في الندوة الدولية  “التطور الدستوري للمغرب: الجذور التاريخية والتجليات الراهنة والرهانات المستقبلية»

عبد الجليل الحجمري:  دستور 2011 طفرة نوعية متميزة نتيجة إصلاح دستوري عميق وشامل،  رسم توجهاته الأساسية جلالة الملك فـي خطابه التاريخي يوم 9 مارس 2011

بعد مرور سبع سنوات على صدور دستور يوليوز 2011، ومسيرة تنزيل أحكامه ومقتضياته على أرض الواقع، نظمت، أول أمس الثلاثاء 10 يوليوز، أكاديمية المملكة المغربية بشراكة مع الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، بمقرها  الرسمي بالرباط، ندوة دولية فى موضوع « التطور الدستوري للمغرب: الجذور التاريخية والتجليات الراهنة والرهانات المستقبلية».
تدارست هذه الندوة، التي حضرتها شخصيات سياسية وأكاديمية وديبلوماسية وفكرية وإعلامية، تطور المسار الدستوري المغربي، فكرا وممارسة، عبر محطاته الأساسية، انطلاقا من أول دستور حديث والذي صدر في 14 دجنبر 1962 مرورا بدساتير 1972، 1976، 1992، 1996 وصولا إلى دستور2011، وكيف تعاملت الدولة المغربية مع هذا التطور، حيث لم تقف متصلبة الأوصال الدستورية بل تفاعلت مع التطورات السياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع المغربي، وواصلت تطورها الدستور عبر إصلاحات ومراجعات متتالية، أثمرت، على مدى نصف قرن من الزمن، دساتير مدونة متطورة تكللت بصدور الدستور الحالي المؤرخ في 28 يوليوز 2011.
عن أهمية هذه الندوة والمحاور الأساسية التي تدارستها والمتمثلة في أسس بنيات الدولة المغربية وتطورها، تصورات النخب للإصلاح الدستوري من خلال مشاريع الوثائق والنصوص ذات الطابع الدستوري، الهوية المغربية وتميز مكوناتها وروافدها، الملكية والبناء الدستوري الحديث، الديمقراطية التمثيلية والتشاركية ثم القضاء وحماية الحقوق والحريات والجهوية واللامركزية، قال عبدالجليل الحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، إن الندوة تكتسي أهمية مزدوجة : تكمن الأولى فـي كون هذه الندوة تعد مثالا آخر على نهـج التعاون والتشارك الذي تعمل أكاديمية المملكة على السير فيه، من خلال ضم جهودها إلى جهود كل المؤسسات التـي تسعى إلى تحقيق نفس الأهداف، المتمثّلة فـي التحفيز على البـحث العلمي وإنتاج المعرفة… وتتـجلى الأهمية الثانية لهذه الندوة فـي طبيعة موضوعها، المتعلق بواحد من أهم وأبرز مظاهر تطور الحياة الوطنية الحديثة لبلادنا، المتمثل فـي تطورها الدستوري.
وأكد الحجمري، في كلمة ألقاها بمناسبة افتتاح هذه الندوة، أن سنة 1962 كانت بارزة وفارقة فـي تطور الحياة السياسية فـي البلاد فـي شكلها وفـي جوهرها، ففي العاشر من دجنبر من هذه السنة صدر أول دستور مكتوب وحديث، نقل الدولة المغربية من بلد عاش زهاء 12 قرنا فـي ظل قواعد دستورية عرفية مستمدة من القانون العام الإسلامي ومن الممارسة الاجتماعية للشعب المغربـي، إلى دولة عصرية حافظت دستوريا على ثوابتها الوطنية، وانخرطت، فـي الوقت ذاته، فـي الدستورانية الحديثة بمعاييرها ومؤسساتها وآلياتها.
وأشار أمين سر أكاديمية المملكة أنه ابتداء من هذا
التاريخ لم تعد الأحكام السلطانية للماوردي المرجع الأوحد للدولة المغربية، فقد انفـتـحت أيضا على مونتسكيو وعلى الفقه الدستوري العصري. مضيفا في ذات السياق أنه انطلاقا من ذلك أقر الدستور الأول للمملكة، بكيفية شاملة، الـحقوق الأساسية للمواطنين، وأدخل فصلا مرنا للسلط تنازل الملك، بمقتضاه، عن جزء من الاختصاصات التـي كانت مندرجة قبل ذلك فـي الملكية المطلقة.
وسجل الحجمري أنه ابتداء من هذا التاريـخ برز إلى جانب الملك برلمان منـتـخب تولى، لأول مرة، التشريع فـي مـجال القانون، وحكومة متميزة عن الملك يقودها وزير أول استمد صلاحياته من الدستور نفسه، وقضاء مستقل عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.
كما أن هذا الدستور تولى أيضا تـحديد الاختيارات الوطنية الكبرى للأمة المغربية، التـي قوامها التعددية السياسية والنقابية والاجتماعية والفكرية، وأساسها الـحرية الاقتصادية، لكن فـي نطاق ملكية دستورية اجتماعية.
وأبرز الحجمري أن  دستور 1962، قد خضع  لأربع مراجعات أساسية، سارت عموما فـي اتـجاه تدعيم المنظومة الدستورية للمملكة وتطويرها، وهو ما يظهر بالـخصوص فـي تعزيز هذه المراجعات لمكانة ودور المؤسسات التمثيلية، وكذا فـي توطيدها للحقوق الأساسية وضماناتها، هذا التوطيد الذي برز بشكل أوضـح مع صدور دستور 9 أكتوبر 1992 الذي أكد على تشبث المملكة المغربية بـحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا، الأمر الذي تجسد عمليا، على المستوى الدولي، فـي مبادرة المملكة مباشرة بعد ذلك، خلال سنة 1993، إلى المصادقة على عدد آخر من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان : اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو الإنسانية أوالمهينة، اتفاقية حقوق الطفل، والاتفاقية الدولية لـ حماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم. وعلى المستوى الداخلي، تجسد ذلك فـي أحداث المـجلس الدستوري والمحاكم الإدارية والمـجلس الاستشاري لـحقوق الإنسان … إلى غير ذلك.
واعتبر الحجمري أن صدور دستور 2011 طفرة نوعية متميزة نتيجة إصلاح دستوري عميق وشامل، رسم توجهاته الأساسية جلالة الملك مـحمد السادس فـي خطابه التاريخي الموجه إلى الأمة يوم 9 مارس 2011،  إن هذا الدستور، بالفعل، هو دستور متميز من عدة وجوه : فقد تم إعداده من خلال منهـجية تشاركية فريدة جمعت بين الـخبرة القانونية والمساهمة البناءة لجميع الهيئات السياسية والنقابية والاجتماعية والحقوقية للشعب المغربـي، مما أثمر دستورا «من صنع المغاربة ولـجميع المغاربة»، كما عبر عن ذلك جلالة الملك فـي خطاب 17 يونيو 2011 الخاص بعرض مشروع الدستور على الاستفتاء.
وعلاوة على الـجوانب الشكلية، التي لا مـجال للوقوف عندها الآن، يقول الحجمري، فقد تميز هذا الدستور أيضا من حيث مضمونه ومـحتواه : فإلى جانب الحفاظ على التراث الوطنـي الأصيل لبلادنا والتحديد المـتـجدد للهوية الوطنية بمكوناتها وروافدها، انفتـح الدستور الـجديد على أرقى التـجارب الدستورية، مستوحيا أهم ما فـي التراث الدستوري الإنسانـي الكونـي من قيم ومبادئ ومعايير.
وسجل على أن هذا الدستور تولى تعزيز مكانة ودور جميع المؤسسات الدستورية التمثيلية وغير التمثيلية. كما حرص، على وجه الخصوص، على توسيع حقوق المواطنات والمواطنين مع التأكيد على مبدأ المناصفة والمساواة بين الـجنسين والديموقراطية التشاركية، وهي حقوق كرسها بضمانات أساسية قضائية وغير قضائية.
ومن جهته استعرض مصطفى الخلفي الوزير المنتدب المكلف بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني والناطق الرسمي باسم الحكومة مقولات خمس حاكمة ومهيمنة في الخطاب الدستوري للبعض رغم عدم صحتها:
• المقولة الأولى: الجذور الدستورية تعود لبداية القرن حيث تأثرت بفكر الاتحاد والترقي التركي المشرقي عبر المشروع المنشور في مجلة السعادة في 1908.
• المقولة الثانية: أن التطور الدستوري المغربي تطور شكلاني ومجرد واجهة ومخالف للممارسة الفعلية لصناعة القرار العمومي والسياسات العمومية.
• المقولة الثالثة: أن التراكم الدستوري، إنتاجا وصياغة، هو مجرد استنساخ من الاجتهادات الدستورية وليس هناك إبداع مغربي، فهو صدى للتطور الدستوري في الخارج وخاصة فرنسا.
• المقولة الرابعة: أن التطور الدستوري المغربي تم بمعزل عن حركة الواقع، ولا يجيب عن الأسئلة والإشكالات الواقعية ولا يقدم حلولا لها، مثل قضايا الهوية أو الجهوية أو العلاقة بين السلط.

• المقولة الخامسة: أن البناء الدستوري هو بناء فوقي معزول عن المنظومة التشريعية القانونية، وما يدعو له من قوانين لا تصدر، فتبقى أحكامه معلقة على صدورها مما يؤدي لتعطيلها وتوقيفها.
وحدد  الخلفي خلال كلمته ثلاثة أسئلة مستقبلية موجهة:
• كيف تطورت الممارسة الدستورية المغربية لتفكك هذه المقولات وتتجاوزها، والتي تمثل أحد مصادر السلبية والعدمية السياسية، وذلك مقابل التبلور التدريجي لهندسة جديدة للبناء الدستوري المؤسساتي وبروز تحديات جديدة ذات علاقة بفصل السلط وتوازنها والجهوية؟
• كيف شكل دستور 2011 دحضا نظريا وعمليا لها، وذلك بعد سبع سنوات على اعتماده، بما منح المغرب أفقا إصلاحيا جديدا لمساره السياسي الديموقراطي التنموي، محكوم بارادة تنزيل الحكامة الجيدة وتعزيز الحريات؟
• ما هي الرهانات المستقبلية لتجديد النظرية والممارسة الدستوريين في المغرب، وفتح سبل التطوير المستمر في ظل المقتضيات الجديدة المتعلقة بكل من الدفع بعدم الدستورية والممارسة الاتفاقية للدولة والتوازن بين الديموقراطية التمثيلية والديموقراطية التشاركية؟
وفي ختام كلمته، عدد الخلفي محددات المسار التشريعي الجديد المتمثل في :
• استحقاقات دراسة الأثر ومرسوم دجنبر 2017.
• تفاعلات النشر الاستباقي ومرسوم ماي 2009.
• الملتمسات التشريعية وإشراك المحتمع.
• حق الدفع بعدم الدستورية ودور المحكمة الدستورية.
• أثر الفصل 71 في أسبقية التشريع عبر البرلمان قبل ممارسة اختصاص إصدار النصوص التنظيمية.
• مشروع تحيين التشريعات القديمة.
• الدور الجديد للمؤسسات الاستشارية والدستورية والثنائية المؤسساتية الجديدة.
• المسار الجديد للتقارب التشريعي مع أوروبا بعد المرحلة الأولى.
• المسطرة الجديدة لاعتماد الاتفاقيات الدولية.
• استحقاقات القانون التنظيمي للمالية.
• تحديد آجال اعتماد النصوص التنظيمية.
• المقتضيات الجديدة للأنظمة الداخلية للمجلسين.


الكاتب : الرباط: عبد الحق الريحاني

  

بتاريخ : 12/07/2018