فــــي ســؤال تمثيل المـــثقف وتعارضاتــــه

1 ـ لا أستسيغ حالة النكوص النفسي الذي أصاب نخبنا الثقافية خلال السنوات القليلة الماضية. هناك حالة خانقة من التشاؤم والسلبية أصابت الذائقة الثقافية، مع ميول ظاهر للخوف من المستقبل والانتقائية الزائدة تدفع بجهل كامن وتسويف ذاعر للمحيط الاجتماعي والسياسي والخلفيات الايديولوجية الأخرى.
لا يستطيع المثقفون، وهم عنوان العزة والكرامة، ومفتاح التفكير والإبداع، الاتفاق حول مبدئية القيم وانسجامها مع السيرورات وفواعل التنمية، ولهذا تجدهم في كل واد يهيمون، يقولون ما لايفعلون، ويحقدون ويعادون بعضهم بعضا.
مخطىء من يعتقد صلاح البلاد دون إشراك الثقافة في التمكين والاستدلال والتدبير والاستثمار. ومع أن الحاجة إلى هذه الشراكة تعكس رؤية تنبثق عن إرادة وخبرة وحكمة في التنظيم والاستنباط والملاءمة، إلا أن الحاجة إلى العقل الناظم؛ مع القدرة على التفاعل مع المتغيرات الجديدة، يفسر بالواضح والواقع ضرورة استقلال الثقافي عن السياسي وتسويغ تصريفه في عمق الاستراتيجيات، وتأصيله في الأدبيات التنظيمية والإدارية الأساسية.
2 ـ إذا استحال الفعل الثقافي إلى مجرد انتداب تجاري أو ماركة لتحويل العمل التطوعي إلى مجاز فرداني لتشتيت الجهد والتفكير وتقويض الحراك الاجتماعي، فإن الوازع الأخلاقي يفرض حضوره القيمي، بما يعني إعادة النظر في السلوكيات التي أضحت مع الأسف الشديد تتجدر وتأخذ أبعادا تنأى بالمجتمع المغربي عن رهاناته التي ينشدها، من أجل استيعاب قوة المرحلة القادمة، التي تشكل في مرآة التاريخ والمسؤولية نزعا من الردة والتصادم .
صحيح أن الاقتراب من إشكالية المثقف والسلطة يضعنا أمام أسئلة احتيالية وغارقة، من مثل خيانة المثقفين، وأنواع التنميط والجمود الذي يلازمهم، ومحددات الخطاب الذي يواجهون به الرموز السلطوية وصورة المثقف الانقلابي، بيد أن أهمية ذلك يمكن تلخيصها في الأبعاد الجوهرية التي حددها إدوارد سعيد في كتابه العميق « المثقف والسلطة»، حيث يعتبر «أن لا شيء يهدِّد واقع المثقَّف إلا الطابع اللاعقلاني الذي يخرج عن دوره الحقِّ في النقد على أسس عقلانية، أخلاقية وحتى سياسية، وأن لا يصبح المثقَّف مجرَّد «جوقة تردِّد صدى النظرة السياسية السائدة». فالمثقّفون هم الذين يعارضون المعايير والأعراف السائدة وينزعون نحو مساءلة الرموز العامة والطعن بما هو سائد. أو إنهم يتخذون موقفًا يسمح بالتكيُّف والتوافق، بحيث ينحصر همُّهم في توفير «النظام والاستمرار في الحياة».
3 ـ سألني صديق عن فعل العزلة الاجتماعية في النفس البشرية؟ وكم كنت محرجا وأنا أخمن في المعنى الذي لا يؤذي مشاعر المنعزل، بالمفهوم النفسي اللاإرادي للعزلة كحالة سيكولوجية منفصلة عن الأفعال المجتمعية الأخرى، التي تؤثر في المحيط والعلاقات العامة والخاصة.
لا ينبغي التحول هنا، عند مقاربة ظاهرة اجتماعية منفردة من مجرد التعبير عن حالة مزمنة تؤثر على كافة عناصر تواجد الفرد، من حيث كونه يشكل أزمة ذاتية إلى مجموعة شواهد طارئة محددة للشخصية المنعزلة بمرجعياتها وتأثيراتها.
المؤكد أن التأثيرات السلوكية منها وغير السلوكية، والخلفيات التاريخية والبيئية تكرس جزءا ظاهريا لتفشي الانعزال، حيث تظهر الحدود الواضحة أكثر تميزًا عندما يكتمل تطور جزء الأنا في الشخصية النمطية وانكسارها تحت وقع المتغيرات العولمية الجديدة، وانفتاحها على كل الفلسفات الشخصانية المتوجسة من الفعل اللاإرادي، من حيث كونه يفقد سلطة تقييم معرفته بالحياة والمحيط الإجتماعي والعلاقات الاجتماعبة والإنسانية.
في كلمة واحدة، العزلة شكل جديد من أشكال تقسيم المجتمع وتغول مبنى الفردانية والنرجسية، بما يؤثر في قيم التسامح والتكافل والرحمة.
4 ـ لا يقوى أحد منا على التخلص من مأساة العيش، كل ما يستطيع فعله الإغماءة التي تسبق طفرة التفكير، وبعدها يستسلم للهزيمة!
لا أتحدث عن الفشل كقضية حياة أو موت. إني أعني بالفشل حماقة الإذعان له دون اكتراث بما ينتج عن مواجهته.
إذا كانت الحياة فرحا يعقبه حزن، وبكاء تعقبه ابتسامة، ونجاحا يعقبه فشل، أو فشلا يعقبه نجاح ، فالفشل نهاية غير سعيدة وفناء روحي محتوم .. غير أنني ألح على فكرة الفشل في العيش كمعنى من معاني الوجود، بما هو ضعف واختلال وإحجام عن مواجهة مصير ذبول الجسد وانفطاره.
5 ـ لا يتأكد أمر المحبة الإنسانية لمجرد الإيمان بها، ذلك أن جوهر معرفتها نابع من كونها غير مدركة بالإحساس المجرد.

* كاتب وباحث إعلامي


الكاتب : مصــطفى غَــلْمَـان*

  

بتاريخ : 14/09/2018