادته نحو الشابة المتزوجة. في مشهد بديع يصور المخرج ما يكل والشابة يفصل بينهما السور القصير في رمزية لوضع حد لهذه العلاقة المريبة.
محدودية الشخصيات والمجال الفيلمي
تفتقد شخصيات فيلم « الجار» للعمق وتتحرك داخل مسافات المنزلين الملتصقين وفي حديقة الجار والجارة المنفصلة بسور صغير دون عمق ودون مرجعية تاريخية أو اجتماعية بشكل فاتر ودون دلالات رمزية. يغلب عليها الصمت والنظرات دون الإفصاح عما يخالجها. كما تقدم أربعة شخصيات في الفيلم دون خلفيات: زوجة مايكل..الممثلة جون لويزا كيلي كامرأة دون أحاسيس وأنها فقط وعاء للجنس ودون ردات فعل قوية ودون أبعاد لشخصيتها داخل النسق الفيلمي في دور ثانوي وهامشي فقط… كما زوج الجارة الممثلة جيسكا ماك نامي صوره الفيلم محبا لرياضة الغولف وزير نساء وتغير مواقفه بين العنف والحب الذي يمنحه لزوجته دون قدرة كاتب السيناريو على منح تبريرات منطقية لأفعاله.. وهامشية تحركاته القليلة. كما أن ابن الممثل ويليام فتشنر.. الشاب الذي يقحم في مسارات الفيلم بعد عودته إلى المنزل ويظل حضوره باهتا داخل مجريات الفيلم في دور ثانوي باهت دون أن يؤثر على وقائع الأحداث. نستخلص من تقديم الشخصيات محدوديتها في المكان وفي تفاعلها مع الأحداث ومع بعضها البعض دون خلفيات واضحة ودون رؤية مسبقة ودون أفق انتظار لمتغير في الفرجة السينمائية التي تطبعها الرتابة والتقدم البطيء للأحداث.
سينما الجار
تحتل أفلام الجيران ثيمة كبرى داخل السينما الدولية والسينما الأمريكية على الخصوص ولا أدل على ذلك الفيلم الرائع « كتاب هنري «.. تم فيلم « كل شيء « خلال سنة 2017 وكلا الفيلمين قدما فكرة جديدة وتصورا مغايرا لنمطية أفلام الجيران وسطحيتها بحيث يمكن التفاعل معها… في حين لم يقدم فيلم « الجار» للمخرج أرون هيرفي أي جديد سواء من حيث تناول الموضوع أو طريقة السرد واكتفى بروتينية مملة وانتظارية طويلة في تقدم الأحداث ببطء مما انعكس بشكل سلبي على مجريات الفيلم برمته. الأفلام السينمائية اليوم مطالبة بعمق الفكرة وطريقة بناء الشخصيات وعمقها وتنوع أساليب السرد مع ما يصاحبها من تشويق وإثارة دون الاكتفاء فقط بعرض القصة بشكل متوال ودون أفق للفرجة السينمائية.
الفيلم وسينما الإثارة
يركز الفيلم في كثير من مشاهده الفيلمية على الإثارة الجنسية سواء بين الجارة الشابة ذات الجمال الأخاذ أم بين الجار الهائم بها في مشهد تبادل القبلات أو بين الزوجين الشابين في المسبح أو داخل المنزل أو بين مايكل وزوجته يمارسان الجنس ويتخيل نفسه أنه يمارس الجنس مع الزوجة الشابة… الإكثار من مشاهد الإثارة حول الفيلم من موضوع يرغب المخرج في مناقشة العنف المسلط على الزوجة إلى إثارة مجانية موجهة إلى الشباب واليافعين والمشاهدين عموما دون تبرير ونقل خطاب غرائزي مبني على الشهوة وعلى العاطفة دون السير قدما في معالجة إشكالية العنف على الزوجة بخلفياته وأبعاده وتقديم رؤى تسهل على المتلقي فهم مغزى الفيلم. سقط الفيلم في الابتعاد عن الموضوع المعالج وغلفها بالإثارة المبالغ فيها التي أضاعت رسالة الفيلم.
نهاية الفيلم: حيرة المخرج
ينتهي الفيلم بوجود الزوج الشاب لزوجته ذات ليلة وهي تدخن بحديقة منزله وفي حديث مع مايكل ويطالبها بالدخول إلى المنزل لكنها ترفض ويصر على ذلك بينما يفاجئ الزوج بقفز الجار مايكل من فوق السور القصير وبداية الدفاع عن الزوجة ويتلقى بعض اللكمات القوية ويسقطه الزوج الشاب أرضا و يصر ما يكل على اللحاق بالزوجين داخل منزلهما وعلى اقتحام بيتهما ويتلقى مزيدا من الضرب بينما يحمل مايكل عصا الغولف ويسلطها على رأس الزوج الشاب ويرديه قتيلا بينما تصيح الزوجة والدماء تتدفق من رأس زوجها على خروج الجار من منزلها ويخرج في اتجاه منزله بينما تتعالى أصوات سيارات الإسعاف والشرطة في نهاية مفتوحة وفي عملية تستر على الجار القاتل وفي أكثر من تأويل على النهاية.. وعلى حيرة المخرج الذي يتعاطف كذلك مع بطل الفيلم الذي اقتحم المنزل وارتكب جريمة قتل…
القيمة المضافة للفيلم
لا يقدم فيلم « الجار « أي إضافة نوعية لأفلام الجيران سواء من حيث طريقة السرد التي يغلب عليها البطء الشديد في تسلسل الأحداث وتواليها أو من المفاجآت المصاحبة للسرد الفيلمي ويبدو الفيلم عموما عاديا لا يحمل أي جديد سوى تبرير الخيانات وحالات تعاطف المخرج مع الجار الذي عمد إلى قتل جاره دفاعا عن الجارة التي وقع في غرامها ولم يستطع أن يتغلب على مشاعره وتبرير ما يقوم به أنه دفاع عنها على أنها تتعرض للعنف من طرف زوجها.
فيلم يغلب جوانب الإثارة سواء في تصوير الجارة الشابة بألبسة قصيرة وعرضها شبه عارية للشمس أو في سباحتها مع أصدقائها وفي تبادل القبل مع زوجها في أكثر من مشهد… بل لتبادلها القبل مع الجار داخل منزلها… لقطات ومشاهد مثيرة… الغرض منها إضفاء مزيد من الإثارة الحسية على الفيلم من خلال إبراز المفاتن الجسدية للجارة أومن خلال نظراتها وطريقة كلامها واستدراج أكبر عدد من المتفرجين لهذه النوعية ذات الإيحاءات الجنسية المبالغ فيها…
فيلم يسقط في الروتينية والإثارة الجنسية وتبرير الخيانات وتجاوز عتبة الأخلاقي وإلحاق الأذى بالآخرين وذلك بعدم قبوله كفيلم للأسرة وللفرجة السينمائية عموما.


الكاتب : عبدالله الساورة

  

بتاريخ : 03/03/2018