الحبيب المالكي: لا تنمية دون استقرار وسلم وأمن ولا استقرار دون دول قوية ذات شرعية
مهد الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، أثناء تقديمه لمحور «السياسة والاستقرار» في المنتدى البرلماني المغربي-الفرنسي الثالث بمقر مجلس النواب الجمعة الماضي، بطرح مجموعة من الأسئلة، التي تستفزنا، يقول، كفاعلين سياسيين وكمسؤولين.
وذكر بأنه في قلب هذا المحور تتمفصل عدة إشكاليات منها أن التنمية والازدهار والاستقرار وقوة الدول وتعزيز المؤسسات وصيانة الحقوق والحريات، رهينة ببعضها البعض. فلا تنمية دون استقرار وسلم وأمن، ولا استقرارَ دون دُوَلٍ قويةٍ ذات شرعية، فِيمَا أن قوة الدول رهينةٌ بالمشاركة التي هي رهينةٌ بدورها بضمان حقوق الناس وكرامتهم.
وطرح رئيس مجلس النواب العديد من القضايا، إذ تتمثل القضية الأولى في التساؤل عَمَّا إذا لم تكن الديموقراطية اليوم مهددةً في الشرق كما في الغرب، وفي الشمال كما في الجنوب، ومشروعية هذا السؤال، يرى رئيس الغرفة الأولى، ترتكز على رَصْدِنَا لعدة مخاطر منها ماهو تقليدي، من قبيل التطرف والإرهاب والفكر الشمولي الرافض للتعددية وللاختلاف، ومنها ماهو حديث من قبيل نمو الحركات الشعبوية التي توظف بعض الظواهر الاجتماعية والتاريخية من قبيل الهجرة واللجوء لإضفاء المشروعية على خِطَاباتها الانطوائية، وتستعمل المهاجرين كفزَّاعَةٍ سياسية لتحقيق رهانات سياسية ، أما الإشكالية الثانية فتتمثل في التحديات الناجمة عن النزاعات والحروب الداخلية والعابرة للحدود، وخاصة في حوض المتوسط والشرق الأوسط، وقدم النزاعات وأكثرُها عدداً وأكبرُها اتساعاً وأخطرُها من حيث التداعيات والتأثير في النظام الإقليمي والعالمي. فمقابل تراجع النزاعات بشكل كبير في إفريقيا تحتد وتتناسل النزاعات أكثر في جنوب وشرق المتوسط، وهي ست نزاعات أصبحت مزمنة ولاحل في الأفق للتخلص منها.
ومن تداعيات هذه النزاعات انهيار الدولة في بعض البلدان، أو وجود بلدان في حالة «اللا دولة» مع كل التداعيات الإقليمية لهذا الغياب، الإشكالية الثالثة تتمثل، يضيف، في التحديات والمخاطر الناجمة عن الاختلالات المناخية، علما بأن إفريقيا والحوض المتوسطي هما المنطقتان المعرضتان أكثر للمخاطر البيئية، وهو ما يتطلب تعبئة أكثر من أجل البيئة ومن أجل إعمال نتائج قمتي المناخ cop 21 وcop22، وعدم التراخي والحزم في المواقف والتشبث بالالتزامات والتعاقدات الدولية، وتتجلى الإشكالية الرابعة في التحديات التي تطرحها استعمالات وسائل الاتصال الجديدة، باعتبارها سلطة مضادة(contre pouvoir)، وصعوبة التمييز بين الصادق والـمُفْتَرَى به في ما ينشر، فكل من يملك جهاز هاتف أو لوحة الكترونية أو حاسوب يمكنه بث أخبار، أي أن المواطن أصبح «صحفيا»، إلا أن الغائب في الكم الهائل مما يُبَثُّ هو الحقيقة، فهل سَتُعَوِّضُ هذه الوسائل في المستقبل، المؤسسات التمثيلية ذات الشرعية الملموسة، أم ستدفع هذه المؤسسات إلى مزيد من الفعالية والجرأة، أم ستجعلها تَنْجَرُّ وراءَ ما ينشر ويتناسل من «أخبار»؟ يتساءل الحبيب المالكي.
في جميع الأحوال، يجيب المالكي، فإن مزايا وسائط الاتصال الجديدة في مجال الشفافية وإتاحة المعلومة ونشرها، أساسية للديموقراطية وللديموقراطية التشاركية، ولكن شرعية المؤسسات المنتخبة وما يترتب عنها، لا محيد عنها في أي نظام دولتي «Etatique».
ومن جهة أخرى ينبغي النظر إلى الاستعمالات السيئة لوسائط الاتصال من قبيل بث خطابات العنف والتحريض على الإرهاب وتعبئة الإرهابيين، مما يطرح مسؤوليات في إعمال حكامة الأنترنيت.
وتتمثل القضية الخامسة في معضلة العزوف عن السياسة، خاصة في أوساط الشباب، والأخطر من ذلك أن العديد من المجتمعات أصيبت بما يمكن أن نُسميه عقماً في إنتاج النخب. وهذا يطرح إشكاليات كبرى في ما يرجع إلى تجديد النخب، وتغذي هذه الظاهرة وتتغذى من خطابات مناهضة للمؤسسات وخاصة المؤسسات المنتخبة وفي مقدمتها البرلمانات.
أمام هذه التحديات، على المؤسسات التمثيلية، وفي مقدمتها البرلمانات، أن تكون قريبة من الناس، وشفافة ومنفتحة، ومصغية إلى مشاكل المجتمع حتى تكسب ثقته، وتوخيا لنفس الهدف ينبغي للبرلمانين المغربي والفرنسي، يشدد رئيس مجلس النواب، أن يعززا تعاونهما في مجال اختصاصاتهما.
وفي هذا الصدد ثمن من جديد حصيلة مشروع التوأمة المؤسساتية الذي أنجزه مجلس النواب والجمعية الوطنية، وينبغي أن نعمل على إفادة أصدقائنا في البرلمانات الإفريقية بهذه الحصيلة والتعرف أيضا على ممارساتها في مجالات التشريع والمراقبة البرلمانية وتقييم السياسات العمومية والدبلوماسية البرلمانية والديموقراطية المواطنة.
وعلى الفاعلين السياسيين أي الأحزاب السياسية والمجتمع المدني المواطن والصحافة الرصينة أن ينهضوا بمهمة المساهمة في صناعة الرأي العام المسؤول عوض أن تترك هذه المهمة للعالم الافتراضي.