تحملنا الكاتبة والصحفية بديعة الراضي في حلقاتها الرمضانية إلى ربوع لبنان، ذلك البلد البعيد عنا جغرافيا لكن علاقات ممتدة في الفكر واللغة والتعدد الثقافي تربطنا به، بمشترك قوي عمَّقته عوامل تاريخية استطاعت أن تذوب الجغرافيا، بين مغرب يقع في نقطة هامة واستراتيجية في القارة الإفريقية، وبين لبنان يقع في غرب القارة الآسيوية، بتنوعه الثقافي والسياحي ونسيجه الاجتماعي المتنوع الذي يتبلور ليشكل كيانا متلاحما ومختلفا في نفس الآن…
في طائرة الخطوط الملكية المغربية المتجهة مباشرة من مطار محمد الخامس بالدار البيضاء إلى مطار الشهيد رفيق الحريري ببيروت لبنان، جلست في الصف الثالث بالدرجة السياحية، إلى يميني جلس رجل تجاوز العقد الخامس من عمره، سأطلع على بطاقته الشخصية لاحقا عندما سيطلب مني أن أملأ له بطاقة المعلومات التي سيسلمها للأمن اللبناني عند الوصول.في طائرة الخطوط الملكية المغربية المتجهة مباشرة من مطار محمد الخامس بالدار البيضاء إلى مطار الشهيد رفيق الحريري ببيروت لبنان، جلست في الصف الثالث بالدرجة السياحية، إلى يميني جلس رجل تجاوز العقد الخامس من عمره، سأطلع على بطاقته الشخصية لاحقا عندما سيطلب مني أن أملأ له بطاقة المعلومات التي سيسلمها للأمن اللبناني عند الوصول.كان «م-ج» العائد من البرازيل كمهاجر لبناني هناك، جد متحمس للحديث معي، وكنت بالفعل راغبة في ذلك، يشدني عامل المزيد من المعرفة حول لبنان، كبلد تربطنا به علاقات ممتدة في الفكر واللغة والتعدد الثقافي، بمشترك قوي عمقته عوامل تاريخية استطاعت أن تذوب الجغرافيا، بين مغرب يقع في نقطة هامة واستراتيجية في القارة الإفريقية، وبين لبنان الكائن في الشرق الأوسط، وتحديدا في غرب القارة الأسيوية. سألت الرجل عن أسباب هجرته من لبنان إلى البرازيل، فأخبرني أنه تنقل بين الكثير من مدن العالم بحثا عن تجارة أفضل تدر عليه المال الذي وجده يتكاثر كلما استثمر في مشروع مدروس، وغالبا ما يكون هذا المشروع مرتبطا بالمطاعم الصغيرة التي تختار بذكاء كبير أزقة يتردد عليها الناس بحثا عن صحن طعام بمبلغ أقل من المطاعم الكبيرة. حكى لي «م-ج» كيف ذهب إلى البرازيل عندما اتصل به صديق له من اللبنانيين من أجل الاستثمار المشترك في محل لبيع الأكل اللبناني المميز بتنوعه، خصوصا وأن المنطقة المعنية بالبرازيل لا يوجد بها هذا النوع من المطاعم، وأن المحل الذي اختاره صديق «م-ج»، قريب من مطعم أمريكي شهير، كما أنه يوجد في شارع لا يكاد يخلو من المارة حتى يمتلئ من جديد. لم يكن الرجل يمل من كثرة أسئلتي، بدا جد سعيد وأنا أسأله عن زوجته وأولاده، قال إن له اليوم أحفادا وكلهم في لندن، وأنه يملك بيتا هناك، وهو البيت الذي اشتراه من عائدات تجارته المربحة، التي ليست إلا وليدة التفنن في مزيد من الصحون اللبنانية الموزعة على طاولات في المحلات القريبة جدا من ممرات المارة في شوارع مدن متعطشة لتذوق صحون الغير.قلت لوالد محمد، وهو يسلمني جواز سفره لملء البطاقة التي ستسلم لأمن مطار بيروت عند النزول:» أرى أن جوازك مؤقت وهو عبارة عن وثيقة لا تتجاوز شهر»، قال الرجل:» هذه وثيقة مؤقتة للعودة بسرعة إلى لبنان لأن جوازي انتهت صلاحيته، وكنت مضطرا لذلك، من أجل التصويت في الانتخابات» ، قلت له:» أليس هناك تصويت في بلدان المهجر بخصوص اللبنانيين»، أجابني الرجل أن هناك نقطا كثيرة في العالم لا يمكن فيها فعل ذلك، علما أن من يوجد من اللبنانيين خارج الوطن أكثر مِمن يتواجدون في الوطن، وأن عددهم وصل إلى إثني عشر مليون نسمة. مضيفا بانتشاء كبير» وين ما حللت تجدين لبناني، احنا أكبر ثروة للبنان. بعدها انتقل الرجل للحديث مباشرة عن مذهبه، وعن خصاله التي تستمد بهاءها من قناعات ومعتقدات، قال عنها إن العالم لم يفهمها، وأكد الرجل أنه «شيعي» وأن الشيعة هم المسلمون الحقيقيون وأنهم ضد الإرهاب الذي سقطت فيه مذاهب أخرى.أحس الرجل أنني التزمت الصمت من أجل الإنصات، فبدأ يلعب دور السائل والمجيب، أضاف : «يجب على المغاربة ألا يصدقوا ما يقال لهم عن «حزب الله»»…قلت له «أنت من حزب الله؟» أجابني بنعم، وأكد أنه من كوادره الخارجية، وناشر لمزايا المقاومة ونضاليتها إزاء العدو الإسرائيلي، وأنه يفتخر بدعم المقاومة ودعم نصر الله، وأن نسبة هامة وكبيرة من الشيعة هم جالية مقيمة بالخارج منظمة وداعمة، وأن نزوله إلى لبنان بوثيقة مؤقتة هو إيمان بأن الحزب سينتصر في الانتخابات التشريعية، وأن دولة عربية في المنطقة والداعمة لتيار معين ستفشل لأن حزب الله هو لبنان، واللبنانيون كلهم معه. أنصت بإمعان لحماس الرجل، الذي بدا أنه عارف بتفاصيل الدوائر في بيروت الأولى والثانية، وطلب مني أن أزور الضاحية الجنوبية، وشارع معوض ومارولياس، وأكد لي أن شارع الحمراء الذي سأقطن بأحد فنادقه، هو منطقة غالية جدا، قلت له لقد حجزت أرخص فندق فيها عن طريق الانترنيت، فأجابني أن الأمر راجع إلى غياب السياحة في لبنان نظرا لظروف المنطقة ككل.وفي لحظة أعلنت فيها المضيفة عبر مكبر الصوت أن الطائرة على وشك النزول بمطار رفيق الحريري، سلمني الرجل رقم هاتفه، مكررا أن حزب الله لا يمكنه أن يدعم الانفصال في الصحراء المغربية، وأن قناعاته السياسية والعقائدية ضد التدخل في شؤون الدول، ابتسمت وأنا أرد على الرجل بكثير من الدلالات، أن المغرب دولة وليس مجموعة هاربة تبحث عن نفق للتسلل إلى جوار، هو مغرب واضح في قناعاته وملتزم بالوفاء بالتزاماته، وقادر على الدفاع عن ترابه، ولا يحتاج إلى تدريبات لفعل ذلك وقت اللزوم.