بالصدى : أدوية ومسؤولية

وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com

الحديث عن مديرية الأدوية والصيدلة ليس مجرد كلام عابر، فالأمر يتعلق بـ «مؤسسة» مكلّفة بمنح ومراقبة تراخيص تصنيع الدواء وتحديد ثمنها، والوقوف على جودتها من عدمها، قبل الحصول على ترخيص التسويق، ومدعوة إلى تتبع خطوات مختبرات الصناعة الدوائية ومراقبتها، وما إلى ذلك من مهام ثقيلة وجسمية بالنظر إلى أن الأمر يتعلّق بالأمن الصحي للمغاربة الذي لا يمكن التعامل معه باستهتار، أو جعله محلّ مساومة واتجار، وهي الضامنة لتحقيقه ولا يمكن بأية حال من الأحوال أن تكون هي المتسببة في انتهاكه.
لقد تبيّن على أن سنة 2018 هي سنة هذه المديرية بامتياز، بمعناها السلبي لا الإيجابي بكل أسف، لكونها عرفت تناسل جملة من الفضائح وتم خلالها تسليط الضوء على ملفات شكّلت مضامينها صدمة للعديد من المتتبعين للشأن الصحي وللمواطنين بشكل عام، انطلقت بالحديث عن فرض «إتاوات» على مختبرات لتنظيم المناظرة الوطنية الأولى والثانية للدواء والمواد الصحية بالصخيرات، نظير ما تم التسويق له، نصب أروقة استشهارية خلال الحدث الأول والثاني، تزامنا وتنظيمهما، فتبيّن بالملموس حجم التضارب والتعارض، الذي يضرب مصداقية هذه المديرية وحيادية الوزارة في علاقة بأطراف يجب ألا تربطها بها رابطة مادية مصلحية، ثم تطورت فصول حلقات هذه المديرية التي تم استعراضها بلجنة القطاعات الاجتماعية بالبرلمان، بالحديث عن مختبرات وهمية، وبتقارير تفتيش مزورة، وبأدوية صرفت للمواطنين مشكوك في جودتها، فكانت الصدمة والخيبة، كيف لا وهناك مختبرات أشباح انتهكت القانون ولم تصنع علبة واحدة من الدواء، لكنها تغرق السوق الصيدلانية بأدوية من النوعية المشكوك فيها، أو تم تصنيعها في ظروف لا تحترم معايير الجودة، مع ما يعني ذلك من أن المريض المغربي يمكن أن يكون قد تناول بحثا عن العلاج دواء بدون نجاعة.
بركة آسنة تحرّكت فكشفت عما في قعرها، وهو ما جعل وزير الصحة يتدخل ويحيل ملف مدير المديرية على رئيس الحكومة معفيا المدير السابق من أجل فسح المجال أمام محاسبته، هذه الخطوة التي استبشر بها الجميع خيرا، تلاها فتح باب التباري على هذا المنصب، فاعتقد الجميع أن مرحلة جديدة تقطعها هذه المديرية على عهد الوزير الحالي أناس الدكالي، وبأن التخليق سيكون عنوان مرحلتها المقبلة، وبأن ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي هو أحد المبادئ الخمسة للحكامة  سيصبح مفعّلا، وبالتالي لا سبيل لعودة من تبيّن أن أياديهم ملطخة وبأن دماء جديدة سيتم ضخّها، لكن وخلافا لذلك بدأ الحديث عن ترشيحات تثير أكثر من علامة استفهام، بل أن من المعنيين بالشأن الصحي من اقتنع أنه يتم الإعداد لاستنساخ التجربة وتكرارها بشخوص أخرى، فبدأ الحديث عن أسماء وعن سوابق معيّنة، مما جعل البعض يحجم عن تقديم ترشيحه، حتى لا يكون عرضة للنبش في ملفاته، بالمقابل أصرّ البعض الآخر على تقديم الترشيح سعيا وراء المنصب مهما كان الثمن؟
ترشيحات أثار أحدها على وجه التحديد سخطا ولغطا، ويتعلّق الأمر بشخص سبق وأن تم إعفاءه من المديرية في وقت سابق، لكنه يسعى اليوم للعودة إليها بل ويعمل جاهدا ليكون على رأسها، علما أن مغادرته لم تكن اختيارا بل قسرا، بالنظر إلى حجم الفضيحة المتورط فيها والتي تم الكشف عنها على عهد وزير الصحة آنذاك، المرحوم التهامي الخياري، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تبيّن على أن زوجته هي تتوفر على أسهم وحصص في عدد من مختبرات الصناعة الدوائية، وفقا للوثائق المتوفرة التي تفيد بذلك،  مما يعيد وبشكل موضوعي بعيدا عن أية زاوية مشخصنة، طرح نقاش تعارض وتضارب المصالح إلى واجهة النقاش من جديد، وضمانات استقلالية المديرية وعدم تكرار سيناريوهات الفساد من عدمها، والآليات القانونية والأخلاقية التي من شأنها فرملة أي قرار مبني على نزعات مصلحية خاصة؟
إن قطع مديرية الأدوية والصيدلة مع ماضيها المسيء بات أمرا ضروريا، من باب إنصاف الشرفاء المشتغلين بها، أو الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على مغادرتها يوما مكرهين بسبب تسلّط، أو رفضا منهم لمسايرة أهواء غير سليمة، ولإعادة منح الثقة للفاعلين في مجال الأدوية وللمواطنين بشكل عام، ومحاولة منحها صورة أخرى مخالفة لتلك المهتزة القاتمة اللصيقة بها. خطوة هي بكل تأكيد متاحة لوزير الصحة الذي له كل الآليات لتحقيق ذلك، حتى يكون ضامنا على مرحلة تمكّنه من تفعيل برنامجه الذي تعهّد به للنهوض بالمنظومة الصحية ببلادنا بعيدا عن أي شائبة يمكن أن تعترض مساره، وذلك بعدم السماح بالمسّ بكيان هو ضامن للأمن الدوائي للمغاربة وتفادي كل الاحتمالات التي قد تمسّ به مهما كان حجم الاحتمالات حتى في نسبها النسبية.

الكاتب : وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com - بتاريخ : 05/07/2018