ديوان فتيحة فوكاني « هوامش عاشقة» الصادر عن دار التوحيدي في طبعته الأولى سنة 2017، تجربة شعرية خاصة تفتح نافذة على ما يميز العلائق الإنسانية من تفاعل، وما تتركه من تأثير بالغ في حياة أطرافها، حيث تبدو خلالها الحاجة إلى الآخر رحيق حياة ومدى لأفق رحب تتسع فيه الآمال وتكبر الأحلام. رحلة حياة مشتركة تطيب سويعاتها وتتجمل كل الأشياء التي تؤثث فضاءاتها وممرات عبورها، حيث يصير لها أكثر من معنى في مسار الأشخاص باختلاف نوعهم وطبيعتهم، يكون اللقاء ويشتد أوار العشق وتتفتق كل المشاعر، ثم يخبو لهيب الاشتياق وتتطاير الأحلام كسديم رماد.
القراءة الأفقية لقصائد « هوامش عاشقة» ومن خلال تركيب عناوينها ، يتجلى ما تختزنه الذات من لوعة وحر اشتياق، وعموديا تطفح بنية القصائد بزخم من المشاعر وتأوهات اللوعة وزفرات الحسرة والانكسار.
في القراءة الأفقيــــة
في موعد مع الهمس تعانقت ترانيم الغواية، فكان عناق ابتسامة البحر ودهشة رقصة المخاض، فاح عطر الأنفاس المتعانقة، في أحضان زبد موج ولا بحر، شظايا ولا رماد. فعلا خشوع ليطوي خواء ضلال قمر وبقايا نغم، ما كان ليكون صدى لغياب تشظى، كليل اشتياق شفاه ينثر حفيف نسائمه هواء مشتهى. أداري ملامتي فتنجلي معزوفة الانتظار وشما على جنبات مرآتي وأهفو للبوح بلوعة اشتياقي وحنيني. هي آهات عشق ولوعة اشتياق متتالية، تطفح ببوح وجداني يستقرئ مشاعر ويعبر عن لواعج ذات عاشقة، يسكنها وجد دافق مثقل بندي الآهات. ترانيم شعرية تحكي تفاصيل رجات وجدان في تجربة إنسانية منفلتة هاربة من كل طوق، فتحت كل مباهجها على صراط الحالمين بآمال انصهار الذات في مروج تفتقها. بنفس شعري باذخ تفتح الشاعرة فتيحة فوكاني بساتين مهجتها لتعفر فضاء الشعر بزنابق، سكت عباراتها من زلال دمها حين أصاخت السمع لدبيب ذاتها، لتسمو برقة مشاعرها إلى مدارج التجلي حيث تصير الذات العاشقة حقيقة عشق آسر، يشد الأنفاس ويؤجج هزات الرنين في دواخل سامعها أو المنقولة إليه.
في القراءة العمودية
في سرد تركيبة قصائد الديوان، يتجلى بوح نسائي متفرد، رسائل غير مشفرة تكشف فورة المشاعر ورقة الإحساس في تفاعل رائق مع الآخر المعشوق أو المشتهى، ضمنتها الشاعرة كل لحظات لوعتها واشتياقها، قصائد بهية مثقلة بظلال زمن انصهارها ومعطرة بنسائم أنفاس انبلاجها، لا شيء يخفي ما تطفح به مكامن الروح، تعلو العبارة فوق كل احتراز أو تخفي وراء المعاني أو الإشارات العابرة.
الحب، الاشتياق والحسرة…في أجوائها تأخذ الكلمات كل معانيها وتسعى لإبراز مقاصدها بكل التجلي والسمو المطلوب، لا وقت للعب بالكلمات. هي لحظة تعيد الحياة لأواصر مودة تقلصت مسافات توهجها، وتناثرت على جوانبها بقايا ذكرى وأحاسيس خذلان.
في تفاصيل التجلي يطفح مطلع الديوان بنبض الاشتياق واللوعة، لهفة اللقاء وبهجة العناق في سفر الحلم الوردي الناعم، سحر اللحظات وتفتق مباهج الروح.
في موعد
« سأقطف لك الليلة نجما أزين به أرجوحة فوق الغيم وأواعدك على ضفاف الحلم «
في همس
« اقترب أكثر فأكثر دع بحر جنوني يحضنك لتصبح فيه أجمل فأحبك أكثر»
….
هنا العطر، هنا البوح ونبضك يغازلني، يراقصني،
يزرعني رذاذا في الغيم فأزهر لأني أحبك أكثر «
هي لحظات إشراق تنضح عشقا، تجملها تراتيل مناجاة حبيب وآهات رعشة امتلاء، وبوح تعطره البهجة ويلفه انشراح غامر بين أحضان من تهفو الروح لسنا بسمته ورقرقة كلماته. تتدفق اللحظات، تسمو وتنحسر، يليها تيه مضمخ بالشجن ورجات الانكسار، فتغيم المسافات ما بين الصب وسديم الهجر، ليل قاتم وسهاد قاتل ورجع صدى لأبهى الهنيهات.
لا يليق بك
هل آلمك عشقي؟
شرد مني الليل
وانفرطت نجومه
كانت تزين جيدي
وهو يستقبل قبلاتك
……
رجــــاء
تعال حيث …
دفء
قلبي
أشعل الغروب
فتنة
ليصمت
عويل الرحيل
ارتواء
في المساءات
الذابلة،
تورق عيوني…
نسيم اشتهاء،
تتلبد السماء،
أستجدي عفتها،
أرشف شوقي….
حد الارتواء.
هكذا ترتقي العبارات للتعبير عن كل ما تعج به الذات العاشقة، وتنثر في هدوء وانفعال تباريح الأمل والأحزان، شظايا أشجان وبريق بهاء روح تستكين في أحضان ذكرى يلفها حنين وشوق مترع للقادم من زكي الأيام.