بالصدى: أرواح تتساقط
وحيد مبارك
حدثان صادمان، مؤلمان، مرارتهما غير قابلة للتجرع، تزامنا في الزمان والمكان، وقعا معا بمستشفى الحسني بالدارالبيضاء، الذي شكّل بداية ونهاية الحالة الأولى، في حين أنه وقّع على بداية المأساة في الحالة الثانية التي انتهت فصولها القاتمة بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد.
يتعلّق الأمر في الحالة الأولى بسيدة حامل حلّت بالمستشفى قبل أيام تطلب فحصا نتيجة لألم ألمّ بها، لكنها غادرته دون أن تحقق مبتغاها، بعدما أُخبرت بضرورة أن تجري فحصا بالصدى خارج أسوار المؤسسة الاستشفائية، التي تفتقد لمن يمكنه القيام بهذه الخدمة المهنية، فجهاز الفحص بالصدى لايتواجد من جهة بالمصلحة التي استقبلت المريضة، وذلك المتوفر بمصلحة «الراديو» من جهة أخرى، ليس هناك من يشغّله، بفعل تقاعد واستقالة اثنين من المهنيين المكلفين بهذه المصلحة، فعادت المريضة أدراجها، قبل أن يتم نقلها مرة أخرى إلى ذات المستشفى وهي جثة هامدة؟
الحالة الثانية هي لسيدة حامل، هي الأخرى حلّت بمستشفى الحسني، طلبا للتكفل بوضعها، فتم توجيهها من طرف مولّدة صوب مستشفى ابن رشد، في غياب طبيب النساء التوليد، وفقا لمصادرنا، هذا التنقل الاضطراري الذي فُرض على المريضة، علما أنه قيل بأن وضعها كان عاديا، لم يمكّن من إنقاذها بعد أن فارقت الحياة بدورها!
سيدتان، إحداهما خلّفت وراءها 5 أطفال يتامى، والثانية تركت طفلا لايتجاوز عمره 7 سنوات، خلّفتا شرخا واسعا وعطبا كبيرا وجرحا من الصعب أن يندمل بسرعة، شأنهما شأن الكثير من الحوامل اللواتي يفارقن الحياة نتيجة لعدم تواجد من يتكفّل بوضعهن الصحي، وبسبب غياب سيارة إسعاف، وبفعل جملة من المبررات التي لاتفيد بعد وقوع الفواجع، ونحن نعيش في 2018، والتي تحدث ليس فقط في المداشر والمناطق النائية، حيث صعوبة المسالك، وتدهور البنيات التحتية، وإنما في كبريات المدن كما هو الشأن بالنسبة للعاصمة الاقتصادية.
حالتان المفروض أن تحدثا رجّة، وأن تخرجا المسؤولين من مختلف المواقع من مكاتبهم للوقوف على مايقع، ووضع اليد على مكامن الخلل، البشري أو اللوجستيكي، الذي يجعلنا نفقد نساء كان أهاليهن يترقّبن لحظة الولادة لتشكل مناسبة جماعية للفرح فإذا بها تتحول بسبب من الأسباب إلى لحظة قرح. حالات حمل وغيرها، المفروض أن يتم التعامل معها في مستشفيات، هي مصنّفة ضمن خانة معيّنة تجعلها قادرة على التكفّل بها، وخلافا لذلك تتم إحالتها على المراكز الاستشفائية الجامعية، التي تستقبل الحالات تلو الحالات، بغض النظر عن قدرتها على استيعاب أعداد من يحالون عليها، ماديا ومعنويا، وهنا مربط الفرس ومكمن السؤال العريض الذي يجب أن يطرح، بخصوص الداعي الذي بسببه تتم إحالة المرضى من مستشفى لآخر، هل يتعلّق الأمور بقصور بشري وتقني، أم بدافع شخصي، غايته فقط التملص من القيام بالواجب والتعاطي مع هذه الحالة أو تلك، مع مايعني ذلك من تركها لمصير مجهول؟
حادثتان وإن عجّلتا بعقد اجتماع على مستوى المديرية الجهوية لوزارة الصحة بجهة الدارالبيضاء سطات، تلاه الإعلان عن العمل بما تمت تسميته بسياسة الأقطاب، التي ظلت تراوح مكانها منذ سنوات، نتيجة للعديد من العثرات التي قيل أنها تشوب تحقيق هذه الخطوات، قانونية وإدارية، والتي تتطلب بدورها نقاشا وتوضيحا، فإنهما لاتعفيان أيا كان من تحمل المسؤولية فيما وقع، لأن الأمر يتعلّق بحياة تفقد، لم تنقذ، وأسرة تتصدع، ليست الأولى ولا الثانية، وربما إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه لن تكون الأخيرة، وسنكون أمام حالات صادمة أخرى، لايجب التعامل معها بصمت وبغضّ الطرف، وكأن الأمر يتعلق بتساقط بضع أوراق أشجار في فصل خريفي وليس بأرواح!
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 26/04/2018