مشاهدات من الدورة 24 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط ، قضايا مشتركة ومقاربات متعددة

من الأشياء الجميلة واللافتة في الدورة الرابعة والعشرين من مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط، أن معظم الأفلام المعروضة خارج المسابقة الرسمية، وخاصة الأفلام الروائية الطويلة، لا تقل شأنا ومتعة عن الأشرطة المبرمجة في المنافسة الرسمية، ذلك أن متابعتها من قبل المهرجانيين كانت بنفس القدر و الاهتمام بنظيرتها المعتمدة منافستي الدورة، من منطلق جدية مواضيعها وأسلوب طرحها و طرق مقاربتها، التي تناولت قضايا آنية إنسانية اجتماعية..، ولعل أبرز نموذج من هاته الأفلام المعروضة حتى الآن في الدورة،، والذي استأثر بالاهتمام والإعجاب يلم التونسي « على كف عفريت»، للمخرجة كوثر بن هنية التي تركت في فيلمها هذا انطباعا أكثر من رائع عن صناعة الفن السابع التونسية الهادفة، وهي تحرك سينمائيا ملفا حقيقيا عن الفساد المستشري في دواليب بعض الإدارات الأمنية هناك بتونس الخضراء وعن القضايا التي كان مسكوتا عنها في مراحل سابقة، وأصبح بالإمكان الآن تجسيدها سينمائيا لما بعد ثورة الياسمين..، وذلك من خلال قصة واقعية أعطتها نفحة قوية صوتا وصورة مكنته ( الفيلم) من يحج لنفسه مكانة في عدة تظاهرات سينمائية عالمية في السنة الأخيرة..
ويبدو أن البرمجة الفيلمية في هاته الدورة تعد بالمزيد في هذا الاتجاه الفني الممتع والهادف، الذي تتم فية الإطلاله على قضايا إنسانية مختلفة و مدارس فنية سينمائية متنوعة، تعلق الأمر بالضفة الشمالية للبحر المتوسط أو بالضفة الجنوبية، حيث أضحى لا فرق مسجل لدى صناع السينما في امتلاك التقنية وأدوات التعبير الفني..، إلا في ما يخص قوة السيناريوهات وطرق إنتاجها وتنفيذها.. واساليب إخراجها..
على هذا الصعيد تواصلت أمس الثلاثاء العروض الفيلمية للدورة، وكان على رأسها الأشرطة المتنافسة في الدورة أمام أعضاء لجن التحكيم (الطويلة و القصيرة و لجنة النقد) المهرجانيين.. ، ويتعلق الأمر على هذا المستوى بالفيلم الروائي الصربي، البلغاري، المقدوني.. «صلاة جنائزية للسيدة (ج)» (94 دقيقة -2017) للمخرج بوجان فولوتيك، الذي قارب من خلال بسيكودراما حكاية «السيدة (ج) المرأة البسيطة التي يناهز عمرها الخمسين، وتحصل شهادة عالية، فقررت وضع حد لحياتها..، لتكتشف كيف أن الموت في صربيا المعاصرة اصعب بكثير من الحياة فيها..، وكذا الفيلم الفيلم اليوناني «بوليكسنيّ ( 100 دقيقة- 2017) للمخرجة دورا مساكالافانو، التي تناولت عبره قضية الإرث والنساء، حيث يتبنى زوجان يونانيان من أسرة عريقة في خمسنيات القرن الماضي بنتا يتيمة تنحدر من مدينتهما، منحاها اسما عائليا وازنا وأكدا لها حبهما وعنايتهما بها. في سن الثانية عشرة تنفصل «بوليكسيني عن أخيها الصغير، لتنطلق في حياة جديدة وتنفتح لها أبواب المستقبل بعد تلقي تربية جديدة و بلوغ سن الرشد والشغف بشاب.. فأحبت الحياة و الانطلاق، ولم يساورها أدنى شك في الخطة الماكرة التي تستهدف حرمانها من ميراثها الكبير..»
كما تواصلت العروض مع منافسة الفيلم الوثائفي بالمركز الثقافي الفرنسي، حيث كانت المناسبة فرصة أمام عشاق هذه النوعية من الأفلام التوثيقية لمتابعة الفيلم اللبناني – السوري «نحنا ولاد المخيم 194» ( 90 دقيقة – 2017) للمخرج سامر سلامة، الذي بسط «حكاية من حكايات مخيم اليرموك الفلسطيني في سوريا منذ سنة 2011، عبر مجموعة من الشهادات و تجارب مجموعة من شباب المخيم، إذ يلاحق الفيلم رحلة المخرج الذي أجبر على الالتحاق بجيش التحرير الفلسطيني في سوريا قبل شهر من اندلاع الثورة.. ومع تصاعد العنف وهجمات جيش النظام السوري، يحاول المخرج ورفاقه أن يوثقوا ما عاشوه من آمال وصراعات ورحيل..»، وأيضا لمشاهدة الفيلم الوثائقي الثاني الاسباني ، الذي حمل عنوان «طرد مشبوه» ( 90 دقيقة- 2017) للمخرجتين صوفيا كاتاليا و روزا ما سديو، والذي «يجيب على سؤال ماذا يوجد خلف أوروبا المتحصنة وراء الحدود، حيث يركز هذا الفيلم على حدود الاتحاد الاوروبي، أين تتقاطع سياسات الهجرة والأمن. ويعتمد الفيلم على مجموعة من اللقاءات مع خبراء في القانون والهجرة و الأمن وصناعات الأسلحة والعلاقات الدولية، وذلك بالموازاة مع عرض قصة محمد الشاعر والناشط في مجال حقوق الإنسان ولفائدة المهاجرين غير المتوفرين على وثائق الإقامة..


الكاتب : جمال الملحاني

  

بتاريخ : 28/03/2018