واقع المرأة المغربية اليوم تعتريه انتكاسة حقيقية ، حيث تم الاجهاز على الحقوق التي نص عليه الدستور ولم تترجم مقتضياته على أرض الواقع بالشكل السليم ، فتم تنزيل مناصفة جوفاء ومجلس أسرة صوري ، وقانون مناهضة العنف ضد النساء لا يحمي النساء.
المرأة المغربية اليوم ايضا تعيش الإقصاء على مستوى الوصول الى مناصب القرار, والتضييق عليها في المشاركة السياسية التي لا زال يستأسد فيها الرجال.
النساء اليوم يعشن العنف والاغتصاب والتحرش في فضاءات التدريس والعمل .أكثر من 40 في المئة من المغربيات يتعرضن للعنف في الشارع العام، حسب آخر تقرير للمندوبية السامية للتخطيط، ولو أن العدد وصل اليوم إلى أكثر من ذلك بكثير، فمن بين 5.7 ملايين امرأة في المدن، تتراوح أعمارهن بين 18 و64 سنة، تعرضت 2.3 مليون امرأة للعنف في فضاء عام، ويعتبر العنف البدني في المرتبة الثانية ضمن قائمة أشكال العنف التي لاقتها المغربيات في الفضاءات العامة، باعتبار أن عدد ضحاياه بلغ أكثر من 808 آلاف ضحية.
النساء في المغرب اليوم يعشن أيضا حالة من الارتباك بين النصوص القانونية والواقع المعيش، فزواج القاصرات في ارتفاع شديد، أيضا تعدد الزوجات وانتشار زواج الفاتحة واستفحال ظاهرة الطلاق بشكل تصاعدي خطير.. وضع يسائل مدونة قانون الأسرة من جديد حول إعادة النظر للقيام بتعديلات من شأنها للإجابة عن هذا الكم الكبير من القضايا المجتمعية التي تتخبط فيه المرأة المغربية اليوم
المطالبة بتحيين ومراجعة مدونة الأسرة
بعد 14 سنة من تطبيقها ، فإن واقع النساء اليوم لم يرق لمستوى الانتظارات والنتائج التي كانت تتطلع اليها المجتمع المغربي من تنزيل قانون الاسرة ،مما استدعى الجمعيات النسائية للمطالبة بمراجعة قانون الاسرة ،حيث اطلق اتحاد العمل النسائي في فبراير الماضي الحملة الوطنية «من أجل تحيين ومراجعة مدونة الأسرة بعد 14 سنة على صدورها»
فعلى الرغم من أن مدونة الأسرة، جاءت بالعديد من المكتسبات، إلا أن أغلبها ذا طابع معنوي كالمساواة بين الزوج والزوجة في رعاية الأسرة، والتنصيص على المساواة في الحقوق والواجبات بين الزوجين، وحق المرأة الراشدة في تزويج نفسها، وإعطاء مركز قانوني لعقد الزواج بتخصيصه بملف يحفظ بكتابة الضبط، يتضمن مجموعة من الوثائق، تمكن من ربط التوثيق بنظام الحالة المدنية، وإعطاء الزوجين إمكانية تحرير عقد مستقل خاص بتدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية.
كل هذه المكتسبات ذات الصبغة المعنوية، لم تؤثر على مكانة النساء داخل مؤسسة الزواج، لأنه لم توضع آليات لتفعيلها إضافة إلى وجود مواد أخرى في المدونة، تفرغها من مضمونها: فعلى سبيل المثال لا الحصر، تنعدم مساواة الأم والأب في الولاية على أبنائهما، كما أن توقيع عقد تنظيم تدبير الأموال المكتسبة خلال الزواج، لا يقدم عليه إلا عدد قليل جدا من المقبلين على الزواج، إضافة إلى أن العدول لا يقومون بدورهم في التعريف بهذا العقد وإشعار الأزواج. مما أصبح يفرض ضرورة مراجعة هذا القانون ليتماشى وواقع ما تعيشه النساء من قضايا اجتماعية مستعصية .
هل يحمي قانون مناهضة العنف ضد النساء ..النساء؟؟
بعد 15 عاما من الانتظار، صادق البرلمان المغربي بالأغلبية على مشروع قانون محاربة العنف ضد المرأة.وسط رفض واستنكار الجمعيات النسائية التي ترى أن القانون رغم «إيجابيته» لم يرق إلى مستوى قانون مستقل، ولم يشمل أركانا مهمة وأساسية في مجالات التعريف بالعنف باعتباره تمييزا ضد النساء وانتهاكا لحقوقهن، وفي كونه يظل قاصرا في جوانب الحماية والوقاية وجبر الأضرار».
يجرم القانون الجديد بعض أشكال العنف الأسري، يُنشئ تدابير وقائية، ويُوفر حماية جديدة للناجيات. لكنه يُطالب الناجيات برفع دعوى قضائية للحصول على الحماية، ولا يستطيع سوى القليل منهن فعل ذلك. كما أنه لا يُحدد واجبات الشرطة والنيابة العامة وقضاة التحقيق في حالات العنف الأسري، أو تمويل مراكز إيواء النساء.
الاستاذ عبد الكبير طبيح وقف على مجموعة من الملاحظات التي تبرز بالملموس أن القانون لم يرق فعلا الى انتظارات المجتمع لمواجهة ظاهرة العنف ضد النساء. أولها تهرب المشرع من تقديم تعريف واضح للعنف ضد النساء كما وقفت عليه كل الاتفاقيات الدولية المهتمة بحقوق المرأة في العالم .
ثم إن القانون يتكون من 56 مادة، بينما الفصول التي تتكلم عن المرأة لا يتعدى 5 فصول، بينما باقي المواد هي مواد تتعلق بالقاصرين و الاصول و الفروع و وسط كل هذا حشر للزوجة , و ليس المرأة كامرأة , مما يؤكد ان مشروع القانون ليس قانونا لمناهضة العنف ضد النساء و انما عبارة عن تعديلات للقانون الجنائي الذي تهم كل المواطنات، أي المشروع لا يعدو انه إعادة كتابة لبعض فصول القانون الجنائي.
أما فيما يتعلق بالمادة 404 التي تنص على معاقبة العنف والإيداء ضد «امرأة حامل كان حملها بين أو معلوم». فإن البقاء على هذه المادة على صياغتها الحالية يعني أن العنف ضد امرأة غير حامل هو عمل مباح، وأن الجريمة لا تتحقق إلا إذا كانت المرأة حامل من جهة و كان حملها بين أو معلوم لدى الفاعل.فصياغة هذه المادة تسمح بضرب المرأة غير الحامل .
فمشروع القانون بدل أن يكون أداة قانونية لحماية المرأة انسجاما مع الخطاب المضمن في مذكرة التقديم حمل قواعد هي ضد المرأة بكل وضوح، ويتأكد ذلك من المواد 1-1-503 و 2-1-503 و 1-2-503 وهي مواد أتت لتوسع مفهوم التحرش الجنسي الذي هو وجه من أوجه العنف الذي تتعرض له النساء.
فمن اللافت للنظر أن هذه القاعدة وضعت في الباب المخصص لمحاربة الدعارة , مادام أن الفصل 503 الذي اعتبر هو الاصل و تفرعت عليه المواد المشار اليها اعلاه هو يعاقب على فعل الدعارة.وأنه من المعلوم أن الدعارة هي تصرف مدان و حاط بكرامة المرأة فكيف يؤخذ كأصل و قاعدة لمعاقبة التحرش الذي هو عنف ضدها.لقد كان على المشرع تنظيم معاقبة التحرش خارج باب الدعارة احتراما للمرأة المغربية و لكرامتها.
و من جهة ثانية ،فإن المشرع أبقى على زواج القاصرات و لم يعتبره عنفا و سمح به عندما منع , فقط , الاكراه على الزواج باستعمال العنف والتهديد ، بينما يعلم الجميع أن القاصرات يجبرن على الزواج ليس بالعنف أو التهديد الجسمي، وإنما باستغلال حالة الفقر والضغط النفسي و العائلي والذي لا يحدث أي أثر لا للاكراه و لا للتهديد.
و من جهة أخرى، فإن المادة 503-2-1 لا تعاقب من تزوج بالقاصرة بالاكراه، و انما تتوجه فقط لمن اكرهها على الزواج مما يتعين تصحيح هذا الوضع الخطير الي سيفرضه قانون وزيرة التضامن و المرأة.فكان على القانون ان يعاقب على الزواج من القاصرات و تزويجهم معا و أن يكون واضحا في اعتبار تزويج أو الزواج من قاصرة هو عنف معاقب عليه ودون اشتراط أي طرف آخر كيف ما كان.
كما أن القانون اشترط في نفس المادة لمعاقبة من يكره الغير على الزواج باستعمال العنف والإكراه أن يقوم المتضرر بتقديم شكاية به, اي ان تقوم القاصرة أو البالغة بتقديم شكاية على انها اكرهت على الزواج , بمعني عندما يتم تزويج القاصرة و الدخول بها , لان الزواج لا يتم ألا بدخول الرجل بامرأته كما نعلم , بعد ذلك على القاصرة ان تتقدم بشكاية الى النيابة العامة. و هذا قانون لا يمكن ان يصدر على عاقل و لا يحتاج الى تعليق.
بل إن القانون ذهب الى ابعد من ذلك عندما اعتبر أن سحب الشكاية يضع حدا للمتابعة .
بينما وبالنظر لخطورة الفعل واهتمام المجتمع به أن يعتبر العنف ضد النساء هو من النظام العام، و ان يلزم النيابة العامة على تحريك المتابعة سواء قدمت لها شكاية أو لا.
حقا قد يقال بأنه إذا لم تشترط شكاية الزوجة، فإن ذلك سيؤدي إلى معاقبة الزوج و تفتيت الأسرة وغير ذلك من آثار المتابعة .
لكن القانون المغربي أحدث مقتضيات تراعي تحمل الدولة مسؤوليتها اتجاه الضحية بدون الإضرار بالأسرة , ومع ذلك لم يستخدمها وزيرة التضامن و المرأة في مشروعها.
وبالفعل فإن القانون الجنائي في فصول 143 و 144 و 145 ينظم ما يعرف بالأعذار لقانونية، وهي آليات تجمع بين إدانة الفاعل من أجل ما ارتكبه من افعال ضارة بالمجتمع ومنها العنف ضد المرأة من دون ان يطبق عليه العقوبة . وهذه الآلية رادعة تمنع الزوج من العودة لتعنيف زوجته.
أما اشتراط ، كما نص على ذلك القانون، أن معاقبة الزوج لابد فيها من شكاية الزوجة وأن سحبها شكايتها يوقف المتابعة فإنه بالنظر للوضع الاجتماعي و العائلي للزوجة خصوصا إذا كانت قاصرة ، فإنها ستضطر إلى إما الامتناع عن تقديم شكاية أو سحبها بعد وضعها وهو ما سيشجع على استمرار تعنيف النساء و سيفرغ القانون من الهدف المشار اليه في عنوانه.
غير أن هذه الملاحظة لا تمنعنا من الإشارة إلى أن نص المشروع يتضمن قواعد جديدة هي في مصلحة المرأة هي المواد 1-88 و 2-88 التي تنص على إجراء إبعاد المحكوم عليه من أجل العنف من الاتصال سواء بعد الحكم عليه أو حتى قبل الحكم، وهي قواعد جديدة ومهمة.
و كذا المادة 302 المتعلقة بقانون المسطرة الجنائية التي ربطت مبدأ سرية الجلسة بإرادة المرأة، التي لها أن تطلب بان تجري محاكمتها علنيا، ويطلع عليها الرأي العام أو تطلب هي بأن تجرى في سرية بدون علم أي كان.
وكذلك المادة 7 التي منعت انتصاب جمعية كطرف مدني إلا بموافقة المرأة الضحية، لما فيه من حماية لها، لأن الأمر يتعلق بقضيتها هي فلا يتصور أن تتدخل جمعية في دعوى للدفاع عن ضحية امرأة ضدا على رغبة هذه الأخيرة.