نشرت صحيفة «موند أفريك» الفرنسية تقريرا ذكرت فيه أن جهاز المخابرات الجزائري المعروف باسم دائرة الاستعلام والأمن، بقيادة الجنرال عثمان طرطاق، دخل في حرب خلف الكواليس مع جهاز المخابرات العسكرية الذي يشرف عليه رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني، أحمد قايد صالح.
وقالت الصحيفة، في تقريرها إن الرئيس الجزائري الراحل، هواري بومدين، كان قد تحدث عن السلطة في الجزائر، مشيرا إلى أن «الجيش يشكل العمود الفقري للبلاد والمخابرات تمثل نخاعها الشوكي». وإلى غاية اليوم، لا زالت هذه التصريحات تنطبق على ما يحدث اليوم في الجزائر.
وأفادت الصحيفة أن الجزائر تعيش مؤخرا على وقع أزمة على الصعيد المؤسساتي، حيث يطالب رئيس حزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، باستقالة رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري، السعيد بوحجة، وطرده من الحزب. ويبدو أن سبب هذا الخلاف يعود إلى تهديدات بحل البرلمان، وتعديل الدستور، وإنشاء منصب نائب للرئيس، وتأجيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي من المقرر انعقادها خلال سنة 2019.
وأشارت الصحيفة إلى أن سبب هذا التوتر، الذي يهز الطبقة السياسية، يعود إلى الحرب الدائرة خلف الكواليس بين أجهزة المخابرات الجزائرية، حيث من الممكن أن يسقط الجنرال عثمان طرطاق، المعروف باسم «بشير»، الذي يشغل حاليا منصب «منسق» بين أجهزة المخابرات الجزائرية.
وقد عُرف طرطاق، أيضا، خلال الحقبة السوداء بعدائه للإسلاميين، أما الآن فهو معروف بعدائه للجنرال قايد صالح.
تجدر الإشارة إلى أن قايد صالح قاد حملة تطهير كبرى خلال الصيف الماضي شملت صفوف الشرطة والجيش، حيث أضحى هذا الرجل بمثابة مركز ثقل السياسة الجزائرية. وقد استعان قايد صالح في ذلك برجال من جهاز المخابرات العسكرية الذين يتمتعون بنفوذ هام مع توليهم النظر في الملفات القضائية الخطيرة في خصوص قضية الكوكايين التي مست جزءا كبيرا من الطبقة السياسية والأمنية.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في خضم هذه الحرب، لم تتوقف حاشية الرئيس بوتفليقة خلال الأسابيع الأخيرة عن مهاجمة رئيس المجلس الشعبي الوطني، السعيد بوحجة، رغم أنه يحظى بالاحترام نظرا لانتمائه «للمجاهدين».
وينتمي بوحجة منذ القدم إلى جبهة التحرير الوطني. مع ذلك، بات رئيس المجلس الشعبي الوطني شخصا يجب إسقاطه في نظر الشق الغربي، خاصة وأن بوحجة من مواليد ولاية تقع في أقصى شرق البلاد على غرار قايد صالح، وهو ما جعل كلا الرجلين مقربين.
ومع الغياب المفاجئ للرئيس بوتفليقة الطاعن في السن عن الأضواء، وتعكر صحة رئيس مجلس الأمة، الذي يعوض بحسب الدستور الجزائري رئيس الجمهورية مؤقتا، قد تتم تسمية رئيس المجلس الشعبي الوطني على رأس الدولة إلى حين الاستعداد للانتخابات الرئاسية. لكن هذا السيناريو لا يروق لا للحاشية المحيطة ببوتفليقة، ولا للوزير الأول، أحمد أويحيى، أي للذين لا يخفون طموحاتهم الرئاسية.
وذكرت الصحيفة أنه من جانبه، أخذ السعيد بوحجة في التحرك من أجل تحقيق هذا الانتقال السلمي، حيث تحدث البعض عن لقاء جمعه مؤخرا بالوزير الأول السابق في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، الكولونيل مولود حمروش، أملا في أن يقدم نفسه كخليفة لبوتفليقة ينال رضا الجيش. لكن المعني بالأمر كذب ذلك في الصحافة الجزائرية. ويبقى الأخطر من ذلك بالنسبة لحاشية بوتفليقة، إقالة السعيد بوحجة للأمين العام للمجلس، الذي مر عبر الجنرال طرطاق إلى مجلس النواب.
وأضافت الصحيفة أن المعركة أخذت تحتد على الجبهة الإعلامية، حيث يوجه كلا الطرفين الضربات لبعضهما البعض، على غرار ما قام به مدير قناة «النهار» وموقع «ألج24»، أنيس رحماني، الذي لا علاقة له بأطراف الصراع لكنه يحظى بدعم سعيد بوتفليقة، شقيق رئيس الدولة. وقد قام رحماني بحركة متهورة حين سمح بنشر وثيقة على موقع «ألج24» تستنكر عجز رئيس جهاز المخابرات، الجنرال طرطاق، عن إيجاد تسوية لحل الأزمة السياسية، كما فعل سلفه والزعيم الفعلي للجزائر إلى حدود عام 2015، الجنرال توفيق. كما أشادت الوثيقة ذاتها بقوة شخصية رئيس المجلس الشعبي الوطني، السعيد بوحجة.
متابعات قضائية
وأكدت الصحيفة أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، حيث مع تعرض صاحب الوثيقة، الصحفي إسماعيل جربال، إلى تهديدات باستجوابه لدى مخابرات طرطاق، لم يتردد مدير قناة «النهار» في مهاجمة «منسق» أجهزة المخابرات بقوة خلال مكالمة هاتفية جمعته بأحد المتعاونين مع طرطاق.
وقد جاء في هذه المكالمة أنه «إذا أردت التحدث للصحفي الذي يعمل لصالحي، فقم بإصدار بطاقة إيقاف في حقه، وسنمدك بالإجابة». وفي محاولة لإهانة طرطاق أكثر، تم نشر المحادثة الهاتفية على العلن، في سابقة فريدة من نوعها في الجزائر. لكن، يبدو أن أنيس رحماني يحظى بدعم طرف رفيع المستوى في الدولة. فهل ينتمي هذا الطرف إلى العسكر؟ أم أنه سعيد بوتفليقة نفسه الذي تخلى عن طرطاق؟
وأضافت الصحيفة أن موازين القوى لا يبدو أنها تميل اليوم لصالح أصدقاء الجنرال طرطاق، الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الإقالة عوضا عن تعزيز مكانته. ويبقى الاتفاق على تسمية خليفة للرئيس رهينة التوافق بين مؤيدي عبد العزيز بوتفليقة وبين المقربين من رئيس أركان الجيش الشعبي، قايد صالح، وهو ما قد يتطلب بضعة أسابيع أو أشهر طالما أن النظام الجزائري تعود على أن تدوم السلطة له.
وكانت وسائل إعلام جزائرية قد كشفت، الأحد الماضي، أن القضاء العسكري بمحافظة البليدة وسط الجزائر، شرع في سماع أقوال 5 ألوية كبار، متهمين في قضايا فساد، ويشمل التحقيق القائم معهم تهم الثراء غير المشروع واستغلال الوظيفة السامية.
وحسب المعلومات التي كشفتها صحيفة النهار، فإن أسماء الضباط الذين شملهم التحقيق هم كل من القائد السابق للدرك الوطني، مناد نوبة، والقائد السابق للناحية الأولى حبيب شنتوف، بالإضافة، إلى اللواء سعيد باي، القائد السابق للناحية الثانية، ومدير المصالح المالية بوزارة الدفاع اللواء بوجمعة بودواور، والقائد السابق للناحية الرابعة، اللواء عبد الرزاق الشريف.
وسحب قاضي عسكري بالبليدة، في سبتمبر، جوازات سفرهم، بعدما كان قد صدرت في حقهم قرارات منع من السفر.
وجاء قرار القاضي العسكري بعد مغادرة اللواء سعيد باي الجزائر، رغم قرار منعه من مغادرة التراب الوطني رفقة عائلته.
وكان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قد أجرى خلال الأشهر الماضية تغييرا مفاجئة شملت سبعة من كبار جنرالات الجيش والدرك والشركة والمخابرات، فجرت جدلا واسعا في البلاد وتحولت إلى حديث لدى الرأي العام والخاص، ومادة دسمة بالنسبة للمحللين خاصة وأنها تزامنت الانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع 2019، وكانت البداية في شهر ماي الماضي، عندما كشفت الرئاسة الجزائرية عن إنهاء مهام الجنرال عبد الغني هامل، قائد جهاز الشرطة، وبعدها بأسبوع تم الإعلان عن إنهاء مهام قائد سلاح الدرك الوطني اللواء مناد نوبة ليعلن بعدها تباعا عن إنهاء مهام أقوى الجنرالات وأقدمهم في الجزائر والمعرفون بقربهم من رئاسة الجمهورية.
وفتحت هذه الإقالات المجال أمام أسئلة عدة حول خلفياتها وأسبابها، في وقت قال رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحي، مؤخرا، إنها تغييرات عادية ومن صلاحيات رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، باعتباره القاضي الأول في البلاد ووزير الدفاع، وجاءت بمراسيم رئاسية موقعة منه وليس لها أي علاقة بما يثار حول علاقتها بما بات يعرف شعبيا بقضية كمال البوشي أو الرئاسيات أو غيرها مما يثار حول الموضوع.
مناطق الجيش
وتنقسم الجزائر في الجغرافيا العسكرية إلى 6 نواح، تعود صلاحيات التعيين والإقالة في قياداتها إلى رئيس الجمهورية باعتباره دستوريا وزير الدفاع الوطني والقائد الأعلى للقوات المسلحة. وغالبا ما تتمتع قيادات النواحي العسكرية بالاستقرار ولا تخضع لمنطق التعيين والإقالة السريع كما هو الحال بالنسبة للسلطات المدنية التي دأب الرئيس على تغييرها بشكل دوري. وعُرف عن الألوية الذين تمت إقالتهم تقلبهم الطويل في مراكز المسؤولية العليا بالجيش، واشتهر بعضهم بقوة في فترة العشرية السوداء بالمناطق الساخنة على خط المواجهة بين الجيش والجماعات الإرهابية.
وفي السياق نفسه، أقيل قائد المديرية المركزية لأمن الجيش، اللواء محمد تيرش، وتم استبداله باللواء بلميلود عثمان، مدير مركز التحقيقات العسكرية. كما أقيل أيضا العميد بن عتو بومدين، المراقب العام بوزارة الدفاع، وتعويضه باللواء حاج زرهوني الذي كان يشغل منصب مدير مركزي في معتمدية الجيش. ويضاف ذلك إقالة اللواء بوجمعة بودوار، المدير المركزي للمالية في الجيش، وكذلك اللواء مقداد بن زيان، مدير المستخدمين في الجيش.
وبدأ مسلسل الإقالات رسميا بإنهاء مهام اللواء عبد الغني هامل، المدير العام للأمن الوطني، واستبداله بمصطفى لهبيري الذي كان مديرا عاما للحماية المدنية. تبعته بعد ذلك إقالة مناد نوبة، قائد جهاز الدرك الوطني، الذي يتمتع باستقلالية في التسيير رغم خضوعه للمؤسسة العسكرية واستبداله باللواء غالي بلقصير. وجاءت هذه الحركة المفاجئة على رأس جهازي الشرطة والدرك في أعقاب تفجر قضية الكوكايين التي تم حجزها في ميناء وهران، وما ميّزها من اضطراب كبير على أعلى المستويات، خاصة بعد تصريحات اللواء عبد الغني هامل التي طعن فيها بشكل مباشر في التحقيقات الأولية التي قام بها جهاز الدرك.
وأدى تزامن إقالة كبار الضباط مع قضية الكوكايين وتوسع التحقيقات حول المتهم الرئيسي فيها، كمال شيخي، إلى ظهور العديد من القراءات التي تتحدث عن وجود علاقة بين الأمرين، في ظل الأخبار التي تحدثت عن علاقة شيخي بالعديد من المسؤولين وأقربائهم. وما زاد في غموض هذه الحركة، أنها تمت عن طريق «التسريبات»، حيث لم يجر تداول أغلب الأسماء التي تمت إقالتها في القنوات الرسمية، فلم تظهر بيانات رئاسية أو تأكيدات في وكالة الأنباء الجزائرية أو وزارة الدفاع الوطني، وهو ما أعطى الانطباع بأنها تمت في الأيام الأخيرة فقط، ولم يكن مرتبا لها بعناية، ما فتح الباب أمام ترديد الكثير من الإشاعات حول حقيقة ما يجري داخل الجيش، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في 2019.
وغالبا ما تخرج تعيينات وإقالات كبار الضباط عن طابعها الوظيفي الإجرائي، ويتم تأويلها سياسيا في إطار توازنات وترتيبات النظام الذي تشكل المؤسسة العسكرية أحد أهم مفاصله. ويزداد الأمر حدة في الفترات السياسية الحرجة، على غرار المرحلة الراهنة التي لم تتحدد فيها معالم الرئاسيات بعد، وهو ما يمنح لكل القرارات الكبرى تفسيرات متعددة ومتضاربة.
حرب بأبعاد سياسية
شهد الجيش الجزائري أكبر عملية تغيير في قيادات الصف الأول وقادة مراكز حيوية وحساسة منذ عقود، شملت قادة المناطق العسكرية والشرطة العسكرية ومكتب التحقيقات، لكن هذه التغييرات التي جاءت متزامنة مع حملة تغييرات شاملة مسّت باقي الأجهزة الأمنية والدرك، طرحت حزمة من التساؤلات في الجزائر، بشأن علاقتها بالاستحقاق الرئاسي المقبل، وكثيراً من الجدل بشأن بسط قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح لسيطرته على المؤسسة العسكرية لصالح محيط الرئاسة.
خلال فترة وجيزة نفذ قائد أركان الجيش الجزائري، باسم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، سلسلة تغييرات عميقة في قيادة المناطق العسكرية، فتمّت إقالة اللواء شريف عبد الرزاق قائد المنطقة العسكرية الرابعة ومقرها ورقلة، والتي تدخل ضمن نطاقها مسؤولة حماية المنطقة النفطية الممتدة في الصحراء الجزائرية جنوباً. وعبد الرزاق أحد أبرز صقور المؤسسة العسكرية، وعين خلفاً له اللواء حسان علايمية. كما أقيل قائد المنطقة العسكرية الثانية ومقرها وهران، غربي الجزائر، اللواء سعيد باي، ونُصّب اللواء مفتاح صواب خلفاً له. وأقيل قائد المنطقة العسكرية الأولى التي تدخل ضمن نطاقها العاصمة الجزائرية، منطقة الوسط، اللواء حبيب شنتوف ذن، وعين خلفاً له اللواء علي سيدان. كما اختير اللواء محمد عجرود قائداً جديداً للناحية العسكرية السادسة بتمنراست، جنوبي الجزائر.
وإضافة إلى قادة المناطق العسكرية، فقد شملت الإقالات عدداً من القيادات في المقرّ المركزي للجيش، بينهم قائد المديرية المركزية لأمن الجيش، اللواء محمد تيرش، الذي استُبدل باللواء بلميلود عثمان، مدير مركز التحقيقات العسكرية. وطاولت التغييرات المراقب العام بوزارة الدفاع العميد بن عتو بومدين الذي تم تعويضه باللواء حاج زرهوني، والمدير المركزي للمالية اللواء بوجمعة بودوار، ومدير المستخدمين في الجيش مقداد بن زيان. وجاءت هذه الإقالات ضمن سياق متزامن مع سلسلة من التغييرات مست جهازي الدرك وجهاز الأمن العام منذ نهاية شهر يونيو/ حزيران الماضي، بعد إقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قائد جهاز الدرك اللواء مناد نوبة، وقائد جهاز الأمن العام اللواء عبد الغني هامل، وقائد جهاز الاستخبارات التابعة للشرطة نور الدين راشدي.
وعزا قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح هذه التغييرات إلى «رغبة الجيش في جعل التداول على المناصب تقليداً عسكرياً راسخاً وسنة حميدة، تتيح فرصة تحفيز القدرات البشرية، وتثمين خبراتها الغنية والمتراكمة وتشجيعها على مواصلة بذل المزيد من الجهد على درب خدمة جيشنا، الذي يتجه نحو المزيد من الاستفادة من تجارب واحترافية ومهارة إطاراته». وأشار إلى أن «مقياس الجدارة ومعيار الاستحقاق هما منارة الطريق الأصوب الذي نسلكه دون سواه، نحو تثبيت نهج التداول على الوظائف والمناصب». لكن تبريرات قائد أركان الجيش عن التداول على المناصب لم تكن مقنعة ولم تنه الجدل المتصاعد بشأن خلفيات هذه التغييرات، خصوصاً أن حديث قائد أركان الجيش عن ضرورة التداول في المناصب، يفترض أن تشمله شخصياً، اذ يشغل منصبه منذ 14 سنة، منذ عام 2004، مقارنة مع القيادات التي أقيلت والتي تشغل مناصبها منذ فترة أقل من ذلك بكثير.
الانتخابات الرئاسية
قرب موعد الانتخابات الرئاسية والغموض الراهن في أعلى هرم السلطة بشأن القدرة الفعلية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة على إدارة شؤون الحكم والترشح لولاية رئاسية خامسة، ودور الجيش في خريطة القرار السياسي بشأن ذلك، أعطت للتغييرات الأخيرة في الجيش بعداً سياسياً، إذ لا تفصل نقاشات المتابعين للشأن السياسي والعسكري في الجزائر بين التغييرات الأخيرة والتمهيد لمخرجات الاستحقاق الرئاسي المقبل المقرر في الربيع المقبل.
الكاتب والمحلل السياسي المهتم بالشأن العسكري، أحسن خلاص، أكد في حديث مع «العربي الجديد»، أن «التغييرات الأخيرة تمت لصالح محيط الرئيس بوتفليقة، ضماناً للمرحلة المقبلة، مهما كانت مخرجات القرار الرئاسي بشأن الترشح لولاية خامسة من عدمه». وأضاف أن «الملاحظ أن التغييرات عززت أكثر محيط بوتفليقة، عكس ما يقال. المناصب الحساسة داخل المؤسسة العسكرية بيد محيط الرئيس، وقايد صالح هو ممثل هذا المحيط لدى المؤسسة، وهذا المحيط لا يفكر في العهدة الخامسة بل في استمرارية هذا المحيط».
وأشار خلاص إلى أن «التغييرات الأخيرة تدخل في سياق التفكير في استمرار قبضة تكتل بوتفليقة بعد ذهابه بشكل أو بآخر. لهذا العهدة الخامسة ليست غاية إذا ما تم ضمان الاستمرارية، لأن الرئيس بوتفليقة يبقي مجرد عنوان». وتحدث عن وجود «شبكة مصالح وتكتل قوي داخل المؤسسات عنوانه بوتفليقة الذي تمكن في ظرف 19 سنة من تشكيل دولة داخل الدولة وليس من السهل الإطاحة به». ولفت إلى أن «قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، الذي بات الرجل القوي الوحيد في المشهد، إضافة إلى قائد الحرس الجمهوري الفريق علي بن علي، يمثلان الأداة التي يبطش بها محيط الرئيس، رغم أن قايد صالح يمكن أن يخضع هو الآخر لسنة التداول والتشبيب التي تحدث عنها بنفسه أخيراً».
ما أثار الشكوك السياسية والجدل الإعلامي حول التغييرات التي طرأت في الجيش، الطريقة التي تم الإعلان عنها، والتي جاءت مخالفة تماماً للتقاليد المعروفة والمعمول بها في أوضاع كهذه. ولم تصدر الرئاسة الجزائرية عن الرئيس بوتفليقة بصفته وزيراً للدفاع، أي بيان رسمي يتضمن مجمل الإقالات والتعيينات، كما لم تعلن وزارة الدفاع عن ذلك سوى بعد فترة عند قيام قائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح بمراسم تسليم السلطة إلى القيادات الجديدة.
ووصف الباحث مبروك كاحي، الذي أعد دراسة عن علاقة الجيش بالسلطة المدنية، هذه الطريقة بأنها «مفاجئة». وقال إنه «في الغالب تكون هناك تغييرات في الجيش عقب كل استحقاق رئاسي، لكن هذه المرة جاءت مفاجئة ومثيرة للاستغراب وعبر قناة خاصة مقربة من السلطة، وليس عبر بيان رسمي في التلفزيون الرسمي أو الإذاعة أو حتى وكالة الأنباء الجزائرية». وأشار إلى أن «التغييرات لا تخلو من رسالة سياسية، وتغيير قادة النواحي طوفان عسكري برسائل سياسية. وهو عبارة عن رسالة بأن المؤسسة العسكرية تحت السيطرة، ورسالة أخرى بأن المؤسسة العسكرية ستكون حاضرة في استحقاق إبريل 2019».
النقاش السياسي في الجزائر حول التغييرات الأخيرة في الجيش يتخطى الاستحقاق الرئاسي المقبل وبوتفليقة الذي يعاني من وضع صحي صعب ومحيطه الرئاسي إلى رغبة قائد أركان الجيش الذي يسعى للسيطرة على مجمل مقاليد المؤسسة العسكرية وإبعاد بعض القيادات التي قد تكون مواقفها مشوشة تجاه مشروع الولاية الرئاسية الخامسة أو غير مضمونة بشأن ذلك أو تجاه قائد الجيش نفسه وتنافسه على مجالات النفوذ.
لكن الباحث كاحي لا يعتبر أن «القيادات العسكرية التي تمّت إزاحتها من مناصبها قد تكون لها مواقف مناوئة لبوتفليقة أو لقائد أركانه»، مشيراً إلى أن «من تمّت إزاحتهم لا يمكن وصفهم بخصوم الرئيس أو قائد أركان الجيش الفريق قايد صالح، لأنهم أقل رتبة من هذا الأخير وكلهم برتبة لواء. ونحن نعرف جيداً التسلسل الهرمي للرتب بالنسبة للنخبة العسكرية عكس نظيرتها السياسية، والوحيد الذي يتساوى مع قائد أركان الجيش قايد صالح في الرتبة العسكرية كفريق، هو قائد الحرس الجمهوري علي بن علي».
في هذا السياق، لفت كاحي إلى أنه «لا تزال مؤسسة تابعة للجيش لا تقل عن قيادة النواحي لم يمسسها التغيير، وهي بعيدة عن الضوء ووزنها ثقيل، وهي الحرس الجمهوري، إذا علمنا من يترأسها وهو الفريق علي بن علي الذي لا يقل وزناً عن قايد صالح». وينظر قايد صالح إلى بن علي بكونه المنافس الأبرز على منصبه كقائد للأركان. وخلال الأسبوعين الماضيين سرت في الجزائر شائعات عن إمكانية إقالة قايد صالح من منصبه، وهي شائعات اعتبرها متابعون أنها محاولة من جهة ما في الرئاسة لاختبار ردة فعل قائد أركان الجيش أو التمهيد وتحضيره سيكولوجياً لقرار كهذا.
بعض القراءات بشأن التغييرات الأخيرة في الجيش الجزائري ذهبت في اتجاه قد يبدو بالنسبة للكثيرين مستبعداً، يتعلق بمحاولة قايد صالح السيطرة بالكامل على القرار داخل المؤسسة العسكرية، واستبعاد كل الكوادر التي يعتقد أنها قد تنافسه، خصوصاً أن التغييرات مست قيادات عسكرية بارزة في الجيش، كاللواء سعيد باي واللواء شريف عبد الرزاق، الذي أشرف على تحرير منشأة الغاز تيقنتورين، جنوبي الجزائر، من قبضة الإرهابيين في 16 يناير 2013. وإذا كانت بعض التحاليل قد ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، بشأن إمكانية وجود طموحات شخصية لقائد أركان الجيش في خلافة بوتفليقة في الرئاسة في حال قرر الأخير عدم الترشح لولاية خامسة في إبريل المقبل، فإن ذلك يبدو مستبعداً لاعتبارات محلية وإقليمية عدة، مع محاولة الجيش الجزائري استبعاد نفسه عن الفعل السياسي المعلن والمباشر والاكتفاء بالدور السابق نفسه كفاعل رئيس في المحددات السياسية للبلاد.