قبل سنة فقط، كان عدد كبير من الفرنسيين لا يراهن على هذا الشاب الذي لا يتجاوز عمره 39 سنة من أجل مواجهة ممثلة اليمين المتطرف مارين لوبين في الدور الثاني ومواجهة هذا الوابل من الشتائم والدسائس التي يقوم بها هذا التيار الفاشي بفرنسا. وقد أبان ايمانييل ماكرون على قدرة كبيرة من المسؤولية والتحكم في الذات أثناء المناظرة التلفزيونية والتي كانت أشبه بحلبة ملاكمة جراء العنف اللفظي التي استعمل فيها خاصة من طرف مارين لوبين، فهل وجدت فرنسا نابليون جديد من اجل إعادة بريقها؟
ورغم التجربة المحدودة لايمانييل ماكرون في مجال السياسة بفعل صغر سنة، فقد بين على قدر كبير من أجل قيادة هذه الحملة وقيادة حركته نحو الفوز. وهو فوز تم ضد أكبر الأحزاب الفرنسية التي فشل مرشحوها في البقاء في هذا السباق الرئاسي.
اليوم، يعتبر ايمانييل ماكرون هو أمل الفرنسيين من أجل التوجه نحو المستقبل ومن أجل الحفاظ على دورهم في العالم كقوة متوسطة ولها تأثير في السياسة الدولية والحفاظ على وجهها المشرق، أمام المرشحة لوبين التي تريد تغيير السياسة الخارجية لفرنسا في حالة نجاحها، بداية من خلال فك التحالف الفرنسي الألماني الذي يتأسس عليه البناء الأوربي ،ومن خلال العمل على الخروج من المؤسسات الاوربية وعملة اليورو، والخروج من الحلف الأطلسي وبناء شراكة استراتيجية مع روسيا التي لا تقتسم نفس القيم والنظرة إلى العالم مع فرنسا.
مرشح حركة إلى الأمام يريد تقوية اوربا وتقوية علاقة فرنسا بها من خلال إعطاء دفعة جديدة لهذه العلاقات والحفاظ على دور فرنسا بالمنطقة المتوسطية ،الافريقية والشرق الأوسط.
في هذه الانتخابات الرئاسية التي تختلف عن كل سابقاتها منذ تأسيس الجمهورية الخامسة سنة 1958. تمكن هذا المرشح الشاب لهذا الاستحقاق الانتخابي بخلط كل الأوراق السياسية، والتي أسقطت كل الأحزاب الكلاسيكية سواء في اليمين أو اليسار أو الوسط.
اليوم هو الوحيد الذي يجابه ويواجه مرشحة اليمين المتطرف وينافسها في الدور الثاني،هذه الانتخابات التي قسمت فرنسا إلى فريقين، فريق تمثله مارين لوبين التي تروج لخطاب محافظ، وبإغلاق فرنسا عن باقي العالم وعن اوربا أيضا، والخروج من مؤسسات الاتحاد الأوربي، والهجوم على الأجانب والإسلام ، ويمثل ايمانييل ماكرون الوجه الليبرالي على مستوى القيم، ويمثل انفتاح فرنسا وكونية قيمها وبناء أوربا قوية. وإذا كانت لوبين هي الوجه المحافظ والخائف لفرنسا، فإن مرشح حركة إلى الأمام يمثل الوجه الليبرالي والمنفتح على العالم،
هذان التوجهان هما متنافران: بين فرنسا الخائفة والمنغلقة وفرنسا القوية والمنفتحة. وما يميز ايمانييل ماكرون الذي يضم حوله شخصيات فرنسية من اليمين واليسار والوسط، هو هذا الإجماع حول شخصه، وإعلان العديد من السياسيين الفرنسيين أي بارونات السياسة و”الفيلة السياسية” انضمامهم إلى حركته، وهو ما دفعه إلى القول أن حركته ليست “دارا للضيافة”، وذلك ليبعد حركته عن هؤلاء السياسيين الذين يركبون كل سفينة تكون الريح في صالحها، وهو ما جعل هذه الحركة وزعيمها يقفلان الباب في وجه سياسيين من حجم مانييل فالس الوزير الأول لفرنسوا هولند.
ومن أبرز السياسيين الذين التحقوا بايمانييل ماكرون أيضا فرنسوا بايرو عن حزب الوسط ” الموديم”،الذي لم يترشح لهذه الانتخابات، ووزير الدفاع الحالي جون ليك لودريون، وعمدة باريس السابق بيرترون دولانوي، وحتى أحد المقربين من ساركوزي ورئيس جهة الباكا وعمدة نيس كريستيون استروزي .
ايمانييل ماكرون أصبح أمل كل فرنسا بيمينها ،يسارها ووسطها وتحول إلى المنقذ لباريس من مخالب التطرف الفاشي الجديد الذي سيذهب بفرنسا نحو الخروج من أوربا أو نهاية هذا التجمع الإقليمي الكبير الذي تحاربه كل التوجهات السياسية الراديكالية من أجل الانغلاق على الدولة الشوفينية اقتصاديا وسياسيا، وهو انتحار اقتصادي وتراجع عن وجهة أخذتها فرنسا منذ عدة قرون.
قبل 3 سنوات لم يكن أحد بفرنسا يعرف ماكرون. كان مجرد مستشار بقصر الاليزيه. وقبل سنة أسس حركته إلى الأمام. واليوم تعتبر حركته وراء كل السناريوهات التي لم يتنبأ بها أحد، والتي أدت إلى إقصاء كل ألأسماء الكبرى مثل الرئيسين نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولند أو من خلال إقصاء رؤساء وزراء سابقين سواء آلان جيبي او ايمانيل فالس وفيون بالإضافة إلى أسماء أخرى كانت معروفة على الساحة السياسية، وبرزت أسماء غير معروفة، ولم يسبق لها التقدم إلى أي انتخابات حتى المحلية.
عندما أسس ايمانييل ماكورن حركة ” إلى الأمام”، اعتقد الجميع في البداية أنه يعمل لصالح الرئيس الحالي فرنسوا هولند، وأن الحركة التي أسسها هي فقط لتهييئ الظروف لترشح جديد للرئيس الحالي في ظل المنافسة التي كان يعرفها ساكن الاليزيه داخل حزبه بزنقة سولفيرينو، لكن هذا السيناريو هو الآخر لم يتحقق وايمانييل ماركون تمكن فيما بعد من اكتساح وضعية سياسية خاصة تؤهله للفوز بالانتخابات المقبلة وتمكن من تجميع شخصيات من اليمين واليسار حول شخصه تسهل عليه الوصول إلى قصر الاليزيه. وقد استفاد مرشح حركة “إلى الأمام “من الاندحار الكبير لمرشح الحزب الاشتراكي والذي يجد نفسه في وضعية صعبة محتلا الرتبة الخامسة في الدور الأول بنسبة 6 في المئة وهي وضعية لم يعشها أي مرشح لهذا الحزب منذ تأسيس الجمهورية الخامسة، وهي تعكس وضعية الانفجار التي يعرفها الحزب الاشتراكي بين جناحين: الجناح الإصلاحي الذي التحق أغلب أنصاره بامانييل ماكرون بمن فيهم رئيس الحكومة السابق ايمانييل فالس وجزء من أنصار الرئيس الحالي فرنسوا هولند. ويتهم الجناح الراديكالي للحزب الليبراليين الاشتراكيين بالخيانة بعد إجراء الانتخابات التمهيدية وفوزه بها ، و لم يتمكن من إقناع الجناح الديمقراطي والاجتماعي للحزب من الالتحاق بحملته الانتخابية التي عانت خلال الحملة من هذا الشرخ الكبير داخل المؤسسة، وهو شرخ ليس جديدا بل عاشه كل زعماء الحزب من فرنسوا ميتران إلى ليونيل جوسبان وفرنسوا هولند، وتمكنوا من تجاوزه، وعملوا دائما على التوفيق بين هذين التيارين المتصارعين واللذين كانت البرغماتية الانتخابية تدفعهم إلى إيجاد توافق بعد موعد كل انتخابات، لكن هذا التوافق لم يحصل لينفجر هذا الشرخ اليوم في نهاية ولاية فرنسوا هولند، وعجز بنوا هامون عن إيجاد توافق مما يعجل بانفجار الحزب الاشتراكي والتحاق جزء كبير من أعضائه بحركة ايمانييل ماكرون مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية، خاصة إذا تمكن ايمانييل ماكرون من الفوز بها.
نجح ايمانييل ماكرون حتى الآن بلباقة ولطف في عالم السياسة الذي تستعمل فيه كل وسائل الخبث من المرور بسلام إلى الدور الثاني في مواجهة مارين لوبين، والتي أصبح الفوز عليها في المتناول رغم الصعوبات.الاستطلاعات حتى الآن تعطيه فائزا بنسبة 62 في المئة ، رغم أن نسبة المقاطعين ربما ستكون كبيرة، ولن يحقق نفس النسبة التي حققها جاك شيراك في مواجهة زعيم اليمين المتطرف جون ماري لوبين سنة 2002 حيث انتصر بنسبة لا تعرفها إلا البلدان الشمولية عند انتخاب زعمائها وهي 82 في المئة ، في حين لم يحقق زعيم العنصريين بفرنسا إلا 18 في المئة ، وذلك بفعل التعبئة القوية التي شهدتها فرنسا ضد اليمين المتطرف وهي التعبئة التي تغيب اليوم.
مرشح “إلى الأمام” ايمانييل ماكرون في حالة فوزه وهو ما تؤكده أغلب الاستطلاعات حتى الآن، عليه إجراء دور ثالث للحصول على الأغلبية داخل الجمعية الوطنية، وهو تحد يرتبط بكل الإصلاحات التي وعد بها، ففي حالة فشله سوف يتعايش مع برلمان من اليمين أو اليسار أوهما معا ،ما سوف يجعل مهمته مستحيلة إلا في حالة ما منح الفرنسيون حركته أغلبية داخل البرلمان.
ماكرون حصل على أصوات ناخبين في الدورة الأولى لعدم توافر خيارات أفضل
صوت أكثر من 40% من الناخبين لايمانويل ماكرون في الدورة الأولى من الاقتراع الرئاسي لعدم توافر خيارات أفضل لكن للمرشح الوسطي قاعدة مقتنعة به تأمل في ان ينجح في “تهدئة الأجواء في فرنسا” بعد خوضه الدورة الثانية أمام منافسته مارين لوبن.
تقول ايزابيل بابان (55 عاما) من ليون (وسط شرق) التي توزع منشورات لإقناع المترددين والناخبين الراغبين في عدم الاقتراع في الدورة الثانية في السابع من
مايو “إعادة إعمار سليمة هذا ما أتوقعه، هذا هو الأمل الذي أضعه في ماكرون”.
وتضيف “لقد سئمنا من السياسيين الذين يدعمون بعضهم البعض، ولا يتفهمون المجتمع، لأنهم غير موجودين فيه”.
وبالنسبة إلى هذه الفرنسية، يجسد مرشح حركة “إلى الأمام!” الذي احتل المرتبة الأولى في 23
ابريل بحصوله على 24,01% من الأصوات متقدما على مرشحة اليمين المتطرف، التجدد في سن ال39.
وتقول إنه “شخص مستقيم نال تربية جيدة كان الأول في صفه وكلها أمور لا تفضي بالضرورة إلى إجماع”. لكن في نظرها ليس هذا المهم.
على غرار ايزابيل، نزل العشرات من أنصار المرشح الوسطي في نهاية الاسبوع إلى الشارع للقاء سكان مدينة ليون التي حصل فيها المستشار السابق والوزير في حكومة الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند نتيجة أعلى بست نقاط (30,31%) من المعدل الوطني.
ونادرون هم الذين يتصورون فوز مارين لوبن لكنهم يقرون بأن مرشحهم لم ينجح في الحصول على إجماع حقيقي او حتى إعطاء دفع للناخبين. وبحسب استطلاع أخير للرأي فإن ماكرون المصرفي السابق حصل على 41% من الأصوات لعدم توافر خيارات أفضل.
وتقول امانويل فينيو (43 عاما) الموظفة في شركة متعددة الجنسيات “إنه رأس مالي إلى اقصى حدود بالنسبة إلى ناخبي اليسار وهو جزء من ولاية هولاند الرئاسية في نظر ناخبي اليمين”.
وهي لا تشعر بالقلق لنتائج الدورة الثانية حتى وان كانت تعتبر أن مرشحها “أخطأ” في بداية حملته للدورة الثانية “بموقفه الذي وصف بأنه متعجرف جدا في وقت سيواجه فيه مارين لوبن ما يستلزم بعض القلق والرصانة”.
وتضيف “لكنه سيكون رئيسا ممتازا” مؤكدة أنها جذبت “لذكائه وثباته وقدرته على التعلم بسرعة فائقة”.
ويقول جان فيسكونت (64 عاما) “إذا لم نثق بالأجيال الصاعدة فإننا مسنون أغبياء”. فهو يرغب في أن يثق بإرادة ماكرون في “رص الصفوف رغم الانقسامات السياسية” وب”شبابه”.
ويثير وزير الاقتصاد السابق (2014-2016) الذي يجسد بالنسبة لمؤيديه نهجا سياسيا جديدا، الاهتمام ايضا لتأكيده بأنه وسطي “لا يمين ولا يسار”.
ويقول الطبيب المتقاعد آلان جاكار (75 عاما) “اختار ماكرون البديل الوحيد الممكن من خلال انتقائه الافضل لدى اليمين واليسار” في حين أن الأحزاب التقليدية “تمضي وقتها في هدم ما بناه المعسكر الآخر”.
ويضيف “ماكرون يطبق سياسة تهدف إلى إعادة توزيع الثروات شرط وجود ضمانات لإنتاجها” معربا عن ارتياحه لعزمه دعم المؤسسات.
فهل يمكن لهذا الخطاب أن يقنع الفرنسيين المحرومين الذين اختاروا مرشحين آخرين في الدورة الأولى؟.
ويقول بيار (26 عاما) الموظف والناشط الاشتراكي أن ذلك ممكن. ويضيف “والدتي عاملة ووالدي مزارع يميل إلى اليمين وصوتا لماكرون لأن خطابه ركز على تعزيز القدرة الشرائية”.
ويرى في ماكرون “الشخصية القادرة على تهدئة المجتمع” ويصفه بأنه يمثل “يسارا واقعيا”.
من جهتها تقول كريستين مونتابير (41 عاما) الفرنسية-الالمانية التي تعلق أهمية كبرى على تمسكه بالاتحاد الاوروبي “إنه الوحيد الذي جعل الحضور يصفق للعلم الاوروبي في تجمعاته”.