تصاعد قوة تيارات اليمين المتطرف يثير القلق بفرنسا
باريس: يوسف لهلالي
عادت تيارات اليمين المتطرف الى البروز على الساحة السياسية الفرنسية في الأسابيع الأخيرة،لتبرز قوتها وتقوم بعمليات استعراضية كبيرة من اجل استقطاب المزيد من الشباب.وهذا التحرك يتزامن مع الذكرى 23 لاغتيال المهاجر المغربي إبراهيم بوعرام من طرف حليقي الرؤوس سنة 1995 بباريس و الذين كانوا يشاركون في استعراض للجبهة الوطنية العنصرية قرب قنطرة لاكاروسيل بنهر السين بمناسبة عيد العمال، حيث تم رمي هذا الشاب المغربي بالنهر بدون أي سبب الا لان له سحنة اجنبية.
أهم العمليات التي قامت بها هذه المجموعة الفاشية مؤخرا هي عمليات رمزية لإغلاق احد المعابر الحدودية الفرنسية مع إيطاليا،وما يسمى عملية «كولد يشيل»بجبال الالب الفرنسية في 22 من ابريل الأخير، من «اجل وقف الهجرة» التي تمر من إيطاليا نحو فرنسا. هذا بالإضافة الى عمليات متعددة داخل الجامعات الفرنسية من اجل تكسير الإضرابات الأخيرة التي يقوم بها الطلبة سواء بجامعة موبوليي، او بجامعة طولبياك بباريس.وهي كلها عمليات عنيفة واستعراضية تريد التذكير بالعودة القوية لتيارات اليمين المتطرف خاصة تيار «جيل الهوية» الى الساحة السياسية الفرنسية.
يوم الاثنين 30 ابريل دخلت هذه المجموعة المتطرفة في جدل مع وزارة الداخلية الفرنسية، حيث وضعت بيانا تعلن فيه انها تقوم بمراقبة دخول المهاجرين على الحدود الفرنسية الإيطالية،السلطات الفرنسية أعلنت انه تم ابعاد هذه الملشيات عن الحدود لكن هذه المجموعة تؤكد انها تساهم في مراقبة الحدود بجانب شرطة الحدود ولم يتم ابعادهم من المنطقة حسب تصريحات احد أعضائها للوكالة الفرنسية.
وفي الأسبوع الماضي حسب الصحف الفرنسية، ذكرت هذه المجموعة،وبعثت فيديو كدليل انها سلمت لشرطة أربعة مهاجرين سريين، كما ذكرت انها كانت وراء عمليات متعددة لإيقاف المهاجرين من خلال تسليمهم لشرطة الحدود.
السلطات الإدارية لمنطقة «هوت الب» قالت ان كل ذلك «مجرد عملية تواصلية … لكي يسود الاعتقاد ان هذه المجموعة تساهم في الحد من الهجرة السرية.» ولتؤكد ان « مهمة مراقبة الحدود هي من مهام الدولة الفرنسية لوحدها» و»ليس من مسؤولية اية جهة أخرى «مثل مجموعة جيل الهوية «التي تدعي ذلك من خلال بيانات تصدرها للإعلام.» وطالبت هذه المجموعة بوقف هذه الادعاءات التي «لا تفيد في شيء الا زيادة التوتر حول قضية الهجرة.»
هذا التنظيم المتطرف رغم بيانات السلطات الفرنسية اكذ لوكالة فرانس بريس ان مجموعتة تستمر في القيام بدوريات بالحدود الفرنسية الإيطالية «من اجل إيقاف وتسليم المهاجرين الى شرطة الحدود الفرنسية».
الجمعيات التي تدعم المهاجرين من جهتها تعتبر ان ما تقوم به السلطات هو انحياز، ففي الوقت الذي يتابع فيه تلاثة فرنسيين بتهمة مساعدة المهاجرين امام محاكم باريس، لم تقم السلطات بأية متابعة اتجاه هؤلاء الأشخاص الذين يقومون بدوريات في الحدود، وأية شرعية لإعمالهم هذه؟ هذه التساؤلات لم يتم إيجاد ايجابة عنها حتى الان، ويستمر الجدل بين السلطات الفرنسية وهذه المجموعة العنصرية «جيل الهوية» التي تدعي انها تقوم بدوريات في الحدود «لدفاع عن اوربا».دون ان تتعرض لمتابعات في حين تتم متابعة كل مواطن يقوم بتقديم الدعم لهؤلاء اللاجئين الذين يخاطرون من اجل المرور من الحدود الفرنسية الإيطالية بممرات جبلية وعرة وخطرة.
تصاعد قوة المجموعات الفاشية بفرنسا في هذه الظرفية، لا يعود الى تراجع قوة الجبهة الوطنية وهو الحزب العنصري الرسمي الذي يوجد بالبرلمان الفرنسي والأوربي والمعترف به رسميا والذي تتزعمه مارين لوبين. التي قادت انقلابا ضد ابيها مارين لوبين وابعدته عن التنظيم، لاختلاف التكتيكات بينهما، هذه القوة يفسرها البعض بتراجع قوة اليمين الكلاسيكي بصفة عامة خاصة بعد اقصاء ممثل الجمهوريين فرنسوا فيون من الانتخابات الرئاسية الأخيرة بسبب الفضائح المالية والذي لم تلق دعم التيارات الهوياتية والمتطرفة اثناء حملته الانتخابية.
احد المتخصصين في التيارات اليمينية المتطرفة والفاشية الباحث الفرنسي ايغو باليطا يرى ان هذه الحركات انتعشت بفرنسا سنتي 2012و2013 بمناسبة قانون «المساواة للجميع» وهو قانون اعطى الحقوق للمثليين بفرنسا، ونظمت تظاهرات كبيرة ضده. وهذه التظاهرات كانت مناسبة للاستقطاب وسط الشباب المساند للأفكار المحافظة واليمينية المتطرفة.
ما يلاحظه هذا الباحث أيضا هو التحول الذي تعرفه التيارات اليمينية المتطرفة بفرنسا، والتي انتقلت الى ما هو اجتماعي بعد ان كانت في عهد لوبين الاب تساند سياسة «ريغين الليبرالية الجديدة» ومعادة تدخل الدولة، وهذه السياسة الاجتماعية اليوم هي موجهة للفئات المهمشة من اصل فرنسي،ووفاءا لشعارها الكلاسيكي «الفرنسيون أولا»وهي أنشطة تمكنها من الانغراس في الواقع الاجتماعي من اجل تشجيع سياسة «الأولوية الوطنية». احد الأفكار الاساسية لهذا التيار المتطرف.
هذا التوجه الاجتماعي برز في حزب مارين لوبين في الانتخابات الأخيرة وهو توجه بدأ مع الاب لوبين بعد انهيار المنظومة السوفياتية في عقد التسعينات واختفاء قوة الأحزاب الشيوعية وهي فترة بدأ فيها الحزب يهتم بما هو اجتماعي. بمعنى ان الحزب الفاشي بدا يبحث عن استقطاب ضحايا الليبرالية الجديدة من العمال الذين فقدوا عملهم ولم يستفيدوا من التحولات التي فرضتها العولمة. اما على مستوى الأفكار العنصرية فقد تحولت معاداة السامية الى معاداة الإسلام وكراهيته.
هذه التيارات التي لم تتطور في فرنسا لوحدها بل انها غزت مختلف البلدان الاوربية وبعضها تمكن من تحقيق نجاحات انتخابية كبيرة سواء بهولندا، النمسا،الدنمارك،إيطاليا، فرنسا وبريطانيا بل ان المانيا التي كانت في مأمن من هذه الحركات الفاشية بعد الحرب العالمية الثانية والخراب الذي نتج عنها والذي كان يخيف الالمان من هذه الايديويولجية العنصرية، تعود بها هذه الأحزاب الى البروز خاصة في أوساط الشباب الذين لم يعيشوا ويلات الحرب الكبرى باوربا.
وقد استغلت الجبهة الوطنية العنصرية بفرنسا احتفالات فاتح ماي 2018 لتجمع بمدينة نيس العديد من قادة هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة بأوربا : حزب الحرية النمساوي،رابطة الشمال الإيطالي،حزب بديل المانيا،وحزب الحرية الهولندي وذلك من اجل الدفاع عن ما اسمته «اتحاد الأمم الاوربية»،وقالت في هذا التجمع «الاتحاد الأوربي يتسبب اليوم في عواقب كارثية على بلداننا،وان قيام اوربا أخرى امر ممكن،هو اتحاد الأمم الأوربية.» زعيمة اليمين المتطرف مع شركائها في الأحزاب الفاشية بالقارة العجوز تسعى الى قتل اوربا وقتل السلم الذي تعيشه القارة من اجل البحث عن صراع بين الأمم الاوربية.
المقلق اليوم بفرنسا هو ان هذه التيارات أصبحت تمارس عنفها بشكل بارز سواء بالجامعات او من خلال عمليات كما تم بجبال الالب في احد المعابر الحدودية مع إيطاليا. الملفت في هذه العمليات هو الإمكانيات التي تم تحريكها لهذه التظاهرة في منطقة نائية وبعيدة عن المركز من وسائل لوجيسنيكية سواء لنقل الأشخاص من كل انحاء اوربا او المعدات الأساسية لهذا التجمع،بالإضافة الى استعمال طائرتي اليكوبتر للمراقبة. وهو ما يطرح عدة تساؤلات حول هذه الحركات الفاشية التي تعود بشكل جديد لكن بنفس الايديولوجية يقول ايغو بليطا أي بعث «قومية متطرفة وعنصرية هوياتية،وسلطوية متطرفة.» وهو ما يعني ان هذه الحركات رغم لباسها الجديد واهتمامها بما هو اجتماعي اليوم فهي تروج لنفس الأيديولوجية الفاشية الكلاسكية للحقد والكراهية ضد الاخرين والتي عاشتها اوربا ف القرن الماضي من خلال وصول هذه الأحزاب الى الحكم في المانيا وإيطاليا وعدة دول أخرى وأدت الى حرب شاملة خربت اوربا وباقي العالم وخلفت ملايين من الضحايا. لكن الشباب الأوربي الذي ينظم الى هذه الحركات وكأنه لم يقرأ تاريخ القارة العجوز التي تنعم بالاستقرار والسلم مند اكثر من 70 سنة، تاريخ اختفاء هذه الأيديولوجيات القاتلة.
الكاتب : باريس: يوسف لهلالي - بتاريخ : 03/05/2018