في كلمة المكتب المركزي، عبد الحميد فاتحي: الوضع الاقتصادي الحالي من الطبيعي أن يوازيه وضع اجتماعي مقلق ومتردي

إن فاتح ماي لهذه السنة 2018، يأتي في سياقات سياسية واقتصادية واجتماعية، لا نكن لها أي ود كطبقة عاملة، إن الأوضاع الاجتماعية ازدادت استفحالا والقدرة الشرائية تعرف نزيفا حقيقيا، نواجه بلا مبالاة الحكومة وأرباب العمل، لذلك اخترنا كفيدرالية أن نحتج تحت شعار «نرفض سياسة الحكومة القائمة على تقويض المكتسبات والتضييق على الحقوق والحريات.
ولكن اخترنا أيضا أن نحتفل في هذا العيد العمالي بوحدة المغاربة حول قضيتهم الأولى، ووحدتهم الترابية، وبقدرة الشعب المغربي ومؤسساته السياسية والاجتماعية والمدنية على الوقوف سدا منيعا في وجه كل المؤامرات التي تحاك ضد قدسية أقاليمنا الجنوبية في انتمائها للوطن، والتي تستمر لأكثر من أربعين سنة بتخطيط وتدبير وتمويل جزائري، حتى يمكن القول أن الجزائر بثرواتها التي لا تصل إلى الشعب وتستفرد بها الطبقة الحاكمة، جعلت من قضية صحرائنا قضيتها الأولى، وأجلت كل قضايا شعبها إلى أجل غير معلوم.
ونعتبر أن الانتفاضة الأخيرة لكل مكونات الشعب المغربي بديبلوماسيته الهجومية، جعلت مخطط الخصوم بالدخول إلى المنطقة العازلة المغربية ومحاولة إقامة منشئات فوقها، وفرض واقع جديد على الأرض يرتد إليهم من خلال قرار مجلس الأمن الأخير والذي أنصف ولو جزئيا الموقف المتزن لبلادنا وأربك المحاولات اليائسة للبوليساريو وأمرها بالانسحاب من الكركرات ومنعها من التواجد في المنطقة العازلة.
إننا كفيدرالية ديمقراطية للشغل، كجزء من الحركة النقابية المغربية لن ندخر جهدا في القيام بأدوارنا في مواصلة الدفاع عن وحدتنا الترابية وندعم الحل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة وفي سقف المقترح المغربي بالحكم الذاتي ولا غير ذلك، ولن نكل من الاستمرار في المطالبة باسترجاع سبتة ومليلية والجزر المحتلة حتى استكمال السيادة الوطنية على كافة التراب الوطني.
إن تماسك الشعب المغربي المطلوب دوما حول قضاياه الكبرى، من المفروض أن يتعزز بقوة المؤسسات السياسية وشرعية التمثيلية، والمشاركة الواسعة للمواطنات والمواطنين في صنع القرار السياسي، والاستفادة الجماعية من التوزيع العادل للثروات، وتكافؤ الفرص وسيادة العدالة الاجتماعية والمقاومة المؤسساتية للتشوهات الاجتماعية من هشاشة وفقر وحاجة.
لقد كان الأمل قائما بإقرار دستور 2011 بمضمونه الديمقراطي، الذي تعزز بالثابت الرابع للأمة ألا وهو الاختيار الديمقراطي، إلا أن الواقع الذي عشناه في ظل الحكومة السابقة، التي كان من مهامها الأساسية التفعيل الديمقراطي للدستور عبر القوانين التنظيمية التي أقرها، خيبت ظن المغاربة من خلالها سنها تشريعات نكوصية تراجعية سواء فيما يتعلق بمجالات الحقوق والحريات أو المناصفة والمساواة أو الشباب أو الأمازيغية او الهوية الوطنية المتعددة، بل تراجعت حتى عن المكتسبات التي شكلت بارقة أمل في لحظة من لحظات تاريخ بلادنا.
لقد ساد خطاب التبخيس للشأن السياسي والمؤسسات السياسية وشيطنة الأحزاب والنقابات وكل من يعارض التوجهات المحافظة للحكومة، بل عرفت المرحلة عودة قوية إلى مخططات إضعاف الأحزاب الوطنية والنقابات العمالية من جهة وتجنيد آليات السلطة والمال والدين كمنشطات لأحزاب حديثة العهد بالمشهد السياسي تفتقد للهوية الواضحة والخطاب السياسي المتزن، وكان من نتائج هذا المد التراجعي استحقاقات فاسدة، نتجت عنها مؤسسات فاشلة، غير قادرة على على إنتاج نخب محلية لمواجهة قضايا ومشاكل السكان، ولا على إنتاج نخب وطنية قادرة على التشريع والمراقبة بمرجعيات برنامجية، ولا على تدبير الشأن الحكومي بمسؤولية مقاربة الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية بما يمكن البلاد من تجاوز أعطاب الديمقراطية والتنمية.
إن الحكومة الحالية جزء من هذا الواقع الصعب بحيث تتكرر اللازمة ذاتها فيما يتعلق بأوضاعنا الاقتصادية، بوصول نموذج التنمية المتبع لما يقارب العشرين سنة إلى العجز عن خلق الثروة والنمو ومناصب الشغل، بشهادة أعلى سلطة في البلاد، بحيث دعا جلالة الملك في افتتاح الدورة التشريعية لشهر أكتوبر الأخير إلى إٌقرار نموذج تنموي جديد، يجيب على سؤال الأعطاب الكبرى للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لبلادنا.
فلم تفلح السياسات العمومية المفتقدة للانسجام والالتقائية لا في تجاوز معضلة البطالة، خاصة لدى الشباب والنساء، بحيث ظلت مناصب الشغل المحدثة قاصرة على مواجهة الأعداد الهائلة من المواطنين الوافدين على سوق الشغل، والذين يقدر عددهم بحوالي 300 ألف، في حين لم تتجاوز المناصب المحدثة 37 ألف سنة 2016 و46 ألف سنة 2017، بارتباط بنسبة النمو المتدحرجة ذهابا وإيابا حسب الموسم الفلاحي بين 1,2% و3,5% ، وذلك رغم ما سمته الحكومة بالإصلاحات والتي استفادت فقط من التنصل من عدد من الالتزامات الاجتماعية، سواء فيما يتعلق بالمقاصة أو التقاعد أو مرونة صرف الدرهم، في إطار التوجه اللبيرالي الساعي إلى تقليص عجز الميزانية بحثا عن التوازنات الماكرواقتصادية عبر التنصل من الدور الاجتماعي للدولة وتفكيك الخدمات الاجتماعية.
لذلك نصاب الذهول، عندما نسمح أن المخطط الوطني للتشغيل سيخلق مليون و200 ألف منصب شغل في أفق سنة 2021، وأن مخطط التسريع الصناعي سينتج 500 ألف منصب شغل في افق 2025، رغم أن المندوبية السامية للتخطيط لها رأي آخر، جر عليها كثيرا من العداوات الحكومية.
إن وضعا اقتصاديا من هذا القبيل، سيكون طبيعيا أن يوازيه وضع اجتماعي مقلق ومتردي، تؤكده عديد من التعبيرات الاجتماعية، آخرها حملة مقاطعة بعض المواد الاستهلاكية على مواقع التواصل الاجتماعي، كنمط احتجاجي جديد بجانب الأنماط الأخرى من وقفات احتجاجية ومسيرات ضد الغلاء والعطش والعراء والحيف واللاعدالة، والحراك الاجتماعي الذي عرفته عدة مدن كتعبير عن تهميش جماعي وإقصاء من التنمية والاستثمار الاجتماعي، وتعرية لضعف النخبة المحلية في القيام بأدوارها في تأطير الساكنة، ونتيجة لخطاب التبخيس الذي استهدف الأحزاب السياسية الوطنية في السنوات الأخيرة وأضعف أدوارها في التكوين والتأطير.
إن المطالب التي رفعتها هذه الحركات الاجتماعية لا تخرج عن المطالبة بالتعليم والتطبيب والسكن والشغل ودعم القدرة الشرائية والكرامة، مطالب هي في العمق من صميم مهام الدولة، وبالتالي وجب الالتفات لها عبر برامج تنموية محلية ووطنية قادرة على امتصاص الأعداد المتزايدة في صفوف الاحتجاج.
وإننا كمركزية واعية بمسؤوليتها من موقعها الوطني الديمقراطي لا يمكن إلا أن نكون إلى جانب هذه الفئات مدعمين لمطالبها الموضوعية العادلة والمشروعة.
أوضاع الشغيلة المغربية لا تخرج عن هذا السياق، فهي في مقدمة الفئات التي تعرضت في عهد الحكومة السابقة والحالية إلى ضربات متوالية في حقوقها ومكتسباتها، والاستفراد بالتقرير في قضياها المصيرية، فبعد التنصل من استكمال تفعيل باقي بنود اتفاق 26 أبريل 2011، وخاصة إحداث درجة جديدة ونسخ الفصل 288 من القانون الجنائي والمصادقة على الاتفاقية 87 لمنظمة العمل الدولية المتعلقة بالحريات النقابية، والتعويض عن العمل في المناطق النائية وتوحيد الحد الأدنى للأجر الصناعي والفلاحي، استرسلت في إجراءات انفرادية أحادية انطلاقا من تجميد الحوار الاجتماعي وتدمير التراكمات التي تحققت من أجل مأسسته في عهد الحكومات السابقة وقامت بتجميد الأجور، إذ نعيش السنة السابقة على التوالي بدون إقرار ولو إجراء واحد لصالح الطبقة العاملة، وفي تحد صارخ للأعراف أعلنت معاداتها للنقابات ونشرت خطاب التبخيس من نضالاتها وأشهرت سلطتها للقيام بما أسمته إصلاحات في استهداف سياسي واضح للشغيلة وللطبقة الوسطى من خلال :
التقاعد: إدخال إجراءات مقياسية على نطام المعاشات المدنية التابعة للصندوق المغربي للتقاعد، باقتطاعات جديدة، وتمديد سنوات العمل وقاعدة ضعيفة لاحتساب المعاش، وتخلت عن الإصلاح الشمولي لأنظمة التقاعد الذي حظي بإجماع كل الأطراف ذات الصلة.
المقاصة : لم تنجز الحكومة من إصلاح نظام المقاصة سوى الجزء المتعلق برفع الدعم عن المحروقات، وأطلقت عنان أرباب شركات التوزيع للاغتناء على حساب المواطنين، بحيث وصلت أسعارها حاليا إلى مستويات قياسية لأول مرة في تاريخ بلادنا، مما حدى بالمواطنين إلى إدراج إحدى الشركات في دائرة المقاطعة.
مشروع القانون الإطار للتربية والتكوين: بدل البحث عن مداخل حقيقية لإصلاح المننظومة التربوية، قامت الحكومة بإخراج مشروع قانون إطار يضرب المجانية بفتح الباب أمام تمويل التعليم من جيوب المواطنين.
التعاقد : بمبرر سد الخصاص القائم في العنصر البشري التربوي قامت بتشغيل 55 ألف متعاقد كمدرسين، دون مراعاة الشروط الضرورية والأساسية في الشهادات والتكوين والتشغيل في إطار هش، لمن سيلقن أبناء المغاربة مختلف التعلمات التي من المفروض أن ترفع من الجودة وتخرج المنظومة التربوية في رداءتها.
مشروع القانون التنظيمي للإضراب : في تعارض مع الحمولة الحقوقية للدستور ومع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحريات النقابية، أخرجت الحكومة مشروعا لا يمكن وصفه إلا بأنه محاولة لقتل حق الإضراب، فهو مجموعة من المقتضيات التضييقية على ممارسة حق الإضراب سواء في إطار نقابي أو غير نقابي.
مشروع قانون النقابات : رغم تنصيص الدستور في فصله الثامن على هذا القانون، إلا أن الحكومة لازالت لحد الساعة لم تخرج هذا المشروع إلى الوجود، مفضلة ترك الحقل النقابي بدون تأطير قانوني وما يستتبع ذلك من سيادة اللاقانون، وذلك رغم مطلبنا المتكرر لسنوات بإخراج هذا القانون إلى الوجود.
مدونة الشغل : إطلاق يد كثير من أرباب العمل في خرق مقتضيات مدونة الشغل بالتسريح الجماعي وإغلاق المؤسسات الإنتاجية، وطرد المكاتب النقابية بمجرد تشكيلها، وآخر مثال على ذلك طرد شركة أكسال المملوكة لصاحبتها ربة موروكومول وزوجة وزير في الحكومة الحالية للمكتب النقابي التابع للفيدرالية الديمقراطية للشغل حتى قبل أن يجف حبر محضر الاجتماع.
كما لا تتوانى الحكومة عن مغازلة الباطرونا باستعدادها لتعديل مدونة الشغل وإدخال المرونة إلى التشغيل.
إنه مسلسل من الإجراءات الانفرادية للحكومة المحافظة اتجاه الحقوق والحريات، واليمينية في تبني اللبيرالية المتوحشة بمباركة المؤسسات المالية الدولية، دون أن يرف لها جفن من التداعيات السلبية على المأجورين لقراراتها الفوقية، سواء على القدرة الشرائية أو على مساراتها المهنية أو أوضاعها الاجتماعية. وذلك ما كشفت عنه الجولات الأخيرة من الحوار الاجتماعي، والذي قدمت خلاله الحكومة مقترحات هزيلة، لا يمكن توصيفها إلا بأنها استهزاء مباشر بالمركزيات النقابية أولا، والشغيلة ثانيا، والعمل النقابي ثالثا، فكيف يقبل عاقل، وبعد سبع سنوات عجاف، تآكلت فيها القدرة الشرائية بأكثر من 30% ، أن يقبل زيادة 100 درهم على مدى ثلاث سنوات، إنه الضحك على الذقون. في حين أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب يرفض أية زيادة في الحد الأدنى للأجر والذي لا يتجاوز 2600 درهم حاليا، والذي لا يتم احترامه في كثير من المؤسسات، وما واقع عمال الحراسة والنظافة إلا دليل قاطع على غياب القانون برعاية من طرف الحكومة.
ومع ذلك تتشبث الباطرونا بمطلبها القاضي بإخراج القانون التنظيمي للإضراب وتعديل مدونة الشغل بإدخال المرونة في التشغيل لتمكينها من شرعنة سياسة التسريح الجماعي والفردي والتخلص قانونا من العمل النقابي.
تلك هي بعض تجليات التعامل الحكومي مع الفعل النقابي والشغيلة المغربية، بمنطق سياسوي مخالف لتوجهات البلاد في بناء المؤسسات واستكمال شروط الانتقال الديمقراطي والتفعيل الديمقراطي للدستور.
إن المطالب العادلة والمشروعة للشغيلة المغربية لا تحتمل التأجيل، ولم تعد قادرة على تحمل التبعات السلبية للسياسة اللاشعبية للحكومة، وهي قادرة على تحمل مسؤوليتها ومصيرها بيدها، مما يقتضي التجاوب العاجل مع مطلب الزيادة في الأجور، ومراجعة سيف الضريبة على الدخل الذي يطال الاجور من خلال المراجعة لطريقة احتساب الضريبة على الدخل بمنطق العدالة الضريبية، والتخفيف من التكاليف الاجتماعية، وذلك لوضع حد للتدهور المستمر للقدرة الشرائية للمأجورين، وهو وضع يحتم من جهة أخرى على الفاعلين النقابيين، التفكير الجماعي لمواجهة هذه السياسة اللبيرالية للحكومة بالتوافق على حد أدنى من التوجهات الكبرى وتسطير برنامج نضالي قادر على إجبار الحكومة على التجاوب مع المطالب العادلة والمشروعة للشغيلة
ليست الطبقة العاملة وحدها من تضرر من سياسات الحكومات المتعاقبة، وإنما مختلف فئات الشعب المغربي ذات الدخل المحدود والتي تعيش في أوضاع هشة، بلى إنها تعيش في وضع أسوء، وقدرتها المعيشية في الحضيض، مما يحتم المراجعة الشاملة لنموذجنا التنموي ومحارب مظاهر الريع والفساد والرشوة والزبونية والمحسوبية التي تنخر كثيرا من القطاعات والمؤسسات، وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتقوية أدوار المؤسسات السياسية خاصة البرلمان والحكومة والابتعاد عن التدخل في صنع الخرائط السياسية وتدجين الأحزاب السياسية ومحاصرة العمل النقابي، وفسح المجال للمجتمع المدني الجاد والمسؤول، وإعمال آليات المراقبة والمتابعة والمحاسبة، واحترام سيادة القانون.
لا يمكن أن نتقدم إذ لم يتحمل كل واحد منا مسؤوليته في مجاله، فلا يكفي أن ننتقد، بل يجب أن نتحلى بالقدرة على النقد الذاتي، إذ لا يمكن أن نطالب بالديمقراطية إن لم نكن ديمقراطيين.
إن الحديث عن قضايانا الوطنية لا يعفينا من الحديث عن قضايانا القومية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تعيش أسوء مراحلها التاريخية، بتفكك الجسم العربي والحروب الأهلية التي تنخر كثيرا من دوله ، تحولات المجتمع الدولي بفعل الإرهاب، وصعود نخب شعبوية إلى الحكم في الدول المتحكمة في القرار الدولي، إضافة إلى الانقسام الفلسطيني مما أضعف الموقف العربي والفلسطيني، وما تجرؤ ترامب على نقل سفارة بلاده إلى القدس إلا دليل على ضعفنا الجماعي، وهشاشتنا في خريطة المجتمع الدولي.
وإذ نستمر في التشبث بمواقفنا الثابتة في المطالبة بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، ووقف العنصرية الصهيونية عن الاستمرار في جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، ندعو إلى وحدة الصف العربي، ومراجعة ما يمكن مراجعته قبل فوات الآوان.


بتاريخ : 02/05/2018