أَنَا الزِّنْجِيُّ

 
(1)
أَنَا الزِّنْجِيُّ
لَا أَطْمَعُ فِي شَمْسِ الشَّمَال
جَشِعٌ لِشَمْسِ الْجَنُوب
لِبُيُوتِ الْقَشِّ الَّتِي تَعْرِفُ سُحْنَتِي
قَدَمَيَّ الْحَافِيَتَيْنِ نِكَايَةً فِي الْأَحْذِيَة
لِغَابَاتٍ تُسَبِّحُ لِرِيحِ اللَّه
لِصَحَارِي تُمَجِّدُ إِشْرَاقَةَ الْقَوَافِلِ
الْقَوَافِلُ النَّجِيبَةُ فِي رِعَايَةِ التِّيه
(2)
أَنَا الزِّنْجِيُّ
أَحْرُسُ تُخُومَ الْبِدَايَاتِ
أَرْعَى مَكَائِدَ الرَّيْب
جَلَبَةَ الْيَقِين
مُشَاةَ الْحَرْب
تَمَاثِيلَ الْمَعْطُوبِينَ النَّازِحِينَ إِلَى الْمَوْتِ
وَأَرْقُصُ عَلَى إِيقَاعِ الْمُزَنْجَرَاتِ الَّتِي يَسْكُنُهَا دَمٌ أَسْوَد
صُرَاخ ُالْقُيُودِ فِي أَيْدٍ تَعْشَقُ رَمْلَ النِّهَايَات
وَتُعَانِقُ سَمَاءَ الْأَسَاطِير
(3)
أَنَا الزِّنْجِيُّ
مَدَايَ صَحْرَاءُ
حَيَاتِي … نَخْلِي …رَمْلِي … قَبْرِي امْتِدَادُ الصَّحْرَاء
حُلْمِي مُتَوَسِّطُ الْبَيَاض يَتَجَوَّلُ بِلَا تَأْشِيرَةِ فِي رَحَابَةِ الْحَيَاة
يَحْلُمُ بِغُيُومٍ حُبَلَى بِخُبْزِ يَخْرُجُ مِنْ جُرْحِ الرَّمْلِ
يَسْتَنِدُ عَلَى وِسَادَةِ غَابَةٍ تَنْبَحُ فِي وَجْهِ مِنْشَارِ رُعَاةِ الْبَقَر
وَجَرَّافَاتِ اللُّورْدَاتِ الطَّافِحِةِ بِعَرَقِي
الْفَاقِئِةِ عَيْنَيَّ بِوَهْمِ الْأَنْوَار
وَ حَضَارَةِ النُّحَاس
(4)
أَنَا الزِّنْجِيُّ
لَسْتُ مُرَوِّضَ قُرُودِ
وَلَا أُسُودٍ
أَنَا مُرَوِّضُ الْأَمَلِ لِشَمْسِ الرُّوح
لِي تَارِيخٌ يَصُولُ فِي بَرَارِي الْكُثْبَان
وَمَخْطُوطَاتُ تَامْبُوكْتُو تَكْتُبُ سِيرَةَ الْأَسْلَافِ
تَحْتَ ضَوْءِ الْقَمَر
لِي عَزْفٌ خَارِجَ الْعَادَةِ عَلَى مَقَامِ السّامْبَا
يَعْوِي فِي بَرَارِي الْخَيْزُرَان
فِي ذَاكِرَة  الْمَايَا
(5)
أَنَا الزِّنْجِيُّ
مَالِكُ مِلْحَ الْأَرْض
وَقَمَرَ الشُّرُفَات
خَلِيلُ النَّخِيل فِي ضَاحِيَةِ التِّيه
رِفَاقِي أيَائِلُ الْغَابَات وَفَاقِدُ صُبْحِ الْحَيَاة
(6)
أَنَا الزِّنْجِيُّ
خَارِجٌ مِنْ لَيْلٍ إِفْرِيقِيٍّ
أَحْمِلُ مِصْبَاحَ الشَّمْسِ فِي كَفِّي
وَفِي شَرَايِينِي تَتَوَهَّجُ نَخْوَةُ الصَّحْرَاء
خَلْفِي طُبُولُ الْأَدْغَالِ تَزُفُّ سَرَائِرَ الْغَابَات
لِلْقَادِمِينَ مِنْ عُزْلَةِ الْجَلَبَة
لِلرَّابِطِينَ فِي تُخُومِ الصَّمْت
وُعُولُ الْأَحْرَاشِ تَزْرَعُ آثَارَ الرَّاحِلِينَ
فِي رمْلِ التِّيه
تُصَاحِبُنِي أَنَاشِيدُ نِسْوَةٍ يُسَبِّحْنَ لِوَجَعِ الْآتِي
يَرْقُصْنَ عَلَى إِيقَاعِ الطَّامْ طَامْ
وَنَزِيفِ الْقيثَارَة
(7)
أَنَا الزِّنْجِيُّ
الدَّاخِلُ مَتَاه َ رَاْسِي
أَزْرَعُ خَيَالَاتِي فِي بَاطِنِ الجُرْح
أَرَانِي مُثْقَلاً بِالْمَنَافِي
بِنَزِيفٍ ضَارِبٍ فِي الصَّدِيد
تَتْبَعُنِي ظِلَالِي الْعَارِيَةُ مِنْ ظِلَالِي
حَيْثُ لَا شَجَرُ الْأَسْلَافِ
لَا مُتُونُ الْعَابِرينَ تَذْكُرُنِي
تَذْكُرُنِي قُيُودُ اللَّيْل
قَمَرٌ شَاحِبُ فِي السُّمْرَة
قَوَافِلُ سَارِقِي الْمِلْحِ مِنْ عَرَقِي
بَوَاخِرُ الشَّمَالِ اللَّامِعَةُ بِذَهَبِ الْجَنُوب
يَذْكُرُنِي الْحَصَى
وَتَلْعَنُنِي وَاحَاتُ الْسَّأَم
(8)
أَنَا الزِّنْجِيُّ
حَارِسُ الْأَدْغَال
صَوْتِي فَحِيحٌ فِي حُنْجُرَةِ الْقَصَب
خَطْوِي حَفِيفٌ عَلَى أَدِيمِ الْعُزْلَة
حَاءٌ حَيْرَةُ الْحَصَى فِي عِزِّ الْخَطْو
صَادٌ صَيْفٌ يَلْوِي عُنُقَ الْوَقْت
أَلِفٌ أُرْجُوحَةٌ تُدَاعِبُ رِيحَ الْفَرَاغ
وَدالٌّ دَبِيبُ الْحَصَى حِينَ يُنَاوِشُ قَدَمَيَّ
حَصَادِي حَصًى
سَرِيرِي حَصًى
أَرْضِي حَصًى
سَمَائِي تَحْفَظُ وَجَعَ الْحَصَى
حُلْمِي يَسْكُنُهُ نَصْرُ الحصَ
وَمَدَايَ حَصًى يَتْلُو مُتُونَ الْحَصَى


الكاتب : صالح لبريني

  

بتاريخ : 14/09/2018