هل يشعل ترامب حربا تجارية عالمية؟
باريس :يوسف لهلالي
هل تهدد قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحمائية استقرار العالم؟ هذه التساؤل اصبح مطروح لان قرارات الرئيس الأمريكي لا تقتصر على الصين بل تمس اقرب حلفاء أمريكا وهم : كندا،المكسيك وبلدان الاتحاد الأوربي، وهذه السياسة الحمائية تهدد كل الاتفاقات التجارية التي تم بناؤها عبر عقود والتي تطلبت عمل حكومات متعددة وعلى فترات زمنية طويلة. وهي قرارات تهدد السلم والاستقرار في العالم وقال الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون حول هذه السياسة ” ان القومية الاقتصادية هي الحرب”. ردا على شعار الرئيس دونالد ترامب ” أمريكا أولا”
هذه القرارات الامريكية دفعت باقي البلدان الى الرد على القرار الأمريكي، التي تعمل بالإضافة الى الصين على استهداف منتوجات الولايات الامريكية التي صوتت لصالح ساكن البيت الأبيض، وذلك من اجل استهدافه في الانتخابات الكونغريس التي ستعقد في سنة 2019.
طبعا هذه الوضعية تجعل الجميع يتذكر الازمة العالمية التي ضربت الاقتصاد العالمي سنة 1929 وتداعياتها على باقي العالم والتي اعتبرها اغلب المؤرخين هي السبب الرئيس في اندلاع الحرب العالمية الثانية التي خلفت دمارا شاملا وملايين الضحايا وقلبت موازين العالم الذي كانت تحكمه قوى استعمارية مثل بريطانيا وفرنسا لتظهر قوى جديدة على المستوى الاقتصادي والعسكري بعد الحرب الثانية وهي الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفياتي، وتم بناء نظام عالمي جديد مبني على التوازن بين الغرب الرأسمالي والشرق الشيوعي.
هذه الازمة التي بدأت من الولايات المتحدة، من خلال انهيار بورصة وال ستريت بنيورك في أكتوبر 1929واقفال المعامل والمصانع بمختلف الولايات الامركية، لتنتقل الشرارة الأولى لهذه الازمة الى اوربا خاصة المانيا والنمسا التي كانت بها استثمارات أمريكية كثيرة. وسحب هذه الرساميل أدى الى انهيار الاقتصاد في هذه البلدان. وانهيار أمريكا كان له تأثير سلبي على أمريكا اللاتينية، اوربا،افريقيا واسيا، واصبح من المستحيل بيع المواد الأولية من قهوة، سكر، وزيت وغيرها من المواد الأولية التي كانت تستعمل في الاسلاتهلاك اليومي ..البرازيل احد اكبر مصدري القهوة في العالم انداك لم من يشتري القهوة التي أصبحت تستعمل في محرك القطارات.
في سنة 1930 نهجت الولايات المتحدة الامريكية سياسة حمائية على باقي العالم وهو ما دفع دول باقي البلدان الى الرد عليها، وهو ما عقد الوضعية الاقتصادية في العالم، حيث اختارت هذه البلدان المواجهة الاقتصادية بدل التعاون لتجاوز الازمة وتم اللجوء الى السياسة الفردية، وحاول كل بلد النفاد بجلده وهو ما زاد من تأزم وضعية الاقتصاد العالمي وانهياره لتليه بعد ذلك الحرب العالمية الثانية التي سوف ينبطق عنها عالم جديد تميز بمؤسسات الأمم المتحدة التي هيمنت عليها الدول المنتصر وخلف مرسسات مالية مثل صندوق النقد الدولي وانقسام العالم في اطار الحرب الباردة بين الشرق السوفياتي والغرب الأمريكي.
الرئيس الأمريكي الذي يستمر في تأجيج السياسة الحمائية وترديد سياسة قومية متطرفة وهي “امركيا أولا “، هي سياسة سوف تثير عدوانية باقي القوميات وهو ما سيؤدي بالتأكيد الى حروب تجارب عالمية و الى اضطرابات كبيرة في النظام العالمي الذي تم بعد الحرب بناؤه بعد الحرب العالمية الثانية. الازمة الأخيرة لسنة 2008 والتي انطلقت من أمريكيا ، تم احتواؤها بفضل الإجراءات الامريكية وتعاون باقي العالم من خلال انقاد الابناك وضخ سيولة كبيرة في الاقتصاد في الاتحاد الأوربي وخفظ نسبة الفائدة لسنوات من طرف الاحتياطي الفدرالي بواشنطن وهو ما مكن من الخروج منها وتعاف الاقتصاد العالمي بعد ان استرجع النمو والذي اصبح اليوم اكثر اضطرابا بفعل قرارات ترامب و”سياسة أمريكا أولا”
السياسة الفردية كانت لها دائما انعكاسات سلبية، قبل الحرب العالمية وبعد الازمة الاقتصادية اختارت بريطانيا وفرنسا التراجع نحو مستعمراتها، في حين وجدت المانيا وإيطاليا نفسهما بدون متنفس، وهو ما جعل ميسوليني يهاجم اثيوبيا سنة 1935 و وألمانيا تهاجم تشيكوسلوفاكيا وبولونيا لأسباب اقتصادية واليابان يهاجم منشوريا، وهي حروب وقعت بعد الازمة الاقتصادية وهي للبحث عن المواد الأولية والطاقة وهو ما أدى الى اشتعال الحرب العالمية الثانية.
لتجنب أسباب هذه الحرب المميتة تم خلق العديد من المؤسسات الدولية منها صندوق النقد الدولي الذي له مهمة انقاد عملة الدول الأعضاء من اي انهيار المنظمة العالمية لتجارة، من اجل تشجيع التبادل الحرب ومحاربة الحمائية، ووضع قواعد للاقتصاد العالمي يحترما الجميع وهي كلها منظمات مكنت الولايات المتحدة من بسط سيطرتا على العالم وعلى اقتصاده، بفعل قوة اقتصادها واستعمال الدولار في اغلب المعاملات التجارية التي يعرفها العالم اليوم، وهو ما يجعل أمريكا قوة كبرى على المستوى الاقتصادي والسياسي لكن قوتها مرتبطة بباقي العالم ، الصين التي يعتبرها اقتصادها ثاني قوة في العالم تضع مدخراتها في شراء سندات الخزينة الامريكية، وسحب هذه الأموال من طرف الصين يمكن ان يؤدي الى انهيار للاقتصاد الامركي والعالمي.
اليوم التساؤل مطروح لماذا يريد الرئيس الامريكي دونالد ترامب تخريب كل هذه المؤسسات التي كانت أمريكا رائدة وأساسية في بنائها بعد الحرب العالمية والتي ساهمت في استقرار العالم؟ وما هي الأهداف التي تحرك ساكن البيت الأبيض الجديد؟ وهل هو واعي بخطورة الخطوات الاستفزازية التي يقوم بها سواء بالنسبة لبده او لباقي بلدان العالم؟
خطورة الوضعية العالمية اليوم ان أمريكا انتخبت رجلا هو غير واعي بالإبعاد الاستراتيجية للخطوات والتصريحات المتتالية التي يقوم بها. بل ان التسريبات القادمة من واشنطن تقدمه على انه رجل لا يأخذ بعين الاعتبار تقارير الاستخبارات الامريكية ولا مؤسسات الدفاع التي تقدم تقارير لرئيس ومستشاريه في اتخاذ قراراته ومن اجل فهم أبعادها؟ فهل يقود ترامب العالم نحو الهاوية، وهل هناك عجز مؤسساتي في واشنطن من اجل إيقاف هذه الخطوات غير المحسوبة؟
وهل هناك استراتيجية أمريكية من اجل تغيير النظام الاقتصادي العالمي في شكله الحالي لأنه لم يعد يلائم الاقتصاد الامريكي؟ هناك تساؤلات كثيرة ومعلومات متضاربة تأتي من واشنطن ولا نعرف أي مسار سوف تأخذه وهي أحيانا متضاربة. اخرها الامر الذي قدمه الرئيس الأمريكي الى الرياض من اجل الرفع من انتاج البترول لكي لا يرتفع بشكل كبير وهو الامر الذي يضر ببلده وباقي العالم خاصة ان انتخابات الكونغريس هي على الأبواب. لكن في نفس الوقت التصعيد مع طهران، وعدم الحسم في الوضع بسوريا، وتخلي واشنطن على حلفائها المحلين في هذا النزاع هي كلها تناقضات لا تجعل المتتبع يفهم الى اية وجهة سوف يأخذ الرئيس الامريكي دونالد ترامب العالم.
الكاتب : باريس :يوسف لهلالي - بتاريخ : 03/07/2018