بمشاركة قضاة وحقوقيين وتربويين ومختصين في علم النفس : «العنف المدرسي و العنف الأسري» تحت «مجهر» المناقشة والبحث عن الحلول الناجعة

 

نهج مقاربة تشاركية في ملتقى حول «العنف المدرسي و العنف الأسري أية علاقة « هو الموضوع الذي انخرط في مناقشة محاوره قضاة من محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ومختصون في علم النفس والاجتماع وفاعلون في المجال الحقوقي ومجال التربية بجهة الدار البيضاء سطات . الملتقى جاء بدعوة من اللجنة الجهوية للتكفل بالنساء والأطفال بشراكة مع أكاديمية التربية والتكوين ووحدة حماية الطفولة، وذلك صبيحة يوم الجمعة 9 مارس 2018، والذي يدخل ضمن نشاط الخلية التي اعتادت على تنظيمه مرتين في السنة من أجل صياغة توصيات من شأنها المساهمة في إيجاد بدائل تحد من المظاهر السلبية للعنف، ثم الاستعانة بهذه التوصيات كأرضية للاشتغال عليها في التنشئة الاجتماعية. اختيار هذا الموضوع له راهنتيه ، تقول الأستاذة إلهام بنعامر نائبة الوكيل العام للملك ومنسقة اللجنة الجهوية للتكفل بالنساء و الأطفال بمحكمة الاستئناف الدار البيضاء، نظرا لما أصبحنا نشاهده ونسمع به من حوادث مؤلمة وصلت حد الاعتداء على الأصول في الأسرة والعائلة وتعرض الطفولة للاغتصاب والمتمدرسين للعنف من طرف بعضهم، وتعنيفهم لمعلميهم وأساتذتهم، إضافة إلى أن الموضوع يسمح لخلية التكفل بالنساء والأطفال أكثر من غيرها بالنسبة لباقي مكونات المجتمع بالاطلاع على ظواهر العنف الممارس في المجتمع الأسري والمدرسي والاحتكاك يوميا بضحاياه. ودون إغفال استحضار المجهودات التي تبذل من طرف كل القطاعات الحكومية، الأمنية والقضائية وما يبذل من طرف وزارة التربية الوطنية ووزارة الأسرة والتضامن وفعاليات المجتمع المدني، تضيف منسقة اللجنة الجهوية «أننا نريد الوصول إلى إجابات عن أسئلة العلاقة بين العنف المدرسي والعنف الأسري « ، ومن بينها كيف يمثل العنف المجتمعي عاملا رئيسيا لممارسة العنف داخل المدرسة بحيث تصبح هذه الأخيرة مصبا للسلوكات العنيفة التي ينقلها التلاميذ والفاعلون التربويون من المجتمع الخارجي فيأتون إلى المدرسة معنفين وعنيفين محملين بمشاعر الإحباط والانتقام التي يعبرون عنها بسلوكات عنيفة  ؟ . بأية وسيلة يمكن إقناع المربين في الأسرة أو المدرسة بأن استخدام الإكراه في التربية حتى وإن بدا الأسلوب الأسهل في ضبط النظام والمحافظة على الهدوء ، انه أسلوب خاطئ ويأتي بنتائج عكسية؟. إذا ما تم استبدال العقوبة الجسدية باستخدام العقاب المعنوي من خلال اللجوء إلى قاموس المفردات النابية بغرض التهكم والسخرية، فهل يدرك المربون أن أثر العقوبة المعنوية في النفس أقوى من العقوبة الجسدية بكثير ؟ . كيف أن غياب الاستقرار داخل الأسرة والذي يقابل بالشجار الدائم بين الوالدين له أثر سلبي يجعل الطفل والتلميذ فاقدا للثقة بالنفس وبالمدرسة والمدرس ويجعلهم هدفا لعنفه وعدوانيته؟
. أسئلة عند تجميعها ، تقول نائبة وكيل الملك ومنسقة اللجنة الجهوية للتكفل بالنساء و الأطفال، «تجعلنا نطرح سؤالا كبيرا» أي تنشئة يجب الأخد بها لبناء شخصية الطفل المتوازن والسوي».
من جهتها اعتبرت الأستاذة فاطمة أوكادوم مستشارة مكلفة بالأحداث أن التنشئة الاجتماعية اليوم في حاجة إلى منهاج تعليمي يضمن نقل القيم وثقافة حقوق الإنسان التي تحمي التلاميذ والطلبة من السقوط في ممارسة العنف داخل المؤسسة التعليمية وخارجها عن طريق تشجيع فن التواصل وفتح أعين الطلبة على الروابط الوثيقة بين قيم مجتمعنا وهويتنا، لأن أكبر التحديات هو معرفة تعلم كيفية تجاوز امتحان التسامح كقيمة إنسانية. إن أبناءنا، تقول المتدخلة، في حاجة إلى أستاذ مربي يعمل على تقاسم معرفته مع الإصغاء المستمر لطلبته وتلاميذته، وعليه أن يغير من نظرة التشاؤم لديه إلى تفاءل ويعزز لديهم حب المعرفة والبحث العلمي والابتكار.
الأستاذ مولاي الحسن الإدريسي قاضي التحقيق، يرى أن العنف المدرسي أصبح ظاهرة تتطور ليس في حجم أعمال العنف وإنما في الأساليب التي يستخدمها التلاميذ في تنفيذ سلوكهم الذي لم يسلم منها حتى المدرسون وإدارة المؤسسات، مضيفا «أن العنف المدرسي هو نتاج للثقافة المجتمعية العنيفة التي تكون قد تأثرت بعدة عوامل ذات صلة بالأسرة كالتفكك العائلي والفقر والمجتمع كتفشي ظاهرة التعاطي للمخدرات بين التلاميذ والإعلام كالانترنيت عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
و قد تم التذكير من جهة أخرى بالمجهودات التي قامت بها وزارة التربية الوطنية باتخاذها للعديد من التدابير من خلال إصدار مجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية ، وإدراج قيم التسامح و التضامن وحقوق الإنسان والمحافظة على البيئة ضمن المقرارت الدراسية لبعض المواد للحد من تنامي هذه الظاهرة التي يمكن وصفها بالخطيرة. وبخصوص العنف الأسري فيرى الأستاذ مولاي الحسن الإدريسي، أن سوء الظروف المعيشية كالفقر والبطالة والضغط النفسي الناتج عن طبيعة الحياة العصرية اليومية، يكون له انعكاس سلبي على الأفراد الذين يكونون ضحية لهذا العنف في صغرهم، فيمارسونه في المستقبل على أسرهم. وبعد الوقوف على الأسباب المساهمة في تنامي مظاهر العنف المجتمعي أوصى المتدخل بجعل المدرسة فضاء للإبداع عبر تفعيل الحياة المدرسية، إعادة النظر في نظام التقويم التربوي لمردودية التلاميذ، تفاعل المراصد الجهوية مع العنف المدرسي ، تعزيز دور جمعيات آباء و أولياء التلاميذ من أجل تكثيف مراقبتهم لأبنائهم وضبط سلوكهم، تعريف النساء بحقوقهن، العمل على إنشاء مؤسسة متخصصة لرعاية الزوجات ضحايا العنف .
مدير المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الدار البيضاء – سطات الأستاذ عبد السلام ميلي أشار في عرضه إلى أن من بين أسباب العنف المدرسي ضعف القدرة على التحصيل وأن المدرسة ليست مسؤولة عن السلوك العدواني الذي قد يحدث داخل المؤسسة والصادر عن بعض التلاميذ فيما بينهم أو موجه ضد الأطر التربوية أو الإدارية وأن هناك تباينا في العنف المدرسي بين المجال الحضري الذي يمثل 75 % والمجال القروي 25 %، وأن 24 ألف حالة عنف تم رصدها من طرف المرصد الوطني لمناهضة العنف بالوسط المدرسي . مدير المركز الجهوي يرى أن من بين الحلول المقترحة للتصدي لظاهرة العنف المدرسي تقوية العمل بأندية الإنصات داخل المدرسة وإرفاقها بمختصين في علم النفس، إقامة أندية للتربية على حقوق الإنسان، خلق أنشطة موازية بالفضاء المدرسي.
ميلود السعيدي أستاذ علم الاجتماع بكلية الأداب بالمحمدية، اعتبر أن أسباب العنف المدرسي تعود إلى اهتزاز القيم لأنها من وجهة نظره المعايير الضابطة للسلوك الاجتماعي ، مشيرا إلى أن المتعلم يلج المدرسة وهو فاقد للمعايير الضابطة للقيم ، لذا فإن أزمة المدرسة اليوم، يقول الأستاذ ميلود، هي أزمة معايير، لأن المدرسة فيما مضى كانت ناقلة للقيم مؤثرة في المجتمع عكس ما نراه اليوم ، حيث أصبح الواقع الاجتماعي يؤثر في المدرسة ، إنها مسألة القيم أو ما يسمى في علم الاجتماع بالضوابط أو المعيار الضابط باعتبار أن المعايير سبقت ظهور الدولة والقوانين ، لها تأثير بالغ على السلوكات « نظرية الأنوميا»، السلوكات التي تخرج عن المعايير تصبح غير موجهة وبالتالي تصير هذه السلوكات تعرقل التماسك الاجتماعي و العلاقات مع الآخرين ، وحين تنهار القيم والمعايير تظهر سلوكات الأنوميا بكل أنواعها ، الغش ، أساليب الاحتيال، خرق القوانين. المجتمع المغربي، يقول الأستاذ ميلود، أصبح يمر من هذه الوضعية، والأنوميا بدأت تخترق المدرسة المغربية و أن ما يقوم به التلميذ من سلوكات الشغب داخل الفصل الدراسي في اعتقادهم عادي لأنه فاقد لمعايير القيم، لكل هذه الأسباب، يضيف المتدخل، وجب إعادة النظر في مفهوم المدرسة ولاينبغي أن نحمل الأستاذ ما لايحتمل.


الكاتب : لحسن بنطالب

  

بتاريخ : 15/03/2018