في قلب جبال الأطلس شرق إقليم أزيلال وغرب مدينة ورزازات، وعلى ارتفاع يتفاوت ما بين 1800 و2000 متر عن سطح البحر، يوجد أحد أجمل الأماكن السياحية بالمغرب، “آيت بو ڭماز” ، موقع يبعد بحوالي 250 كيلومترا عن مدينة مراكش و78 كيلومترا عن مدينة أزيلال، بتعداد سكاني يصل إلى حوالي 15 ألف نسمة موزعين بين 27 دوارا.
و تعرف منطقة أيت بو ڭماز أيضا ب”الهضبة السعيدة ” ، وهو اسم أطلقه عليها الزوار الأجانب لما يتحلى به سكانها من حفاوة استقبال وروح المرح، وخاصة خلال احتفالاتهم في فصلي الصيف والخريف بمناسبة إقامة حفلات الزواج ، أو الأعياد الدينية وموسم الحصاد.
أصالة وعراقة
يزخر وادي أيت بوكماز بتراث ثقافي و حضاري و جيولوجي متنوع، فإلى جانب القصبات ذات الشكل الدائري التي يعود تاريخ بنائها إلى عدة قرون ، و التي تعتبر زاوية سيدي موسى المقامة على أحد أهرامات بو ڭماز الطبيعية و زاوية سيدي شيتا أشهرها، إلى جانب ذلك ينتشر على طول دواوير الوادي معمار تقليدي اعتمد في تشييده على مواد و هندسة محلية متميزة تختلف حتى عن جارتها المڭونية و الدادسية (نسبة إلى وادي مڭون و وادي دادس).
ويعتبر وادي بوڭماز مجالا لحياة تقليدية بسيطة لم تتغير كثيرا عما كانت عليه في الماضي لكونها لم تتأثر بعد بالتقنيات التكنولوجية ، فليس غريبا أن تكون قبلة للباحثين عن الحياة الواحية الأصيلة البعيدة عن مظاهر التصنع و التمدن.فكل شيء في أيت بوڭماز عفوي و بسيط ، فهنا وراء هذه القمم الشامخة قلما تجد الشباب و الأطفال منشغلين بالهواتف الذكية لغياب الإنترنت أو ضعف صبيبه ، و عوضا عن ذلك، يصادف زائر دواوير المنطقة ، انطلاقا من أڭوتي غربا إلى الرباط و أزوركي شرقا ، الأطفال البوڭمازيين وهم يمارسون ألعابا شعبية انقرضت في كثير من المناطق حتى القروية ، ما يؤشر على أن الواحة حافظت على أصالتها و عراقتها ، وليس غريبا أن يعاين المرء الفلاح جنبا إلى جنب مع زوجته و هما يذران الزرع ، و البغال تدوس على أكوام التبن، و مجموعة من النساء في عمل جماعي يحصدن الأعشاب العلفية و يرددن الأهازيج الأمازيغية ، دون إغفال مشاهدة أنواع من الطيور النادرة واللقالق و هي تحلق في السماء راسمة لوحة جميلة .
“خطى الديناصور”
هذا وتعد آثار خطى الديناصورات من المعالم الجيولوجية و السياحية التي يعرف بها هذا الوادي، حيث لا تخطئها عين الزوار و السياح من المهتمين و غير المهتمين بالجيولوجيا الذين تستوقفهم هذه الآثار النادرة، لدرجة لا يمكن للزائر أن يمر من المنطقة دون أن يقوم بزيارة هذا الموقع السياحي المتميز.
وحسب المعطيات العلمية المتوفرة عن تاريخ المنطقة ، فإن آثار خطى الديناصورات بأيت بو ڭماز تنمي إلى “المنتزه الجيولوجي مكون” Le géoparc M’goun و تقع تحديدا في دوار إباقليون الذي يبعد عن جماعة تبانت بحوالي 3 كيلومترات .
لكن اللافت أن زائر المنطقة يلحظ ، بغير قليل من الأسف ، أن آثار خطى الديناصورات هذه تعاني من إهمال غير مفهوم ، علما بأن هذه الآثار تدرجها عادة بعض شركات الأسفار و السياحة ضمن برامج رحلاتها ، و من مظاهر هذا الإهمال غياب علامات التشوير الطرقي ، فحتى العلامة الوحيدة التي تقدم معلومات عن هذه الآثار أسقطت أرضا، أما الأخرى المنتشرة على طول طريق أيت بو ڭماز ، فقد أصابها الصدأ ، كما أن الطريق إلى إباقليون ، موقع الآثار ، تؤشر بدورها على كل علامات التردي وعدم الاهتمام.
“تاريخ” برواية أطفال
يضاف إلى ذلك غياب مكتب للإرشاد على مستوى هذا الموقع، حيث لا يوجد من يقدم معلومات عن الآثار الاستثنائية سوى أطفال صغار، معلومات لا يمكن التمييز فيها بين الصواب والخطأ ، معلومات يبدو أنهم ألفوا سماعها من مرشدين سياحيين يرتادون المنطقة.
فهذا تلميذ في الثانية إعدادي يشير إلى “أن عمر هذه الآثار هو 185 مليون سنة”، وآخر في السادسة ابتدائي، يتحدث عن الفرق بين “الديناصور اللاحم و الديناصور العاشب”.. شروحات عشوائية ، وكل طفل يحاول الظهور بمظهر العارف الأكثر دراية بتاريخ المنطقة من أجل نيل إعجاب الزوار وبالتالي تكون الدريهمات التي يجمعها اكثر ؟
وإذا كان الديناصور قد انقرض من الوجود منذ ملايين السنين، فإن ما تبقى من آثاره النادرة المحفورة على صخور إباقليون، أضحت بدورها مهددة بالزوال بفعل عوامل التعرية من جهة و الإهمال من جهة أخرى، ومن ثم ليس من الغريب أن يأتي يوم تنمحي فيه هذه الآثار بشكل نهائي و تصبح مجرد حكاية تتداول بين أجيال هذه المنطقة المنسية ، وتفاديا لمثل هذا المآل ، يتطلع أبناء هذه المنطقة ذات التاريخ العريق والغني، إلى أن تتدخل الجهات المعنية لحماية الآثار الاستثنائية ببناء حاجز يقيها من الأمطار و الرياح ، ويرد لها الاعتبار من خلال سرد تفاصيل تاريخها الحقيقي على لسان المختصين، بدل تركه عرضة للعبث واختلاق الروايات البعيدة عن التدقيق العلمي المتعارف عليه دوليا.
وفي هذا السياق ينبغي العمل على تحسيس الساكنة المجاورة باستعجالية “منع مزاولة بعض الأنشطة الفلاحية بالقرب من الموقع الأثري كالدرس و الذر، أو نشر الغسيل” ، كما دعا بعض الجمعويين إلى التفكير في “جعل الدخول إليه بالأداء مما سيوفر لجماعة تبانت موردا ماليا مهما، يمكن استثماره في تأهيل البنية التحتية المتدهورة و على رأسها الطرق وتجديد علامات التشوير السياحية ، و العمل على التعريف بالموقع إعلاميا ، وطنيا ودوليا ، و ترميم زاوية سيدي موسى التي توجد في حالة متدرية، هذا دون إغفال الترافع، في أفق تصنيف هذا التراث، سواء الطبيعي منه أو الأركيولوجي، كإرث إنساني عالمي، يستوجب الحماية من قبل اليونسكو”.