عرفت نهاية هذه السنة تصعيدا في اللهجة الديبلوماسية بل توتّرا في العلاقات بين باريس وروما، بسبب تدبير الهجرة. ووصل التوتّر إلى قمته، بسبب السفينة الإنسانية «اكواريوس «التي كانت تقل 600 من أطفال ونساء مهاجرين ولاجئين، والتي رفضت إيطاليا ومالطا السماح لها بالرسو، واستقبلتها في آخر المطاف اسبانيا، لأسباب إنسانية، ومن أجل إنقاذ ماء وجه ماء أوربا . وقبلت فرنسا استقبال جزء من هؤلاء اللاجئين، الذين وصلوا إلى مرسى بمدينة فلانسيا.
ايمانويل ماكرون، استقبل بقصر الاليزيه رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي بسبب هذه الازمة، في محاولة لتجاوز أسبوع من التوتر بين البلدين، بسبب الجدل حول الهجرة، ومن أجل إعداد القمة الأوربية، التي تنعقد في نهاية الشهر حول نفس الموضوع بالعاصمة الاوربية بروكسيل.
قمة الاليزيه، هدأت من التوتر في العلاقات بين البلدين. التصعيد بينهما، انطلق بين البلدين الحليفتين والمؤسسين للاتحاد الأوربي، بعد أن رفضت إيطاليا السماح برسو سفينة «اكواريوس» ،التي كانت تقل مهاجرين غير شرعيين. وكانت انتقادات الرئيس الفرنسي لهذا السلوك الإيطالي وراء التّوتر بينهما، والذي قال إن «سلوك الحكومة الإيطالية معيب ولا مسؤول»، وهو ما فجر انتقادات إيطالية نحو فرنسا خاصة أن الحكومة مشكلة من حزب شعبوي «خمس نجوم» وحزب رابطة الشمال وهو من اليمين المتطرف اللذين تمكنا من الفوز بالانتخابات التشريعية الأخيرة، وتشكيل حكومة . وهي الأولى من نوعها يغلب عليها التوجه الشعبوي، والتي قررت رفض استقبال كل سفن الانقاذ التي تحمل على ظهرها مهاجرين أو لاجئين، كما جرت العادة في إطار الاتفاقات الأوربية والدولية.
في بداية هذه الأزمة، هددت الحكومة الإيطالية بعدم حضور رئيس الحكومة قمة الإليزيه، قبل أن تنفرج العلاقة بعد مكالمة هاتفية بين الرئيس الفرنسي ورئيس الحكومة الإيطالية، لتعلن الحكومتان في بيان انعقاد اللقاء. وأكد البيان أن «ماكرون لم يدل بأي تصريحات تهدف إلى إهانة إيطاليا أو الشعب الإيطالي، من أجل التهدئة، دون أن يقدم الرئيس الفرنسي أي اعتذار كما كانت تطالب إيطاليا.
ومن المتوقع أن تشهد الأزمة بين البلدين خلافا واصطداما كبيرا في المستقبل. وهي ليست أزمة وليدة اليوم بل منذ 2011 بعد انهيار نظام القدافي، والتدفق الكبير للهجرة من ليبيا وتونس نحو إيطاليا.
تبادل الاتهامات حول تدبير هذه الأزمة بين باريس وروما، ليس هو الأول بينهما فقد سبقته عدة احداث متفرقة حول الحدود الفرنسية الايطالية، وحول تدبير تدفق الهجرة الذي يصل إلى ايطاليا، التي تشتكي من باقي البلدان الأوربية لعدم استقبال حصتهم من هذه الهجرة، كما نصت على ذلك مختلف الاتفاقات الأوربية. وهو ما جعل العلاقات تعرف نوعا من التوتر بسبب هذا الملف، بل هناك من لا يتردد في تفسير وصول أحزاب شعبوية على رأس الحكومة الإيطالية بسبب تدبير ملف الهجرة المتدفقة نحو إيطاليا في السنوات الأخيرة وطريقة تصرف باقي الأطراف الأوربية.
وقد استدعت إيطاليا السفير الفرنسي مرتين في الأسابيع الأخيرة بسبب قضايا الهجرة.والمرة الأخيرة كانت الاسبوع الماضي بسبب تصريحات الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون بعد ازمة سفينة «اكواريوس». والمرة الأولى كانت في 30 مارس الأخير، بعد أن قام موظفو الجمارك الفرنسيون بتفتيش مهاجر سري فوق الأراضي الايطالية في مقر إحدى الجمعيات الايطالية، وهو ما اعتبرته روما سلوكا غير مقبول ومسا بسيادتها.
وتسعى إيطاليا من خلال سلوكها الجديد، لرفض استقبال بواخر الانقاذ التي تحمل مهاجرين غير شرعيين للتعبيرعن احتجاجها على السياسة الأوربية في هذا المجال. وطالب كونتي رئيس وزراء ايطاليا بضرورة إعادة النظر في ا»تفاقية برلين» حول الهجرة، والتي تنص على « أن الدولة التي تسجل اللاجئين لأول مرة، مجبرة على أن تتابعه حتى النهاية، مما يفرض على دول الدخول والتي توجد جنوب اوربا الثقل الأكبر من ضغط الهجرة.» وهذه الدول هي: ايطاليا،اسبانيا واليونان التي تعتبر بوابة أوربا عبر البحر المتوسط.
وقد تسبب تدبير هذا الملف بين البلدان الاوربية في أزمة عميقة بعد أن رفضت العديد من البلدان أن تلتزم بحصص محددة من المهاجرين، التي يكون عليها إلزاما استقبالها. وهذا الرفض هو ناتج عن الصورة السلبية للرأي العام الأوربي عن الهجرة القادمة واللاجئين بالإضافة إلى تزايد الأحزاب الشعبوية، التي تشارك في حكومات، كما هو الشأن بالنسبة إلى النمسا أو تترأس الحكومة على غرار هنغاريا أو ايطاليا.
والأوربيون منقسمون حول تدبير ظاهرة الهجرة، ووجود أحزاب متطرفة ترفضها،مما يزيد من تعقيد الوضع كما حدث مع سفينة الانقاذ الانسانية «اوكواريوس».
لم تتردد المستشارة الالمانية في التصريح بأن تدبير ملف الهجرة، سوف يكون «اختبارا لمستقبل الاتحاد الاوربي «، أي استمراره من عدمه. وفي نفس الاتجاه، صرح رئيس البرلمان الايطالي، انطونيو تاجاني بأن مسألة إدارة تدفق المهاجرين ،هو رهين بمدى «استمرارية « الاتحاد الاوربي. وهو ما يجعل الأوربيين أمام تحدٍ كبير.
وسيناقش المجلس الأوربي الذي سوف ينعقد يومي 28 و29 يونيو المقبل عدة قضايا أوربية .ومن المتوقع أن تطغى عليه قضية الهجرة واللجوء في أوربا.
لقد أصبحت الهجرة وتدبيرها موضوعا يخيف الحكومات الأوربية ، نظرا لموقف الرأي العام الذي أصبح ينظر لها بشكل جد سلبي، وكانت احد اسباب مغادرة بريطانيا للاتحاد الاوربي، بعد أن استغلت الأحزاب الشعبوية والمحافظة لهذا الموضوع أثناء الحملة حول الاستفتاء، من أجل خروج بريطانيا من مؤسسات الاتحاد. وهو ما تحقق اليوم.
ويهدد هذا الملف بإسقاط حكومة الائتلاف بألمانيا التي تترأسها انجيلا ماركيل، وقد كاد يعصف بالعلاقات الفرنسية الايطالية بسبب عدم استقبال سفينة إنقاذ إنسانية . فهل سيتوصل الأوربيون إلى حل لتدبير هذه الظاهرة الكونية،والتي تزايد حجمها بسبب بؤر التوتر بالمنطقة، وبسبب الجفاف في مناطق أخرى، أم أن التيارات الشعبوية، ستنجح في اكتساح الساحة السياسية بأوربا، التي ستدير ظهرها لجيرانها الجنوبيين،ليتحول البحر المتوسط من ملتقى للحضارات إلى جدار يفصل بينها. وربما تحكم أوربا أحزاب سوف تطالب بوضع جدار بين جنوب وشمال البحر المتوسط على غرار الجدار، الذي يطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ببنائه.وهو المشروع الذي يتعثر حتى الآن بسبب رفض الكونغريس الامريكي لتكلفة الباهظة له، والذي إذا ما تحقق، سوف يفصل الولايات المتحدة الامريكية على جارها الجنوبي المكسيك، وسيكون رمزا بل نموذجا لبناء جدران أخرى عبر العالم، لتنتصر المقاربة الأمنية و»سياسة الجدران « على المقاربة التنموية لحل إشكالية الهجرة بين عدة مناطق، بسبب الحرب والتحول في المناخ.
أوراق مهاجر : هل تعصف الهجرة بالعلاقات بين فرنسا وإيطاليا؟ 6
الكاتب : يوسف لهلالي
بتاريخ : 08/08/2018