الوضع في ليبيا، تدخل الجزائر، اللواء السابع، ودور مجالس القبائل
قال محمد الأسمر البوزيدي، مدير عام مركز الأمة للدراسات الاستراتيجية، إن الحلول الممكنة لحل الأزمة الليبية تتركز في العودة لمعالجة الأسباب قبل معالجة النتائج، وذلك يتأتى بالرجوع إلى مجالس القبائل وأعيان المدن، لضبط الخارجين عن القانون اجتماعيا، والعمل على نزع سلاح الميليشيات وتسريح أفرادها ودمجهم في المجتمع المدني للتدريب المهني والتقني والتحول للإنتاج والخدمات والتبادل التجاري وأعمال البناء والتشييد، وتشكيل مجلس اجتماعي أعلى يضم مندوبين عن كل المدن والقبائل الليبية ويتولى شؤون البلاد لفترة انتقالية محدودة، يتم خلالها ترتيب انتخابات تشريعية، ومن ثم انتخابات رئاسية، بإشراف دول الجوار ومنظمات المجتمع الدولي، دون تدخل في الشأن الداخلي الليبي بل بصفة مراقبين غير منحازين لطرف دون الآخر.
قال محمد الأسمر البوزيدي في لقاء أجريناه معه بالهاتف لجريدة الاتحاد الاشتراكي من مكتبه في القاهرة إن أبعاد الأزمة في ليبيا متجذرة بما خلفته التدخلات الدولية سنة 2011، مضيفا أن ما تعانيه ليبيا اليوم هو نتائج كارثية أسبابها عدوان حلف شمال الأطلسي على ليبيا وقراري مجلس الأمن 1970 / 1973 الذي اتخذ ذريعة حماية المدنيين وقام بالقضاء على البنية التحتية للجيش الليبي ومراكز الشرطة والوحدات الإدارية الرقابية والخدمية، دون العودة إلى الشعب الليبي واستطلاع الآراء ميدانيا عبر مؤسسات الأمم المتحدة، مؤكدا أنه منذ سنة 2011 انقسم الشعب الليبي على نفسه بين معارض ومؤيد لما يسمى ( ثورة فبراير ) التي جاءت على ظهور الأساطيل الغربية وصواريخ الطائرات القاذفة، وأردف أن معظم مكونات الشعب الليبي الاجتماعية التي تتمثل في القبائل والمدن الليبية كانت ضد ( ثورة فبراير )، مثل قبائل ومدن ترهونة وبني وليد وورشفانة والمقارحة والمشاشية والاصابعة والقواليش و تاورغاء و غات و سبها والقذاذفة والجوازي و الفواتير اولاد الشيخ، وهذه في مجملها تشكل أكثر من ثلاثة أرباع الشعب الليبي، وفور انتهاء عمليات حلف شمال الأطلسي على ليبيا وتولي المجلس الانتقالي مهام السلطة كان هناك فراغ عظيم في مؤسسات الدولة التي استهدفها للقضاء عليها، مما أتاح الفرصة للجماعات المتشددة المنتمية لتنظيم القاعدة والإخوان المسلمين وأنصار الشريعة للسيطرة على زمام الأمور وتغلغل الاٍرهاب والخطف والقتل والنهب وإهدار مقدرات الدولة، وأن حدود ليبيا المترامية الأطراف ( حوالي 2 مليون كيلو متر مربع وشاطئ بحري بطول 2000 كيلو متر تقريبا) أصبحت خارج السيطرة ومنفذا للمهربين والفارين وعصابات التهريب وتجار السلاح مما شكل خطرا على ليبيا ودُول الجوار. وأضاف الأسمر أنه في ليبيا اليوم ثلاث حكومات (حكومة الإنقاذ والحكومة المؤقتة وحكومة الوفاق) كل منها يدعي الشرعية لنفسه، وأصبحت حاجات المواطن اليومية غير متاحة، فلم تعد تتوفر السيولة النقدية في المصارف ولم يعد بإمكان المواطن الحصول حتى على مرتبه أو جزء من مدخراته، مع انقطاع تام ومستمر للكهرباء على معظم مدن البلاد، وأزمة الوقود وغاز الطهي وكذلك تذبذب الإمدادات الطبية وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار بحوالي ستة أضعاف عما كان عليه في 2011.
وكرر الأسمر أن المشهد الليبي متخم بسيطرة وممارسات المليشيات المسلحة التي تهيمن على مدن بأكملها وتسير مؤسسات الدولة السيادية حسب أجندتها ومصالحها .
وذكر مدير عام مركز الأمة للدراسات الاستراتيجية أن ليبيا توالت عليها منذ 2011 أكثر من أربعة بعثات للدعم من قبل الأمم المتحدة لم تحرك ساكنا في الوضع الليبي، وأن حكومة الوفاق الوطني تقوم برفع غطاء الشرعية عن وحدات عسكرية تابعة لها بمجرد أن هذه الوحدات تقوم بدورها على الوجه الصحيح في تحقيق السيطرة والتأمين وملاحقة المليشيات الإجرامية لتقديمها للقضاء، وذلك نتيجة رضوخ هذه الحكومة لأوامر وتعليمات المليشيات. وفي سؤالنا عن الحلول الممكنة للأزمة الليبية قال البوزيدي إنها تتركز في العودة لمعالجة الأسباب قبل معالجة النتائج، وذلك يتأتى بالرجوع إلى مجالس القبائل وأعيان المدن لضبط الخارجين عن القانون اجتماعيا، والعمل على نزع سلاح الميليشيات وتسريح أفرادها ودمجهم في المجتمع المدني للتدريب المهني والتقني والتحول للإنتاج والخدمات والتبادل التجاري وأعمال البناء والتشييد وتشكيل مجلس اجتماعي أعلى يضم مندوبين عن كل المدن والقبائل الليبية ويتولى شؤون البلاد لفترة انتقالية محدودة يتم خلالها ترتيب انتخابات تشريعية ومن ثم انتخابات رئاسية بإشراف دول الجوار ومنظمات المجتمع الدولي دون تدخل في الشأن الداخلي الليبي بل بصفة مراقبين غير منحازين لطرف دون الآخر، وألا تتم محاسبة أحد مِمَّن تسبب في دمار وخراب ليبيا إلا عن طريق القضاء الليبي بمحاكمات عادلة وإجراءات عدلية، وفقا للقوانين واللوائح المعمول بها في ليبيا ووفقا لإجراءات ضبطية دقيقة.
وحول سؤالنا عن التدخل الذي أقدمت عليه الجزائر مؤخرا في شرق ليبيا، والذي أثار حفيظة الليبيين، قال محمد الأسمر البوزيدي إن الجزائر دولة شقيقة وعضو في اتحاد المغرب العربي وجامعة الدول العربية وتجمع دول الساحل والصحراء والاتحاد الإفريقي وتربطها بليبيا اتفاقيات تعاون وحسن جوار، ولكننا نرفض أي تدخل في الشأن الليبي إلا في إطار الدور المطلوب من دول الجوار في التنسيق المباشر لحفظ أمن الحدود المشتركة بالشكل الذي تنص عليه الاتفاقات والبروتوكولات الموقعة بين ليبيا والجزائر و كذلك إذا أتيحت الفرصة للشعب الليبي بإقامة انتخابات حرة ونزيهة وفقا للسياق الذي أشرنا إليه سابقا. فالليبيون يحملون ودا خاصا للشعب الجزائري وقد جمعت بينهم ملاحم بطولية في الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، نذكر منها معركة «إيسين» التي امتزجت فيها دماء الليبيين والجزائريين ضد المستعمر الفرنسي، رحب بهم حينها كأشقاء مراقبين حياديين في العملية التصالحية الليبية .وفي سؤالنا عن هوية اللواء السابع الذي قاد العمليات الأخيرة في طرابلس ضد الميلشيات، قال البوزيدي إن اللواء السابع مشاة هو قوة عسكرية نظامية تضم ضباطا وجنودا ليبيين محترفين من خريجي الكليات والمدارس العسكرية تم تشكيلها بقرار من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في شهر مارس 2017 ومقرها مدينة ترهونة التي تبعد 70 كيلو مترا جنوب غرب طرابلس وهي مكلفة بتأمين مناطق شاسعة تمتد إلى جنوب مدينة طرابلس ،ومنذ حوالي شهر تقريبا قامت قوة هذا اللواء بمواجهة وتعقب مجموعة من المليشيات المسلحة التي تُمارس الخطف والسلب والقتل جنوب العاصمة طرابلس . وأضاف الأسمر أن مواجهة مسلحة بين اللواء السابع مشاة وبعض المليشيات المسلحة القابعة في مدينة طرابلس وقعت، قائلا إن هذه المواجهات انتهت بتدخل بعثة الأمم المتحدة بعقد لقاء مصالحة بين الأطراف المتنازعة ونتج عنه إعلان هدنة لوقف النار إلا أن الميليشيات المؤدلجة لم تلتزم بها مما استوجب تنادي شيوخ القبائل الليبية من كل المناطق لعقد اجتماع موسع في مدينة ترهونة السبت 15 سبتمبر لتباحث تداعيات هذا الأمر.
ويعتبر مركز الأمة للدراسات الاستراتيجية الذي يديره محاورنا محمد الأسمر البوزيدي مركزا بحثيا متخصصا يهتم بقضايا الأمة العربية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتراثية، تأسس في مدينة بنغازي بليبيا في يناير 2018 ويتخذ من مدينة القاهرة مقرا مؤقتا له ويضم الأقسام البحثية التالية: قسم البحوث والدراسات والتحاليل السياسية، قسم الدراسات الاقتصادية، قسم التاريخ والحضارات العربية والتراث، قسم الدراسات الثقافية، مكتب قانون الدراسات العسكرية والاستراتيجية، المكتب الإعلامي، مكتب العلاقات
وقسم المنشورات والدوريات.