الكتابة بالعين والريشة على إيقاع النوتة.. هل استفادت الرواية العربية من باقي الأجناس التعبيرية؟

تطرقت ندوة «تمازج الفنون في الرواية»، المنظمة على هامش ملتقى اكادير الخامس للرواية يوم الجمعة 4 ماي الجاري، والتي سير فقراتها الناقد أحمد بلاطي، الى علاقة الرواية بباقي الفنون التعبيرية: الصورة والموسيقى واللوحة التشكيلية، حيث اعتبر بلاطي أن الروائي وهو بصدد الكتابة في حاجة دائمة الى الاطلاع على هذا الغنى والتنوع من أجل إثراء تجربته.
وقد اختارت الجلستان العلميتان حول تيمة الملتقى «تمازج الفنون في الرواية»، مقاربة الموضوع انطلاقا من عدة زوايا للنظر. ففي محور الصورة في الرواية، طرح الدكتور والباحث سالم الفائدة في تناوله لتمازج الفنون في الرواية «جماليات الصورة في روايات الكاتب صنع الله إبراهيم» ،جملة من الأسئلة المرتبطة بالرواية العربية التي أصبحت تضم مجموعة من الاجناس التعبيرية المختلفة خاصة الصورة السينمائية التي غدت وسيلة للبناء الفني والدلالي. وأضاف الفائدة أن الصورة في روايات صنع الله إبراهيم تحضر بوصفها أداة كاشفة عن مصادر التخييل الروائي التي أصبح المبدع معها قادرا على التقاط عناصر جديدة تضاف الى الصورة، محددا حضورها في هذا المتن الروائي في ثلاث وظائف: الصورة والزمن انطلاقا من توظيف صنع الله لمفهوم الزمن السائل في «رواية ذات» من خلال معايشة الفتاة «ذات» عاشت حقبا مختلفة من الزمن المصري بنكساته وأحلامه ومراراته في مزج بين الصورة والسرد، ثم الصورة بين الإدراكي والحسي حيث تتجاوز الصورة في أعمال صنع االله البعد البصري الى تقديم الأحاسيس والحمولات، ثم الصورة الساخرة التي ترسم القبح لتجاوزه، فيما اختارت الأستاذة فاطمة أكفنر الاشتغال على الصورة الفوتوغرافية داخل الرواية من خلال رواية «الهدية الأخيرة» للروائي محمود عبد الغني، مركزة على الأبعاد الفنية والدلالية في السرد الفوتوغرافي، معتبرة أن التفاعل بين الأجناس التعبيرية هو منزع لجأ إليه عبد الغني لتطعيم الرواية بفن آخر، وأن تفاعل السرد والصورة لم يكن اختيارا عبثيا منه بقدر ما كان حرصا على استكمال رحلة الجمال في النص. وخلصت الباحثة في الأخير الى أن التشكيلات البصرية تمنح النص الروائي إمكانات قرائية متعددة.
من جهته اعتبر الدكتور بوزيد لغلى في محور الموسيقى داخل الرواية، أن توظيف الموسيقى في الرواية بالصحراء، عنصر غنى داخل المتن الروائي الصحراوي الذي اعتبره لا يزال وليدا، مؤكدا أن انفتاح الرواية على الموسيقى يجعلهما متكاملين رغم كل اختلاف ظاهر، وهذا التكامل يجد تفسيره في أن الرواية تعمل على قول ما لم تقله الموسيقى. وأضاف لغلى أن توظيف الموسيقى في الرواية بالصحراء انطلق مع الروائي احمد القاري في عمله «لا أحد يعرف ما أريده»، متسائلا عن دواعي هذا التوظيف الذي يتراوح بين استدعاء مخزون الذاكرة، أو الاستدعاء لغايات جمالية. واعتبر المتدخل أن هذا التوظيف اتخذ إما صبغة تنفيسية حيث يعمد الروائي الى فضح الفوارق الاجتماعية عبر تسريد كثير من العقد الاجتماعية بواسطة الموسيقى والغناء والرقص، مقدما نماذج من أعمال روائية وظفت الموسيقى الحسانية» على مرمى بشر» لبوسحاب أهل اعلي، أو وظيفة انفعالية يستعيد عبرها الروائي الزمن المفقود كرواية أحمد بطاح» الحب الآتي من الشرق»، فيما لاحظ الأستاذ رشيد أبو الصبر انعدام بيبلوغرافية تهتم بالرواية التي اشتغلت على الموسيقى والأغنية، مشيرا الى أن الأعمال التي تتم العودة إليها عربيا تعتبر من إرهاصات الحداثة الغربية خاصة أعمال جبرا ابراهيم جبرا التي تشكل نموذجا ناجحا لتجلياتها الجمالية ، لكنها لا تعطي صورة حقيقية عن التحولات التي عرفتها الرواية العربية، بالإضافة الى اقتران هذه الروايات بميول كتابها الموسيقية، مما يطرح مسألة القيمة والمصير القرائي النقدي لهذه الأعمال.
الطالب الباحث هشام بركاوي حاول مقاربة الموضوع محور الملتقى «تمازج الفنون في الرواية»، من خلال البحث في علاقة الرواية بالفن التشكيلي أو السرد بالريشة ، معتبرا أن هذا التمازج الذي عمل عليه كثير من الروائيين يحيلنا على مفهوم «الاكيفرازيس» الذي ظهر في القرن 18 و يقوم فيه الروائي بتحويل المتن البصري الى متن سردي، وهو المفهوم الذي أخذ صيغته الدلالية مع الأسلوبيين والبنيويين المعاصرين. وبسط البركاوي العديد من التحديات التي تواجه الروائي الذي يشتغل على اللوحة من قبيل زاوية معالجة ووصف اللوحة للمتلقي سرديا مع استحضار عنصر التأويل، مقدما نماذج لروائيين مغاربة كالميلودي شغموم في «المرأة والصبي» وعبد الكريم جويطي في روايته الأخيرة «المغاربة» ومحمد برادة في «الضوء الهارب»، ليخلص المتحدث الى أن الوصف الروائي للوحة هو استنطاق ثان بالكلمات لعمل أصلي مشكل بالريشة.
ولأن الرواية أثْرت وأثّرَت دوما في السينما بالنظر الى أنها سابقة عنها، فقد اعتبرت الباحثة خولة الزنزولي في محور «الرواية والسينما « خلال الجلسة الثانية التي سيرها الأستاذ عبد النبي ذاكر يوم السبت 5 ماي الجاري، أن السينما غرفت منذ بداياتها من المنابع الروائية والأقصوصية، متسائلة عن أسباب هذا الانجراف نحو الرواية، محيلة على مفهوم الاقتباس بكونه تحولا من اللغة المكتوبة إلى الصورة والصوت، وما يطرأ على مسار الاقتباس من عمليات تتأرجح بين التغيير والثبات والإضافة والتكثيف، قبل أن تحيل على نماذج روائية عربية اشتغل عليها المخرجون العرب والأجانب، خصوصا روايات نجيب محفوظ.


الكاتب : أكادير: حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 07/05/2018